بمناسبة صدور روايتها «فعلا» : الكاتبة السعودية أمل الحربي: نعيش عصر قمع الرأي ومقص الرقيب دائما يلاحقني.. حاورها كه يلان سالار

ساد تصور نمطي عن الروايات التي تؤلفها النساءُ بحيثُ يرجحُ معظمُ القراء أن ما يتناوله السرد النسوي لا يخرجُ عن ثيمات مُحددة، الحب والكبت العاطفي والحنين ومناوشة المواضيع الواقعة خلف الخط الأحمر، وبما أنَّ الرواية أداة للبوح والمُكاشفة وإضاءة ما هو قابع في الزوايا المُعتمة، لذلك فمن الطبيعي أن تنفتحَ المساحة السردية بوجه شتى الاحتمالات والتقلبات التي يختبرها الكائن البشري. أرادت الكاتبة السعودية أمل الحربي كسر توقع القارئ، بما اختارته موضوعا أساسيا لروايتها الموسومة بـ«فعلا» الصادرة من دار مسكيلياني، حيث تفادت الثيمات المُستهلكة، ونزعت من بطلتها المواصفات التي تتحلى بها الشخصية النسائية في الروايات الأُخرى، إذ يتابعُ المُتلقي في تلافيف هذا العمل حياة منيرة المتهاوية في قاع الإدمان، وهي تعبرُ عن سخطها تجاه واقعها بالانغماس في عالم المُخدرات، وترى بأن البطولة هي أن لا تعمل شيئا. تغلف نظرة البطلة الضد مُناخ الرواية بالسوداوية والاكتئاب، ولن تكون الخلفية المكانية لبنية الرواية سوى المصحات التي تنتقل بينها منيرة بين القاهرة ونشستر في أمريكا، كما أنَّ رحلة العلاج والاستشفاء، وما يتخللها من الانتكاس والعودة إلى نقطة الصفر تُذكرك بوليام س. بوروز، وما يقوله بشأن المُقلع عن المُخدرات، وهو لا يحتاجُ حسب رأيه إلى كثير من الوقت ليتعاطى مجددا المواد المُخدرة بأنواعها المختلفة.
نجحتْ المؤلفة في تحبيك مادتها السردية وترتيبها في وحدات متتالية، وما تراهن عليه صاحبة العمل لإضفاء التشويق إلى الأحداث هو ترقبك لما سيؤول إليه مصير منيرة القادمة من بيئة مُحافظة، واستبطان دواخل شخصيتها والصراع بين رغبة للعودة إلى حياة طبيعية، وما يدفع بها نحو نفق الإدمان أكثر. وكان لـ«القدس العربي» حوار مع أمل الحربي حول تجربتها الروائية وما اعتمدت عليه لنحت شخصية مركبة.

■ الانطباع السائد في بداية الرواية يرجحُ أنَّ البطلة لجأت إلى المُخدرات وأصبحت مدمنة احتجاجا على الظروف الاجتماعية المُسيجة بالممنوعات، لكن ما يتوصلُ إليه القارئ في ختام العملِ أنّ الإدمان ليسَ حالة مرتبطة ببيئة معينة، بقدر ما هو موقف وجودي ضد العالم الخارجي بغض النظر عن اختلاف البيئة والظروف هل هذا صحيح؟
□ اصبت، بطلة الرواية كانت رافضة الوجود برمته، تفيق كل يوم وتجد نفسها عادة إلى الحياة نفسها، وما المخدرات إلا وسيلة للهروب من الواقع .عمق الرواية يتحدث عن الوجود والعدم.

■ تعبر منيرة عن سخطها مُعلنة أن البلاد كلها عبارة عن مصح نفسي كبير، لكن قدرَ للبعض أن يقضوا أيامهم قيد الإقامة الجـــــبرية، بينما الآخرون يعثون الفساد في الأرض، وهذا يعني أن البطـــلة واعية لما يسودُ في المجتمع من الإزدواجــــية السؤالُ هــــو لماذا تختارُ منيرة الإدمان والانزواء بدلا من اتخاذ موقـــف ثــــوري مثلا؟
□ منيرة عبثيه بطبعها وغارقة في ذاتها فلم يكن يعنيها الشأن العام، ولم تجد أن من حولها يستحق هذه التضحية، خصوصا أنه يتطلب من أي شخص لفهم الازدواجية أن يكون مزدوجا في ذاته.. غير أن الواقع واقع، والوضع وضيع لحمل شعارات بطولية، ونحن نعيش في عصر قمع الرأي.

■ قد يتساءلُ القارئ عن شحة المعلومات حول شخصيتي مي وخالد، وهما وراء انغماس البطلة في عالم المُخدرات، وكان من المُفترض إيراد معلومات أكثر حول تلك الشخصيتين لماذا لا توجدُ إلا إشارة بسيطة إلى دورهما؟
□ لم أرغب في أن أتبرع بمعلومات في نظري غير ذات جدوى، لم أرد أن تكون الرواية كليشيه، خصوصا أن موضوعها قد يعد كذلك.. فلم أتبرع بمعلومات زهيدة عن المنطقة الجغرافية التي تنتمي لها البطلة. معلومات لا تخفي عن الجميع ومتداوله في كل وسائل التواصل الاجتماعي.

■ مع أن رواية «فعلا» تُعدُ من الأعمال الأدبية الجريئة إذ تكشفُ جانبا متواريا عن حياة النساء داخل المصحات، وتعثرات المصابين بحالة الإدمان في رحلة العلاج، لكن هناك تكتمُ على جوانب من حياة المجتمع الذي تنتمي إليه البطلة هل شعرتِ بوجود رقابة ذاتية عندما شرعت بكتابة هذه الرواية؟
□ كنت تبحرت في الرواية ولكن مقص الرقيب كان دائما يلاحقني، واجتز ما استطاع.

■ بطلة روايتك تعيشُ الأطوار التي يمرُ بها المصاب بحالة ثنائية القطب الوجداني، من الوقوع في شدة السوداوية والكآبة والمازوشية والانـــدفاع، إلى التمــــتع بلحظات مُبهجة خصوصا في أمريكا، ما هي مصادر معلوماتك لنحت هذه الشخصية الروائية المركبة؟
□ هي رواية من خيال الواقع لا تمت بصلة لواقع الخيال.. ذهبت وزرت هذه الأماكن وتزودت بقدر ما استطعت من معلومات.

■ في روايتك تتواردُ التلميحات حول الاختلافات الثقافية والحضارية بين المُجتمعات الخليجية، التي تتمتعُ بالرفاهية والبــذخ، والبيئات العربية الأخرى، ولنا أن نضيف ما تلاحظه منيرة عن وجود الفرق في طبائع الشخصية، بين الإنسان الغربي والشرقي، هل أردتِ بذلك حَثَّ المتلقي على رؤية المعطيات من زوايا مُتعددة؟
□ بالطبع البيئه لها دور كبير جدا، ابتداء من المناخ وانتهاء بالسكان في تشكيل نسيج أي مجتمع.

■ يتوقعُ القارئ من الأعمال الروائية التي تؤلفها المرأةُ أن تدور حول ثيمة الحبِ وصراعات المرأة الداخلية والكبت العاطفي وخسارة الحبيب، ولكن في رواية «فعلا» يكادُ الحب والعلاقة العاطفية يغيبان إلا ما يذكر عن هيفاء، التي حملت جروحها لأمريكا ومضاوي التي هربت مع رجل مصري، هل الغرض من وراء ذلك هو كسر النمطية؟
□ لا أعلم إن كان ذلك متعمدا، ولكن البطلة تعيش في واقع ترفضه، ولم تكن تحبذ الاحتكاكات البشرية، وقد كفرت بكل القيم من صداقة وحب ولذلك نجدها غارقة في ذاتها.

حاورها كه يلان سالار


المصدر
القدس العربي Alquds Newspaper

أمل الحربي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى