عبدالرحيم التدلاوي - وقفة سريعة مع رواية "فرخة الجنة" لجمال الدين حريفي..

وقفة سريعة مع رواية "فرخة الجنة" للمبدع المتعدد جمال الدين حريفي. وستتبعها وقفة أطول بإضافات، وإضاءات جديدة، لكون النص خصبا ويتطلب أكثر من وقفة.
**
"القصة الكاملة لحياة ثم موت راوية بنت الشيخ سالم" – فرخة الجنة – رواية من الحجم الصغير عدد صفحاتها مائة و خمسة و سبعون للمؤلف "جمال الدين حريفي". صدرت عن المطبعة السريعة في طبعتها الاولى سنة 2000.
و هي رواية تندرج ضمن نمط الكتابة التي تتخذ "الكتابة" في علاقتها بالذات الكاتبة موضوعا لها.
لوحة الغلاف و الرسوم الداخلية:
تزين صفحة الغلاف الأمامية للرواية لوحة للفنان الإيراني "أكبر التجويدي"، التي تستدعي في مخيالنا قصة"ألف ليلة وليلة". تهيمن على اللوحة صورة امرأة في ريعان شبابها ترتدي فستانا طويلا يمتد إلى الأرض بشعر منساب تلاعبه الريح، لا نرى وجهها فالصورة من الخلف، لكن يمكن القول إنها تنظر إلى فرع شجرة يشبه حية، وقد جاءت باللون العسلي أي بلون الأرض، وفي أسفل اللوحة نشاهد كتابا مفتوحا تطأه بقدمها اليمنى التي ترتدي حذاء أبيض، وهناك تيارات هوائية باللون الأبيض تحيط بالأنثى وهي سبب تطاير شعرها. وهناك ما يشبه القلم الذي ينزف حبرا أسود يمتد من خارج الكتاب إلى صفحاته.
باقي مكونات الغلاف جاءت جميعها باللون الأبيض، ففي الأعلى وبشكل أفقي جاء عنوان الرواية كاملا، قسم منه بخط صغير وهو تفصيل للعنوان وتلخيص موجز ودقيق له، وقسم بخط بارز، ويشكل عنوان العمل الأساس. وفي الأسفل نجد التجنيس وصاحب الرواية.


1710574562306.png

أما الإهداء والذي كتب بخط أسود بارز، فهو مقتطف من كتاب الفتح الرباني" لسيدي عبد القادر الجيلاني. وتحته مباشرة نجد اسمي المهدى إليهم؛ وهم أبناء الكاتب جمال الدين حريفي.
ويحث المقتطف على التعلم وعلى أهمية العزلة من أجل خرق الحجاب بغاية رؤية النفس، وما الحجاب إلا الناس الذين يحجبون عن الإنسان اكتشاف نفسه.
كما يتصدر كل فصل من فصول الرواية رسم باللونين الأبيض والأسود لمبدعه "مصطفى أجماع"، وهذه الرسوم يمكن اعتبارها تجسيدات نابعة من قراءة داخلية لفسيفساء البناء المرتبط بالفصول، و اختزال كل فصل، في تمثل "غيري" لشخصيات النص و هويتها الباطنية. 1
أنهيت قراءة رواية؛ فرخة الجنة؛ وقد أصبت بحيرة؛ هذه الحيرة التي تحضر في النص كثيرا؛ هذا النص الذي يتصادى والصوفية؛ فلدينا شيخ وعلو وخلوة . الحيرة تملكتني وانا اتابع فصول الرواية الخمسة في بناء دائري يزيد من حدة الحيرة. الحق أني لأول مرة أقرأ رواية من هذا النوع؛ صحيح اني قرات رواية؛ الطواسين؛ لعرفة والتي تنتمي للرواية العرفانية. وهذه الرواية وجدتها تستقي بعض ابعادها من العرفانية. حين يتحدث الكاتب عن الكتابة بعشق صوفي واضح. هذا الكاتب هو الذي تولى دفة سرد فصلين بخلاف راوية وسالم إذ كل منهما تولى سرد فصل واحد؛ اما الفصل الخامس والذي يعد صدى للفصل الأول فتولى سرده كاتب كاتب العمل؛ بمعني ان لدينا كاتبا داخل النص وكاتبا خارجه. ويشكل صحبة سالم وراوية شخصيات قادمة من اعماق الذات؛ فهي من ورق لكن لها سلطة توجيه الأحداث وصياغتها وفق إيقاعها الخاص؛ مع الإشارة إلى أن الفصل الأول كان فيه الكاتب الداخلي واقفا بعيدا عن السرد، تمثلت وظيفته في تنظيم اصوات السراد الذين تولوا مهمة الحكي. هذا الكاتب الذي تحدث عن نفسه في لحظتين ما قبل وما بعد؛ وكتابته هي ايضا سارت في اتجاهين. اتجاه قراءة الواقع او ما يمكن بوصفه كتابة المغامرة واتجاه يسمي بمغامرة الكتابة...
في الفصل الأول كانت الجموع قد تولت السرد، كل مرة نجد شخصية ذات صفات خاصة تتولى السرد وتفسح لشخصية ثانية برغبتها أو مكرهة المجال في ما يشبه الحلقة، وكأننا في إحدى ساحات المغرب الكبرى من مثل لهديم في مكناس أو جامع لفنا في مراكش، هذا التشكيل يقربنا من البعد الكرنفالي كما بسطه باختين، فتعدد الأصوات وتنوع المنظورات يدخلنا في هذا الجو الاحتفالي، ويبقى الخيط الناظم لهذا التنوع هو موضوع سالم وفعل القتل المنجز من طرفه. فعل فجر المكنونات، وعرى صور المتكلمين، وبين مواقفهم التي ظلت حبيسة أنفسهم.
لكن الفصول الأخرى جاءت لتبسط فعل الكتابة كمحور لذاتها، فراوية لم تكن، في المحصلة النهايئة سوى الكتابة، فهي التي أعادت كتابة الكاتب وأيقظته من سباته لينتقل في نشاطه الإبداعي من فاعل ينقل الواقع إلى فاعل يتحدث عن فعل الكتابة بلغة صوفية غاية في المتعة.
**
1 _ (اضاءات) أو مشروع قراءة تأويلية لرواية:"فرخة الجنة"
"القصة الكاملة لحياة ثم موت راوية بنت الشيخ سالم"للكاتب حريفي جمال الدين. محمد الجلايدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى