هبة رجب شرف الدين - ثنائية السيد والعبد في مسرحية (الفرافير) ليوسف إدريس من منظور التحليل النقدي للخطاب

يمثل انفتاح النقد على الأبعاد الثقافية ومعالجة تمثلاتها في السرد وفرة في بؤر القراءات النقدية، والتي من شأنها أن تعج بالتساؤلات المتفاعلة مع النسق الثقافي، كما تفتح آفاق مختلفة للتلقي، وتمد جسد النقد بالاصطلاحات الجديدة الحية، وتنبه الوعي إلى مسئوليات أيديولوجيا.
لقد ساعد الولوج في سبر النصوص الأدبية بموجب نقد ما بعد الثقافي على تنوير الأبعاد الرأسية للخطاب والمتعلقة بالمقولات المعرفية والأيديولوجيات الظاهرة والمضمرة، وقد شكل هذا منعطفًا في التبئير النقدي؛ فتجلت قضايا حيوية في السياق النقدي لم تأخذ حقها مسبقًا من البنان النقدية، وأبرز هذه القضايا قضية السلطة وما تسفر عنه من ثنائيات؛ أبرزها ثنائية السيد والعبد، والتي تمثلت بشكل جلي في مسرحية الفرافير.
الفرافير مسرحيةُ يوسف إدريس التي طرحها في منتصف الستنينيات عام 1964م، وهي مسرحية فلسفية جدلية تهكمية تعرض علاقة التبعية بين العبد والسيد، وقد ألبس إدريس شخصيات هذا العمل المسرحي معاني جديدة ومغايرة للمتداول الجمعي؛ كما نوع في المؤثرات المعنوية والشكلية، اللغوية وغير اللغوية والتي بإمكانها أن تزيد من مدى استجابة المتلقي؛ مما ساهم في تفاعل المتلقي معها وجدانيًا؛ من ثم رُسخت في الوعي واللاوعي معا.
يُعدُّ خطاب السلطة من معطيات المعنى التي تؤدى بأكثر من شكل فني في أدب يوسف إدريس، من هذه الأشكال الفنية -على سبيل المثال- بناء الشخصيات الذي جاء وفق ثنائية السيد والعبد في معية التسلطية، و"التسلطية هنا مجرد الميل إلى التصرف وفق مفهومي السيطرة والخضوع وحسب هذا المفهوم العام تبدو أكثر الشخصيات المصرية في روايات يوسف إدريس ومسرحياته وقصصه إما شخصيات متسلطة مستبدة أو شخصيات خانعة لسلطة قاهرة تشل إرادتها وتتحكم فيها"(1)، وهذه رؤية نابعة من منظور يوسف إدريس الخاص تجاه السلوك النفسي والإنساني والاجتماعي.
قُدمت السلطة في المسرحية عبر شكلين؛ الشكل الأول يتمثل في السلطة التقليدية، وهي سلطة الفرد على الفرد، أي سلطة السيد على العبد، أما الشكل الآخر يتجسد في سلطة كيان ما على الفرد وهي السلطة المعاصرة.
لقد أثَّر خطاب الهيمنة على بنية العناصر الفنية والبنائية للمسرحية، ولاسيما الصراع الذي اقترب بموجب فاعليته من عنصر البطولة في السياق الأدبي؛ ذلك لأن الهيمنة من فاعل على مفعول تطرح المفعول في وضعية متأرجحة بين المُجابهة والامتثال؛ من ثم يصبح للصراع تجسيد مطرد، ويظهر هذا جليًا في المشاهد التي طرح فيها يوسف إدريس الهيمنة بشكل تداولي بين طرفين؛ من ثم يرتقي بخطاب الهيمنة إلى وظيفة معرفية.
تتضمن أبعاد الخطاب المسرحي خطابًا تسلطيًا عند المشاركين في الخطاب من قبل المؤلف والسيد والمرأة وفرفور، ويمكن تحديد آلياته في العناصر الآتية:
• البعد اللغوي ويشمل: التعبيرات الكلامية، الأسلوب وترتيب الجمل
• التقنيات المستخدمة في التأثير من قبيل: التكرار، الحجاج، القياس الخاطئ، حيلة الثنائيات المتضادة، المفارقة، الإسقاط
• المواقف وتحتوي على: زاوية الرؤية العقلية، وزاوية الرؤية الوجدانية والبعد الانفعالي
• التعبيرات غير الكلامية ويندرج تحتها: لغة الجسد، لغة الملبس، والإشارات الضمنية
• الأبعاد المعرفية للخطاب وتضم: اللهجة والإحالة الخارجية الاجتماعية، والإحالة الخارجية الثقافية.
إن ماقام به إدريس في مسرحيته أشبه بما قام به العقاد في كتابه مَجْمَع الأحياء حينما" صور الطبيعة وقد جمعت أبناءها من الطيور والوحوش والبشر، وأتاحت الفرصة لكل منهم أن يظهر حجته في امتلاكه القوة التي تجعله صاحب السلطة في الحياة"(2)؛ إلا إن إدريس لم يقف عند رأي الشخصيات في السلطة إنما جعلها تمارسها، وتعبر بشكل فعلي عن منظورها تجاه ماهية السلطة؛ من ثم كان هناك كثرة في طرح المفاهيم.
هذا الطرح للآراء وتجريبها يؤكد على أن سلطة شخصية ما على غيرها ليست مطلقة؛ حيث رأى المتلقي السلطة تنتقل بالتناوب، فهي أشبه بلعبة يتم انتقالها بين الأفراد والتجريب فيها وتعزيزها بأشكال متنوعة، وبشكل ما يثبت إدريس مقولةَ ألفين توفلر في كتابه (تحول السلطة) حينما قال أن "السلطة التي تحددنا وتميزنا بشكل كبير كأفراد وكأمم، هي ذاتها في طريقها إلى شكل جديد"(3)
(1) عبدالرحيم محمد عبد الرحيم، الشخصية المصرية في أدب يوسف إدريس، مطبعة الأمانة، 1990م، صـ118
(2) عبد الرحيم الكردي، عندما تتوهج الكلمة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015م، صـ68
(3) ألفين توفلر، تحول السلطة، المعرفة والثورة والعنف على أعتاب القرن الحادي والعشرين، ت. لبنى الريدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995، صـ23-


هبة رجب شرف الدين / مصر




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى