د. أيمن دراوشة - قراءة فنية اجتماعية في رواية "أصل الهوى نسمة" للروائية سلوى البنا

"خارج المألوف هي، فلا بداية لها ولا نهاية، ولا إطار يحصرها في قالب معين، ويدفعك لفك رمـوزه وأســراره، والبحث عن مكامن الجمال فيه، هذا العمل، في اختصار، يحاول الإضاءة على إشكالية العلاقة ما بين فلسطين ولبنان، والتي لها نكهة خاصة متفردة فرادة احتضان هذا البلد الجميل لقضية (فلسطين)".

هذا ما ذكرته الروائية الفلسطينية سلوى البنا في تقديم روايتها "أصل الهوى نسمة"، الصادرة عن دار الفارابي (2023).

أولا- ملخص الرواية:

تبدأ الرواية بقدوم نسمة يافا، الرمز الفلسطيني، ابنة لشاعر ومناضل فلسطيني بارز، إلى بيروت. تعرضت نسمة لمهمة غير مألوفة تتضمن تجسيد دور "جاسوسة" لصالح رفيقتها نونا، الابنة لوزير سابق يتنافس مع والدها في الانتخابات. تتوتر الأمور عندما تكتشف نسمة أن الشخص الذي تتجسس عليه هو الشاب البعلبكي الوطني درويش السعد، صديق والدها المقرب تتطور العلاقة بين نسمة ودرويش، مما يثير صراعا داخليا لنسمة بين مشاعر الحب والخيانة.

تقول الكاتبة سلوى البنا في مقدمة روايتها:

"هذا العمل باختصار يحاول الإضاءة على إشكالية العلاقة ما بين فلسطين ولبنان والتي لها نكهة خاصة متفردة فرادة احتضان هذا البلد الجميل لقضية فلسطين.

ثانيًا- الشخصيات:

نسمة يافا: فتاة فلسطينية من يافا، وقد أطلقت عليها جدتها هذا اللقب نسبة إلى مدينة يافا الساحلية الفلسطينية مما سبب لها تنمرًا من قبل صديقاتها في المدرسة. تتورط نسمة في مهمة تجسس لصالح صديقتها نونا، لكنها تكتشف أن الشخص المستهدف هو درويش الشاب البعلبكي وصديق والدها، مما يثير صراعًا داخليًا لها.

ونسمة يافا، تمثل الوطن الفلسطيني المحتل والحنين إلى الأرض والهوية المفقودة، وتُظهر قوة الروح والصمود في مواجهة الظروف الصعبة. تتلاقى شخصيتا درويش ونسمة لتعكسا الصراع الوطني والشخصي في آن واحد، وتجسدان العشق والأمل والإصرار على تحقيق الحرية والكرامة.

نسمة تُغرم بدرويش وتكون جاسوسة عليه في البداية، ولكن مشاعر الحب تتغلب على دورها كجاسوسة. تتطور علاقتهما من خلال التفاهم والتعاطف، حيث يتغلب الحب الحقيقي على الصراعات السياسية والاجتماعية. تصبح نسمة رمزًا للصراع الداخلي بين الولاءات والمشاعر الشخصية، وتظهر القوة والشجاعة في التصدي للتحديات واختيار الحب على الرغم من المخاطر.

درويش السعد: شاب لبناني من بعلبك قريب لوالد نسمة، يثير اهتمامها ويدخل في علاقة معها، مما يجعلها تعاني من توتر داخلي بين مشاعر الحب والخيانة. ويعد درويش في الرواية رمزًا للحلم العربي بالحرية والعدالة، حيث يُمثل الشباب العربي الطامح لتحقيق الأماني والأهداف.

نونا: شخصية انتهازية كانت تعمل ضد درويش لأجل مصلحة أبيها الذي ينافس درويش على منصب سياسي، وبذلك تُمثل شخصية نونا في الرواية الصراعات السياسية والمصالح الشخصية التي تُقدم على الحب والإنسانية، وتعبر في نفس الوقت عن الصراعات الداخلية بين الولاءات الأسرية والمثالية الشخصية حيث تبرز في شخصية نونا الكفاح من أجل السلطة والمكاسب الشخصية، وتُعارض مسار الحب والإنسانية الذي يسعى إليه درويش ونسمة. وهي بتلك الصفات تُعد رمزًا للفساد والانحراف عن القيم الإنسانية.

ثالثًا- فنيات السرد:

يتميز السرد بتناوب الأحداث بين الماضي والحاضر، مما يضفي عمقًا على القصة ويسلط الضوء على تطور العلاقة بين الشخصيات وتأثير الأحداث عليها.

تُظهر الوصفات الدقيقة للشخصيات والأماكن والأحداث قدرة الكاتبة على جعل القارئ يشعر بالاندماج في عالم الرواية وتفاعل التميز في السرد:

كما تتميز الرواية بالسرد الدقيق والتفصيلي الذي يجعل القارئ يعيش الأحداث ويشعر بالقلق والتوتر الذي تمر به الشخصيات.

تقوم الكاتبة بتمييز الشخصيات وإبراز تطورها عبر الأحداث، مما يجعل القراء يتعاطفون معهم ويشعرون بقربهم.

رابعًا- التنويع في العلاقات الإنسانية:

تتنوع العلاقات الإنسانية في الرواية بين الصداقة، والحب، والانتماء الوطني، والخيانة، مما يجسد تعقيدات العواطف والعلاقات الإنسانية في المجتمعات العربية.

إجمالًا تبرز الرواية تنوع العلاقات الإنسانية وتأثير الظروف الخارجية على تطورها، مع تمحورها حول صراع داخلي للشخصية الرئيسية بين الوفاء لأصدقائها وبين تحقيق رغباتها ومشاعرها الشخصية.

خامسًا- العنوان وفك شيفرته:

العنوان "أصل الهوى نسمة" يشير إلى فكرة أصل الحب والانجذاب بين الشخصيات الرئيسية، حيث يُظهر أنَّ الحب بينهما ينبع من "نسمة"، أو تأثير خفي ورمزي، يشبه نسمات الهواء التي تجلب معها الإحساس بالانتماء والوجدان.

يعزز العنوان المثير للذة الاكتشاف فكرة الرواية حول التأثير العميق للعواطف والروابط الشخصية على تطور العلاقات الإنسانية.

سادسًا- التعبير عن الهوية الوطنية:

يتم التعبير عن الهوية الوطنية والانتماء لفلسطين من خلال شخصيات الرواية وتفاعلاتهم مع التحديات السياسية والاجتماعية، مما يبرز الروابط العميقة التي تربط الأفراد بتاريخهم وهويتهم الوطنية وما يربطهم بلبنان من أواصر الأخوة والمصير المشترك.

ومن أبرز الأحداث التاريخية التي ذكرتها الروائية اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 حيث شكلت عنصرًا مهما من عناصر الرواية وما قام به أبطال الرواية من تضحيات تجاه فلسطين.

سابعًا- تطور الشخصيات الرئيسية:

تبرز الرواية تطورًا ونموًا للشخصيات الرئيسية عبر مواجهتهم للتحديات والصراعات، وتعلمهم من تجاربهم وتجارب الآخرين، مما يجسد رحلة النضج والتطور الشخصي.

ثامنًا- الحب والخيانة:

تستكشف الرواية موضوعات الحب والخيانة بشكل عميق، حيث تتداخل المشاعر بين الشخصيات وتؤثر على قراراتهم وأفعالهم، مما يجعل القارئ يتساءل عن طبيعة العلاقات الإنسانية وتعقيداتها.

تاسعًا- التأثير الاجتماعي والسياسي:

تعكس الرواية التأثير الاجتماعي والسياسي على حياة الشخصيات وقراراتهم، وتبرز تداعيات الصراعات السياسية على العلاقات الإنسانية والمجتمعية.

عاشرًا- الاستعادة للذاكرة التاريخية:

تسلط الرواية الضوء على أهمية استعادة الذاكرة التاريخية والموروث الثقافي، وتعزيز الانتماء الوطني والثقافي للشخصيات والمجتمعات.

وتنسج الكاتبة خيوطًا ثقافية وتراثية في الرواية تعكس الهوية الفلسطينية وتعزز الانتماء للتراث والثقافة العربية.

- ختامًا:

إذا كانت الرواية أشبه بعدسة متعددة الزوايا تلتقط جوانب مختلفة تتجاوز عدستنا الواقعية المحددة بوعينا الذاتي في مداه المحدود؛ فإن سلوى البنا استطاعت الوقوف على مسافة دقيقة لتتيح لعدستها أن تصور الأشياء في رؤية كلية، فانعكس ذلك الجمال بضيق العدسة بتركيزها على شخصية بعينها أو شخوص بعينهم خاصة إذا كان ذلك الشخص -او الشخوص- في دائرة المغزى الروائي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى