يعد محمد الشيخي من شعراء السبعينيات الذين لا يعترفون بمثل هذا التقسيمات الزمنية لكونه، كما قال الناقد العوفي، ما تزال يده ماسكة بالمجذاف، تمخر به عباب الشعر وعباب الحياة. إنه شاعر دائم التجديد والتجدد، يقدم لنا في كل ديوان بعدا من أبعاد الدهشة، وديوانه "وردة المستحيل" يتميز بتجدده على المستويين الفني والدلالي.
فالشاعر متيم بالشعر مسكون بجمرته المقدسة ومهموم بأمره وسحره، لا يملك ، كما قال الناقد نفسه، عنه حولا، ولا منه فكاكا. والديوان دال قوي على هذا العشق وهذا الافتتان. تجليه صوره وأخيلته الشعرية، وفي طريقة بنائه وتوليفه لجسد القصيدة.
إنه، فضلا عن ذلك، شاعر ملتزم بالشعر وبهموم تاريخه الوطني والقومي وأساسا فلسطين، بما يحبل به ذلك التاريخ من أسئلة حارقة.
وقصائد ديوانه "وردة المستحيل" تتميز بالكثافة ودقة الصور وجمال اللغة، تأتي قصيرة لكنها كطلقات سريعة تصيب بمهارة هدفها.
قصائده تخاطب العين بطريقة عرضها على الصفحات، وتشير إلى ذلك الحوار البناء بين البياض والسواد، بين الصمت والكلام. فكثيرا ما تتمدد أسطر القصائد لتعبر عن مواجهتها للصمت، وتأتي في أحايين أخرى قصيرة تميل إلى صمت الحكماء في تأملها للحياة وما تحبل من تناقضات جمة؛ إنها لا تتوارى إلا لتفسح لنفسها فرصة التقاط أنفاسها لتعيد كرة الهجوم على الصمت المريع، تخرقه لتفسح المجال لنور الجمال حتى يسود.
يستدعي الشيخي في ديوانه هذا جملة من الشعراء الذين يتقاسمون معه خبز الشعر من مثل لوركا وألبتي والمجاطي فضلا عن الجوماري الذي أهداه قصيدته "فضاء للحلم المستحيل". ولا يفوتنا في هذا المجال استحضار ساردين كبيرين تم استدعاؤهما في الديوان، وهما محمد برادة، من خلال روايته "الضوء الهارب"، وعبد الجبار السحيمي من خلال مجموعته الفريدة "الممكن من المستحيل". وتجدر الإشارة إلى أن الكلمتين معا تحضران بكثافة في العمل وتشكلان أحد مفاتيحه.
فالديوان حابل بالتحدي من خلال كثافة حضور "المستحيل" من العنوان_الخيمة إلى آخر قصيدة، إنه يتنفسها بكل ما أوتيت رئة قصائده من قوة، وبه يرسم معالم أفق جديد وممكن تحققه. تعضد الكلمة المتاح مفردات لها نفس الوقع من مثل الحلم والعشق.
وهؤلاء الشعراء يعدون، بحسب الناقد نجيب العوفي، هم أشقاء روحه تجمعه وإياهم آصرة الهم الشعري وآصرة الهم الشعوري وآصرة الهم الإنساني النبيل. جميعهم يحتفون بالشعر وبالحياة رغم ما تحبل به من مشاق وخطوب تثبط الهمم. لكن شعراءنا يظلون مقاومين ومعاكسين للتيار السائد. وفي ديوان الشاعر محمد الشيخي قصائد عدة تدل على هذا العشق الصوفي للشعر من مثل قصيدته "اول الكلام" ص 9 حيث يقول:
واعزف جوابك
في بستان القصيدة..
فالقصيدة ارتبطت بالبستان كفضاء يدل على الخضرة والعطاء، كما ارتبطت بالعزف، لأن الموسيقى لغة عالمية تمس شغاف القلوب. وتخاطب الإنسان في كل زمان ومكان.
ويظل العزف على وتر محبة الشعر مستمرا بحضوره الناعم في العديد من القصائد الأخرى، دون أن ينسى نقد الكتابة الشعرية الفجة وشعراء الخذلان.
يقول في قصيدته "وردة المستحيل":
لعل السحابة
تأتي أخيرا
معطرة بالقوافي
تسيح على باحة القلب
تومض في وردة المستحيل. ص 79.
ويضيف في القصيدة نفسها:
ها هو الشعر
يقطف فاكهة الشمس
ينشر ألوانه
في زحام الشوارع
أو قد تراه
يفك قيود الحصار
يسير وحيدا
يشق عباب البحار
يرتاح..
في عش ذاك الفضاء ! ص 81 و82.
كما تحضر في قصيدة "حديث الصباح" حيث يقول:
أو أغمض عينيك قليلا
لعل القصيدة تأتي
مثقلة بالبوح
بزهر الرمان
برائحة الأمكنة العاشقة !ص 67.
أما في قصيدته "أندلس المحال" فينتقد شعرا الجبن والانحناء حيث يقول:
هل غادر الشعراء
كهف الليل
هل دقوا طبول النصر
أو اعزفوا نشيد السلم
فوق ثمالة الكأس الأخيرة
وانسكبوا...
على صحف الوشاية؟ ! ص 9 و10.
وضيف لامزا ومنتقدا وساخرا:
من يقول لهم.. ؟ !
أريحوا.. واستريحوا.. أولا.. !
فلكم بساط الريح.. ص 10.
لكن عشق الشاعر للشعر وتفانيه في خدمته لا يمنعه من الانفتاح على قضايا وطنه وعلى القضايا الحيوية ذات الارتباط، وأقصد القضية المحورية والمتمثلة في القضية الفلسطينية كما في قصيدته "أندلس المحال" ص 9 تلك الأندلس الممكنة والمستحيلة في آن.
الصور الشعرية:
وردة المستحيل شبكة من الصور المدهشة عميقة الغور تستجيب للكتابة المكثفة التي اعتمدها الشاعر، فعملية تفكيك مكوناتها واتبيان غناها الدلالي من العناصر التي تظهر براعة الشاعر في نسج صوره في ارتباطها بالمجال الذي تدور فيه وتمنحه التجلي، لقد ابتعد الشاعر عن الحشو والزوائد، ولجأ إلى التكثيف والإشارة والتلميح، حيث تختفي في بطون نصوصه أهداف ومعان عالية الدلالة مثلما يختفي العطر في وردة المستحيل، ومن الصور الغنية قوله:
صور شعرية تعكس قدرة الشاعر البارزة على خلق كم هائل من صور تقارب بين أطراف متباعدة ، وتؤالف بين أبعاد متناشزة في وحدة شعرية بنهج مغاير ومختلف يتوالى زخم تعابيره ، وتتنوع أبعاد معانيه:
وهو ما يعكس قدرة الشاعر على تنويع مخزونه الثقافي، إضافة إلى توسيع معارفه التي تمده بالمادة الأساسية لنحت قصائده ، و يساعد ه على ولادة نص شعري متميز ، فلا شعر يأتي من خواء ولا إبداع يأتي من فراغ ، من دون ذلك فإنه سيعتمد على صور مبتذلة عشوائية التوظيف .
والشاعر يعزف عن توظيف انزياحات خجولة من خلال تراكيب لغوية لا ترقى بمستوى الصورة الشعرية إلى مراتب التميز والجمال لخلق متعة القراءة والإدهاش والغرابة في نفس الباحت عنها في النص الشعري ، و الذي يدفعه للإبحار في عالم العلم والمعرفة من أجل قراءة متذوقة سليمة !*
لكن ما يميز تجربة الشاعر محمد الشيخي، هو هذا الاحتفاء بالشعر و الحياة كشكل من أشكال المقاومة و النضال ضد قبح العالم و شروره، وأيضا شعر مسكون بعشق الشعر و تقديسه، بلغة شعرية رصينة جزلة جامعة بين التراث والحداثة.
الزمن:
يعد الزمن عنصرا فاعلا في العمل الشعري وأحد ركائز بنائه، ويحضر إما بلفظه أو من خلال عنصر أو عناصر دالة عليه ومرتبطة به أشد ما يكون الارتباط، أي أن تلك العناصر فردية أو متعددة هي إحدى تجلياته، من مثل الصباح والمساء. ويأتي النصان قبل النص الأخير الذي يحمل عنوان المجموعة ككل؛ وهو ما يدل على هذا الحضور الطاغي للزمن في العمل الشعري.
وليس غريبا أن يتقدم النصان حديث الصباح" و"حدي المساء، على نص "وردة المستحيل للتدلالا على أهمية هذا البعد في صناعة المستحيل بخرق نظامه عبر الإتيان بالمدهش والمبهر، واجتراح المعجزات التي لم تكن واردة بالذهن، أو عدت من سابع المستحيلات؛ فالشعر في مفهوم المبدع محمد الشيخي هو القادر على هذا الاجتراح، بعدم الركون للجاهز والمعبل كتلك الأحلام التي وردت كثيرا في حنايا المجموعة وكانت مشفوعة بكلمة معلبة"؛ أي جاهزة للاستهلاك. فالشعر يرفض هذا القيد، كما يكره التضييق، والخضوع لسلطة الاستهلاك وكل ما يكبل انطلاقته نحو الحياة بكل ما تحمله الحياة من معاني السمو والرفعة والجمال.
الشعر، إذا، امتطاء لشهوة المستحيل. ص 27.
لماذا؟
لأنه: يزرع في بستان الفضاء.
لأنه يستلقي
فوق هدير الموج،
يغفو..
في مسكن الريح، يشرب غربته
في زحام الشوارع،
يتلو آياته
فوق صومعة
المدن اليابسة.
أو يقرأ فنجانه..
في ذاكرة الماء والنار؟ ! ص28.
فالريح رمز التغيير لأنه تحمل فعل الهدم للبناء، والغربة تعبير عن عدم الانتماء للسائد والعام، يصنع الخضرة في المدن اليابسة، فهو قرين الماء رمز الحياة، وقرين النار رمز الموت والانبعاث.
وحين نقرأ قصيدة "فضاء للحلم المستحيل" نعثر على مفردات الزمن والمتجلية في : الصبح والمساء والليل والفجر والظهر. أي مفردات معبرة عن اكتمال دورة يوم كامل وبداية يوم ثان، وهذه الدورة توحي بالخروج من دائرتها والتمرد على سلطتها باجتراح المستحيل؛ أي صناعة فضاء مغاير غير فضاء الألفة والعادة والتكرار.
إجمالا، شعر محمد الشيخي يطفح بنسوغ الحلم والعشق والشوق ويتمسك بأهداب المستحيل رغم كل الرياح العاتية والمعاكسة وخاصة في وقتنا الراهن الذي سادته التفاهة فتراجع الشعر الى الخلف لكنه سيظل مقاوما لكل أشكال القبح يواجهها بالورد وإن كان مستحيلا. فالشعر لدى الشاعر عبور لواقع الرداء الى ضفاف الجمال. انه يصنع بالمستحيل ما يشكل المعجزة.
**
1_ ديوان "وردة المستحيل" لمحمد الشيخي، من منشورات فضاءات مستقبلية، الدار البيضاء، الطبعة الاولى سنة 2002.
2_ نجيب العوفي، هو الشعر يقطف وردة المستحيل... صحبة الديوان.
* عبد النبي بزاز، زخم الصور وقيمتها الدلالية في شعر« خريف المآذن » للشاعر باسم فرات، مجلة قريش.
فالشاعر متيم بالشعر مسكون بجمرته المقدسة ومهموم بأمره وسحره، لا يملك ، كما قال الناقد نفسه، عنه حولا، ولا منه فكاكا. والديوان دال قوي على هذا العشق وهذا الافتتان. تجليه صوره وأخيلته الشعرية، وفي طريقة بنائه وتوليفه لجسد القصيدة.
إنه، فضلا عن ذلك، شاعر ملتزم بالشعر وبهموم تاريخه الوطني والقومي وأساسا فلسطين، بما يحبل به ذلك التاريخ من أسئلة حارقة.
وقصائد ديوانه "وردة المستحيل" تتميز بالكثافة ودقة الصور وجمال اللغة، تأتي قصيرة لكنها كطلقات سريعة تصيب بمهارة هدفها.
قصائده تخاطب العين بطريقة عرضها على الصفحات، وتشير إلى ذلك الحوار البناء بين البياض والسواد، بين الصمت والكلام. فكثيرا ما تتمدد أسطر القصائد لتعبر عن مواجهتها للصمت، وتأتي في أحايين أخرى قصيرة تميل إلى صمت الحكماء في تأملها للحياة وما تحبل من تناقضات جمة؛ إنها لا تتوارى إلا لتفسح لنفسها فرصة التقاط أنفاسها لتعيد كرة الهجوم على الصمت المريع، تخرقه لتفسح المجال لنور الجمال حتى يسود.
يستدعي الشيخي في ديوانه هذا جملة من الشعراء الذين يتقاسمون معه خبز الشعر من مثل لوركا وألبتي والمجاطي فضلا عن الجوماري الذي أهداه قصيدته "فضاء للحلم المستحيل". ولا يفوتنا في هذا المجال استحضار ساردين كبيرين تم استدعاؤهما في الديوان، وهما محمد برادة، من خلال روايته "الضوء الهارب"، وعبد الجبار السحيمي من خلال مجموعته الفريدة "الممكن من المستحيل". وتجدر الإشارة إلى أن الكلمتين معا تحضران بكثافة في العمل وتشكلان أحد مفاتيحه.
فالديوان حابل بالتحدي من خلال كثافة حضور "المستحيل" من العنوان_الخيمة إلى آخر قصيدة، إنه يتنفسها بكل ما أوتيت رئة قصائده من قوة، وبه يرسم معالم أفق جديد وممكن تحققه. تعضد الكلمة المتاح مفردات لها نفس الوقع من مثل الحلم والعشق.
وهؤلاء الشعراء يعدون، بحسب الناقد نجيب العوفي، هم أشقاء روحه تجمعه وإياهم آصرة الهم الشعري وآصرة الهم الشعوري وآصرة الهم الإنساني النبيل. جميعهم يحتفون بالشعر وبالحياة رغم ما تحبل به من مشاق وخطوب تثبط الهمم. لكن شعراءنا يظلون مقاومين ومعاكسين للتيار السائد. وفي ديوان الشاعر محمد الشيخي قصائد عدة تدل على هذا العشق الصوفي للشعر من مثل قصيدته "اول الكلام" ص 9 حيث يقول:
واعزف جوابك
في بستان القصيدة..
فالقصيدة ارتبطت بالبستان كفضاء يدل على الخضرة والعطاء، كما ارتبطت بالعزف، لأن الموسيقى لغة عالمية تمس شغاف القلوب. وتخاطب الإنسان في كل زمان ومكان.
ويظل العزف على وتر محبة الشعر مستمرا بحضوره الناعم في العديد من القصائد الأخرى، دون أن ينسى نقد الكتابة الشعرية الفجة وشعراء الخذلان.
يقول في قصيدته "وردة المستحيل":
لعل السحابة
تأتي أخيرا
معطرة بالقوافي
تسيح على باحة القلب
تومض في وردة المستحيل. ص 79.
ويضيف في القصيدة نفسها:
ها هو الشعر
يقطف فاكهة الشمس
ينشر ألوانه
في زحام الشوارع
أو قد تراه
يفك قيود الحصار
يسير وحيدا
يشق عباب البحار
يرتاح..
في عش ذاك الفضاء ! ص 81 و82.
كما تحضر في قصيدة "حديث الصباح" حيث يقول:
أو أغمض عينيك قليلا
لعل القصيدة تأتي
مثقلة بالبوح
بزهر الرمان
برائحة الأمكنة العاشقة !ص 67.
أما في قصيدته "أندلس المحال" فينتقد شعرا الجبن والانحناء حيث يقول:
هل غادر الشعراء
كهف الليل
هل دقوا طبول النصر
أو اعزفوا نشيد السلم
فوق ثمالة الكأس الأخيرة
وانسكبوا...
على صحف الوشاية؟ ! ص 9 و10.
وضيف لامزا ومنتقدا وساخرا:
من يقول لهم.. ؟ !
أريحوا.. واستريحوا.. أولا.. !
فلكم بساط الريح.. ص 10.
لكن عشق الشاعر للشعر وتفانيه في خدمته لا يمنعه من الانفتاح على قضايا وطنه وعلى القضايا الحيوية ذات الارتباط، وأقصد القضية المحورية والمتمثلة في القضية الفلسطينية كما في قصيدته "أندلس المحال" ص 9 تلك الأندلس الممكنة والمستحيلة في آن.
الصور الشعرية:
وردة المستحيل شبكة من الصور المدهشة عميقة الغور تستجيب للكتابة المكثفة التي اعتمدها الشاعر، فعملية تفكيك مكوناتها واتبيان غناها الدلالي من العناصر التي تظهر براعة الشاعر في نسج صوره في ارتباطها بالمجال الذي تدور فيه وتمنحه التجلي، لقد ابتعد الشاعر عن الحشو والزوائد، ولجأ إلى التكثيف والإشارة والتلميح، حيث تختفي في بطون نصوصه أهداف ومعان عالية الدلالة مثلما يختفي العطر في وردة المستحيل، ومن الصور الغنية قوله:
صور شعرية تعكس قدرة الشاعر البارزة على خلق كم هائل من صور تقارب بين أطراف متباعدة ، وتؤالف بين أبعاد متناشزة في وحدة شعرية بنهج مغاير ومختلف يتوالى زخم تعابيره ، وتتنوع أبعاد معانيه:
وهو ما يعكس قدرة الشاعر على تنويع مخزونه الثقافي، إضافة إلى توسيع معارفه التي تمده بالمادة الأساسية لنحت قصائده ، و يساعد ه على ولادة نص شعري متميز ، فلا شعر يأتي من خواء ولا إبداع يأتي من فراغ ، من دون ذلك فإنه سيعتمد على صور مبتذلة عشوائية التوظيف .
والشاعر يعزف عن توظيف انزياحات خجولة من خلال تراكيب لغوية لا ترقى بمستوى الصورة الشعرية إلى مراتب التميز والجمال لخلق متعة القراءة والإدهاش والغرابة في نفس الباحت عنها في النص الشعري ، و الذي يدفعه للإبحار في عالم العلم والمعرفة من أجل قراءة متذوقة سليمة !*
لكن ما يميز تجربة الشاعر محمد الشيخي، هو هذا الاحتفاء بالشعر و الحياة كشكل من أشكال المقاومة و النضال ضد قبح العالم و شروره، وأيضا شعر مسكون بعشق الشعر و تقديسه، بلغة شعرية رصينة جزلة جامعة بين التراث والحداثة.
الزمن:
يعد الزمن عنصرا فاعلا في العمل الشعري وأحد ركائز بنائه، ويحضر إما بلفظه أو من خلال عنصر أو عناصر دالة عليه ومرتبطة به أشد ما يكون الارتباط، أي أن تلك العناصر فردية أو متعددة هي إحدى تجلياته، من مثل الصباح والمساء. ويأتي النصان قبل النص الأخير الذي يحمل عنوان المجموعة ككل؛ وهو ما يدل على هذا الحضور الطاغي للزمن في العمل الشعري.
وليس غريبا أن يتقدم النصان حديث الصباح" و"حدي المساء، على نص "وردة المستحيل للتدلالا على أهمية هذا البعد في صناعة المستحيل بخرق نظامه عبر الإتيان بالمدهش والمبهر، واجتراح المعجزات التي لم تكن واردة بالذهن، أو عدت من سابع المستحيلات؛ فالشعر في مفهوم المبدع محمد الشيخي هو القادر على هذا الاجتراح، بعدم الركون للجاهز والمعبل كتلك الأحلام التي وردت كثيرا في حنايا المجموعة وكانت مشفوعة بكلمة معلبة"؛ أي جاهزة للاستهلاك. فالشعر يرفض هذا القيد، كما يكره التضييق، والخضوع لسلطة الاستهلاك وكل ما يكبل انطلاقته نحو الحياة بكل ما تحمله الحياة من معاني السمو والرفعة والجمال.
الشعر، إذا، امتطاء لشهوة المستحيل. ص 27.
لماذا؟
لأنه: يزرع في بستان الفضاء.
لأنه يستلقي
فوق هدير الموج،
يغفو..
في مسكن الريح، يشرب غربته
في زحام الشوارع،
يتلو آياته
فوق صومعة
المدن اليابسة.
أو يقرأ فنجانه..
في ذاكرة الماء والنار؟ ! ص28.
فالريح رمز التغيير لأنه تحمل فعل الهدم للبناء، والغربة تعبير عن عدم الانتماء للسائد والعام، يصنع الخضرة في المدن اليابسة، فهو قرين الماء رمز الحياة، وقرين النار رمز الموت والانبعاث.
وحين نقرأ قصيدة "فضاء للحلم المستحيل" نعثر على مفردات الزمن والمتجلية في : الصبح والمساء والليل والفجر والظهر. أي مفردات معبرة عن اكتمال دورة يوم كامل وبداية يوم ثان، وهذه الدورة توحي بالخروج من دائرتها والتمرد على سلطتها باجتراح المستحيل؛ أي صناعة فضاء مغاير غير فضاء الألفة والعادة والتكرار.
إجمالا، شعر محمد الشيخي يطفح بنسوغ الحلم والعشق والشوق ويتمسك بأهداب المستحيل رغم كل الرياح العاتية والمعاكسة وخاصة في وقتنا الراهن الذي سادته التفاهة فتراجع الشعر الى الخلف لكنه سيظل مقاوما لكل أشكال القبح يواجهها بالورد وإن كان مستحيلا. فالشعر لدى الشاعر عبور لواقع الرداء الى ضفاف الجمال. انه يصنع بالمستحيل ما يشكل المعجزة.
**
1_ ديوان "وردة المستحيل" لمحمد الشيخي، من منشورات فضاءات مستقبلية، الدار البيضاء، الطبعة الاولى سنة 2002.
2_ نجيب العوفي، هو الشعر يقطف وردة المستحيل... صحبة الديوان.
* عبد النبي بزاز، زخم الصور وقيمتها الدلالية في شعر« خريف المآذن » للشاعر باسم فرات، مجلة قريش.
