قلمي هو حياتي والصحافة هي شريكته فيها، هكذا ألخص مجمل حياتي وطبيعة شخصيتي وسائر سلوكي وأفعالي، وليس هذا تعبيرا مجازيا أشرح به شيئا أو أوضحه أو أبرره، لكنها حقيقة ساطعة قد لا يفهمها الكثيرون ممن يتعرضون لي بالنقد والتجريح والتشهير، ولعل هذه الحقيقة هي السبب الرئيسي وراء عزوفي عن الزواج أو مجرد التفكير به، فرغم أن قلمي وعملي بالصحافة أتاحا لي التعرف على عشرات بل حتى مئات النساء من مختلف الجنسيات والطبقات والأعمار، وكانت ولا تزال علاقتي ببعضهن حميمة للغاية، إلا أنني لم أفكر مطلقا أن أرتبط بإحداهن ارتباطا أبديا بالزواج، فأنا أتنقل بينهن كالنحلة بين الأزهار، فقلمي لا يعرف الارتباط الأبدي بأحد سواء كان شخصا أو تيارا فكريا أو سياسيا أو غير ذلك، وهؤلاء الذين يتهمونني بالتلون والتقلب مخطئون تماما، فهم لا يعرفون أنني أتبع قلمي أينما سار واتجه، فقد يتراءى له أن يتجه يمينا فأتبعه، أو يسارا فأوافقه، وهو في ذلك لا يتحرك عبثا ولا اعتباطا، بل بما يتوفر له من مؤشرات ودلالات تدفعه إلى ذلك، ولا يضيرني مطلقا أن أهاجم من دافعت عنه من قبل أو العكس، بل أنا الذي يحق لي أن أتهم هؤلاء بالجمود والتحجر، فقلمي يتمتع بالمرونة والقدرة على تغيير أفكاره وآرائه تبعا للمواقف والأحوال المختلفة، ولأن الدنيا لا تعرف الجمود أو الثبات على حال واحد فإنني لا أرى عيبا أو نقيصة في أن أغير مواقفي وأبدلها، لذلك عندما ثار الشعب على الطاغية كان من الطبيعي والمفهوم أن يتبع قلمي ثورتهم، وإذا كنت قد رأيت في هذا الحاكم من قبل ما لا أراه الآن فمرجع ذلك اختلافه هو وتغير شخصيته وأحواله هو، فمن غير المعقول أن أهاجمه في وقت كان فيه رمزا للبلاد ومعبرا رسميا وشرعيا عنها، وكان رغم ما قد يؤخذ عليه قادرا على إدارة البلاد وسياسة أمرها وتلبية احتياجات أهلها بشكل معقول ومقبول، فكيف لي إذن أن أهاجمه حينها وهو الكفيل وحكومته بحفظ أمن البلاد وضمان استقرارها وسلامة أراضيها، ثم أن الشعب نفسه كان راضيا وقانعا ولم يبد سخطا أو مللا منه أو من حكومته، كانت الأمور والأحوال إذن طبيعية أو تكاد ولم يكن هناك ما يبرر أن ينقلب قلمي عليه أو يهاجمه، بل كان واجبي أن أوضح إيجابيات النظام وإنجازاته، وأن أشير برفق إلى ما قد يؤخذ عليه من سلبيات حتى يمكن تجاوزها، أما عندما سئم الشعب منه ومن أفعاله وأفعال بعض معاونيه، ثم تحول السأم إلى غضب، والغضب إلى ثورة، وخرج الشعب مطالبا بالإصلاح والتغيير، التقط قلمي على الفور إشاراتهم وانعكس ذلك على كتاباتي، وكان من الطبيعي أن يكون ذلك تدريجيا شأنه شأن أي انتقال، بل شأن ثورة الشعب نفسه بمراحلها المختلفة، ورغم ما أثبته قلمي من مرونة وحسن استقراء للأحوال والظروف المتغيرة دائما، إلا أن الحاقدين الجاهلين ازدادوا عليَّ هجوما وتسفيها، وهم واهمون إن ظنوا أنني سأتراجع تحت وطأة هجماتهم الشرسة، فقد تعودت وتعود قلمي أن نعبر معا بسلام العديد من المواقف والأزمات المشابهة، فأخرج منها دائما أبدا صامدا منتصرا قادرا على البقاء في كل زمان ومكان، ويبقى قلمي ناطقا أمينا بلسان كل عهد، معبرا عنه وعن رموزه وفئاته حكاما ومحكومين.
أيمن مصطفى الأسمر
نوفمبر 2011
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"
أيمن مصطفى الأسمر
نوفمبر 2011
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"