لا أحد في الضفة الثانية
أنت تغامر بالخطوة ولا تدري إنْ كنت ستغرق
أم كنت ستعبر
لاشيء خلفك
حتى ظلك لم يعد هناك
حتى هذا الأكسجين لا يخصك وحدك
وتلك الحكمة المهملة لا تعنيك في شيء
لا تترك أحداً وراءك
لا تترك أملاً واحداً
ولا صديقًا واحداً
ولا تنهيدةً واحدة
لا تترك للمستقبل شيئاً
لا تمنحه أي فرصة...
هذه المرآة لا تعرف كم عمراً غائراً فيها
على سطحها يطفو زبد العمر
لا أعرف أين يقف الزمن الآن
هذه الجدران تحبس أزمنة خاىفة
وذكريات حزينة
أقف حيث أنا في هذا الجسد حبيبك
أراهن على المسافة التي يجتازها العطر
وأمضي باحثاً عن زمن لا يرى شيخوخة القلب
تعالي نمنح الأمل فرصةً أخرى
أمنحك كل أوهامي السعيدة...
بعد تحطم كل المرايا
التي كنت أرى فيها حبك
لا أعرف اين أقف الآن
قبل الحائط أم بعد المرآة؟!
قبل الذاكرة أم بعد المعنى؟!
هرولت السنوات تحت جنح الظلام
يحتاج هذا العمر إلى مكابح
أخشى أن يصل سريعاً إلى الشيخوخة واليأس
أخشى أن يسبق رغبتي في تأمل الأحلام المبعثرة
على جنبات القلب
أخشى أن يهرول في اتجاه...
أرجو ألا تكون في الجهة الثانية جهةٌ أخرى
أرهقني عبث الجهات.
أنا ولدك العاق الذي يتمنى أن تري قبره وتمشين عليه
ولدك الذي يتمنى أن لا يرى الدمع في عينيك.
كل الجهات لا ترى يا أمي
كل الجهات!
في هذه الهاوية لا أحد يسمع استغاثة أحد
إلهك الذي تنادين عليه أصيب بالصمم
وإله طفولتي مات!
تفقدين ضوء عينيك...
لا جدوى أيتها الجهات
لا بوصلة للندم
كل هؤلاء مرضى بالتاريخ
كل هؤلاء ضحايا دقائق معدودة
ضحايا اللذة السفلى!
كل هؤلاء كان لهم آباء وأمهات
ومع ذلك نال منهم الزمن!
لم يحمهم أحد.
لا أعرف هل أشفق عليك
أم أشفق على ما خبأتِه في جسدي من أحلامك العمياء
أين كان قلبك يا أماه
هل كان لا بد أن تمنحي الهباء...
هذا الظل الذي تحسبونه أنا
هو ظل فكرة ماتت
وتموت كل يوم
يا أعداء جسدي لستُ عدوكم أنا
لستُ أنا الشخص الذي كنتُه منذ ثلاثين عاما
اقتلوا اسمي
اقتلوا ذلك الوهم الذي تُعلِّقون به صوركم القديمة
وتحملونني تبعات أخطائه
لستُ أنا ذلك الذي كنتُ قبل لحظات
فكيف تريدونني أن أدافع عن ثلاثين عاما
من السجن في...
غرباء والمعنى يموت
الدمعة مكتظة بالحنين واليأس
والكلماتُ فقدت صغارها في الحرب ،
والهواء الذي ثقبه الرصاص
يتحسس كل ملامحي في زحام الكلمات العمياء ،
ويشد قامته باتجاه المستحيل؛
صار جدار المساء أعلى من تنهيدةٍ مثقوبة
تحاول أن تتسلق النسيان وهي تنزف!
وصرتُ صمتاً سميكاً
وصديقاً شخصيا لليل ،
أبحث في...
وقف أحدهم تحت نافذتي يخصف نعاله
ويصرخ ما هذه الأيام المثقوبة
إلى كم ستظل أيامي موحلة
ولا طريقي لها غيري
أيتها الأيام خذي اتجاهاً آخر
لأراك من بعيدٍ وأتمناك
ذلك الرجل كدس كل أيامي أمامي
وداس على ظلي ومضى
أيامك التي كانت هنا خرجت مبكراً
أيامك التي تعثرت بي أيضاً
غادرت وهي تنفض ما علق بها من غبار...
أحبك لكنني لا أخاف من خسارتك
أحبك نقداً
ولا أرقب البورصة
لا أبالي بحب الصيارفة
مات أبي
وترك وراءه أعباءكثيرة
غير تلك الأم التي تحرس اسمه الذي مات
وتبتزنا بالخوف على ذلك الاسم من براز الطيور
ووسخ الذكريات
أحبك بلا خوف
في آخر تلك الذاكرة مشهدٌ لليل
ليلٌ صامت بلا أرق
وبلا نوافذ يتلصص منها الآخرون...
يقف معنى ما آخر هذا الشارع
ويحاول أن يمر إلى الجهة الثانية من نسيانك
يحاول أن يركض بعيداً عن الأمس
يحاول أن يستدير إلى الطعنة التي ستجيء على بعد مائة عام
يقف معنى آخر في ذلك الرجل الذي استنفدته الذكريات
وتركته علكة بائتة
لا نهاية للآن
والآن أنتِ
الآن
أعيش في نسيانك وحدي
حيث يكون الليل فهناك عطرك...
ليس هذا أخي
هذا ما بقي من ذاكرتي بعد دفنوا تلك الأيام
هذا الذي تسمونه قبراً
كومة ذكريات
أقف عليها كل يومٍ وأنزف نسياني
ليس هذا شاهد قبر
هذا زمنٌ تسمَّر فيه السأم اليومي
يا جغرافيا الندم
أين خارطة الدمع لأعرف حدود القبر
من حدود القهر؟!
أين المسافة التي تركتها لأوسد الليل الواقف في قلبي؟!
أي حفرة...
تحدثي مع ظلك جيداً !
فأنا مغمض القلب
لا أرى ما تقولين
أتحسس طريقي إلى عطرك
بين زحمة الخيبات
ولا أفكر مطلقاً بأن أكون شرطي مرور
على قارعة الذكريات.
كل الوصايا تحت قدميك يبعثرها الوقت
ليس للمعنى هنا صديقٌ أو أسماء مستعارة
ولا سماء وراثية
الفكرة التي سكرتْ بالأمس
وخرجت من جمجمتي ثملةً تتسكع على...
في شارع صنعاء وقد ترك البحر وحيداً والنسيان صاخباً يتمطى لم يحتمل رؤية نفسه وحيداً؛ ولم يحاول أن يكون وطنياً جداً، لكنه كان دائماً يحرص على أن يظل شاعراً وشاعراً بطيئاَ يكتب قصيدته بالتقسيط المريح ويبكي بين معنى ومعنى ويضع حدوداً للدموع الوطنية والدموع العاطفية ويخشى أن تختلط المشاعر إذا اختلطت...
هو من الشعراء الذين كثر حولهم الغاوون، لم يكن من أصدقاء قصيدة النثر، ولا من جيرانها الطيبين، وكما قال نوعا ما يحب قصيدة التفعيلة، كما يحب التتبيلة ويحب المايونيز، ويكره الشعراء الذين يظهرون في النصف الثاني من القرن العشرين ويحدقون في النصف الفارغ من الكأس والنصف الأول من الهاوية.
أما هو فكان...
ماذا لكِ الآن من شوقي سأرتجلُ
والدرب نحوك يجري بي ولا يصلُ؟!
تراكمت في دمي خيبات مَنْ عشقوا
وأوحلت في فمي صرخات مَنْ قتلوا
فكيف للروح أن تحصي مواجعها
واللطف مصطنَعٌ والحب مفتَعلُ؟!
دعي الحكاية تستثني نهايتها
لربما فوق قبري يعشب المللُ
لا ليس هذا أنا، هذا البقية من
ماضٍ تمزق فيه الحلم والأملُ...