أ. د. عادل الأسطة - عبدالرحمن منيف -ملف- (1..4)

في ذكرى عبد الرحمن منيف

الثلاثاء الماضي حلت الذكرى الخامسة لرحيل الروائي العربي عبد الرحمن منيف، ولا أدري إن كانت جامعة عربية ما، أو مؤسسة عربية ما، أو مركز ثقافي عربي ما، أعد العدة أو احتفل بإحياء الذكرى. ولا أعرف أيضاً ماذا سنقرأ من مقالات تنجز عنه في هذه المناسبة.
وأنا أتجول في المكتبات أشاهد رواياته، فما زالت ذات حضور، وقد يستبد بي الفضول فأسأل صاحب المكتبة إن كان هناك إقبال عليها. لكن من يعرف أحوال الثقافة في العالم العربي يعرف الإجابة مسبقاً: ليس كما يجب. طبعاً منيف كان ذا خطوة، فقد طبعت رواياته مراراً، وكتب عنه دراسات وأبحاث ورسائل جامعية، أنا الآن أشرف على واحدة منها، ولقد خصصته بغير دراسة ومقال، لو لم يكن أسرني لما كتبت عنه، فأنا أكتب عن النصوص التي تروق لي، ولا مجاملة في ذلك.
وأنا أتجول في المكتبات، هنا وفي عمّان التي زرتها صيف 2007، اقتنيت أعمالاً جديدة لمنيف لم تكن صدرت في حياته. اقتنيت "أم النذور" (2005)، واقتنيت "أسماء مستعارة" (2006)، و"الباب المفتوح" (2006). الأولى "أم النذور" رواية، والثانية والثالثة مجموعتان قصصيتان. ولم ترق لي هذه الأعمال، كما راقت لي "شرق المتوسط"و"الأشجار واغتيال مرزوق" وروايات أخرى أصدرها المؤلف في حياته. وربما، بعد أن أنهيت قراءة هذه الأعمال وشكلت انطباعي عنها، ربما تساءلت: ألهذا لم ينشرها الكاتب نفسه؟ هل لم ترق له هو أيضاً؟.
الأعمال المذكورة، أعني التي صدرت بعد موته، هي باكورة نتاج الروائي. كتبها ولم ينشرها. لقد كانت تامة، وأنجزها قبل أن ينجز أياً من رواياته التي ذاع صيتها، ولكنه احتفظ فيها لنفسه، حتى نشرها ورثته. هل كانت هذه هي وصيته؟ لا أدري بالضبط، هل أراد أن يقول لنا، إن كانت هذه وصيته، شيئاً؟.
حين نقرأ أعمالنا الأولى، أكثرنا طبعاً، لا تروق لنا، وقد نسخر منها، ونتمنى لو لم ننشرها، وقسم من الكتّاب لا يدرجها ضمن أعماله الكاملة، حين يطبع أعماله الكاملة. يتنصل منها، لأنها لا ترضيه جمالياً وربما فكرياً وسياسياً. قد يخجل منها، لأنه يرى فيها طفولته الأدبية والسياسية التي لم يعد معجباً بها. عبد الرحمن منيف الذي بدأ حياته سياسياً، وفي فترة لاحقة تخلى عن النشاط السياسي لينشغل بالهمّ الثقافي، عله يصلح من خلاله ما أفسدته السياسة في العالم العربي، عبد الرحمن منيف لم ينشر أعماله الأولى في حياته، لأنها لم ترق له جمالياً. هل كان لا يريد أن يعطي قراءه انطباعاً سلبياً عن مستواه كاتباً، حتى لا يظل هذا الانطباع عالقاً في أذهان بعضهم، وحتى لا يؤثر سلباً على أعماله اللاحقة؟ ربما.
كثيرون منا يشكلون انطباعاً أولياً عن كاتب ما أو باحث ما أو دارس ما أو ناقد ما، ويظل هذا الانطباع يقبع في أعماقهم، وقد لا يبدلونه ويغيرونه، حتى لو اختلف الكاتب والباحث والدارس والناقد، وطوّر نفسه، وولد ولادات مختلفة. سأتذكر مقولة محمود درويش: ولدت على دفعات. لماذا لا يغير هؤلاء انطباعهم، ربما لأنهم لا يقرأون جديد الكاتب أو الباحث أو الدارس أو الناقد نعم ربما.
يقول النقاد إن الرواية الأولى للكاتب غالباً ما تكون أشبه برواية السيرة - أي إنها تتمحور حول حياة صاحبها. ويقول النقاد - أو بعضهم على الأصح: إن الروائي يكتب رواية واحدة في حياته هي سيرته. قد يكون هذا صحيحاً وقد لا يكون. وقد ينطبق على بعض الكتاب وقد لا ينطبق على كتّاب آخرين.
كانت الرواية الأولى التي أنجزها منيف "أم النذور" أشبه برواية السيرة، بل هي كذلك وإن اكتفت بالكتابة عن مرحلة الطفولة. وأنا أكتب هذا إنما اعتمد على السيرة التي كتبها منيف لمدينة عمان: سيرة مدينة (1994): "عمان في الأربعينيات"، وكان عاش في عمان وتعلم فيها وظلت عالقة في ذاكرته. ومن يقرأ "سيرة مدينة" و"أم النذور" فإنه سيذهب إلى ما ذهبت إليه.
سيكتب منيف في "أم النذور" عن الطفولة ومعلم الكتاتيب ونشأته المدرسية، وسيبرز صورة لمعلم ذلك الزمان، لمعلم الكتاتيب ومعلم المدرسة، وسيكتب عن الأثر السلبي للتعليم بالعصا. هل كان عبد الرحمن منيف هو ذلك الطفل الذي كره تعليم الكتاتيب والشيخ المعلم؟ ربما.
وحين أقرأ المجموعتين القصصيتين "أسماء مستعارة" و"الباب المفتوح" وأقارن بداياتي القصصية ببدايات منيف لا أخجل من طفولتي القصصية. الفرق أنني نشرت قصصي ولم ينشر هو قصصه في حياته. كان انبهارنا بمنيف من خلال روايته "شرق المتوسط" أسلوباً وموضوعاً. ترى لو كان منيف نشر "أم النذور" ومجموعتيه القصصيتين المذكورتين في بداية السبعينيات، هل كان سيلتفت إليه، كما التفت إليه حين نشر "شرق المتوسط" و"النهايات"؟ مجرد سؤال.

2008-02-11
عادل الأسطة

***

2- السجن في رواية عبد الرحمن منيف «شرق المتوسط»

قرأت رواية عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط" في العام 1980، حين كنت طالب دراسات عليا في الجامعة الأردنية.
توفرت لي نسخة من طبعة أظنها صدرت في بغداد، ولما كنت أدرك أنها، لو أردت إحضارها إلى نابلس، ستصادر من الرقيب الإسرائيلي، فقد أهديتها إلى صديقة صديقتي المقيمة في إحدى مدن الجنوب في الأردن.
النسخة التي لدي من الرواية هي الطبعة السابعة (1989)، وقد صدرت عن المؤسسة العربية في بيروت، وقد اقتنيتها في 1992 وأنجزت عنها دراسة ومقالين، وفي ذلك العام قرأت الجزء الثاني من الرواية "الآن هنا.. أو شرق المتوسط مرة أخرى" (1991).
من 1980 حتى اليوم قرأت أعمالاً عديدة عن تجربة السجن، وشاهدت حلقات كثيرة تحدث فيها السجناء عن تجاربهم، ومرة وأنا أصغي إلى سجين مغربي في حلقة من "شاهد على العصر" بكيت حقاً، ولقد تذكرت رجب إسماعيل الشخصية الأساسية في رواية منيف "شرق المتوسط".
في أثناء قراءاتي لفتت نظري أعمال عديدة منها سيرة عائشة عودة في جزأيها، ومنها رواية مصطفى خليفة "القوقعة"، ومع إعجابي بهذه الأعمال إلاّ أن رواية منيف تظل تشدني حقاً.
كان السؤال الذي يراودني وأنا أقرأ الرواية هو: هل مرّ الكاتب نفسه بتجربة السجن، أم أن أوراق رجب بطل الرواية وصلت إلى المؤلف فقرأها واعتمد عليها في بناء روايته؟
وسأعرف أن الكاتب سجن فترة محددة، ولكنه كان يزور أصدقاء سجناء له، وأنه أصغى إلى مئات السجناء الذين ترددوا على بيته، ومن خلال قصة هؤلاء، ومن خلال تجربته كتب روايتيه، وعرفت أكثر من هذا: أن أم رجب في رواية "شرق المتوسط" لم تكن بعيدة عن أمه هو، وكانت هي من تغرس فيه ـ في المؤلف ـ قيم الرجولة. ببساطة: لقد استوحى شخصية أم رجب من أمه هو. وهنا يتذكر المرء مقولة نقدية مهمة: "ليس المهم الحكاية، بل كيف تروى الحكاية"، وبالتالي فإن "شرق المتوسط" حتى لو كانت تروي حكايات آخرين تظل رواية كاتبها، لأنه هو من أنجزها، في النهاية، بأسلوب فني من ابتكاره، وبلغة تعود إليه هو شخصياً.
حين يبحث المرء عن صورة السجن في الرواية فإنه يقف أمام صورة السجين، وهي متعددة، وأمام صورة السجان، وتكاد تكون واحدة، وهي صورة نمطية، وأمام العالم الخارجي وتأثير السجن عليه.
ثمة سجناء عديدون، فصورتهم ليست صورة نمطية، كما هي صورة السجّان الذي يبدو ساديّاً.
هناك سجين يعترف من أول لحظة، وآخر يصمد إلى حين، ثم ينهار من شدة التعذيب، ثالث يصمدُ حتى النهاية ويدفع حياته ثمناً دون أن يضعف أمام السجّان.
لم يكتفِ منيف بروايته في تصوير عالم السجن من الداخل: السجّان، السجين، الأقبية، حفلات التعذيب، الدم و.. و.. وإنما أتى على تأثير هذا العالم على العالم الخارجي، فصور معاناة أهل السجين: الأم والأخت وزوج الأخت وابنها. ببساطة إنّ السجن في الرواية لا يدمّر عالم السجين الشخصي، بل ينسحب إلى عالمه المحيط به: أسرته، ويدمّر العلاقات الأسريّة، أيضاً.
هذا الكلام الذي أكتبه كلام خاض فيه دارسو الرواية، وربما لم يأتِ بجديد، وقد يطالعه المرء بالتفصيل في كتاب د. سمر روحي الفيصل "السجن السياسي في الرواية العربية" (1981ط1، 1994ط2) وفي دراسات أخرى.
ولكن ما يلفت النظر هو عودة الروائي منيف إلى الخوض في الموضوع ثانية، ليس فقط من خلال إصدار جزء ثانٍ للرواية (1991) وإنما من خلال كتابته في العام 1998 مقدمة للطبعة الثانية عشرة.
وهذا يعني أن الرواية تبدو متميزة بين الروايات، فقد صدر منها أربع عشرة طبعة، عدا الطبعات المزوّرة. وهذا يعني أيضاً أن عالم السجن في العالم العربي، حتى 1998 ـ تاريخ كتابة التقديم ـ ما زال قائماً ومرعباً أيضاً.
يرى منيف في مقدمته أنه لم يقل "كل ما يجب أن يقال حول عالم السجن السياسي وما يتعرض له السجين من قسوة ومهانة في الزنازين الممتدة على كامل حوض المتوسط الجنوبي والشرقي، والتي تتزايد وتتسع سنة بعد أخرى، ما جعل الرواية توحي ولا تحكي، تشير ولا تتكلم".
ولهذا فقد عاد وكتب عن السجن مرة ثانية، ومع ما كتبه ثانية فإنه يرى أن الموضوع لا يزال "بحاجة إلى مساهمات الكثيرين". لماذا؟ "لأن عار السجن السياسي أكبر عار عربي معاصر، وقد يفوق الهزائم العسكرية، من بعض الجوانب، لأنه لا يمكن أن يواجه الهزيمة العسكرية، وحتى الهزيمة السياسية إلاّ مواطن حر".
هل كان منيف مُحِقّـاً في قوله؟
يأتي منيف في المقدمة على العنف والدكتاتورية وعدم تبادل السلطة، ويرى أن السجن سيؤدي إلى العنف، وهذا سينعكس بدوره على البلاد كلها.
توفي الكاتب بعد سقوط بغداد (2003) ولم يشهد الربيع العربي، ويخيل إليّ أنه كان صاحب رؤية بصيرة في استكشاف الآتي. لقد قاد القمع إلى ما يحدث الآن و.. و.. و.. .

أ. د. عادل الأسطة
2017-04-09

***

3- الشرق والغرب في رواية عبدالرحمن منيف "شرق المتوسط"

لم يهيأ لي الاطلاع على الدراسات كلها التي تناولت نصوص عبد الرحمن منيف الروائية، تماما كما لم تسنح لي الظروف بقراءة الدراسات التي أتى مؤلفوها فيها على ثنائية الشرق والغرب في الرواية العربية ، أو على جانب واحد منها - أعني جانب الشرق أو جانب الغرب.

ولقد لفت هذا الموضوع نظر دارسين كثر، فكتب فيه دارسون أوربيون مثل (روتراود فيلاندت) الأستاذة في جامعة (بامبرغ) في المانيا، والأستاذ خليل الشيخ المدرس في جامعة اليرموك، والناقد اللبناني جورج طرابيشي. ولم يأت أثنان من هؤلاء على معالجة رواية "شرق المتوسط" ، ولم أطلع على دراسة الشيخ لأعرف ان كان أتى عليها. وقد يكون السبب في اهمالها عائدا الى أن رجبا وأنيسة، وهما الشخصيتان اللتان تقصان، لم يأتيا على وصف الغرب الا لماما ، واذا ما أجرينا عملية حسابية فسنلاحظ أن ذكر الغرب لم يتجاوز خمس صفحات من صفحات الرواية البالغة مائة وستا وسبعين صفحة.

ولم يلتفت الدارسون الذين تناولوا رواية "شرق المتوسط" ، وهم كثر ومنهم محمود أمين العالم وجورج طراببيشي وكاتب هذه المقالة وعلي الراعي، الى الكتابة عن هذه الثنائية كتابة فيها قدر من التفصيل، ولا أعرف ان كانت ثمة دراسات ركزت عليها. وسوف أقف، في هذه المقالة، أمامها، وذلك لاعتقادي انها - أي ثنائية الشرق والغرب- عولجت من منظور مغاير كليا لكثير من الروايات التي عالج مؤلفوها فيها صورة الغرب وصورة الشرق، مثل رواية "عصفور من الشرق" (1937) وقصة "قنديل ام هاشم" (1944) ورواية "الحي اللاتيني " (1953) ورواية "موسم الهجرة الى الشمال" (1966).

لقد اختار الحكيم انسانا مثقفا هو الحكيم نفسه، ودارت احداث الرواية في باريس، في الثلاثينات من هذا القرن، ولم يأت، الا لماما، على ذكر الاوروبي بوصفه مستعمرا. وكتب يحيى حقي قصته عن طالب يخفق في الحصول على مقعد جامعي في بلاده، فيسافر، بناء على ذلك، الى اوروبا ليتخصص في طب العيون، وتتشابه هذه القصة مع رواية منيف في انها تقص عن الشرق وتخلفه اجتماعيا اكثر بكثير مما تقص عن الغرب الذي لا نعرف عنه الا من خلال استرجاع اسماعيل ، وهو عائد الى بلاده على ظهر السفينة، لحياته في لندن. ويقص سهيل ادريس ايضا عن مثقف لبناني يسافر الى باريس للحصول على شهادة الدكتوارة في الادب العربي يشجعه على ذلك رغبة ملحة للالتقاء بالمرأة التقاء بعيدا عن الرقابة الاجتماعية، ويتشابه الى حد ما مع بطل الطيب صالح الذي يحصل من لندن على شهادة الدكتوراة، وان اختلفا اختلافا بينا، حيث يتذكر مصطفى سعيد ما فعله المستعمرون في بلاده السودان بخاصة والشرق بعامة.

لقد أقام ابطال هذه الروايات في الغرب مدة طويلة تراوحت بين عام وسبعة، خبروا فيها حياة الغرب فتعرفوا على النساء وعاشروهن، وزاروا المحاضرات والتقوا بالاساتذة وساروا في الشوارع وشاهدوا المسرحيات. ولم تكن حياتهم في الشرق، اذا ما قيست بتجربة رجب اسماعيل في "شرق المتوسط" ، صعبة مريرة لدرجة لا تتصور. ولقد عاد هؤلاء الى بلادهم وانسجموا مع مجتمعهم، حتى لتبدو ثورة بعضهم على الشرق ثورة الشاب المحروم جنسيا حتى اذا ما روى ظمأه وغليله بدا له الشرق مجتمعا عاديا غير متخلف.

يختار منيف في روايته شخصية مغايرة لشخصيات الروايات المذكورة. فرجب لا يذهب الى الغرب من أجل اتمام تعليمه او ارواء ظمأه الجنسي، وإنما من أجل ان يتعالج هناك بعد أن أصيب، وهو في السجن، بالروماتيزم. وينفق هناك ثلاثة شهور يتعالج فيها، دون أن ينسى النظام رجبا، فيرسل في طلبه، ويعود ليواجه مصيره، ولتتواصل رحلة العذاب حتى يلقى حتفه.

يحضر الشرق في الرواية حضور تجربة رجب في السجن، تماما كما يحضر الغرب حضور رجب في الغرب. وكما ذكرت ابتداء فان قص رجب وأنيسه عن الشرق يحتل المساحة الأكبر. ثمة تواز بين مساحة الكلام والفترة الزمنية التي ينفقها رجب في كلا العالمين. وعلى الرغم من أن "شرق المتوسط" ليست اولى نصوص منيف التي تأتي على هذه الثنائية - اذ بدت في رواية "الأشجار واغتيال مرزوق" (1973) ووقف عندها جورج طرابيشي في كتابه "شرق وغرب، رجولة وانوثة" (1977) وقفة سريعة عابرة عبور حضور الغرب فيها ايضا - إلا أنها كتبت عنها بطريقة مغايرة الى حد ما. لقد كتب منيف "الأشجار…" عام 1971 وكتب "شرق المتوسط" عام 1972، وهكذا لا يبدو ثمة فارق زمني كتابي كبير، وانعكس هذا بدوره على النغمة العامة للروايتين، بخاصة فيما يتعلق بنظرة بطلي الروايتين للشرق والغرب. لقد كتبت في 28/4/1987 مقالة نشرتها في جريدة "الشعب" المقدسية، وذهبت فيها الى ان زكي النداوي في "حين تركنا الجسر" ومنصور عبد السلام في "الأشجار واغتيال مرزوق" قد خرجا من معطف رجب اسماعيل، وان كانت "شرق المتوسط" نشرت متأخرة عن "الاشجار..". ويخيل الى ان منيف كان يفكر في الروايتين في آن واحد، حتى اذا ما فرغ من تدوين الاولى بدأ، مباشرة ، بكتابة الثانية.

يتجسد الكلام الذي يرد على لسان منصور فعليا في رواية "شرق المتوسط" وتبدو عبارته، وهو يخاطب الاوروبيين الذين يعمل معهم، : "الشرق موطن الاحتمال. لقد تحول الشرق الى حمار" (340) ورد راؤول عليه: "اذهب انت وشرقك الى الجحيم ، أليس عندك سوى هذه القصص المملة، ترددها دون تعب " السجن، التعذيب، البطالة، الاضطهاد، لقد سمعنا هذه القصص في كل الليالي، منذ أربعة شهور وحتى الان، والليلة نريد أن نتذكر نحن " باريس ، باريس الملونة التي تضج بالضحكات والقبل، باريس النساء. كل امرأة تعادل شرقك كله ! "تبدو عبارة منصور ملخصا لرواية "شرق المتوسط" التي استطردت في وصف الشرق المتحول الى حمار، وفيها يقرأ المرء بالتفصيل عن السجن والتعذيب والاضطهاد، وفيها ايضا يقرأ بإيجاز عن باريس.

حقا ان منصور عبد السلام يعاني وهو في الشرق مثله مثل رجب اسماعيل، وانهما يتشابهان ايضا في موقفهما من الشرق ومن الغرب، الا ان رحلتهما كانت معكوسة. عاد الاول الى الشرق بعد ان انهى دراسته في الغرب، وهو هنا يتشابه وابطال الروايات المذكورة آنفا، عاد ليكتشف بؤس الشرق ودكتاتورية حكامه، أما رجب فقد ذهب الى الغرب بعد ان رأى وخبر وانفق خمس سنوات من عمره في السجون لاقى، خلالها، من التعذيب أقساه وأوحشه. ولقد بدا الشرق لكليهما ذا بعد واحد: الشرق القمعي، وخلافا له بدا لهما الغرب: عالم الحرية.

ختلف "شرق المتوسط" اذن عن الروايات السابقة في منظور بطلها الذي كان ذا موقع فكري وسياسي مغاير، وبناء عليه عاش تجربة مغايرة لم يمر بها اي بطل غيره. ويختلف عنهم ايضا في انه كان ضحية لانظمة الاستقلال الشكلي، فليس في الرواية ما يشير الى استعمار اوروبي لاقطار شرق المتوسط. وهكذا، مدفوعا بتجربة السجن وبتجربة قصيرة جدا أنفقها في الغرب، تجربة لم يخبر فيها الغرب خبرة كافية، يقارن بين هذين العالمين.

ولا يحتاج المرء، حتى يظهر صورة الشرق، الى الكتابة عنها بالتفصيل، اذ ليس افضل من قراءة الرواية لرؤية تلك الصورة الموحشة المرعبة لدرجة الغثيان، الشرق الذي " لا يلد الا المسوخ والجراء"، الشرق الذي يبدو فيه الانسان "أرخص الاشياء، أعقاب السجائر أغلى منه". ويبدو الشرق عموما مجسدا في السجان والسجين، الجلاد والضحية، السادي والالعوبة. وخلافا له يبدو الغرب.

يخبر رجب الغرب، ابتداء ، وهو على ظهر السفينة التي تقله الى الغرب، حيث يقابل نماذج اوربية تقص عليه احيانا عن رحلتها، ومن ضمن النماذج امرأة "لها وجه الاطفال وجرأتهم، وفيها عنادهم" (82)، وتحاوره هذه بأدب جم، فيعرف انها مسافرة الى بريطانيا، وانها طالبة، ولا يقطع حوارهما سوى رجل ينضم اليهما ليبدي رأيه في الطليان الذين" اذا رأوا واحدا لا يعرف لغتهم سرقوه، ضحكوا عليه… انهم خبثاء" (83).

ويبصر رجب ، على ظهر السفينة ايضا، امرأة سويدية تحمل، من شاطيء المتوسط الشرقي، ثلاثة كناريات صفراء في قفص كبير، وتبتسم المرأة له حين تراه ينظر، بدهشة، الى طيورها ، فيما بدأ هو يقارن بين سلوك الانسان في "شرق المتوسط" وسلوكه في غربه: "أشيلوس، هل تقولين لهذه السويدية التي تنام الان في فراش دافيء وتحلم بطيورها، إني أكره كل الطيور، وان نظرات الأمس كانت تشفيا ملعونا ؟ هل تقولين لها يا أشيلوس ؟ "

"كنت اتمزق من الالم، كنت اريد ان أبكي، رأيتها ما تزال تقفز، هل كانت تقفز من الخوف، من الفرح ؟ كانت تقفز، تغرد …نورى (وهو السجان) يحب طيوره، يطعمها بيديه .." (ص 97).

ثمة عالمان متغايران، عالمان مختلفان اختلافا كليا. وكلما رأى رجب شيئا من عالم الغرب تذكر نقيضه في الشرق، حتى ليبدو الشرق شرا مطلقا والغرب خيرا مطلقا. "شاطيء المتوسط لا يلد الا المسوخ والجراء … سيظل ذاك الشاطيء يقذف كل يوم عشرات الجراء، مئات الجراء، وحتى لو وصلت أعدادهم الى الآلاف ، فستظل جراء تعوي في السراديب، أو تموت في المزابل ، لأنها تريد ذلك" (100). يتذكر رجب هذه الصورة للشرق، وحين يبصر الناس في الغرب يستغرب "كيف يضحك الناس، كيف يقفزون على رؤوس اصابعهم كأنهم الطيور الفرحة. المسنون .. الا يموتون هنا ؟ كل واحد منهم ، يحمل فوق كتفه مئات السنين. يحملها بقوة متباهية، ويسير بها وسط الثلوج والزحام، بلا خوف. وأنت يا بلاد الشاطيء الشرقي، بدءا من ضفاف البحر وحتى أعماق الصحراء ، لماذا لا تتركين بشرك يصلون الى سن الشيخوخة ؟ "(140).

يرى رجب أناسا فرحين ، يراهم على ظهر السفينة وفي مرسيليا وفي باريس، ويرى أمورا اعجب : "الأحزاب لها مراكز مكتوبة عليها الأسماء بوضوح. يدخلها الناس دون خوف. يدخلون دون أن ينظروا وراءهم، ويتكلمون في الشارع ، وبصوت عال .. أما الجرائد فانها تنشر كل شيء.. الافكار وحوادث القتل والطرق الحديثة في العلاقات الجنسية.. والناس يقرأون .. أما الكتب فلا بد أن الانسان يعجز عن معرفة ما يصدر منها، لكثرتها.

على ضفاف السين آلاف الكتب، ملايين الكتب .. كانت عيوني تمر على العناوين، وما تكاد تستقر على عنوان حتى أرتجف، أتلفت ، لا أريد أن يراني أحد " (155).

ويبدو السؤال : لماذا تنتاب رجب هذه الحالة ؟ ذا جواب واضح. إنه يرد على لسان رجب نفسه : "وجدنا لدى تفتيش بيت الموقوف "الأدوات الجرمية المرفقة … ويذكرون اسماء الكتب.." ويخاطب رجب اهل باريس : "آه يا أهل باريس، لو جئتم بكتبكم الى شاطيء المتوسط الشرقي، لقضيتم حياتكم كلها في السجون. سيأكلكم الندم، سوف تكفرون بكل شيء، واحذروا اكثر ان تفكروا في الاحزاب، لأن اية كلمة تجد من يلتقطها ويجعلها مؤامرة وتخريبا، وتدفعون ثمن كلمات حياتكم كلها في السجون الصحراوية، وهناك تصابون بالسل والتيفوس وتموتون" (155).

هذان العالمان المتباينان كليا يدفعان رجب الى التساؤل : "ولكن باريس التي أراها، هل ولدت هكذا ؟" (ص 156) ولا يترك لنا الاجابة عن هذا السؤال. يسترجع رجب ماضي باريس ويبين وجهها الاخر في ذلك الماضي: "باريس المشانق والمقاصل والحصار، باريس المقاومة، باريس الشهداء، هي التي صنعت الحرية". وهنا يصاب رجب بنزعة مازوخية مثل تلك التي أصيب بها زكي النداوي الشخصية المحورية في رواية "حين تركنا الجسر". ويقابل رجب بينه وبين الطبيب الذي يعالجه، الدكتور (فالي)، وهو الشخصية الثانوية في الرواية، ولكنْ الشخصية الاوروبية الوحيدة التي لها اسم، ويشعر رجب بالضآلة وهو يتعرف على ماضي الدكتور ونضاله، غير ان هذا يواسيه ويشجعه ويشعر معه: "أقدر الصعوبات التي واجهتها، لكن اعتبرك رجلا.. والرجال لا يسقطون. يجب ان تعرف أني الوحيد الذي بقيت من عائلتي. قتلوا اثنين من اخوتي، قتلوا أمي، ثم قتلوا زوجتي، كنت أسيرا وفررت. منذ اللحظة التي وصلت البندقية فيها ليدي، وحتى نهاية الحرب، لم أتركها".

ومع أن الدكتور فالي، كما تقول الرواية عموما، ليس حالة اوروبية وحسب، إلا أن نغمة الخطاب توحي لنا وكأنه كذلك. ثمة شخصية عربية توازيه هي شخصية هادي، ولكن رجب، وهو في الغرب، لا يستحضر، وبالتحديد حين يتحادث والدكتور فالي، هاديا.

ثمة صورة هامشية اخرى لكلا العالمين؛ عالم الغرب وعالم الشرق في الرواية، تكاد تغيب أمام الصورة الرئيسة الأساسية التي تعلق بذهن قاريء الرواية، وهي الصورة التي تبدو من خلال الحوار الذي يجري بين الفنان المهاجر عبد الغفور ورجب. وهذه الصورة ليست بغريبة اطلاقا عن تلك الصورة التي بدت في رواية الحكيم "عصفور من الشرق" ورواية سهيل ادريس "الحي اللاتيني". انها صورة الغرب الحضاري مقابل الشرق المتخلف.

يدرس عبد الغفور ، في مرسيليا، الفنون الجميلة منذ ثلاث سنوات، يسافر، خلالها، الى باريس ، مرة واحدة. ويكره عبد الغفور السياسة ولا يحب ان يتحدث فيها، وليست له اية صلة بالطلبة العرب في اوروبا، ويفضل ان يقضي وقته كله في المعهد، ثم بالمتاحف، وما يتبقى لديه من وقت يقضيه مع النساء" ص 161)، وحين يتحاور ورجبا عن الفن التشكيلي يشير الى لوحة بيكاسو ويقول مخاطبا رجبا :

- "أتعرف، لو أن رساما عندما رسم هذه اللوحة لضربوه بالحجارة ! أتعرف لماذا؟

- لا

- لأن الحضارة سلم ليس له نهاية، ويجب على الشعوب ان تبدأ من أول السلم، وشعبنا لم يكتشف بعد السلم ولم يسمع بشيء اسمه حضارة، لذلك فان كل محاولة لاقناعه بغير ذلك .. خطأ .." (161).

ويبدو هذا الحوار القصير غير شاذ، فقد جرى في الغرب ، وهو عموما جاء ليدعم الصورة الاساس الرئيسية، وما كان ليحتل مساحة في الرواية لو لم يزر رجب الغرب، مثله مثل صورة الغرب التي بدت أيضا مقنعة فنيا لا صورة مقحمة على الرواية التي اختار لها مؤلفها عنوان "شرق المتوسط" اذ كان قصده أن يكتب عن شرق المتوسط لا عن غربه، وربما لهذا السبب تحديدا، لم يلتفت الدارسون الى تناول هذه الثنائية في دراساتهم التي عالجت ثنائية الشرق والغرب في الرواية العربية.

***

4- عبد الرحمن منيف: كلام متأخر عن انتحال مفترض

مؤخراً تصفحت صفحة الفيس بوك التي تخص السيدة سعاد قوادري زوجة المرحوم الروائي عبد الرحمن منيف. ثمة كتابة بقلم الأستاذة سعاد تعقّب فيها على مقال نشر في صحيفة عربية تصدر في أوروبا يزعم كاتب المقال فيه أن الروائي عبد الرحمن منيف انتحل روايته «الآن هنا… أو شرق المتوسط مرة أخرى» (1991).

وجهة نظر كاتب المقال أن قسماً من الرواية هو تفريغ أشرطة معتقل سياسي عاش تجربة الاعتقال وأراد أن يدون ما مر به، وأن عبد الرحمن منيف لم يشر في روايته إلى اسم صاحب التجربة الحقيقي. ببساطة يريد صاحب المقال أن يقول إن الرواية رواية السجين لا رواية الكاتب، وأن الأخير انتحل الرواية. السيدة سعاد قوادري ردت على المقال الذي ادرجته على صفحتها مفندة ادعاءات المدعي، ومتسائلة في الوقت نفسه عن أسباب صمت صاحب الأشرطة هذه المدة الطويلة -تعني منذ العام 1991 حتى اليوم- ومتسائلة أيضاً عن السبب الذي لم يدفع بصاحب التجربة الإعلان عن الأمر أو الخوض فيه في حياة الروائي الذي توفي في العام 2003، أي بعد 12 عاماً من صدور الرواية.

تساؤلات السيدة سعاد قوادري تساؤلات مشروعة وهي في مكانها، ولو لم تثرها هي لأثارها قسم من القراء المتابعين. حقاً، لماذا تثار القضية الآن، ولماذا لم تثر يوم صدرت الرواية؟ ولماذا لم تثر في حياة الروائي؟ ولماذا تثار في صحافة تابعة للمملكة العربية السعودية؟

في رواية عبد الرحمن منيف «شرق المتوسط» (1975) يفكر رجب في كتابة رواية عن تجربته ويصمم لها شكلاً ويهرّب أوراقه من السجن إلى أخته أنيسة. لم نقرأ أوراق رجب وإنما قرأنا رواية عبد الرحمن منيف. وكان السؤال الذي يراود القاريء هو: هل الأوراق حقاً أوراق حقيقية أم أن الأمر لعب روائي؟ وكان هناك سؤال آخر يراود القاريء: هل سجن منيف فكتب عن أجواء السجن التي عاشها؟ وأين تحضر تجربته في الرواية وما هي حدودها؟ ماذا أضاف الروائي إلى تجربته وماذا حذف منها؟ وما مقدار حضور رفاقه السجناء وما نسبة كلامهم في النص؟

وسيرى قراء كثيرون ممن قرؤوا «شرق المتوسط» أن الكاتب لم يكتب عن تجربته وأن الرواية ليست رواية سيرية. بل إن بعض قراء الرواية من الكتّاب، ممن كتبوا عن أمكنة لم يعيشوا فيها ولم يزوروها ولم يعرفوها معرفة حقيقية، سيستشهدون بالرواية هذه لدحض آراء النقاد الذين عابوا عليهم الكتابة عن أمكنة لا صلة لهم فيها وسيقول الكتّاب: إن عبد الرحمن منيف كتب عن السجن رواية متميزة دون أن يكون سجينا. سأعرف أن الكاتب سجن 4 أشهر وأن كلام والدة رجب في الرواية هو كلام والدة الروائي. في الجدل القائم حول رواية «الآن هنا… أو شرق المتوسط مرة أخرى» يثير المرء أسئلة عديدة منها الأسئلة التي أثارتها السيدة سعاد قوادري.

من المؤكد أن البنيويين لن يكترثوا بالأمر اتكاء على مقولة "موت المؤلف" ومقولة أن كل كتابة هي كتابة على الكتابة وأن الأدب هو نشاط لغوي، وقد يرون في إثارة الموضوع ضرباً من العبث، وقد يرددون مقولتهم "ليس المهم الحكاية. المهم كيف تروى الحكاية "وعليه فإن الذي روى الحكاية وألّفها هو من كتبها وقدمها في شكلها النهائي. وهناك عشرات، إن لم يكن مئات، بل آلاف، الحكايات التي تتشابه، وحكاية صاحب الأشرطة قد تكون رويت عشرات الآلاف من المرات، وميزة رواية منيف عنها هو البناء الفني الذي أقيمت عليه. وعليه فإن الرواية، في النهاية، هي رواية من كتبها -أي رواية الروائي عبد الرحمن منيف- وقد يضيف أحدهم: "مع العلم أن المؤلف ما عاد الالتفات إليه مهماً". أذكّر بمقولة رولان بارت "موت المؤلف". أصحاب دور النشر سيسرون لهذا حتى لا يدفعوا حقوقه.

في النقد الأدبي العربي القديم غالباً ما كانت عبارة "ما أرانا نقول إلا معاداً مكرورا" غالباً ما كانت تجري على ألسنة المهتمين بالنقد. والذي يأتي بالجديد هو من يلتفت إليه. والجديد قد يكون على صعيدين: المحتوى والشكل. والسؤال هو: هل كرّرت روايتا منيف روايات سابقة على صعيدي الشكل والمضمون؟ ربما وجب أن تُدرّسا في ضوء منهج "برونتير" أيضاً. أين هما من روايات أدب السجن في العالم العربي؟

أنجزت روايات كثيرة قبل "شرق المتوسط" عن عالم السجن، ولكني لا أعرف رواية ضاهتها من حيث البناء الفني أو تصوير عالم السجن. وبعد صدورها سنقرأ سيراً ذاتية ممتعة لسجناء مروا بالتجربة مثل الفلسطيني معين بسيسو في «دفاتر فلسطينية» والأردني يعقوب زيادين في «البدايات» والمصري طاهر عبد الحكيم في «الأقدام العارية» وهذه تبقى سيراً ذاتية لا روايات وهي صوّرت عالم السجن من الداخل غالباً.

لدى الأديب الألماني غوتة القول الفصل، لا شك أن محبي عبد الرحمن منيف سيجدون في آراء غوتة ما يشبه الخبر اليقين. إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام. يأتي غوتة على علاقة اللاحق بالسابق وما يضيفه المتأخرون زمناً إلى المتقدمين زمناً، ويبدي رأيه في الأدباء الكبار-وعبد الرحمن منيف كاتب كبير- فيقول: "ليس الأدباء الكبار أدباء كباراً لأنهم أتوا بأشياء جديدة، وإنما هم أدباء كبار لأنهم أظهروا الأشياء كما لو أنها تظهر لأول مرة ". كما لو أن غوتة بنيويٌ. كما لو أنه يرى أن الكتابة كتابة على الكتابة. كما لو أنه يؤمن بأولوية الشكل.

اعتماداً على مقولات البنيويين ومقولات النقاد العرب القدامى، ورأي غوتة في الكتّاب الكبار، فإن الضجة التي تثار حول انتحال الكاتب عبد الرحمن منيف رواية «الآن هنا… أو شرق المتوسط مرة أخرى»، لا أهمية لها، ولن تقدّم في الأمر شيئاً، وهي عموماً ضجة أُثير مثلها الكثير، بل إن مثل هذه الضجة غدت حيلة أدبية يلجأ إليها روائيون كثر. من علي بدر في «مصابيح أورشليم» مروراً بيوسف زيدان في «عزازيل» وليس انتهاء برواية إلياس خوري الأخيرة «أولاد الغيتو… اسمي آدم».

كنت في العام 1997 لجأت إلى الحيلة نفسها في نصّي «خربشات ضمير المخاطب» وزعمت أن هناك من أعطاني أوراقه التي شكلت مادة النص، وحتى الآن ما زال كثيرون يرون أنني انتحلت الكتابة وأن هناك شخصاً آخر غيري هو صاحب الأوراق.

***


========================
1- في ذكرى عبد الرحمن منيف
2- السجن في رواية عبد الرحمن منيف «شرق المتوسط»
3- الشرق والغرب في رواية عبدالرحمن منيف "شرق المتوسط"
4- عبد الرحمن منيف: كلام متأخر عن انتحال مفترض

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى