فوزية العلوي

تلك المرأة أكرهها بقدر كرهي لللبن الحامض تبدو لزجة وسائلة ورموشها لا تتطابق مع نظرتها. لا ادري لماذا يبدو حديثها مكعّبا كلما جاءت سيرة الحرب على لسانها مع أن كل البيوت تشظت والجماجم طارت شهبا في السماء والبيت الذي كانت تسكنه صار أشبه بخيوط العنكبوت حديثها عن الحبّ اكثر بؤسا من حديث الحرب...
بلا حلم يتكسر الضوء فينا وتنتهي آخر غيماتنا يسافر الزيتون إلى بلد لسنا فيه وينإى الفل عن شرفاتنا وينسانا الخطاف بلا حلم يكبر الطفل الذي كان يلاعبنا وراء شجر الصفصاف يصير رجلا بقبعة سوداء وغليون من شجر الزان ومعطف كمعطف أمن الدولة لا بهجة فيه تصيبنا العدوى من كل أصحاب الجرائد نتعلم تزويق...
كان لابد لذلك الغزال أن يفرّ من فضتك ليدلني عليك حصاة حصاة ورقة ورقة وثجّاج ماء ساكنة كنت في صخبي كنجم يمور في مجرّة خامسة ومشرئبة طيور عطشي للغدق الأرض شبر حتى تشمّر للتطهّر والسماء سجلّ وأنا كل الشجر الذي مازالت تنمو اوراقه وتحبو حتى يبلغ مجمع البحرين العصا ألف والغبار جلباب الغريبة لا زيت...
قلت يأتي الصيف وأرحل فلأنتظر أن يجمعوا الحَبّ كله في المطامير وأن يكوّموا التبن تحت جبال الطين وليقطفوا العنب ويهبوا للنحل حصته وما تبقى فزبيب للأعراس ليس لطيفا أن أترك الصيف وأرحل سأقاسمهم أقمارهم وهذر الليل وسأحسوا شايهم بعبق الجمر وما بقي من حديث القلب وليقسموا علي بدراقهم وماء القطران المثلج...
كل ما في الحب يعرفنا شجن المساء العصافير التي ليس لها فنن صفير القطار بكاء بائعة الورد التي ذبلت الباعة المتجولون بلا وطن رائحة البنّ التي تبحث عن عاشقين لم يسعفهما برج الميزان كي يلتقيا اول الغيث في تشرين وأصوات المدينة التي فقدت أصابعها فلم ترسم على البلّور قلوب الراحلين كلّ ما في الحب...
لم أخبره بأن الشمس تأخرت اليوم لا بسبب تبدل الوقت أو انتشار الغيوم بل بسبب المظلة التي اعتمرتها لم أخبره بتغير ملامح الطريق لا بسبب الأشجار التي غرستها البلدية أو اللوحة الجدارية التي رسمها الشهداء العائدون إنما بسبب النظارات الملونة التي اقتنيتها سأخبره الآن بأني افرغت أدراجي جميعا من الاوراق...
في الحبّ كما في الحرب لا أحد يعود معافى ساق مبتورة أو نصف قلب ذراع مهمشة أو روح مغروزة بمسامير الشوق في الحرب دمار الديار واحتراق الأشجار وتبدد الذكريات في الحب خراب الحلم ضياع الوقت واحتراق ما تبقى من معلقات الشعر في الحرب كما في الحب عدو يغزو ميادينك ويخرب زرعك ويروّع حمائم دوحك مع فرق...
في العصور الأولى عندما كان القمر رجلا والشجرات أمهات كنت امرأة بعينين دافئتين وعنق كالجمار وقلب كرغوة النهر كنت عاشقة للنهر وكان يهفو لي إذ أضع قدمي على الحصى فيلثم جسدي بشفاه الأسماك الصغيرة كنت امرأة أسري مع الفجر أجمع القش والأعواد واوقدها حتى إذا تنفس الفجر وجد القهوة في فناجين الخزف الأحمر...
طالعا من عمق تاريخ لا يرحم حاملا باليمنى فسيلا وباليسرى ماء لتعميد النجوم موغلا في الخبب الصحراوي العتيق ومهدهدا نساء النهر بالمواويل العسجدية صاعدا في قرار الصخر تخط في غفلة من الوقت ما يلزم من الترانيم لاهازيج الاطفال وهم ينسلون من جذر القرنفل طوطم انت ام قفل نسيه الكاهن مغتوحا فنشرت الغواية...
باب بيتك أبيض ، مثلك يكره الأبواب الزرق . تلك ماكرة ، مراوغة وتتآمر على السماء . باب بيتك مقوّس ، للشمس نصفه والآخر للقمر ؟ أ راك تنحني وأنت تلجه وما كنت قطّ محتاجا إلى كلّ ذاك الانحناء . لست سامقا ومع ذلك خلتك مرّة تجمع النجوم . كنت ليلتها أرقبك عن بعد وعيني زرقاء اليمامة وأذني مصغية إلى دبيبك...
كم جمعنا من حصى يا فاطمة وكم حلزون أجبرناه كي يخرج مجساته ويزحف على ظهر أيدينا وكم عذبة تلك الدلاء نعرضها للمزراب فيفعمها ماء ثجاجا وكم حامضا كان ذاك البرقوق وحفيا بنا ذلك القمر السكران هل كبرنا يافاطمة أم أن الأرض هي التي اتسعت فلم نعد نقدر على لم أطرافها هل كبرنا أم أن الأشجار سافرت سحرا...
هُمُ العابرونْ وَنَحْنُ رَسمْنا حدُودَ البلادْ ونحنُ زَرَعْنا لَنَا كوْكَبًا في الدُّرُوب ونحنُ أقَمْنا سُرَادِقَنا فِي الوِهَادْ هُمُ العَابِرُونْ كَرِيحٍ مُسَافِرَةٍ فِي السُّهُوبْ ونحنُ الصُّخُورُالتِي فِي الجِبَال ونحنُ الحَنِينُ الذِي فِي السُّهَادْ هُمُ الوَاقِفُونَ عَلَى فَنَنٍ رَاجِفٍ...
الرجل الذي لفظته الحرب صار حبيبي كان ذلك بمحض الصدفة عندما كنت التقط بآلة التصوير من نجا من القصف كان طفل العينين بشامة في ذراعه هكذا حسبتها هو اخبرني أنها شظية تركت ما يشبه حبة البن صرنا نمشي معا انا وظلي وهو وعندما سالته عن ظله أخبرني انه بقي يحرس البيت ف ع
نبتسم تلك حيلتنا الممكنة قناعنا الذي تختفي تحته ندوب القلب الشمع الذي يخفي رحلتنا المتعبة طريقنا المتعرج ومحطاتنا التي ينز من أثوابها القلق نبتسم بلا أي ثمن وبلا تأشيرة ولا ختم عند درك الحدود هكذا بكل اريحية من أضاع الاتجاهات نبتسم.... نبتسم لطفل اتعبه الحذاء الجاف والدلو المخروم نبتسم للمراة...
نحتاج عذابا عاطفيا لكي نشعر باتساع المدينة وبحيرة الخطاطيف عند المساء وهي تعود إلى شجرة التوت و برقص النادل وهو يعد الفنانجين الحالمة على منصات الخيزران وبرعشة الجسر وهو يستقبل عاشقين متمردين على سلطة الاتيقا . نحتاج عذابا عاطفيا لكي نعود شغوفين إلى المعلقات باحثين عن البيت الذي أبكى امرى...

هذا الملف

نصوص
330
آخر تحديث
أعلى