محمد محمود غدية

صدمته تجربة الحب الاولى فى حياته، او كما يسمونها التجربة البكر المتعثرة، التى اعطاها الكثير من قلبه وعقله، واورثته الهموم وهزت كل كيانه، كتب فيها ديوان شعر حروفه تقتر وجع، إستقبله القراء بحفاوة بالغة، إنه الحب الذى فجر فيه كل هذه القصائد، وهو أيضا الذى كاد يكسره، لولا ثقته فى الحياة انه مازال...
بعد ليل طويل، مزقت ستائر غرفتها الرمادية، بستائر الوانها مبهجة وردية، مودعة الليل المعتم، مرحبة باإشراقة الصباح بعد غياب، كان لا بد لها التطهر من كل المرارات التى تجرعتها، وغاصت بداخلها وحولها، كيف أصبحت امراة عاطلة من الفرح والشباب، والذكريات وكل شىء، وهى التى ذهبت اليه، بدافع حبها له، وهى أيضا...
ترتشف المرارة من فنجان قهوتها الثانى، منفضة السجائر إمتلأت بأعقاب إحترقت وأحرقت إصبعها، تسبح فى سحب الدخان، وجدت نفسها متلبسة باابتسامة كادت أن تضل طريقها إلى شفتيها الأشبه بحبة الفراولة وقت النضج، زوارق الحياة غير مأمونة العواقب، تعبث بها الرياح فى أزمنة الموج الهادر، أطل وجهه فى ذاكرتها، كان...
عجز عن إسعاد نفسه، وهو الدودة التى لا تكف عن إلتهام الكتب وحفظ الأشعار، حاول أن ينفض الغبار والفوضى من رأسه فلم يفلح، تقلص الجمال وساد القبح فى كل شئ حوله، التلوث السمعى والبصرى حتى المرأة التى أحبها، والتى تشبه فى الكثير ثمر الخوخ، أصبحت كالورد الصناعى، لا طعم لا رائحة مصبوغه بالألوان، منفوخة...
الحياة لا تعرف البذخ والرأفة، جاءته فرصة السفر لبلاد الثلج والضباب، وهو الطبيب النابه الساعى للرزق، والرزق قليل لا يكفى، ترك عروسه بعد شهر وسافر، تذكر قول الشاعر أمل دنقل : كل الأحبة يرتحلون / فترحل شيئا فشيئا / من العين ألفة هذا الوطن يستشعر نداوة هواء بلاده فى رئتيه، تتبعه المدن، وجد عملا...
وجهها يتحلى بابتسامة رقيقة، تمتزج بحمرة وجنتيها، فيضفران معا شفرة للجمال يصعب فكها، لديها إصرار على الإفادة القصوى، من الساعات الأربع والعشرين المقبلة فى اليوم الذي تعيشه، رغم مرورها بتجربة عاطفية، مالبثت أن تفككت وذهبت سريعا مثلما أتت، ساءتها العيوب وهى التي كانت تنشد الكمال، صغيرة على الحب...
قمحية فى عينيها حزن غير معلن، فواحة الحضور، تشبه اللوحات القديمة فى الزمن الجميل، شاركت فى ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومنذ ذلك الحين والسياسة طبقها المفضل على كل الموائد، أصيبت بجرح قطعي فى يدها اليسرى أثناء موقعة الجمل، عندما أفاقت وجدت نفسها فى مستشفى ميداني، لم تنسى قط إبتسامة الطبيب...
أوصدت عليك قلبى وأخفيتك فى عينى لكن ماذنبى وقد قرأوك .. فى أوراقى فى وجهى ماذنبى .. وقد رأوك فى أحداقى فى إندمال جروحى ودموعى ماذنبى .. وقد سمعوك فى ألحانى ومواويلى وغنائى ماذنبى .. وأنت رجاء عمرى وسر فرحى وأوتار عودى حبيبتى .. قرأوك فى شعرى ورأوك فى عينى وسمعوك فى لحنى وتتبعونا وتابعوا...
كل صباح .. أنظر فنجان قهوتى المرة .. والأطباق الفارغة .. فوق المائدة أفتح النافذة .. أطل على ساعى البريد الذى لم يأتى وألقى بكومة الشعر .. وأوراق الهوى الممزقة .. فى السلة المهملة أفتح النافذة .. أطل على ذكرى .. موجعة الرؤى غائمة أقرأ البسملة .. تفاجئنى الأسئلة أين من كانت لشعرى...
اليوم جميل، رائحة الهواء فيه طازجة، كل شئ مجللا باللون الأخضر، حتى أنه بدا من المستحيل ألا يستمتع المرء به، الشوارع نظيفة ولا معة، إبتسم حين وجد نفسه هو الآخر لامع ومبلل بماء المطر، إنعكست عليه أضواء المصابيح فبدا كلوحة فنية تشكيلية، هناك عوالم من البهجة لا يدركها المرء، مغلقة أمام الحواس الخمس،...
تراجعت إبتسامتها وتقلصت ملامحها، وهى تكبح دموع أوشكت أن تطفر، المقهى تخفف من رواده وعلى الطاولة المجاورة صحيفة مطوية، تركها صاحبها بعد أن فرغ من قراءتها، أو لم يقرأها فتركها ضجرا، تناولتها لتقرأ فيها مانشيتات صادمة، أعاصير وبراكين تغرق مدن كاملة من العالم، غضب الطبيعة لا يقاوم، ترتشف آخر قطرة...
لم يستطع كبح إنفعالاته أمام هجمة أنوثتها المتوثبة حد الإشتعال، الذى تكاثف بخار فوق زجاج المقهى، ونظارته التى حجبت عنه الرؤية، كانت تجلس على طاولة مقابلة امرأة قمحية العينين، منحته إبتسامة مقتضبة حين لمحت إرتباكه وعجزه عن تفادى نظراتها، التى تذيب الجليد وتنشر الإرتياح، تشبه المرأة الحلم التى...
تجرعت فى حبك .. اللوعة والإنكار .. وهدمت بيتنا .. التى تحوطه الأزهار .. والأشجار والروض والأطيار وشيدت سدود من الأحجار والريح والإعصار يطاردنى الزمان الضنين بالتيه .. والغبار مازالت لدى بقايا أوراق عشق وأشعار وعود طيب وسحب تعانقنى .. وأقمار وقيثار .. بح منه الصوت .. ممزق الأوتار ألثم...
فى السوق لابد أن تكون لك عين صقر، ترى كل شىء واللاشىء، وأذنان كبريتان لتسمع نداءات الباعة، على أشياء ذات قيمة وأشياء لاقيمة لها، كتب ومجلات قديمة وملابس جديدة وقديمة، السوق على مساحة من الأرض الواسعة، تتسع لكل الأغراض، أغلب المشترين من أصحاب الدخول المتواضعة، بائعة الجبنة القديمة جاءت السوق...
كل القطط فى الظلام رمادية اللون، بغتها هذا الخاطر وهى تحدق فى الظلام ساهمة، بعد ماأغلقت عينيها غرقى فى ليل ماطرلمدينة باردة، تتزاحم فى رأسها الأسئلة التى راحت تناطح بعضها البعض فى عراك لايهدأ، هل خلق الحب لإسعاد القليلين وشقاء الكثيرين، الموسيقى حولها تمنح الدفء والسكينة وبراح الأحلام، كستارة...

هذا الملف

نصوص
427
آخر تحديث
أعلى