مع آخر لقمة استقبلتها معدته شبه الفارغة , قفزت الى ذهنه عبارة فوكنر : ( لو تجنب الكاتب الجوع والتشرد و وجد سقفاً يؤويه, فإنه لن يحتاج سوى قلم و ورق ليعمل)!!!
وضع هذه العبارة في كفة وفي كفة اخرى عبارة ( المعاناة تولد الابداع) ثم اطرق برأسه لبرهة مفكرا ومحاولاً ما استطاع ان يرجح كفةً على اخرى, فأخفق في الوصول الى نتيجة مقنعة, لكنه لم يستسلم من الوهلة الاولى, بل استغرق في التفكير حينا من الوقت, الى ان وصل اخيرا الى طريق مسدود بصخرة الحيرة والتعجب.
لم يكن مشردا بصريح العبارة ولا جائعاً لحد العدم, بيد ان عدم استقراره النفسي والمعنوي في الآونة الاخيرة, كانا غالباً ما يشعرانه بهوان نفسه وضياعها.
تجشأ بصوت خجول خلاصة تلك الوجبة الدسمة, فأحس و كأنه قد افرغ كل ما في جوفه من هموم, شعر بعدها براحة عظيمة لم تصمد لأكثر من ثانية رغم تشبثه الطفولي بتلابيبها لكي تمكث معه ولو لبضع دقائق, غير انها افلتت منه ومضت في طريقها كخيط دخان ذاب في لطف ودلال في فضاء الافق.
تحسس براحتي يديه فراشه الناعم الوثير, و مسح سقف غرفته بنظرة فاحصه بينما لم تبارح عبارة فوكنر مخيلته. كانت ترقد في الركن القصي من غرفته المتواضعة رزمةٌ من اوراق ناصعة البياض لم تُفَض بكارتها بعد, وبجانبها كوب زجاجي يميل الى الاحمرار وقد انتصبت من جوفه رؤوس اقلام حبر و رصاص مختلفة الاحجام والالوان, كانت كلها متحفزة ومشرئبة بأعناقها, يقتلها الشوق والحنين لعالم الكتابة. كانت اقلامه الموحشة تناديه بإلحاح شديد, ولا بد أن يلبي النداء. اما اوراقه البيضاء وقد توشحت بلمسة حزن صوفية, فقد كانت ترمقه بنظرات عتابها المتوسلة لكي يطفئ جذوة شوقها المتلهفة للكتابة.
كان الجو مهيئاً من كافة جوانبه للشروع في الكتابة التي هجرها منذ زمن بعيد, بعد أن سرقته مواقع التواصل الاجتماعي, حيث انغمس في دهاليزها و تفاصيلها المملة وكادت أن تبطل مفعول شغفه بالكتابة لولا هيامه و حبه للقلم الذي كان ينبض بالحنين من وقت لآخر كقدر حميم يعجز عن الفكاك منه.
اغمض عينيه, مستسلماً للحظة الالهام التي احتوته كطفل وليد, فغاص في تلافيف الذاكرة , عله يظفر بخيط يقوده الى محطات الحرف والكلم الانيق. وفي خضم لحظات المخاض تلك, تصبب جبينه عرقاً غزيراً رغم برودة المكان, وبينما كانت عبارة فوكنر تسجل حضورها المنقطع النظير في مخيلته, فوجئ ببنات افكاره تلم شتاتها وتقتحمه من كل حدب و صوب بحيث لم يجد بُداًَ غير امتشاق قلمه والشروع في كتابة اول قصة قصيرة بعد غيبةٍ طويلة, تحت عنوان ( العودة).
بقلم/ مالك معاذ سليمان
وضع هذه العبارة في كفة وفي كفة اخرى عبارة ( المعاناة تولد الابداع) ثم اطرق برأسه لبرهة مفكرا ومحاولاً ما استطاع ان يرجح كفةً على اخرى, فأخفق في الوصول الى نتيجة مقنعة, لكنه لم يستسلم من الوهلة الاولى, بل استغرق في التفكير حينا من الوقت, الى ان وصل اخيرا الى طريق مسدود بصخرة الحيرة والتعجب.
لم يكن مشردا بصريح العبارة ولا جائعاً لحد العدم, بيد ان عدم استقراره النفسي والمعنوي في الآونة الاخيرة, كانا غالباً ما يشعرانه بهوان نفسه وضياعها.
تجشأ بصوت خجول خلاصة تلك الوجبة الدسمة, فأحس و كأنه قد افرغ كل ما في جوفه من هموم, شعر بعدها براحة عظيمة لم تصمد لأكثر من ثانية رغم تشبثه الطفولي بتلابيبها لكي تمكث معه ولو لبضع دقائق, غير انها افلتت منه ومضت في طريقها كخيط دخان ذاب في لطف ودلال في فضاء الافق.
تحسس براحتي يديه فراشه الناعم الوثير, و مسح سقف غرفته بنظرة فاحصه بينما لم تبارح عبارة فوكنر مخيلته. كانت ترقد في الركن القصي من غرفته المتواضعة رزمةٌ من اوراق ناصعة البياض لم تُفَض بكارتها بعد, وبجانبها كوب زجاجي يميل الى الاحمرار وقد انتصبت من جوفه رؤوس اقلام حبر و رصاص مختلفة الاحجام والالوان, كانت كلها متحفزة ومشرئبة بأعناقها, يقتلها الشوق والحنين لعالم الكتابة. كانت اقلامه الموحشة تناديه بإلحاح شديد, ولا بد أن يلبي النداء. اما اوراقه البيضاء وقد توشحت بلمسة حزن صوفية, فقد كانت ترمقه بنظرات عتابها المتوسلة لكي يطفئ جذوة شوقها المتلهفة للكتابة.
كان الجو مهيئاً من كافة جوانبه للشروع في الكتابة التي هجرها منذ زمن بعيد, بعد أن سرقته مواقع التواصل الاجتماعي, حيث انغمس في دهاليزها و تفاصيلها المملة وكادت أن تبطل مفعول شغفه بالكتابة لولا هيامه و حبه للقلم الذي كان ينبض بالحنين من وقت لآخر كقدر حميم يعجز عن الفكاك منه.
اغمض عينيه, مستسلماً للحظة الالهام التي احتوته كطفل وليد, فغاص في تلافيف الذاكرة , عله يظفر بخيط يقوده الى محطات الحرف والكلم الانيق. وفي خضم لحظات المخاض تلك, تصبب جبينه عرقاً غزيراً رغم برودة المكان, وبينما كانت عبارة فوكنر تسجل حضورها المنقطع النظير في مخيلته, فوجئ ببنات افكاره تلم شتاتها وتقتحمه من كل حدب و صوب بحيث لم يجد بُداًَ غير امتشاق قلمه والشروع في كتابة اول قصة قصيرة بعد غيبةٍ طويلة, تحت عنوان ( العودة).
بقلم/ مالك معاذ سليمان