مصطفى الحاج حسين - مجموعة شعريّة.. (مسقطُ موتي)..

* الظَّبي..
مَا تَبْكِي مِنهُ الأَرضُ
هُوَ التَّارِيخُ
قَذَارَةُ الزَّمَانِ
ومُخَلَّفَاتُ الإنسَانِ
فَأعطِيهِ يا أرضُ يَدَكِ
لِيُقَبِّلَها وَيَعتَذِرَ
عَنْ جَرائِمَ وَقَعَتْ بِحَقِّهِ
وَلَمْ يَرتَكِبْها
تَسَبَّبَتْ لَكِ بالضيقِ والانزِعَاجِ
مَا كَانَ لِيَمشِيَ بِدَربِكِ
لَو كَانَ يَعرِفُ
أنَّ دَمَهُ سَيُلَوِّثُ اْخضِرَارَكِ
هُمْ نَصَبُوا لَهُ الشِّرَاكَ
اِختَبَؤُوا في قَلبِ الوَردِ
اِقتَرَبوا مِنْهُ على شَكلِ
فَرَاشَاتٍ
كانَ العَسَلُ يَقطُرُ مِنْ
ضَحِكَاتِهِمْ
وَكانتْ أيادِيهِمْ تُشْبِهُ النَّدى
غَدرُهُمْ لَهُ كَانَ مُبَاغِتَاً
بالكَادِ لَمَحَتْ بَسمَتُهِ
خَنَاجِرَهُمْ
وَحُضنُهُ لَمْ يَزَلْ عَالِقَاً
في صُدُورِهِمْ
سَمِعَ قَهقَهَاتِ مَكرِهِمْ
أبصَرَ لَحمَهُ المَشْوَيَّ
على نارِ عُيُونِهِمْ
كانوا أصدِقَاءَ
يَكتُبُونَ الأمَانِي
على دَفَاتِرِ طُفُولَتِهِمْ
يَصطَادُونَ الغَيمَ
لِيُولِمُوا لِلضُحَى خُبزَ الرَّحِيقِ
ولأَنَّ قَصِيدَتَهُ كانَتْ أَنْقَى
وَأَرقَى
وَمِنْ قَلبِهِ مَبْعَثُ الرُّؤيَا
هَدَرُوا أَبجَدِيَّتَهُ
واتَّفَقُوا
على أَنْ يَكُونَ دَمُهُ
نبيذاً لِشَوكٍ
أحرَقُوا وَهَجَ أَموَاجِهِ
هَدَّمُوا قَامَةَ بَوحِهِ
سَرَقُوا مِنهُ أَجنِحَةَ الصَّدَى
ظَنُّوا أَنَّ الصَّدَأَ
لَنْ يَتَخَثَّرَ في أَروَاحِهِمْ
وَأنَّ الكَلِمَاتِ
لَنْ تَتَخَشَّبَ على شِفَاهِهِمْ
ماتُوا..
والصَّمتُ يَقِضُّ حَنَاجِرَهمْ
وظَلَّتْ قَصَائِدُهُ تُرَفرِفُ
في أعالي الخُلُودِ.*
إسطنبول
* قيامةُ الكلامِ..
وَتَفلُتُ مِنْ نَافِذَتِي السَّماءُ
وَتَبقَى غُرفَتِي مَحبُوسَةً
في مِنْفَضَةِ سَجَائِرِي
أنامُ على مِشجَبِ التَّنهِيدَةِ
أضُمُّ إلى أنفاسي ضَفَائِرَ الذِّكرَياتِ
وأحتمي بقميصِ المَرَايَا
من مخالبِ الضَّجيجِ
أَتَنَفَّسُ الصَّمتَ
ألتَحِفُ الجُرحَ
وأنا أَضْمِرُ اشتياقي
لمدينةٍ مَكسُوَّةٍ بالندى
وَمُسَيَّجَةٍ بالرقصِ
وبينابيعِ القُبُلاتِ
الآنَ..
يُطَارِدُنِي المَوتُ
عَبْرَ أيِّ دَربٍ
سأختفي عن أعينِ النَّسمةِ
فللهواءِ آذانٌ
ولِلَّيلِ أجنحةٌ ومناظِيرُ
أحفرُ أضلُعِي بأصابِعِي
لِأَتَسَرَّبَ من شُقُوقِ آهَتِي
إلى سَرادِيبِ بَرزَخي
أنتظرُ..
قيَامَةَ الكلامِ
ومجيءَ القصائدِ
من زيتونةٍ تُثمِرُ الفَجرَ
وياسَمِينٍ يُرَفرِفُ بالمدى
والأنوثَةِ.*
إسطنبول
* قِيثَارَةُ النَّدَى..
على وَقعِ الضَّوءِ
تُرَفرِفُ بِي الكلِماتُ
وتَتَفَتَّحُ بِدَاخِلِي آفاقُ العِشقِ
أَرَىْ في أَجنِحَةِ الفَرَاشَاتِ
اِندِلاعَ المسَافَاتِ
وأشرعةً مِنْ نَبِيذِ الصَّهِيلِ
وَأُبصِرُ في أوَابِدِ المَوجِ
هَودَجَ الرَّحِيقِ
تَقطُرُ مِنهُ شلَّالاتٌ من حَنِينٍ
وَأُشَاهِدُ في وَضَحِ نَبضِي
أقماراً مِنْ ندى
تغسُلُ قَتَامَةَ الطَّرِيقِ
وَجُوعَ الغُبارِ الهَائِجِ
لِدَمٍ تَعثَّرَ بِبَوحِهِ
أَمَامَ أشراقَةِ المَطَرِ
قُبُلاتٌ هَائِمَةٌ في البَرَارِي
تَاهَتْ عن شِفَاهِ الوردِ
تُطَارِدُها ضَواري الجَفَافِ
أرُدُّ عن بَشَائِرِهَا القُنُوطَ
وأوزِّعُ على الجِهَاتِ
بعضَاً من أنَوارِ حبيبتي
تَنكَمِشُ عندَ مفرقِ الجنونِ
تَلتَفُّ.. تَلتَمُّ.. تَدُورُ
وتَتَمَحوَرُ حولَ اشتياقي
وتَخطُفُ منِّي اسمها
لِتَنشُرَهُ على قارعاتِ المدى
وعلى حِبالِ الصَّدى
حلبُ قيثارَةُ النَّدى.*
إسطنبول
* أحصنةُ العَدَمِ..
هذا النَّفقُ
يضيقُ على فضاءِ القصيدةِ
فعلى الأحرفِ التَّراصُّ
لِتُحدثَ ثُقباً في الزَّمانِ
وفَجوَةٍ في الذَّاكِرَة
حتَّى يكفَّ الظَّلامُ
عن احتلالِ
مافي الرُّوحِ مِنْ نوافِذٍ
أشيِّدُ جسراً مِنَ النَّدى
لِتَعبُرَ من فوقِهِ الدُّروبُ
وتقودُ اختِنَاقَنَا
إلى سماءٍ من تلهُّفاتِ الصَّهيلِ
خوفٌ أزليٌّ يسكُنُ صوتنا
ينهشُ بُحَّةَ الهمساتِ
وينقَضُّ على أجنحةِ الكلماتِ
ولِدنَا في حضنِ القيدِ
في كَنَفِ الشَّرَطِيِّ
يُرَاقِبُ دَمَنَا إنْ فاحَ بالحُلُمِ
فَمَنْ يَجرُؤُ على كِتَابَةِ ضُحكَتِهِ
والنَّارُ تحتَ الألسنةِ؟!
مَنْ يقولُ لهذا التَّعَفُّنِ:
- أنا أحِنُّ إلى هواءٍ نقيٍّ؟!
وحدها القصيدةُ
لبِسَتْ دُرعَ الجُنُونِ
وَغَرَزَتْ أظافِرَهَا في تابوتِ
الانتظار
لينهارَ العَدَمَ.*
إسطنبول
* يا بلدي..
ينهشُني الحنينُ
والشوقُ يلبسُ دمي
جدرانُ غرفتي تقطرُ دمعاً
وتنزفُ عتمةُ غربتي
جمرَ الكلماتِ
ويسألُني الصّبرُ الملظَّى
إلى متى
ينهضُ في نبضي الوجعُ؟!
وتنمو المسافاتُ أمامَ خطايَ؟!
من شقوقِ انتظاري
أتطلَّعُ صوبَ الوميضِ
أحدِّقُ في سديمِ الاحتراقِ
عسايَ أبصرُ أجنحةَ الأملِ
فلا أجدُ إلاّ كثبانَ أحزاني
يا أمي، شابَ بصري
وشاخت جوارحي
وأنا أشدُّ الأرضَ
لأقتربَ من سماءِ همسِكِ
عظامي متعطِّشةٌ للمسةٍ منكِ
أريدُ أن أصهلَ
في حقولِ راحتيكِ
وأن ألتقطَ الضَّوءَ
من شلالاتِ أصابعِكِ
سأبسطُ روحي تحتَ مداسِكِ
وينحَني قلبي بخشوعٍ على يدِكِ
وأقبِّلُ الطّهرَ في عروقِكِ
يا أمْي
ضمِّي إلى صدرِكِ آهاتي
رتِّقي لي قامتي المتهالكةَ
كفكفي لي سقوطي
قتلوني يا أمّي
يومَ أبعدوني عن مائِكِ
لم أكن أعرفُ أنَّكِ حضوري
ورقةٌ صفراءُ أنا
سقطت من غصنِكِ
تقاذفَتها الرِّيحُ
وما زلتُ أناديكِ
وأحلمُ بالعودةِ .*
إسطنبول
* متاهاتُ النَّبضِ..
أبعدتني الأيامُ عن ذاتي
وعشتُ وحيداً بلا أنا
ومن غيرِ روحٍ
وكانَ قلبي يجهلُ عنواني
أصابعي ما كانت لي
تكتبُ قصائدَ لا تقرؤها عينايَ
وكنتُ لا أجيدُ البكاءَ
بلا دمي
ودمي موزَّعٌ على غيابي
كم كنتُ أحتاجُ لصوتي
لكنَّهُ ضاعَ في زحمةِ الصّدى
آهٍ على غيابي من غيابي
كم بَحَثَتْ عنِّي خطايَ؟!
لكنَّ الجِهاتِ تكرهني
وكانت تصدُّ لي اتِّساعي
وتشعلُ الرَّملَ في عطشي
وترمي آهتي
ببراكينِ الذِّكرياتِ
فتَّشتُ نفسي عن نفسي
وجدتُني أنزوي في ركنِ
قصيدتي
والقصيدةُ غَدَرَت بها أحرفُها
ولاذت في جحورِ الصَّمتِ
سأقولُ لشخصي حين أقابلُني
لماذا تركتَني بلا قبرٍ
وقد تفسَّخَ لهاثي؟!
وملَّ الموتُ منِ اْحتضاني!!
ودَّعتني الأرضُ
عندَ مفترقِ الانخسافِ
ولوَّحت ليَ السَّماءُ
وأنا أعبرُ سراديبَ ضياعي
فمتى يا رمادي
ألتقي بالرّيحِ؟!
لأعاودَ البحثَ عني
وأكونَ كما ينبغي لي
أن أكون.*
إسطنبول
* همسُ السَّديمِ..
الكونُ قصيدةٌ
وأنتِ ثمارُ الكلماتِ
واتِّساعُ الرّؤيةِ
وعمقُ المعنى
ووميضُ النّجومِ
الكونُ قصيدةٌ
وأنتِ بحورُ الموسيقى
وسحرُ الحروفِ
وندى الأبجديّةِ
وأسرارُ المدادِ
الكونُ قصيدةٌ
وأنتِ جذعُ البريقِ
وأغصانُ السّحابِ
ولحاءُ القدرِ
وجذورُ الحفيفِ
الكونُ قصيدةٌ
وأنتِ ضحكةُ المدى
ورقصةُ القمرِ
وشهقةُ الأفلاكِ
ونشوةُ الأمدِ
الكونُ قصيدةٌ
وأنتِ نوافذُ الجَنَّةِ
وبوابةُ الفرحةِ
وأسوارُ اللانهايةِ
وعذوبةُ الكوثرِ
الكونُ قصيدةٌ
وأنتِ همسُ السّديمِ
وبحَّةُ النّسيمِ
وصوتُ النّورِ
وعيونُ الأزمنةِ
الكونُ قصيدةٌ
وأنتِ شفقُ القبلةِ
ورعشةُ البوحِ
وعطرُ البهاءِ
وذكرياتُ الأزلِ.*
إسطنبول
* استرحام..
أعطيني إجازةً
ولو ليومٍ واحدٍ
لأستريحَ
من جحيمِ حبِّكِ
عمرٌ بأكملِهِ
خدمتهُ في عشقِكِ
ونارُكُ تصطلي
في أوردتي
من دونِ ذنبٍ
وبلا محاكمةٍ
تهاويتُ في سعيرِ غرامِكِ
لم أتلقَّ منكِ إنذاراً
أو أقرأْ على بابِكِ:
ممنوعُ الحبِّ
كنتُ سأحترمُ قرارَكِ
وأنسحبُ
لقوقعةِ قصيدتي
وجدتُ النّدى يرفرفُ
حولَ أسوارِكِ
والوردُ يتفتّحُ
في حدائقِ اسمِكِ
فطرقتُ البابَ بقلبٍ مرتعشٍ
لم أكن أعرفُ
أنَّ سحرَكِ مصيدة
ألفُ قصيدةٍ لم تتشفّع لي
مليونُ دمعةٍ
هطلت فوقَ بلاطِكِ
وأنتِ
أغلقتِ عليَّ بوابةَ جهنَّمَ
أطعمتِ قلبي الزّمهريرَ
وكنتِ تؤجِّجينَ
لهيبَ القصائدِ
أشفقَ عليَّ الجَمرُ
وبكت لأجلي الحممُ
وأنتِ لم تغفري
جرأتي
وجنوني.*
إسطنبول
* نهايتي..
ما يغيظُني
هذا الانتشارُ الواسعُ لحبِّكِ
في سائرِ خلايا هذا الكونِ
أهربُ منكِ إلى أقاصي الوجودِ
فأجدُكِ هناكَ تفترشينَ المدى
والملائكةُ من حولِكِ ترشُّ النّدى
وأرى الفضاءَ يتعبَّدُ عطرَكِ
والسّعادةَ خاتماً في أصبعِكِ
الأرضُ من تحتِكِ زعفران
والسّماءُ تتوِّجُ سحرَ بهائِكِ
ليتَني أجتازُ هالةَ أنفاسِكِ
وأخطو صوبَ مجرَّاتِ العدمِ
أنا أبحثُ عن خلاصي منكِ
عن نافذةٍ تطلُّ على النّسيانِ
عن بحرٍ أمواجُهُ لا تخصُّكِ
أو قمرٍ لا يدورُ حولَكِ
أو شمسٍ تتفوَّقُ على نورِكِ
أفتِّشُ عن مطرٍ يكونُ على قطيعةٍ معكِ
لأغسلَ قلبي من نارِ عذاباتِكِ
أدوِّرُ على ملجأٍ يقيني شرَّ الشّوقِ
وسكاكينَ الحنينِ
لن أستمرَّ في هذا العشقِ المجنونِ
أحلمُ أن تصفرَّ أوراقُ نبضي
ويأتي الخريفُ ليكنسَ أوجاعي
أنا أسألُ الوردَ أن ينافسَ رائحتَكِ
كي لا تنجذبَ إليكِ فراشاتُ دمي
أنا لي رغبةٌ في نسيانِكِ
وأظنُّ أنَّ هذا من حقِّي
عساني أنامُ الليلَ كلَّهُ
وأستردُّ ابتسامتي التي احترقت
أريدُ أن أختبرَ الفرحةَ
وأكفكفَ دموعَ عمري الأجعدِ
فقد شابت آهتي
وشاخت أنفاسي
ما أنتِ إلاّ شقاءُ الرُّوحِ
ما أنتِ إلاّ نهايتي البائسةُ.*
إسطنبول
* دَوَّامَةٌ..
تَتَفَتَّحُ أَورَاقُ الشَّمسِ
وَتَصحُو دَمعَتِي
على فنجانِ حنينٍ
أنفضُ عنِّي ما تَراكَمَ
من جمرِ الانكسارِ
وأنا مُلقَىً في دَوَّامةِ التَّشَرُّدِ
هذا الأفقُ يُحاصِرُ أجنِحَتِي
وذاكَ المدى يَسخَرُ من انتظاري
أَمُدُّ لِلبَحرِ رَغبَتِي
فَتَغرَقُ سُفُنُ أيَّامي
ويَبْتَلِعُنِي حُوتُ السَّرابِ
أركُضُ في أرجاءِ غُصَّتِي
أعدُو في أنحاءِ خَرَابِي
وأقفِزُ بِجُنُونٍ
مِنْ فَوقِ لُهَاثِي
أُرِيدُ أَنْ أخرُجَ مِنْ جَوفِ النَّارِ
لأبحثَ عَنْ ندى الحُلُمِ
فَتَكْبُو بِيَ الأرضُ
وَأَتَهَاوَى في بِئْرِ الصَّرَخَاتِ
وَتَنْحَدِرُ فَوقِي الأَسئِلَةُ
تَنْهَارُ هَامَةُ الكَلِمَاتِ
أصِيرُ في حَضِيضِ الآهةِ
في رُكْنِ الهَلاكِ
لا حَجَراً أتَلَمَّسُهُ
لا مَوتاً يُنقِذُنِي
إنِّي تَائِهٌ عَنْ بَعضِي
أظُنُّ جُرحِي الطَّرِيْقَ
وَأَحسَبُ نَزِيْفِي ماءً
جاءَ لِيُوقِظَ الرِّحلَةَ.*
إسطنبول
* فَرَاشَةُ دَمعَتِي..
تَجَرَّعتُ غِيَابَـكِ
مِنْ كُؤوسِ السَّرابِ
وَلَثَمْتُ أصَابِعَ الدُّروبِ
عَلَّهَا تَدُلُّـني على مَفَارِقِ خَيْبَتِي
لِأتَجَنَّبَ المَوتَ الَّذي يَسْكُنُنِي
إنِّي أَحْيَا بِلا وَطَنٍ
يُضَمِّدُ لِيَ خُذْلانِي
أَوْ يُطْفِئُ نَارَ عَـتْمَتِي القَاحِلَةِ
فَأَيْنَ وِسَادَةُ قَلْبِي؟!
وَأَيْنَ لِحَافُ رُوْحِي؟!
لِتَنَامَ دُمُوْعِي
في فِرَاشِ الأمَانِ
سَقَطَتْ مِنِّي مُهْجَتِي
في صَحـْرَاءِ الاختِنَاقِ
وَضَاعَتْ جُفُوْنُ خُطَايَ
تَمْشِي عَلَيَّ الجِبَالُ
وَتَرْسُوْ فَوْقِيَ المَوَاجِعُ
يا أُمَّ أيَّامِيَ البَعِيْدَةِ
مَتَى ألْقَى أنْفَاسِي؟!
مَتَى أرَاكِ في دَمِي؟!
عَلَى شُطـْآنِ لَهْفَتِنَا
في وَاحَاتِ هَمْسَتِنَا
أوْ عِنْدَ شَمْسِ قُبْلَتِنَا
سَتُطِلُّ ضُحْكَتِي مِنْ تُرَابِكِ
وَأحْضُنُ عُشْبَ أنْوَارِكِ
بَلَدِي أنتِ
قَامَةُ التَّكْوِيْنِ أنتِ
حَبِيْبَتِي
وَسَمَـاءُ قَصِيْدَتِي
وَفَرَاشَةُ دَمعَتِي.*
إسطنبول
* اعتزال..
أقتفي أثرَ الموجةِ
الموجةُ اختطفت أعمـاقي
أعماقيَ ابتلعت أصداءَ النّدى
والنّدى هاربٌ من زحمتي
وفي الزّحمةِ ضللتُ مكاني
وكانت الجهاتُ تتبعني
وأنا أختبئُ عن ظلَّي
وظلّي حينَ يراني
لا يجدُ في سرابي غيرَ
تهالُكِ خطايَ
وخطايَ تبتعدُ عن وجعي
ووجعي دائمُ العتمةِ
والعتمةُ تأكلُ أطرافَ أصابعي
وأصابعي تُمسِكُها القصيدةُ
وقصيدتي صعدت ظَهرَ الموجةِ
وأنا أشرعتُ سفني في الصّحراءِ
سأقبضُ على ظلِّ الرّيحِ
وأصعدُ درجَ العاصفةِ
وهنـاكَ..
في أعالي الصَّهيلِ
سأعتزلُ العشق.*
إسطنبول
* مَسْقِطُُ مَوْتِي..
أَشْكُو إليكِ عِصْيَانَ القَصِيْدَةِ
ما عُدْتُ قَادِرَاً على اسْتِجْمَاعِ الكَلِمَاتِ
وَلا عَادَتِ الحُرُوْفُ تَخِصُّ قَلْبِي
شَاخَتْ لُغَةُ الدَّمْعِ
وَتَهَدَّمَتْ آفَـاقُ الحَنِيْنِ
ضَلَّتْ عَنِّي نَسَائِمُ البَوْحِ
وَتَرَكَتْنِي المَسَافَاتُ بِلا أجْنِحَةٍ
فَكَيْفَ أُطَيُّرُ لـَكِ لَهْفَةَ أشْـوَاقِي؟!
والنـَّارُ أَكَلَتْ رِحَابَ صَبَاحَاتِي!
إنِّي أَتَهَاوَى مِنْ عَلْيـَاءِ لَوْعَتِي
وَأَتَبَعْثَرُ على أسْطُرِ صَمْتِي
وَقَصِيْدَتِي فَقَدَتْ نَوَافِذَهَا
وَصَارَتْ تَحبو في فِنـَاءِ الدَّفَاتِـرِ
تَمُوْءُ كَقِطَّةٍ هَرِمَةٍ
تَخَافُ مِنِ اْعتِدَاءِ فَرَاشَةٍ
أوْ نَسْمَةٍ
الكِتَابَةُ إلِيْكِ صَارَتْ مُسْتَحِيْلَةً
الضَّوْءُ مَاعَادَ يَحُطُّ على أصَابِعِي
والنَّدَى صَارَ بَعِيْدَاً عَنْ قَلَمِي
حَتَّى العِطْرُ
أَخْلَى سَبِيْلَ أَنْفَـاسِي
وَحْدَهُ المَوْتُ أَرَاهُ
يَتَلَصَّصُ مِنْ ثُقْبِ الغُرْبَةِ
يُرَاقِبُنِي
وَيَتَشَهَّى جَسَدِي
الطَّاعِنَ بِالهَزِيْمَةِ
وأنَا مَازِلْتُ أَتَمَسَّكُ
بِجَدَاوِلِ أُنُوْثَتِكِ
وَبِجَدَائِلِ هَمَسَاتِكِ
وَبِقَامَةِ فُتْنَتِكِ
يا أكْثَرَ مِنْ حَبِيْبَةٍ
يا مَسْقِطَ مَوتِي.*
إسطنبول
* تاريخُ الورد..
أَتَسَلَّقُ عُمرِي
وأُطِلُّ على لَهَبِ دُرُوبِي
هُنَاكَ أَيْنَعَتْ خُطَايَ
وأثمَرَتْ دَمعَتِي عُكَازَ لُهَاثِي
أمشِي في قَيظِ وَهْنِي
عُتمَةُ الرُّوحِ تَعصُفُ رِمَالَهَا
وصَدَى الماءِ يَعدُو
إلى سَرَابِ الضَّوءِ
أُحَدِّقُ في وَجهِ التِّيهِ
وأصرخُ على نَعشِي
الذي سَرَقَتهُ المَسَافَاتُ:
- تَوَقَّفْ
فَمِنْ هُنَا لَمَحتُ الرِّيحَ تَعبِرُ
وَتَلتَقِطُ تَجَاعِيدَ ضِحكَتِي
مِنْ لُجَجِ الصَّحرَاءِ
مِنْ هُنَا..
رأيتُ الدَّربَ يَهجُرُنِي
وَيُبْعِدُنِي
عَنْ شَغَفِي
وَعَنْ لَهَفِي
وعَنْ مَعَالِي اسمي
وأبوابِ الرُّؤى
وسَرِيرِ النَّدى المُعَلَّقِ
على الهَمَسَاتِ
وَخَرِيرِ الأصَابِعِ
أنا لُغَةُ الهَزِيمَةِ
صَرِيرُ السُّقُوطِ
وَنَايُ الانكِسَارِ
أُخفِي في صَوتِي
فَضَاءَ النِّهَايَةِ
وَسَلالِمَ الانتِحَارِ
مِنْ هُنَا..
دَخَلُوا وَطَنِي لِيَطرِدُونِي
وَيُلاحِقُوا رَفِيفَ الفَرَاشَاتِ
وَيَحرِقُوا تَاريِخَ الوَردِ.*
إسطنبول
* حَلَبُ الرَّحمةِ..
ضَوءٌ يَستَحِمُّ بِضِحكَتِهَا
والعِطرُ يَنسَكِبُ مِنْ أنفاسِهَا
الفَرحَةُ تَعتَلِي الأمكِنَةَ
والنَّسَائِمُ تَهفُو لِتَلثُمَ بَهَاءَ حُضُورِهَا
إلى وَجهِهَا تَبعَثُ الموسِيقَا
شَلَّالاتِ القُبَلِ
والفَرَاشَاتُ الهَائِمَاتُ
تُحَوِّمُ حَولَ أصَابِعِهَا
الوقتُ يَسرُقُ من سُحرِهَا الشَّهدَ
والماءُ المُتَيَّمُ بِنَضَارَتِهَا
يُسِيْخُ الفُؤادَ
إلى تَجَلِّياتِ طُهرِهَا
روحِي تَتَشَبَّثُ بِظِلالِ قَامَتِهَا
وَجَوَارِحِي بِشَغَفٍ تَجُوسُ مَعَالَمَ فُتْنَتِهَا
هِيَ.. السَّماءُ الثَّامِنَةِ
مِنْ حَيثُ الرِّفعَةِ
هِيَ.. سُدرَةُ التَّكوينِ
مِنْ حَيْثُ الأنَفَةِ
هِيَ.. شَهقَةُ الأزَلِ
وَوَمِيضُ الأبَدِ
رَغَدُ النَّدَى المُتَوَسِّعِ
هَمَسَاتُ النَّشوَةِ العَارِمَةِ
سَوسَنَةُ الحُرُوفِ
رَقصَةُ النَّجوى
مَهدُ البَرَاعِمِ
أُمُّ اليَنَابِيعِ
بَوَّابَةُ الجَنَّةِ
حَلَبُ الرَّحمةِ.*
إسطنبول
* الكَلِـمَـة..
أَحتَفِي بالكَلِمَاتِ حِينَ أُجَالِسُهَا
أُصَافِحُ هَالَةَ جَلالَتِهَا
وَأنحَنِي بِخُشُوعٍ جَمٍّ
وأنا أَقطُفُ من أغصَانِهَا
الفَارِعَاتِ
عُذُوبَةَ النَّدَى
وَخَفَرَ الضَّوءِ
وَبُحَّةَ الحُلُمِ
الكَلِمَاتُ
جُسُورٌ لِلْقُلُوبِ
وَيَنَابِيعُ وَردٍ
وَهَدِيْلُ أَروَاحٍ
وَأَصَابِعُ القُبُلاتِ
وأمواجُ الذُّكرِيَاتِ
في دَمِي تَتَزَاوَجُ الحُرُوفُ
لُغَتِي الكَونُ
أتَنَقَّلُ بِأَموَاجِهِ
مِنْ نَجمَةٍ إلى نَجمَةٍ
وَمِنْ جَنَّةٍ إلى أرضٍ
وَمِنْ مُوسِيقَا إلى امرأةٍ
ومِنْ سُكُوتٍ إلى تَحَدٍّ
لُغَتِي وُجُودِي
قَصَائِدِي وَجهُ أيَّامِي
وَتَوَقُّفِي خَرَابٌ
فَفِي البِدءِ كَانَتِ الكَلِمَةُ
وَفِي النِّهَايَةِ
سَتَبْقَى الكَلِمَةُ فَوقَ الجَمِيعِ.*
إسطنبول
* حـروفُ النَّدى..
أَطعَمَنِي الضَّوءُ
رائحةَ ظِلالِكِ
وكنتُ ألهثُ
في ظُلمَةِ دمعي
يُحاصِرنِي الغِيابُ
من نوافذِ صَرخَتِي
وكانَ صَوتِي
مُعَفَّراً بالشَّوكِ
وقلبي يَكتَظُّ بالجَمرِ
وَروحي مُتَوَرِّمَةً بالقُنُوطِ
لَكِنَّ وَجهَكِ
أشعلَ حُرُوفَ النَّدى
وَأَحيَا يَبَاسَ وَقتِي
أَورَقَتْ أنفَاسِي
وعادَ ليَ الأُفُقُ
لِيَتَغَلغَلَ في عُرُوقِي
وَيَنْبَعِثَ حُضُورُكِ
وَجهاً أَنْقَى مِنَ المَاءِ
في بُحَيْرَاتِ النُّورِ
قَمَرَ الرَّهَافَةِ
في سماءِ عِشقِي
يا قُبْلَةَ القَصَائِدِ
يا رَحِيقَ الهَمَسَاتِ
وَكَوكَبَ التَّلَهُفِ
مِنْ دُونِكِ يَكُونُ الكَونُ
أعمَى
والأرضُ مَقبَرَةَ الجِهَاتِ
والسَّمَاءُ حَجَراً يَتَهَاوَى
فَوقَ الرُؤَى
يا ذاتَ الجَلالَةِ
يا بَحرَ البَهَاءِ
يا رُوحَ الأبَـدِ
يا بلادي.*
إسطنبول
* سَعـْفُ اسمي..
الشَّجَـرُ يُثمِـرُ دَمعِي
فَمَنْ يُقَشِّرُ رمـادي؟!
ويأكُلُ مِلحِي؟!
ويُطعِمُ الضُّحى
مرارةَ أنفاسِي؟!
وَيُذِيقُ النَّدى
هَشِيمَ عُمرِي؟!
وَيُوَزِّعُ على الشُّرَفَاتِ
لَحمَ قَصِيدِي؟!
وَيُهدِي الدُّرُوبَ
لَونَ حُطَامِي؟!
وَيُعطِي الِانتظارَ
رُفَاةَ رُؤَاي؟!
وَيَمنَحُ الوَردَ
تَابُوتَ رَحِيلِي؟!
وَيَزْدَرِدُ الماءَ
من نِيرَانِ لَهفَتِي؟!
وَيُحَمِّلُ الهواءَ
سَعْـفَ اسمي؟!
مَنْ يَقطِفُ غَرَقِي
وَيَتَلَقَّفُ يَبَاسِي؟!
وَمَنْ يُسَارِعُ إلى اشتهائي؟!
وَيُبَادِرُ إلى انتِشَالِي؟!
فَأَنَا مِنْ وَطَنٍ
طَرَدَتْهُ الخَارِطَةُ
وَأَحَاقَهُ الموتُ!!!*
إسطنبول
* يا وطني..
مُدَّ لي يَـدَكَ يا وطني
الغربةُ ضـاقتْ عليَّ كَالكَفَنِ
أحيا من دونِ هواءٍ
والموتُ يَتَوسَّعُ في أنفاسي
وفي دمي
هذا الزَّمانُ ليسَ
من زمني
وليسَ بهذا العالمِ
مَسكَنِي
غريبٌ عن شمسٍ لا تضيءُ
وعن ليلٍ مَكسُوٍّ بالشَجَنِ
هنا الماءُ مَحشُوٌّ بالعَلْقَمِ
والخُبزُ معجونٌ بالسـَّـقـَمِ
حتَّى السَّماءُ واطئةٌ
والنَّدى يَشكو مِنَ الوَهَنِ
جدرانُ هذا البيتِ
لا تَعرِفُنِي
وأنا لَمْ أعتَد
على سَقفٍ يَحُطُّ فوقي
وَيركَبُنِي
البـابُ لا يفهمُ لُغَتِي
لينفتحَ
والمُفتاحُ يسرقُ أصابعي
وينهشني
جُنَّ الصَّبرُ منِّي يا وطني
وضاقَ ذرعاً بقصائدي
قلمي.*
إسطنبول
* أنفـاس الطَّريق..
لا أحدَ يطرقُ بابي
إلَّا الصَّمتُ
يأتيني مُحَمَّلاً بالريبةِ والظُّنونِ
يلقي في قلبي نارَ الأسئلةِ
وأنقاضَ الذِّكرياتِ
وأنا أُمَسِّدُ دَمعَتَهُ
وأُهَدهِدُ جوعَ شَفَتَيهِ
لِحَلمَةِ القصيدةِ
تَبكي أصابعي
حينَ يُلامِسُها بردُ الانتظارِ
وأبحثُ في أرجاء وحشَتِي
عن همسِ طَيفٍ
أو صورةٍ مُعَلَّقَةٍ
على جدارِ الحنينِ
نافذتي تكشُفُ عنِّي الدَّمعَ
تُقْحِمُ إلى غُرفتي
أنفاسَ الطَّريقِ
فأمُدُّ عُنقَ اشتياقي
من نافذةِ الصَّدى
إلى سماءٍ مُقفَلةٍ بالأنينِ
يا دربَ العودةِ تَجَلَّ
لِصَهيلِ عظامي
خُذْ من رمادِ روحي الأجنحةَ
من انكسارِ لهفتي العزيمةَ
وحَلِّقْ بموتي إلى نـدى بلادي.*
إسطنبول
* الـغــائبـة..
أَدخُـلُ غَابَـاتِ عِطْرِكِ
أَغْرِسُ أُنُوثَتَكِ بِخَلايايَ
أَغُوصُ لأَعْمَـاقِ أَنْفـَاسِكِ
وأُبحِرُ في فَضَاءِ الوَمِيْضِ
أَرْتَشِـفُ حَلِيـْبَ الـفِـتْنَةِ
وَأَذُوبُ على صَدْرِ الرَّذاذِ
يا مُهْجَةَ الآفـاقِ
وَ حُضْنَ العُذُوبَةِ
أَتَلَمَّسُ زَغَـبَ الضَّوءِ
وَأَتَمَسَّكُ بأَغْصَانِ النَّقَاءِ
تَفْتُنُنِي أَمْوَاجُ الهَمْسِ
وَأَحْتَرِقُ عِنْدَ شواطئِ النَّضَارَةِ
.. عَمِيْقٌ وَقْعُ الآهةِ
على قلبي الظَّبي
وَسَاحِرٌ مُرُوْرُ البهـاءِ
على ظِلالِ ناري
أَدْنُو مِنْ بُحَيْرَاتِ صَوتِكِ
أُوَشْوِشُ جُذُوْرَ لَهْفَتِكِ
أَقُوْلُ:
- خُذِيْنِي حَرفَاً لِتَوَهُّجِكِ
مَاءً لِبَراكِيْنِ اْسمِـكِ
نَجْمَـاً لِلَيْلِ اغتِرَابِكِ
لِأَسْقِيَ ذُكْرَيَاتِكِ بِتَنَهُّدَاتِ النَّدى
أَغْسِلَ أَجْنِحَةَ صَبـَاحِـكِ
حَبِيْبَتِي الغَائِبـَة.*
إسطنبول
* عَـتَـمـَـةُ المَـصِـيْرِ..
أَرتَـمِي مِنْ شـُرفَةِ الفَوضَى
تَحتَ سَنـَابِكِ الحَربِ
دَهـشَتِي مُتَوَرِّمَـةٌ بالدَّمـعِ
والـدَّمُ يَنفِرُ مِنْ حَدَقَاتِ ذُعرِي
أتَهـَاوى في نـَزْفِ الرَّغـيفِ الجـَافِّ
يَتَلَقَّفُنِي عَطَشُ الخِنْجَرِ
يَذْبَحُنِي مَنْ كُنْتُ أَعتَمِدُ عَلَيْهِ
وَ أُقَاسِمُـهُ ضُحكَتِي وَعَافِيَتِي
الحـَربُ وَثَبَـتْ على أَكْتَـافِ البِلادِ
الـرَّصَاصُ يَطـالُ الـنَّدى
وَيُمَزِّقُ عِطرَ البـَيَاضِ
الأرضُ تَنْكَمِشُ على أَثْقـَالِهَا
وَالمـَاءُ تَفَجَّرَتْ أحشَاؤُهُ
بِمَخـَالِبِ الصَّحرَاءِ القَـادِمَةِ
دَمٌ يُمْطِرُ مِنْ تَأَوُّهـَاتِ الخَرَابِ
وَسُقُوفُ المَنَازِلِ تَغتَالُ الاستِغَاثَاتِ
والجُدرَانُ تَرمِي أصحَـابَـهَا بِحِجَارَتِهَـا
والشَّجَرُ الذي كانَ يَشْرَبُ الأغَانِي
أَضْرَمَ لِلحُبِ النِّهـَايَةَ
هَرَبَتْ مِنْ أَمَامِنَا الجِهَاتُ
وَكَانَتْ عَتَمـَةُ المَصِيْرِ تُطَارِدُنَا
وَنَحنُ نَتَوَزَّعُ على مُنْعَطَفَاتِ الخُذْلانِ
وَالعَطَشُ الأسوَدُ يَرجُمُ
خطواتِـنا
وَالجُوعُ يَغْرِزُ أَنْيَابَـهُ في هَلاكِـنَا
نَمْشِي في عَرَاءِ الفَاجِعَةِ
والمَوتُ الهَائِجُ دَلِيْلُنـَا الوَحـِيْدُ
في طُرُقَاتِ البَردِ الطَّويْلَةِ
نُحَاذِي العـَدَمَ الـهَشَّ
في رَحِيْلِنـَا
إلى كُلِّ البـِلادِ الَّتِي رَفَضَتْنَا
والَّتِي أَهـدَتْ أَرواَحَـنا
وأَطفَالَـنا
إلى سَمَـكِ القُـرشِ
وَمَوجِ البَحـرِ
الذي لا يَعـرِفَ المُجَامَلَةَ
بِأَيديـِنَا طَرَقـْنَا أَبْوَابَ الجَحِيْمِ
وَتَرَامَيْنَا فَوقَ أَرصِفَةِ السَّعِيْرِ
نَدفَعُ الـجِـزْيَةَ مِنْ قَامَاتـِنَا
وَنَقْضِمُ كَرَامَتَـنَا
كُلَّمَا سُئِـلْـنَا عَنْ هَوِيَّتِنَا
أَسْمَاؤنَا مُحَارَبَةٌ
لُغَتُنَا عَارُنَـا
دِيْنُنَا مُحَرَّم ٌ
وَشَرَفُنَا الـدُّودَةُ الـزَّائِدَةُ.*
إسطنبول
* سَنَابِلُ جِرَاحِي..
تَرتَعِشُ يَدُ السَّماءِ الباردَةِ
حينَ تُصَافِحُ سَنَابِلَ جِرَاحِي
وَتَحُوْمُ الأرضُ بجنونٍ
حولَ ينابيعِ انكساري
والبحرُ المخنوقُ يتدحرجُ
صوبَ مناراتِ احتراقي
تنكفئُ الريحُ وتستسلمُ
أمامَ تعرّجاتِ دروبي
والمطرُ المتشردُ
ينامُ مبلَّلاً بحيرَتِهِ
على أفاريزِ عطشي
الليلُ يتلمَّسُ هواجسي بحذرٍ
العمرُ يتمسَّكُ بآهاتي
كطفلٍ فقدَ أمُّهُ
والصَّمتُ
هذا الصَفيقُ
يتغلغلُ في بحةِ دموعي
أنا ووحدتي
سرقنا الهزيمةَ
وهربنا من بشاعةِ المنتصرينَ
لن نقترب من أبوابِ الخديعةِ
ولن نلجأَ لأيِّ قاضٍ
يناصرُ السَّيافَ
ويرقصُ بغبطةٍ
في عيدِ ميلادِ كلبِ السُّلطانِ
الأرضُ ترزحُ تحتَ عتاقيدِ الجثثِ
السَّماءُ تشكو من زكامٍ حادٍ
والنَّهرُ يتقيَّأَ عفوُنَةَ
أهلِ الخَطابَةِ
سنترك البلادَ للجلادِ
سنترك الشَّجرَ للصيَّادِ
سنترك الهواءَ للأصفادِ
وسننجو بما نحملُ بداخلنا
من أحلامٍ
خارجَ هذا الجحيمِ
سنزرعُ الفرحةَ بالمدى
ونكتبُ القصائدَ
على هدهداتِ النّدى
تركنا لهمُ البلادَ
وما تبقى من رمادٍ
لنحيا على أطرافِ الموتِ
في حضنِ غُصَّتنا
في قلبِ حرقتنا
في باطنِ صرختنا
في جرحِ نكبتنا
نكتبُ على دمع التّاريخِ
حكايتنا.. وقصَّتنا.*
إسطنبول
* الرَّعْدُ الأخرس..
هذا العَراءُ مَسْكَنِي
ومأوى دموعي
لا تَهْدموا جدرانَ وحشتِهِ
فوقَ رمادي
فإنِّي لا أبرحُ غُصَّتي
ولا أُغَادرُ هروبي
أستَرِقُ السَّمعَ لِضُحكةِ الهَباءِ
وأُصِيْخُ القلبَ لِغُربَتي
وأُرسِلُ رَسَائِلَ الخَيبةِ
إلى صَمَمِ الوَقتِ
لا شيءَ يَتَفَقَّدُنِي سوى الرِّيحُ
تَأْتِيْنِي لِتَرشَّ عَلَيَّ سُخريَّةَ الغُبارِ
وَيَقُولُ التُّرَابُ لِقَهرِي :
- سَأَقْتَلِعُ جُذُورَ أَنْفَاسكَ
وأُعَفِّرُ قَصَائِدكَ بالسَّرَابِ
لِأَنِّي لا أَنْتَمِي لِهَذِهِ الحَربِ
ولا أُبَارِكُ جَحِيْمهَا
أنا لا أَنْتَسِبُ لهذا الدَّمارِ
وَلَمْ أَشْتركْ في إِعْمَارِهِ
أوردتي لَمْ تصفِّقْ لِلْمُسَدَّسِ
ولَمْ تَنْحَنِ كلماتي
لِرَعْدٍ أَخْرَسٍ.*
إسطنبول
* أهـدابُ القهرِ..
يَحْتَرِقُ الليلُ
يذوبُ في هواجسي
ويشرَبُني الوقتُ
كحمارٍ وَحْشِيٍّ نهشتهُ البراري
أفتِّشُ في جدرانِ وحدتي
عن نافذةٍ مرسومةٍ
فلا أجِدُ إلاَّ جرحي
ومنهُ أطِلُّ على البكاءِ
تبكي عليَّ القصيدةُ
كلَّما تَسَرَّبَتْ من اختناقي
تَنْفُضُ عن شهقتي الجمرَ
وَتَصُبُّ لي كأساً من الذِّكرياتِ
وَتَسْكُبُ في ينابيعِ روحي
الأحرُفَ
وتقولُ لرمادِ أصابعي
تَجَلَّدِي بالانتظارِ
وأنا أطعمتُ الانتظارَ عمري!!
وأسكنتهُ حدائقَ نبضي!!
وأشعَلْتُ لَهُ أوجاعي شُموعاً
ليهتدي إلى دروبٍ مورقةٍ
بالرَّجاءِ
يحنو عليَّ قهري
يفتحُ لي ذراعيهِ
يحضنُ يباسَ لوعتي
ويفرشُ لي أهدابَـهِ.*
إسطنبول
* حَنْجَـرَةُ الضَّوءِ..
بيني وبينَ الهواء
آفـاق ٌ مِنَ الاختناقِ
والصَّحراءُ تعضُّ دموعي
كلَّما لامَسَتْ روحي درباً
أطعمتُ أجنحتي لصدى الحسراتِ
وصرتُ أمشي فوقَ جراحي
إلى جهاتٍ فَقَدَتْ دَليـلَـهـا
وتـاهتْ في أصقـاعِ هواجسي
إنِّي استبدلتُ عمري بالرَّمـادِ
وافترشتُ في دمي جمرَ الانتظارِ
أحدِّقُ في تهدُّمِ الذِّكرياتِ
وأحاولُ إيقاظَ موتي
شيَّعتنيَ الدُّروبُ
إلى مقابرِ الرِّيحِ
وكانَ السَّرابُ يتلـوْ قصائدي
في حضرةِ العطشِ الرَّجيمِ
والماءُ يتمترسُ خلفَ السَّديمِ
يشربني القيظُ
تلعقُ آهتي النَّـار ُ
والغـربةُ تَهْصِرُ أنفاسي
أنا ترابُ الهمساتِ
أحجـارُ الشَّغَـفِ المُقَدَّدِ
شفقُ الخرابِ المُنْتَشِرِ
في بلادِ الزَّيتونِ والزيزفونِ
أخذوا مِنَ الفراشاتِ
أزهـارَ النـَّدى
وأغلقوا أبوابَ الهلاكِ
على ينابيعِ السَّمـاءِ
وَحَنْجَـرةِ الضَّوءِ.*
إسطنبول
* شُرُفـَاتُ الغِيَابِ..
... وَأُطِلُّ مِنْ شُرُفَاتِ الغِيـابِ
على أوجـاعِ التَّرَقُّـبِ
أنادي على حَمَامِ ضِـحـْـكَتـِكِ
ليرفرفَ دمي في هديلِ الوردِ
في صَوتِـكِ يختبئُ عطشُ الحنينِ
نسائمُ البوحِ تأتي
من بساتينِ أنفاسِكِ
اسمُكِ وحدَهُ يكفيني لأحيا
على ضفافِ التَّبَتُّلِ
عاشقاً لِسَرْمَدِ الحُرُوفِ
أكتبُ لكِ اشتياقي
على وميضِ النُّجُومِ
وأقرأُ قصائدي
على تنهُّدَاتِ القمر
أنتِ تَوَسـُّـعُ الخليقة في لُغَتِي
أَمُدُّ لَكِ أمواجَ شغفي
أُسـَوِّرُ اتَّسَاعَـكِ بلهفتي
وأُحاصِرُ غِيابَـكِ
بسياجٍ من لوعتي
اُحِـبُّ فيكِ جَنـَّةَ الله ِ
و لَمَسـَات ِالسَّحَـابِ
إليكِ تَبْتَهِلُ نـار وُحْدَتِي
و جُنُونُ أوردتي
و أجنحـةُ انكساري
فَلَيْتَ المسافاتِ تَفْهَم ُ
و الحربَ تَضَعُ أوزارَها.*
إسطنبول
* سَتـَائِـرُ الاختِنَاقِ..
يَنْتَظِرُنِي النِّسْيـَانُ
لِيَأُخُذَنِي إلى عَتَمـَاتِ النِّهَايـَةِ
سَأَحْمِلُ مَعِي خَيْبَتِي المُتَفَجِّرةَ
وآلامَ أَحْلامِي
وَدَمْعَ صَوْتِيَ الرَّمِيْمِ
وَ سـَأَتـرُكُ على الأرضِ
شَهْقَـةَ دَمِي
وآهـاتِ خُطايَ
ورمـادَ ابْتَسَامَتِي المَاطِرَةِ
غَدَرَتْ بيَ الـدُّرُوْبُ
وَضَلَّلَنِـيَ الانْتِظـَارُ
وَخـَانَتْنِـيَ الأَيَـادِي
الَّتِي أَطْعَمْـتُهَا فَضـَائِي
إِنِّي أَسـتوْدِعُ جِرَاحِي
في لَمَسـَاتِ النَّدى
وَأَتْـرُكُ شُرُفـَاتِ قَصـَائِدِي
لِحُضْنِ المَـوْجِ
وَأَنَا أُغـَادِرُ فِتْنَةَ الجَحِيْمِ
لن أطِلَّ على خرابِ البياضِ
لَنْ أُوَدِّعَ سُقُوْطَ الرُّؤى
وَلَنْ أَحْكِيَ لِلْعـَدَمِ
عَنْ مـَآثِـرِ وجُـودِي
بينَ عَـتْمَتِكُم
سَأَبْتَلِعُ قَهـْرِي بِصَمـْتٍ
وأنا أُسْـدِلُ سِـتـَارَةَ حُبِّي
على وجَـعٍ كافرٍ
لَـقِيْتـُـهُ مِنْ وَطَنِي.*
إسطنبول
* صَهِيـلُ النـِّداءِ..
وأنا أهـزجُ احتراقي
في مَعْبَدِ غيابِكِ
كلَّما الدُّروبُ لاحتْ بعُطرِكِ
أتنفَّسُ عبقَ الذِّكرياتِ
وأشْتـَمُّ صهيـلَ النـِّداءِ
أنا أسكنُ سهـوبَ همسـِـكِ
أتَغَلْغَلُ في بُحـَّةِ أصابعِـكِ
وأذوبُ في كَنَفِ اللَمَسَاتِ
تَتَرَقْرَقُ في أضلُعي ينـابيع عشقـِكِ
ونَحوكِ تَنسَـابُ شَهَقاتُ روحي
تُنـَاديكِ شَبَـابيكُ هواجسي
يا أُنثى البرقِ
يا قَـامةَ الموجِ
وَحُضنَ المَرجِ
كَتَبْتُ على أسوارِ الجَحِيمِ :
- تَقَوَّضَتْ سَلالِـمُ الانتظار ِ
وَشَاخَتْ دروبُ الرَّجـاءِ
أَطِـلِّـي على الجنَّـةِ النَّـاحبةِ
على جنازةِ النَّدى المُنْـتَحِر ِ
وعلى شُـرُوقِ القَصِيدةِ
رَمِّمِي لي أُفُقَ الكلماتِ
تَصَدَّعَ وَهَجُ البياضِ
تَفَحَّمَ قَلْـبُ الضُّحى
وفاضَتْ دُموعِ الجنونِ.*
إسطنبول
* السَّوْسَنَة..
أُلَاْمِسُ شَفَقَ ضحكتِكِ
أستجمعُ شَغَفَ دمي
لِأَرْحَلَ في فَضَاءَاتِ الرَّنِيْنِ
لِعطرِكِ تَنْجَرفُ سُيُولُ لَوعَتي
فَأُبصرُ في سِهُوبِ الوردِ
مجاذيفي تَنبضُ بالحريقِ
أتقدَّمُ صَوبَ شَلَّالاتِ الرَّحِيقِ
في عنقِكِ جنونُ الموجِ
في وجهِكِ يقيمُ الضُّحى
وفي شَعْرِكِ أصداءُ النَّسيمِ
النَّدى يَغفُو على تَنَاهِيدِ صَدْرِكِ
والسَّمـاءُ تَنْغَمِسُ في بَحرِ فِتْنَتِكِ
هذا الهَواءُ الذي يَتَنَفَّسُكِ
سَأُدَّخِرُهُ لِقَبْرِي
لَنْ أُفَرِّطَ بِشُرْذَمَةٍ مِنْ فَضَائِكِ
سَأَتَمَسَّكُ بِالْأَمْكِنَةِ
الّتِي تَشَرَّبَـتْ هَدِيْلَ خُطُوَاتِكِ
وَأَفْتَحُ مَصَارِيْعَ قَلْبِي
لِلْزُهُوْرِ الّتِي تَفَتَّحَت
عِنْدَ أَعْتَابِ ظِلالِكِ
أنتِ عُطْرُ اليَنَابِيْعِ الرَّاقِصةِ
أَمْوَاجُ الغُبطةِ الهَانِئةِ
عُصْفُوْرَةُ الهَمَسَاتِ الوَارِفةِ
أنتِ بَرَاكِينُ الرَّهَافَةِ
مُوْسِيْقَا الرَّفِيْفِ
وَحضنُ التَّوَرُّقِ
إليكِ تَمـدُّ قَصَائِدي أَغْصَانها
وَتُسَابِقُ سُحُبَ الأُمْنِيَاتِ
إلى أَعشَابِ بَوْحِكِ
وَآهَاتِي بِجُنُونٍ تَتَسَلَّقُ وَمِيْضَ اسمِـكِ
لأُبصِرَ مراكبَ الفَجرِ القَادِمَةَ
مِنْ هَسِيْسِ قِلاعِكِ
وَيَكُونُ المَدى مشرعاً أبوابَهُ
لِهُتَافَاتِ حَنِيْنِي
لِمَعْشُوقَةِ التَّارِيخِ وَالأزْمِنَةِ
وَلِعَبَقِ الشَّمسِ
وَمُهْجَةِ التَّكْوِيْنِ وَالأَمْكِنَةِ
حَلَب..
قَامَةُ السَّوْسَنَة.*



مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول




الفهرس:
=======================
01 - الظَّبي
02 - قيامة الكلام
03 - قيثارة الندى
04 - أحصنةَ العدم
05 - يا بلدي
06 - متاهات النبض
07 - همس السديم
08 - استرحام
09 - نهايتي
10 - دوامة
11 - فراشة دمعتي
12 - اعتزال
13 - مسقط موتي
14 - تاريخ الورد
15 - حلب الرحمة
16 - الكلمة
17 - حروف الندى
18 - سعف اسمي
19 - يا وطني
20 - أنفاس الطريق
21 - الغائبة
22 - عتمة المصير
23 - سنابل جرحي
24 - الرّعود الأخرس
25 - أهداب القهر
26 - حنجرة الضوء
27 - شرفات الغياب
28 - ستائر الاختناق
29 - صهيل النداء
30 - السوسنة


--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى