حلمت وأنا مستغرق في نومي ــ إذ هناك من يحلم مستغرقا في يقظته ــ أنني في مكان كأنه قاعة درس، به طاولات مصفوفة، ومكتب يبدو بعيدا بآخر القاعة. كنت أجلس على طاولة وكأنني تلميذ يتابع درسا، ولم يكن بالمكان أحد سواي، ليس هناك مدرس يلقي درسا ما، وليس هناك متمدرسون يتابعون.
بعد لحظة، واللحظات في الحلم لا تقاس بالزمن، التفت يسارا، فاكتشفت صديقي المفتش جالسا بدوره على طاولة، وكأنه تلميذ أيضا، لم أستغرب من هذا الوضع الذي أراني داخله، فأنا في حلم لايخضع لمنطق أو قانون، .. وما علي إلا أن أستسلم لما يفرضه علي من أحداث رغم غرابتها وعدم منطقها ..
فجأة .. رن هاتفي بجيبي رنة خفيفة، أسرعت وأمسكت به لأسكتها، لكنني لم أشعر إلا وبصديقي المفتش ينتفض من مكانه ويهاجمني صارخا:
" هات الهاتف بسرعة " ثم مد يده محاولا نزعه مني.
لم أستسغ أمره ولا تصرفه، ولم يستبد بي العجب من كيفية تحوله بقدرة قادر من متمدرس إلى مسؤول في القسم، لأننا في حلم طبعا .. لكنني أحسست بغضب شديد، كيف يسمح هذا الكائن لنفسه أن يتطاول ويفرض أمرا لايناسب وضعه ولا وضعية الخطاب .. كان عليه أن يلتمس على الأقل، لا أن يطلب ويأمر .. ثم إن هناك مدرسا بالقاعة هو المسؤول الحقيقي عن المكان، وعما يقع فيه، وهو الذي بيده أن يأمر فيطاع.
أمسكت يده بقوة، ودفعت به بعيدا عني ليسقط مجددا على كرسيه، ثم صرخت في وجهه مستهزئا:
" العب أمام باب منزلكم "
كنت على يقين أنني قادر على قذفه مجددا إن أعاد تهجمه مرة أخرى، فقد منحني الحلم قوة صورت لي هذا الشخص كبعوضة يمكنني دعسها .. لذا لم أكثرت لغضبه الذي بدا متطايرا من عينيه كالشرر..
وبقدرة قادر .. عفوا، بل بقدرة الحلم مرة أخرى .. تغير المكان من حولي فجأة، لأكتشف نفسي داخل مكتب فخم، قدرت أنه مكتب عميد بالكلية، أو هكذا خيل إلي .. والطامة الكبرى أن الجالس بالمكتب أمامي هو صديقي المفتش.. كان قابعا داخل كرسيه الجلدي الأسود بثقة وكبرياء، يستدير به يمينا وشمالا، وينظر إلي بهدوء لا يخلو من خبث، صمت طويلا .. أقصد زمنا حدده الحلم بمقاييسه الخاصة به، وظللت واقفا أمام من كان صديقي مستغربا .. لكنني أحسست باقتناع يستحوذ علي بالوضع الذي أنا فيه، تخيلت .. أو جعلني الحلم أتخيل أنني طالب بكلية ما .. لعلها كلية الآداب التي انتميت إليها في زمن ماض، وأنني أمام عميد مسؤول يملك حقوقا واسعة .. استسلمت لهذا الوضع المفروض من حلم جائر.. دون أن يغادرني إحساس ببقية من التحدي ماتزال راسبة بداخلي ..
التفتَ إليَّ العميد ــ أقصد صديقي المفتش ــ وخاطبني بكلام مبهم تبينت من مضمونه أنه يدينني بتهمة معينة ارتكبتها، ولعله يقصد رنة الهاتف في قاعة الدرس .. ولعلي أيضا قد حاولت التماس تبريرات للحدث، وحيثيات تخفف من تهمتي بما وقع، لكن " صديقي " المفتش لم يزدد إلا تعنتا، وأبدى نحوي كرها وحقدا لا حدود لهما .. ثم تبينت أنه قرر طردي من المؤسسة، هكذا بجرة قلم .. أو على الأصح .. بجرة حلم.
وبقدرة هذا الحلم مرة أخرى .. وجدتني بمكان آخر أحسست فيه أنني لست تلميذا ولا طالبا، بل أحمل صفة أخرى تتجاوز الصفتين السابقتين.. لكن الإحساس بالطرد لم يفارقني، بل تضاعف شعوري بالتضايق والحرج، فأنا الآن مطرود من مكان ما، لايهم أن يكون كلية أو مؤسسة أخرى .. هو إحساس كريه يخنق أنفاسي، فتتلاحق لاهثة وكأنني أجري في سباق الألف ميل.. كانت تمر بي وجوه مألوفة، سبق أن احتككت بها في واقعي الذي لعب به الحلم فقلب قواعده. كنت أشعر برغبة في الاستنجاد بأصحابها ، فلعلهم يستطيعون التدخل عند صاحبي المفتش، ويشفعون لي لديه .. هكذا تخيلت الأمر، وهكذا صدقت ما يمكن أن يقوم به هؤلاء، ولم أستطع إخفاء رغبتي الشديدة في البكاء وأنا ألتمس وساطتهم وتدخلهم لدى الصديق المتعنت ..
وبقدرة الحلم مجددا .. وجدتني وجها لوجه أمام صاحبي، وتخيلت أننا سنتسامح، وسيلفنا العفو بردائه، فنتجاوز التوتر والغضب .. وتخيلته مقبلا علي يعانقني، فأحضنه تعبيرا عما يجمعنا من روابط تعكس المودة والعلاقة الطيبة .. وشعرت ببعض الارتياح يغمرني، ويزيح عني ثقلا متعبا، ولم أمنع نفسي من تنفس الصعداء، واستنشاق طيب الهواء، وقلت مع نفسي تبا لهذا الحلم ..
لكن الحال لم ينته بما تخيلته، ولم تكن نهايته انفراجا.. بل ازداد الأمر تعقيدا وإحراجا، ابتعد مني " صديقي المفتش " مبديا غضبا شديدا، وصاح بي وقد علت وجهه صفرة مقيتة، تنم عن كره شديد، وحقد مديد:
" لن تحلم بعفو أيها المغفل .. أنت مطرود، مطرود ..وهو قرار غير مردود "
تمنيت في هذه اللحظة أن يتحول الحلم لصالحي، ويبعدني عن هذا الوضع البذيء، والعالم الرديء، وتخيلتني شخصا من شخوص دانتي، يعاني عذابا في عالمه السفلي .. وصرخت بصوت مكتوم:
" إنه حلم .. سأستيقظ منه لامحالة " كنت أتخيلني وأنا في خضم قسوة الحلم، في محاولة لفتح عيني، أبذل جهدا جهيدا كي أستيقظ .. وكانت صورة " صديقي " تحاصرني من كل الجهات .. ثم ..
انتهى كل شيء .. وأفقت فجأة، وعرق خفيف يغمر جسدي .. ظلت أنفاسي متلاحقة، وانتظرت لحظات كي استرد بعض الارتياح. لكنني عجزت عن طرد آثار ظلت عالقة بي .. واسترجعت صورة صديقي الذي شاركني الحلم .. وحمدت الله أن الأمر كان تخيلا .. تخيلا فقط .. ومع ذلك .. لفني إحساس غريب .. وشعرت أنني ... أكره " صديقي " ... نعم، أكرهه !
بعد لحظة، واللحظات في الحلم لا تقاس بالزمن، التفت يسارا، فاكتشفت صديقي المفتش جالسا بدوره على طاولة، وكأنه تلميذ أيضا، لم أستغرب من هذا الوضع الذي أراني داخله، فأنا في حلم لايخضع لمنطق أو قانون، .. وما علي إلا أن أستسلم لما يفرضه علي من أحداث رغم غرابتها وعدم منطقها ..
فجأة .. رن هاتفي بجيبي رنة خفيفة، أسرعت وأمسكت به لأسكتها، لكنني لم أشعر إلا وبصديقي المفتش ينتفض من مكانه ويهاجمني صارخا:
" هات الهاتف بسرعة " ثم مد يده محاولا نزعه مني.
لم أستسغ أمره ولا تصرفه، ولم يستبد بي العجب من كيفية تحوله بقدرة قادر من متمدرس إلى مسؤول في القسم، لأننا في حلم طبعا .. لكنني أحسست بغضب شديد، كيف يسمح هذا الكائن لنفسه أن يتطاول ويفرض أمرا لايناسب وضعه ولا وضعية الخطاب .. كان عليه أن يلتمس على الأقل، لا أن يطلب ويأمر .. ثم إن هناك مدرسا بالقاعة هو المسؤول الحقيقي عن المكان، وعما يقع فيه، وهو الذي بيده أن يأمر فيطاع.
أمسكت يده بقوة، ودفعت به بعيدا عني ليسقط مجددا على كرسيه، ثم صرخت في وجهه مستهزئا:
" العب أمام باب منزلكم "
كنت على يقين أنني قادر على قذفه مجددا إن أعاد تهجمه مرة أخرى، فقد منحني الحلم قوة صورت لي هذا الشخص كبعوضة يمكنني دعسها .. لذا لم أكثرت لغضبه الذي بدا متطايرا من عينيه كالشرر..
وبقدرة قادر .. عفوا، بل بقدرة الحلم مرة أخرى .. تغير المكان من حولي فجأة، لأكتشف نفسي داخل مكتب فخم، قدرت أنه مكتب عميد بالكلية، أو هكذا خيل إلي .. والطامة الكبرى أن الجالس بالمكتب أمامي هو صديقي المفتش.. كان قابعا داخل كرسيه الجلدي الأسود بثقة وكبرياء، يستدير به يمينا وشمالا، وينظر إلي بهدوء لا يخلو من خبث، صمت طويلا .. أقصد زمنا حدده الحلم بمقاييسه الخاصة به، وظللت واقفا أمام من كان صديقي مستغربا .. لكنني أحسست باقتناع يستحوذ علي بالوضع الذي أنا فيه، تخيلت .. أو جعلني الحلم أتخيل أنني طالب بكلية ما .. لعلها كلية الآداب التي انتميت إليها في زمن ماض، وأنني أمام عميد مسؤول يملك حقوقا واسعة .. استسلمت لهذا الوضع المفروض من حلم جائر.. دون أن يغادرني إحساس ببقية من التحدي ماتزال راسبة بداخلي ..
التفتَ إليَّ العميد ــ أقصد صديقي المفتش ــ وخاطبني بكلام مبهم تبينت من مضمونه أنه يدينني بتهمة معينة ارتكبتها، ولعله يقصد رنة الهاتف في قاعة الدرس .. ولعلي أيضا قد حاولت التماس تبريرات للحدث، وحيثيات تخفف من تهمتي بما وقع، لكن " صديقي " المفتش لم يزدد إلا تعنتا، وأبدى نحوي كرها وحقدا لا حدود لهما .. ثم تبينت أنه قرر طردي من المؤسسة، هكذا بجرة قلم .. أو على الأصح .. بجرة حلم.
وبقدرة هذا الحلم مرة أخرى .. وجدتني بمكان آخر أحسست فيه أنني لست تلميذا ولا طالبا، بل أحمل صفة أخرى تتجاوز الصفتين السابقتين.. لكن الإحساس بالطرد لم يفارقني، بل تضاعف شعوري بالتضايق والحرج، فأنا الآن مطرود من مكان ما، لايهم أن يكون كلية أو مؤسسة أخرى .. هو إحساس كريه يخنق أنفاسي، فتتلاحق لاهثة وكأنني أجري في سباق الألف ميل.. كانت تمر بي وجوه مألوفة، سبق أن احتككت بها في واقعي الذي لعب به الحلم فقلب قواعده. كنت أشعر برغبة في الاستنجاد بأصحابها ، فلعلهم يستطيعون التدخل عند صاحبي المفتش، ويشفعون لي لديه .. هكذا تخيلت الأمر، وهكذا صدقت ما يمكن أن يقوم به هؤلاء، ولم أستطع إخفاء رغبتي الشديدة في البكاء وأنا ألتمس وساطتهم وتدخلهم لدى الصديق المتعنت ..
وبقدرة الحلم مجددا .. وجدتني وجها لوجه أمام صاحبي، وتخيلت أننا سنتسامح، وسيلفنا العفو بردائه، فنتجاوز التوتر والغضب .. وتخيلته مقبلا علي يعانقني، فأحضنه تعبيرا عما يجمعنا من روابط تعكس المودة والعلاقة الطيبة .. وشعرت ببعض الارتياح يغمرني، ويزيح عني ثقلا متعبا، ولم أمنع نفسي من تنفس الصعداء، واستنشاق طيب الهواء، وقلت مع نفسي تبا لهذا الحلم ..
لكن الحال لم ينته بما تخيلته، ولم تكن نهايته انفراجا.. بل ازداد الأمر تعقيدا وإحراجا، ابتعد مني " صديقي المفتش " مبديا غضبا شديدا، وصاح بي وقد علت وجهه صفرة مقيتة، تنم عن كره شديد، وحقد مديد:
" لن تحلم بعفو أيها المغفل .. أنت مطرود، مطرود ..وهو قرار غير مردود "
تمنيت في هذه اللحظة أن يتحول الحلم لصالحي، ويبعدني عن هذا الوضع البذيء، والعالم الرديء، وتخيلتني شخصا من شخوص دانتي، يعاني عذابا في عالمه السفلي .. وصرخت بصوت مكتوم:
" إنه حلم .. سأستيقظ منه لامحالة " كنت أتخيلني وأنا في خضم قسوة الحلم، في محاولة لفتح عيني، أبذل جهدا جهيدا كي أستيقظ .. وكانت صورة " صديقي " تحاصرني من كل الجهات .. ثم ..
انتهى كل شيء .. وأفقت فجأة، وعرق خفيف يغمر جسدي .. ظلت أنفاسي متلاحقة، وانتظرت لحظات كي استرد بعض الارتياح. لكنني عجزت عن طرد آثار ظلت عالقة بي .. واسترجعت صورة صديقي الذي شاركني الحلم .. وحمدت الله أن الأمر كان تخيلا .. تخيلا فقط .. ومع ذلك .. لفني إحساس غريب .. وشعرت أنني ... أكره " صديقي " ... نعم، أكرهه !