تبدأ الثورة بفكرة وتنتهى حينما يتوقف العقل عن التفكير، وغالبا ما تكون الفكرة كامنة كبركان خامد لسنوات طويلة ثم ينفجر عندما تتوفر الظروف المناسبة لثورته، والثورة هي التغيير الأكبر فى حياة الشعوب، فإما أن تكتمل وتصح فتنقلهم من حال إلى حال وتدفع بهم إلى الأمام، وإما أن تنتكس فترتد بهم إلى الوراء، والثورة لا يصنعها الثائرون فقط بل الطغاة أيضا، وربما كان نصيبهم فى صنعها أكبر من نصيب الثائرين، فلولا ظلم الطاغية وفساده لما ثار الناس أو انتفضوا عليه وعلى أعوانه، والثائرون الحقيقيون قد لا يسجلهم التاريخ أو يحتفظ بأسمائهم، لكنه يسجل من شاء له القدر أن يبرز فى واجهة أحداث الثورة حتى وإن كان طارئا عليها، أو من يستتب له الأمر فى نهاية الثورة حتى لو كان غافلا عن بدايتها، وزمن الثورة هو زمن اضطراب بطبيعته، فسيفساء غرائبية تختلط فيها العديد من المتناقضات إلى درجة قد تثير الحيرة والريبة معا، وبعض الشعوب لا تتحمل فى مرحلة معينة من مراحل تطورها آثار الثورات وتوابعها، فتعانى كثيرا وتتخبط طويلا وتدفع ثمنا باهظا حتى تضع قدمها على الطريق الصحيح وتجنى ثمار ثورتها، قد يحتاج هذا لجيل أو اثنين وقد يحدث فى أقل من ذلك أو أكثر، فلا يوجد للثورات مقياس دقيق أو معيار واحد، والمفكرون والكتاب لهم أيضا نصيبهم من فسيفساء الثورة، تكون أفكارهم وكتاباتهم وقودا لها فيما قد تحترق أجسادهم بلهيبها، وإذا كان بعض الشباب قد اعتبرنى ضمن غيرى من المبشرين بالثورة والمعبدين لطريقها، وأكدوا أن كتبى ومقالاتى مثلت لهم تحليلا وتشخيصا مبكرا للحالة المتردية التى كان يعيشها الوطن فى ظل النظام الساقط، وأنها حرضت بشكل أو بآخر على تغيير أوضاع الوطن وربما الأمة كلها للخروج من حالة الغيبوبة التى يعانى منها، إلا أن هذا شرف لا أدعيه تماما ولا أنكره مطلقا، فأنا أعلم علم اليقين أن القلة فقط من المثقفين هم من يقرؤون كتابات مشابهة لكتاباتى وكتابات غيرى من المفكرين، وأنها في الغالب ثقيلة على أغلب المثقفين فما بال عامة الناس، لكنني أعلم أيضا أن الفكرة يكفيها فرد واحد كى تنتشر إذا أتيحت لها الظروف المناسبة لذلك، في كل الأحوال سواء كان لي دور في اشتعال الثورة أو لا فأنا سعيد أن الناس قد تحركت وأخذت مبادرة الفعل بنفسها، وقد يقلقني اضطراب الأوضاع وعدم اكتمال الثورة واستعجال الناس لهذا الاكتمال، ويقلقني قلة خبرتهم وعدم إدراكهم الكافى لكيفية التحكم فى نار الثورة التى أشعلوها، لكن تبقى التجربة فى النهاية هى المحك الحقيقى لإنضاج الثورة والوصول بها لمرحلة الاكتمال التى أتمناها، وأعلم أن ذلك سيستغرق وقتا وأنه سيكون مخاضا عسيرا مكلفا، لكن المهم أن حجر الثورة قد حرك مياه الوطن الراكدة منذ عقود طويلة، وأن أحوال الناس والوطن لن تعود أبدا لما كانت عليه من قبل.
نوفمبر 2011
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"
أ
نوفمبر 2011
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"
أ