قصتان قصيرتان جدا
تأليف
د.محمد عبدالحليم غنيم
تقول المرأة ذات الصلعة والتى ترتدى باروكة شعر زرقاء اللون ، تقول تلك المرأة أنني أخوها السفلي ،أي أنني جنى ولست من جنس البشر وتسحبني من يدى فأسير خلفها في صمت ، ثم توقفني خلف باب نصف مغلق ،وتأمرني ،فأخلع ملابسي قطعة قطعة ،وأجدنى مستسلما لا أستطيع المقاومة ،فأصير عاريا كما ولدتني أمي ،وأفكر للحظة هل ولدتني أمى عاريا حقا؟ وعند ذلك أصيح بكل قوتي ،وأظن أن العالم كله يسمعني الآن ،فتبتسم المرأة ذات الصلعة وباروكة الشعرالزرقاء،وتلمس خدي القريب من يدها فأنتفض كمن مسته كهرباء وأشرع في ارتداء ملابسي قطعة قطعة ،وعندما أتوجه نحو الباب أجده مغلقا،فأدور في الحجرة ، ثم أقف في المنتصف ،لا أستطيع الرجوع ولا أستطيع التقدم ،وعندما أصيح من جديد ينحبس الصوت في حلقي ،بينما تبدأ المرأة في خلع ملابسها قطعة قطعة .
ما كان يجب أن أسكت على هذه الإهانة ! كان على أن أفعل شيئا .
عرفت ، وكنت طفلا صغيرا ، أفهم جيدا دروس الطبيعة ، وأعرف أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ، وكنت أعرف جيدا أستاذ الطبيعة ، فهو القائل : العصا لمن عصا ، فإذا تكلم أحد أو همس ،نزلت عليه العصا .
هل كان يتعمد إهانتي ؟ أظن ذلك . لكن ماذا فعلت له ؟
تسير الطيور في اتجاهها الصحيح ، وتسقط عند أول الطريق ، تلتقط حبات القمح ، وتغرد العصافير فوق البيوت المرتفعة عند السماء ، وينشد المساء أغنية رقيقة ثم ينام الصغار .
ما كان السيد وما كنت العبد ! ما كنت السيد وما كان العبد !
غادرنا المكان وفارقنا الظل ، ولم تكن الشمس حارقة ولم تكن الأرض عطشى ، وكان الماء يفيض من القناة التى نسير بجوارها ، وفجأة توقف ، وقال لي :
- قف أنت .. وسأسير أنا
قال ذلك في لهجة آمرة ، ولكن هادئة في ذات الوقت ، فابتلعت ريقي مرتين ، ولم أجهد نفسي في البحث عن كوب ماء ، سمعت نقيق ضفدعة ، ورأيت ظلا لسيف مبتور ، وتذكرت شطر بيت من شعر المتنبي ، وعرابى فوق حصانه أمام قصر الخيوى .. ثم قلت من أعماق ذاتي :
- قف .. لماذا تتعمد إهانتى ؟
هل سمعنى ؟ لا أظن .. لأنني كنت أقف ، بينما كان هو يسير تظلله الشمس !
تأليف
د.محمد عبدالحليم غنيم
- الوقوف في المنتصف
تقول المرأة ذات الصلعة والتى ترتدى باروكة شعر زرقاء اللون ، تقول تلك المرأة أنني أخوها السفلي ،أي أنني جنى ولست من جنس البشر وتسحبني من يدى فأسير خلفها في صمت ، ثم توقفني خلف باب نصف مغلق ،وتأمرني ،فأخلع ملابسي قطعة قطعة ،وأجدنى مستسلما لا أستطيع المقاومة ،فأصير عاريا كما ولدتني أمي ،وأفكر للحظة هل ولدتني أمى عاريا حقا؟ وعند ذلك أصيح بكل قوتي ،وأظن أن العالم كله يسمعني الآن ،فتبتسم المرأة ذات الصلعة وباروكة الشعرالزرقاء،وتلمس خدي القريب من يدها فأنتفض كمن مسته كهرباء وأشرع في ارتداء ملابسي قطعة قطعة ،وعندما أتوجه نحو الباب أجده مغلقا،فأدور في الحجرة ، ثم أقف في المنتصف ،لا أستطيع الرجوع ولا أستطيع التقدم ،وعندما أصيح من جديد ينحبس الصوت في حلقي ،بينما تبدأ المرأة في خلع ملابسها قطعة قطعة .
- إهانة
ما كان يجب أن أسكت على هذه الإهانة ! كان على أن أفعل شيئا .
عرفت ، وكنت طفلا صغيرا ، أفهم جيدا دروس الطبيعة ، وأعرف أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ، وكنت أعرف جيدا أستاذ الطبيعة ، فهو القائل : العصا لمن عصا ، فإذا تكلم أحد أو همس ،نزلت عليه العصا .
هل كان يتعمد إهانتي ؟ أظن ذلك . لكن ماذا فعلت له ؟
تسير الطيور في اتجاهها الصحيح ، وتسقط عند أول الطريق ، تلتقط حبات القمح ، وتغرد العصافير فوق البيوت المرتفعة عند السماء ، وينشد المساء أغنية رقيقة ثم ينام الصغار .
ما كان السيد وما كنت العبد ! ما كنت السيد وما كان العبد !
غادرنا المكان وفارقنا الظل ، ولم تكن الشمس حارقة ولم تكن الأرض عطشى ، وكان الماء يفيض من القناة التى نسير بجوارها ، وفجأة توقف ، وقال لي :
- قف أنت .. وسأسير أنا
قال ذلك في لهجة آمرة ، ولكن هادئة في ذات الوقت ، فابتلعت ريقي مرتين ، ولم أجهد نفسي في البحث عن كوب ماء ، سمعت نقيق ضفدعة ، ورأيت ظلا لسيف مبتور ، وتذكرت شطر بيت من شعر المتنبي ، وعرابى فوق حصانه أمام قصر الخيوى .. ثم قلت من أعماق ذاتي :
- قف .. لماذا تتعمد إهانتى ؟
هل سمعنى ؟ لا أظن .. لأنني كنت أقف ، بينما كان هو يسير تظلله الشمس !