التعريف التقليدي للحرب بحسب قاموس اوكسفورد هي نزاع مسلح بين دولتين او اكثر ، او بين مجموعات داخل الدولة الواحدة. لكن اشتراط ان يكون النزاع مسلحا بالفهم التقليدي للسلاح لم يعد شاملا ؛ فهناك انواع عدة للحرب قد يكون فيها السلاح شيئا ثانويا كالحرب النفسية مثلا والتي تعتمد على فكرة احباط معنويات العدو بشكل رئيسي. والاعلام اليوم يشكل أحد اسلحة الحرب النفسية ؛ ليس فقط عندما برزت اهميته في الحرب العالمية الاولى بل حتى في توجيه الرأي العام الجماهيري في الدول العربية نحو اتخاذ موقف سياسي من قضية ما ؛ اذاعة صوت العرب المصرية والتي انشأت عام 1953كانت تلعب دورا كبيرا في تحشيد وتجييش الشعوب العربية لمناهضة الاستعمار الغربي ومقاومة اسرائيل ، واستفاد جمال عبد الناصر من اتساع رقعة وصولها الى جميع الدول العربية لخدمة مشروعه الثوري. ثم انهارت اذاعة صوت العرب وحل محلها التلفزيون بشكل اوسع وخاصة البرامج والافلام والمسلسلات المصرية التي لعبت دورا هاما في تشكيل وعي عربي معين ، بالاضافة الى نقل رسائل محددة بغرض ادارة مصر لتفاعلاتها الدولية ؛ وفي بداية الألفية الثانية لمع نجم قناة الجزيرة القطرية ؛ من خلال سبقها الاعلامي في متابعة أحداث حرب العراق وايضا لنفاذها الى داخل عمق حركة تنظيم القاعدة بحيث نقلت بشكل مكثف خطابات وتصريحات بن لادن والظواهري ، مما اكسبها جمهورا ضخما من المشاهدين ، حتى أن كولن باول صرح بأن قناة الجزيرة هي السبب في تعقد مهمة الجيش الامريكي في العراق . لا يمكننا ابدا أن ننسى اهم شخصية اثارت جدلا ضخما ابان الغزو الامريكي للعراق وهو وزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف ، والذي خطف الانظار عبر فضائية الجزيرة حين كان يلتقي بالصحفيين العرب والاجانب ويمارس اكاذيب دعائية عن انتصارات الجيش العراقي ؛ واشتهر الصحاف بوصفه للامريكان بالعلوج ؛ هذا الوصف الذي لم تجد له وسائل الاعلام العربية اي مرادف له بالانجليزية. أتذكر في تلك الأيام ان الصحف العربية كلها أخذت تبحث عن معنى العلوج في القواميس والمعاجم العربية ، وبالتالي اقترن اسم الصحاف بهذه الكلمة. كانت خطابات الصحاف قوية ومشبعة بالاكاذيب التي انتهت فجأة خلال خمسة عشر يوما من الغزو الامريكي ، لتكتشف الشعوب العربية التي أججها الصحاف بالحماسة واشواق النصر أنها كانت تعلق آمالها على السراب. ما ادهشني حقا أنه ورغم دور الصحاف الاعلامي القوي في الحرب ، الا انه قام بتسليم نفسه للقوات الامريكية طوعا والتي اطلقت سراحه وتم نقله بطائرة خاصة الى الإمارات... هذا اثار عندي شكوكا كثيرة في ذلك الوقت حول الدور الحقيقي الذي لعبه الصحاف في تلك الحرب.
أيا ما كان الأمر وبالعودة الى موضوعنا الأساسي ؛ سنجد أن الاعلام العربي لم يتوقف عن ممارسة حربه الاعلامية في قضايا كثيرة كالقضية الفلسطينية ، مع ذلك فالحرب النفسية عبر الاعلام انتقلت الى الاخوة الاعداء اي بين الدول العربية نفسها ؛ واصبحت الحرب شديدة الوضوح ابان ثورات الربيع العربي ؛ حيث تبنت قناة الجزيرة الخط الاخواني في حين تبنت قناة العربية الخط الليبرالي ، وصار بامكاننا ان ننتقل من قناة الى قناة لنشاهد نفس الخبر ولكن من زاويتين مختلفتين تماما.
الحرب الاعلامية ايضا تمارس على مستويات اخرى كثيرة كالحرب بين الانظمة والمعارضة ، بل حتى في المحاكم يكون للاعلام تأثير كبير جدا ؛ وربما يتضح تأثيره اكثر في الانظمة القضائية التي تأخذ بنظام المحلفين.
إذا كانت هذه الحرب النفسية عبر الاعلام جادة - والتي بدأت بدايات بدائية ابان الحرب العالمية عبر القاء منشورات بالطائرات ، فالحرب النفسية اليوم أخذت طابعا أقل جدية مما كانت عليه. فهي تستخدم السخرية أو الضحك لنقل رسائلها الى العدو او لاستقطاب الجماهير نحو طرف من المتحاربين او تنفير الجماهير من احد الطرفين عبر شيطنته ولكن بشكل فكاهي جدا. المثال الواضح والطريف جدا لاستخدام الضحك او الفكاهة في الحرب النفسية شاهدناه بأم أعيننا ابان الصراع بين الكتل العلمانية في مصر والاخوان المسلمين ؛ لقد ظهر برنامج باسم يوسف وبرنامج ابراهيم عيسى ؛ الذي قام في احدى الحلقات بجلب اطباق بيض ووضعها في حلة واصفا الدستور الذي وضعه الاخوان بأنه سلق بيض. قناة الجزيرة ولأول مرة خسرت حربها أمام الاعلام المصري الذي استخدم حرب الضحك لتشويه صورة الاخوان المسلمين ومن المعروف ان اغلب مقدمي برامج قناة الجزيرة يفتقرون الى خاصية الاضحاك ان لم يكونوا شديدي التجهم لخلفيتهم الاخوانية. تم اقصاء الاخوان بمباركة جماهيرية مصرية عارمة ؛ وتزايدت الحرب بين القنوات المصرية التي ركزت على حرب الاضحاك وقناة الجزيرة التي ركزت على تحوير الملابسات والوقائع. وللمرة الثانية انتصر الاعلام المصري الذي ركز على الداخل المصري عبر حرب الضحك.
حرب الضحك ليست من بنات افكار الاعلام العربي ، فهي ليست جديدة ؛ فاستخدام السخرية من العدو والاستهزاء به والتقليل من شأنه قديم جدا ؛ لكن حرب الضحك اليوم تحولت الى سلاح استراتيجي وان لم اكن اعرف ان كان استخدام الضحك في الحرب قد خضع لدراسة منهجية ومن ثم تحوله الى علم او على الاقل تمتعه بتأصيل على مستوى علم النفس ام لا ؛ لكن حرب الضحك من شأنها ان تخضع يوما ما للتقعيد المنهجي.
حرب الضحك استخدمتها الدول اليوم بكثرة مع اتساع وسائل الاعلام الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي . فلنلاحظ مثلا أن هزيمة المنتخب السعودي المتوقعة بخمسة اهداف ؛ لم تمر مرور الكرام ؛ ولا يمكننا ان نتجاهل الكم الهائل الذي تم ضخه عبر وسائل التواصل الاعلامي من النكات والصور التي تسخر من المنتخب السعودي على نحو يستبعد أي عفوية محتملة فيه. لم يخلو تويتر او الفيس او الواتس او غير ذلك من عملية ضخ ممنهج للسخرية من المنتخب السعودي . واستخدمت حرب الضحك لتوجيه رسائل سياسية للداخل السعودي الرسمي والشعبي.
مع ذلك فحرب الضحك ليس بالضرورة ان تتم بشكل مؤسسي ، ولا عبر تخطيط استخباراتي ؛ فالمواطنون ايضا قد يمارسوا حرب الضحك لتوجيه رسائل لانظمتهم او لتقويض تلك الانظمة او لتقويض حزب سياسي او مؤسسة اجتماعية او حتى لهزيمة فرد نفسيا.
أخيرا ؛ في رواية اسم الوردة لامبرتو ايكو كان كتاب الملهاة السري لارسطو الذي عمل رجل الدين على اخفائه يتحدث عن الضحك... كان الكتاب بحسب الحوار الأخير في الرواية بين المحقق والراهب ينقل رؤية هامة جدا وهي ان الضحك يحرر الانسان من الخوف ؛ لكن ايكو لم يطرح لنا فكرة الضحك في وجهها السلبي الآخر وهي فكرة أن يكون الضحك سلاحا لتدمير الآخر. فكل شيء في حياتنا هذه سلاح ذو حدين.
أيا ما كان الأمر وبالعودة الى موضوعنا الأساسي ؛ سنجد أن الاعلام العربي لم يتوقف عن ممارسة حربه الاعلامية في قضايا كثيرة كالقضية الفلسطينية ، مع ذلك فالحرب النفسية عبر الاعلام انتقلت الى الاخوة الاعداء اي بين الدول العربية نفسها ؛ واصبحت الحرب شديدة الوضوح ابان ثورات الربيع العربي ؛ حيث تبنت قناة الجزيرة الخط الاخواني في حين تبنت قناة العربية الخط الليبرالي ، وصار بامكاننا ان ننتقل من قناة الى قناة لنشاهد نفس الخبر ولكن من زاويتين مختلفتين تماما.
الحرب الاعلامية ايضا تمارس على مستويات اخرى كثيرة كالحرب بين الانظمة والمعارضة ، بل حتى في المحاكم يكون للاعلام تأثير كبير جدا ؛ وربما يتضح تأثيره اكثر في الانظمة القضائية التي تأخذ بنظام المحلفين.
إذا كانت هذه الحرب النفسية عبر الاعلام جادة - والتي بدأت بدايات بدائية ابان الحرب العالمية عبر القاء منشورات بالطائرات ، فالحرب النفسية اليوم أخذت طابعا أقل جدية مما كانت عليه. فهي تستخدم السخرية أو الضحك لنقل رسائلها الى العدو او لاستقطاب الجماهير نحو طرف من المتحاربين او تنفير الجماهير من احد الطرفين عبر شيطنته ولكن بشكل فكاهي جدا. المثال الواضح والطريف جدا لاستخدام الضحك او الفكاهة في الحرب النفسية شاهدناه بأم أعيننا ابان الصراع بين الكتل العلمانية في مصر والاخوان المسلمين ؛ لقد ظهر برنامج باسم يوسف وبرنامج ابراهيم عيسى ؛ الذي قام في احدى الحلقات بجلب اطباق بيض ووضعها في حلة واصفا الدستور الذي وضعه الاخوان بأنه سلق بيض. قناة الجزيرة ولأول مرة خسرت حربها أمام الاعلام المصري الذي استخدم حرب الضحك لتشويه صورة الاخوان المسلمين ومن المعروف ان اغلب مقدمي برامج قناة الجزيرة يفتقرون الى خاصية الاضحاك ان لم يكونوا شديدي التجهم لخلفيتهم الاخوانية. تم اقصاء الاخوان بمباركة جماهيرية مصرية عارمة ؛ وتزايدت الحرب بين القنوات المصرية التي ركزت على حرب الاضحاك وقناة الجزيرة التي ركزت على تحوير الملابسات والوقائع. وللمرة الثانية انتصر الاعلام المصري الذي ركز على الداخل المصري عبر حرب الضحك.
حرب الضحك ليست من بنات افكار الاعلام العربي ، فهي ليست جديدة ؛ فاستخدام السخرية من العدو والاستهزاء به والتقليل من شأنه قديم جدا ؛ لكن حرب الضحك اليوم تحولت الى سلاح استراتيجي وان لم اكن اعرف ان كان استخدام الضحك في الحرب قد خضع لدراسة منهجية ومن ثم تحوله الى علم او على الاقل تمتعه بتأصيل على مستوى علم النفس ام لا ؛ لكن حرب الضحك من شأنها ان تخضع يوما ما للتقعيد المنهجي.
حرب الضحك استخدمتها الدول اليوم بكثرة مع اتساع وسائل الاعلام الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي . فلنلاحظ مثلا أن هزيمة المنتخب السعودي المتوقعة بخمسة اهداف ؛ لم تمر مرور الكرام ؛ ولا يمكننا ان نتجاهل الكم الهائل الذي تم ضخه عبر وسائل التواصل الاعلامي من النكات والصور التي تسخر من المنتخب السعودي على نحو يستبعد أي عفوية محتملة فيه. لم يخلو تويتر او الفيس او الواتس او غير ذلك من عملية ضخ ممنهج للسخرية من المنتخب السعودي . واستخدمت حرب الضحك لتوجيه رسائل سياسية للداخل السعودي الرسمي والشعبي.
مع ذلك فحرب الضحك ليس بالضرورة ان تتم بشكل مؤسسي ، ولا عبر تخطيط استخباراتي ؛ فالمواطنون ايضا قد يمارسوا حرب الضحك لتوجيه رسائل لانظمتهم او لتقويض تلك الانظمة او لتقويض حزب سياسي او مؤسسة اجتماعية او حتى لهزيمة فرد نفسيا.
أخيرا ؛ في رواية اسم الوردة لامبرتو ايكو كان كتاب الملهاة السري لارسطو الذي عمل رجل الدين على اخفائه يتحدث عن الضحك... كان الكتاب بحسب الحوار الأخير في الرواية بين المحقق والراهب ينقل رؤية هامة جدا وهي ان الضحك يحرر الانسان من الخوف ؛ لكن ايكو لم يطرح لنا فكرة الضحك في وجهها السلبي الآخر وهي فكرة أن يكون الضحك سلاحا لتدمير الآخر. فكل شيء في حياتنا هذه سلاح ذو حدين.