د. أيمن دراوشة - لفائف كِسليف للروائي السوري نصار الحسن - فن السرد والمعقَّدات الإبداعية-

لفائف كِسليف رواية مثيرة للاهتمام تأخذنا في رحلة معقدة ومليئة بالغموض حيث يتناول نصار الحسن فيها قضايا اجتماعية ونفسية بشكل مبدع، ويُشير النقاد إلى تفرد السرد والأسلوب، ولكن بعضهم يعتبر أن الرواية قد تكون معقدة بعض الشيء في بعض النقاط.

لفائف كِسليف تقدم مجموعة متنوعة من الشخصيات الغنية والمعقدة، تتنوع بين الأصدقاء المخلصين والشخصيات الغامضة، ويتم تصوير الأماكن بشكل رائع، حيث ينتقل القارئ من مكان لمكان بأسلوب يلمس أبعاد مختلفة من الحياة.

الرواية تتقاطع بشكل معقد، والنهاية تحمل مفاجآت تكشف طيات مهمة للرواية.

  • ملخص الرواية:
تناول الروائي حياة شخصية يهودية من سوريا كِسليف والأهوال التي وجدها بسبب كونه يهوديًا، حتى أنه تم نفيه من دمشق إلى دير الزور بضعة سنوات، الأحداث في غالبيتها زمن الحكم العثماني، ويصور الروائي زمن تلك الأحداث من تسلط وظلم وقهر، والإعدامات والعقوبات العنيفة كالخوازيق.

الرواية مسرودة بغالبيتها من قبل سلمى الفلسطينية الشابة المتزوجة من فهد، يسكنون في دمشق في بيت مهترئ، بعد اللجوء إليها مع والد فهد وأمه.

وينتهي دور سلمى كراوية ليستلم السرد كِسليف الذي وجدت مذكراته في قبو في البيت القديم، كما وجدت جثته، والتي يتفق فهد ووالده على دفنها دون أن يعرف أحد خوفًا من إشكاليات قد تصيب العائلة، وهي العائلة الفقيرة، واللاجئة والتي حصلت على هذا المنزل المتهالك بعد جهد كبير.

يتحدث كِسليف عن حياته وأحداثها، وأهمها موت أمه وهي رضيع، حبه الفاشل لسارة، وفقدانه لوالده وهو فتى، واشتغاله في العديد من الأعمال فعمل كحلاق وكطبيب أعشاب ويقوم بالحجامة، وكتاجر مع تجار يهود، ومغامراته مع الكثير من النساء.

والمؤلف يقارن سرقة فلسطين وطرد شعبها والمذابح ضدهم، بحياة كِسليف الصعبة، فعندما تدعو أم فهد اللاجئة على اليهود مستذكرة بياراتها وأرضها، يقول لها أبو الفهد لا تدعي على كل اليهود، فهم ليسوا سواسية، وكما أخذوا بيتنا ها نحن نسكن في بيت واحد منهم!

2- الشخصيات المتنوعة والمعقدة:

يتألق الكاتب في رسم شخصيات تتنوع بين الأصدقاء والشخصيات الغامضة، مما يثري تجربة القارئ ويعزز التفاعل العاطفي مع الرواية.

الشخصيات هي: (أبو فهد، وأم فهد، وفهد، وزوجته سلمى)

فهؤلاء اللاجئين في مقابل اللاجئين اليهود الذين اضطروا للهجرة إلى فلسطين وترك العراق نتيجة ارتكاب مذابح ضدهم كونهم يهودا، وكذلك هجرتهم من سوريا لأنها لم تعد آمنة.

وظهرت الشخصيات وكأنها مستسلمة للقدر وغاية حلمها البقاء في هذا البيت القديم ولا يشاركها فيه أحد.

ويظهر الكاتب الكثير من المقاطع الجنسية، وكنت أتمنى أن يعتدل بذلك فلا يبالغ بهذه الأمور.

أمَّا أخطر مقطع في الرواية فهو النهاية، تقول سلمى "عاد الأولاد من المدرسة وكان عليّ أن أسارع بتقديم الطّعام لهم. لن أستطيع أن أروي لهم حكاية كِسليف ، وسيبقى لغزًا وجود جثته سرًّا بيننا كما وعدتُ زوجي حتّى لا تختفي ابتسامة أولادي ويسيطر عليهم الخوف والهلع مما حدث سابقاً في الدّار. لقد كان قرار عمّي صائبًا بإغلاق السرداب نهائيًّا"

أما فهد فهو الابن الوحيد والذي جاء بعد موت الكثير من الأجنة في رحم أمه، لذا سمي فهد قالت أحداهن ليكن اسمه فهدًا على اسم حيوان حتى يخطئه ملك الموت.

ومن الشخصيات التي كان لها دورها حزيقل، يقول كِسليف عنه: “كنتُ أرافقه كظلّه وأنا مستمتع بذلك كلّ لحظة تمرّ على رفقتي له تجعلني أكثر التصاقًا به، كان يملك شخصيّة تجمع الكثير من التّناقضات، ولكنّه يُبرز منها فقط ما يوده. هو شخصية نادرة لم أرَ شبيهها في حياتي"

هناك زوجة أب كِسليف يقول: كانت امرأة داهية وشبقة، تدّعي أنّ ما حدث بينها وبين الرجال الآخرين ما هو إلاّ اغتصابٌ لا دخل لها فيه، كانت فيه هي الضحية.

ومن الشخصيات المهمة شخصية الشيخ إبراهيم وهو يتصف بالحكمة والنقمة على الحكم التركي، لذا يثور عليهم، ويكون مصيره الموت.

أما الضابط جمال فظهر كإنسان دون ضمير أو رحمة يمارس القتل والتعذيب بحق السكان، كما يعمل أيضًا على استغلال النساء بالدعارة وحتى بيعهن.

كما تم ذكر قصة عائلة أرمنية هربت من الظلم التركي حيث مات الكثيرين إثناء الهرب، وهي العائلة التي استقبلها كِسليف في بيته واعتنى بها.

وهناك شخصية عزرا الذي يتصف بحب العمل والحكمة، والذي ساعد كِسليف مرارًا وكان كِسليف يحبه ويحترمه رغم إنه زوَّجه من ابنته والتي اكتشف لاحقا إنها مريضة فتم الطلاق وماتت بعد ذلك.

وهناك شخصية جد كِسليف الذي كان يعتنق السامرية سرّاً ، وأظن أنّ السامرية كديانة لم يتطرق لها أحد من الروائئيين.

حفظت ردوده المقتضبة، حصرا بهذا الشأن، الا انني اعدت طرح سؤالي عليه بحزم وعناد. تنهد قليلا وأطلق زفرات متقطعة، وضع كلتا يديه على كتفي، وامتشق نظراتي الحائرة لأعماق مقلتيه وأجاب

نعم أنا سامري وكذلك انت بالطبع، هذا ما لقنني إياه ابي وأوصاني أيضا أن أكتمه، فأكتمه يا بني. أوصيك ان تخفيه هنا، وأسدل يده اليمنى على صدري وأردف يا بني نحن أغراب عن هؤلاء وهم كثر. أجسادنا الضعيفة تحتاج لقوقعة تحميها وتصد عنها المكائد. ما عرفته سابقا من أبي سر دفين أطلعتك أنت فقط عليه وما من ضرورة أن يتفشى خارج أفئدتنا.

لا تبحث عن نقاط الخلاف مع الآخر فهي موجودة دوما، ولكن انظر إلى ما يمكنك التعايش معه مهما ساءت الظروف والأحوال، فلا بدَّ أن نمضي ونمضي، هكذا شاءت الاقدار.

أنت سامري قالها بابتسامة رائعة وكررها ثانية وثالثة وأضاف يكفي أننا وحدنا من نعلم ذلك، وليكن كذلك، رددت على ابتسامته بابتسامة لجمت دموعنا التي اضطررنا أن نخفيها عن بعضنا باحتضان عميق.



3- تعليق:

إذا كان اسم بطل الرواية كِسليف ويعني يوسف، فإن الصراع المركزي هو اليهود في البلد العربية وما لاقوه من عذاب وعدوانية ممثلة بشكل رئيسي في حياة كِسليف (يوسف) وهو إحالة لقصة النبي يوسف وأخوته الذين حاولوا قتله أو نفيه.

أما شخصية سلمى فهي تتحدث عن كِسليف كيهودي فهي تجهل موضوع جده وحالة اللاانتماء وهو ما جعل أفعاله غريبة. وأوضحها حينما رأى طلبة الشيخ إبراهيم في صلاتهم فقال ليت له جماعة ينتمي إليها وكرر ذلك مع الآخرين ليته مثلهم ينتمي إلى أي جماعة.

وسلمى تحدثت عن بيتها في فلسطين بحسرة وبجمل مقتضبة لأن الرواية أعدت للآخرين.

4- الأماكن والوصف الفني:

تأخذ الأماكن في الرواية دورًا مهمًا، حيث يقود القارئ من الضوضاء إلى الهدوء بأسلوب ينعش الصورة الذهنية ويضيف بعمق للأحداث.

يقول كِسليف متذكرًا حبيبته المتزوجة في إسطنبول ويشبهها بدمشق:

تعالي يا حبيبتي أصبح معي ما يكفينا ولن نحتاج أيّ شيء آخر.

أنتِ هو الآخر كلّه بالنسبة لي.

أنتِ دمشق بحاراتها ونهرها الجميل وبيوتها المتلاصقة.

5- جودة الكتابة:

- استخدم أساليب متنوعة

- توظيف التراث خاصة أنواع الطعمة (المنسف، الكبة...) والأمثال...

- تتطرق إلى بعض عادات أهل دير الزور

-توظيف المذكرات

تتميز الرواية بأسلوب ملحمي وغني بالتفاصيل، مما يجذب القارئ ويدفعه إلى استكشاف الأعماق والأفق اللامتناهي للرواية.

6- اللغة:

اللغة سهلة ومفهومة بالنسبة للقارئ العربي ومشوقة، كما تميزت بأسلوب ملحمي ساحر، ورغم بعض التعقيد في القصة، يتيح ذلك للقارئ الاستمتاع بتجربة قراءة تنطوي على العديد من الأبعاد والتفاصيل الممتعة.

7- النهاية والتشويق:

تتقاطع الأحداث بشكل معقد، وتبرز النهاية بمفاجآت تلتقط انتباه القارئ، مما يجعله يستعرض الأحداث بأسلوب فني يعكس تمكين القصة.

ولنأخذ نهاية الرواية، فبعد انتهاء قراءة سلمى لمذكرات كِسليف ، تتفق وزوجها على التعاطف مع كِسليف بصفته يهوديا، تقول: لا أنكر أبدًا أنّنا اشتركنا في تعاطفنا معه كنّا فيما مضى نرى كلّ اليهود جناة ولم أتوقع أنّني يومًا سأتعاطف مع أحدهم كم من اللعنات أطلقناها عليهم بعد خروجنا القسريّ من ديارنا لدرجة أنّها لازمت كلّ جملة أعقبت أيّ تصرف مزعج مررنا به.

وتقارن سلمى بين حياة كِسليف الصعبة التي لم يكن للفلسطيني أي دور فيها بحياة الشعب الفلسطيني المشرد، تقول: نعم لقد كان مثلنا ...

8- التعقيد والتفاعل:

يثير الكاتب تساؤلات ملهمة حول الواقع والخيال، ويتيح للقارئ الاستمتاع بتجربة قراءة متعددة الأبعاد مع الحفاظ على توتر وتشويق مستمر.

9- المفاجآت والتفاعل العاطفي:

توفير نهاية مفاجئة يعزز التفاعل العاطفي للقارئ، مما يجعله يستمتع بتجربة قراءة تمزج بين الجاذبية الأدبية والتشويق الدرامي.

بهذا، تظهر "لفائف كِسليف " كرواية تجمع بين الأبعاد الإبداعية والتقنية السردية المتقنة، مما يبرزها كعمل أدبي بارع ومتميز.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى