جعفر الديري - جدلية الكم والكيف في الاشتغالات السردية.. نقّاد وكتّاب: النشر المتزايد ظاهرة إيجابية ومؤشر إلى نهضة أدبية!

كتب - جعفر الديري:

تمتلئ أرفف المكتبات في مملكة البحرين بعديد من الإصدارات البحرينية، وتكشف زيادة أعداد هذه الأعمال عن إقبال متزايد على تجربة الكتابة والنشر، خصوصًا الرواية، فهل يُعد ذلك دليل عافية أم ظاهرة غير صحية تنعكس سلبًا على المشهد الإبداعي في البحرين؟ طرحنا هذا السؤال على أعضاء «مختبر سرديّات البحرين»، فجاءت إجاباتهم متعددة بين من يرى هذه الظاهرة صحية، ومن يراها مؤشرًا لا يدل على الجودة بالضرورة، لكنه قد يشي بنهضة أدبية!

يعتقد القاص حسن علي أن الإنتاج الإبداعي بشكل سنوي يحرم الكاتب من تقديم شيء يعتزّ به، وبرأيه أن التمهّل في الكتابة وإعطاءها حقها من الاشتغال أجدى للكاتب، لكنه في نفس الوقت يحترم وجهة النظر الأخرى التي ترى أن الكاتب، طالما كان قادرًا على الإنتاج، فلِمَ لا ينشر؟!

ويضيف: «إنّ كثرة الإنتاج حال سلبية متى كان النتاج رديئًا، وجيدًا متى كان النتاج جيدًا، لكن النظرة للجيد والرديء تتفاوت بين قارئ وآخر، والحكم هنا يختلف باختلاف القارئ، يمكنني قراءة 10 روايات يعجبني منها 7 فقط، فأقول ليتني أجد في كل عام مثل هذا الإنتاج. بعكس قارئ آخر يقرأ روايات كثيرة فلا تعجبه سوى واحدة، فيتساءل: لماذا نجد إنتاجًا غزيرًا ومحتوى سيئًا؟»، ويتابع: «إذًا الحكم ليس ثابتًا، لكنّنا لو اكتفينا بما في السوق من روايات لما تطورنا! فالكتابة حركة مستمرة، واليوم أقرأ كتابًا لجعفر سلمان وغدًا لجابر خمدن وبعده لشيماء الوطني.. وهكذا كلٌّ يضيف جديده، والجديد هو نتاج خبرات القديم ونتاج ما تعلمته منه ونتاج قراءاتك وأفكارك المتجددة طبعًا، إلا إذا كان الأمر عبثا، فتكتب فقط لأجل أن يكون لك رصيد من الكتب دون المحتوى، فالجديد لا بد منه إذا»، مؤكدًا «نعم، توجد أعمال رديئة، وبالمقابل توجد أخرى جيده، وأنت كقارئ تستطيع تمييز الكاتب الجيد من الرديء».

اعتناق الكتابة وسيلة للتعبير

بدوره، يجد الناقد عقيل رضي في النشر المتزايد ظاهرة إيجابية، ومؤشرًا إلى عدة أمور، هي: اعتناق الكتابة وسيلة للتعبير، والإيمان بجنس مهم من أجناس الأدب وهو الرواية، إلى جانب الرغبة الملحّة في القول والتعبير عن الرأي ولو كان رأيًا شخصيًا، فمن هذه الآراء يصنع الرأي العام، كذلك في النشر المتزايد تفاعلٌ مع عديد من القضايا المطروحة في الواقع، وتطور للجوانب المتعلقة بالنشر وتسويق الكتب، واهتمام بالثقافة... إلخ.

ويضيف: «الكاتب هو إنسان، والإنسان بطبعه نامٍ ومتغير.. والكتابة مسيرة في تغيير المرء وبحثه الدائم عما هو أفضل. فهو إن لم يتفوق على غيره ويرقى القمة، يغير من ذاته، ألا يستحق ذلك؟».

مؤشر إلى نهضة أدبية

من جانبه، يعتقد الروائي جعفر سلمان أن كثرة الأعمال مؤشر إلى نهضة أدبية وليس العكس، «نعم ستكون هناك أعمال رديئة، لكنّ سيتعلم منها الكتاب الكثير وسيحسنون عملهم».

ويلفت سلمان لوجود خطأ على الدوام، وهو ربط جودة العمل الروائي أو القصصي بالقلة والكثرة، أو بسبب رغبة الكاتب في الشهرة أو الرفعة الاجتماعية وغيرها من أسباب، غير أن الحقيقة هي أن الجودة لا رابط بينها وبين الكثرة، فربما ينتج الكاتب رواية واحدة كل خمس سنوات ومع ذلك يبدو مستوى العمل متواضعا، بينما تجد من ينشر سنويًا بمستوى أفضل، كذلك تجد من يكتب لأجل إيصَال رسالة أخلاقية أو فكرية لكنَّ عمله متواضع، بينما هناك من يكتب لأجل إغاظة فلان أو علان، لكنّ عمله راقٍ، لذا يجب أن يكون الحكم على العمل.

قياس الزمن والمكان أولاً

من جهته، ينظر الناقد الدكتور فهد حسين لموضوع النشر المتزايد، ليس في سياق المدة، بل في قياس الزمن والمكان أولاً، إذ إن الكاتب متى أراد معلومة ما صرف وقتًا طويلاً للوصول إليها، وهو ما يتطلب زمنًا وأمكنة عديدة للبحث.

مؤشرات إلى تقدم النتاج الروائي

ويعلق الروائي الدكتور جعفر الهدي بالقول: «أعتقد أن غزارة الإنتاج الروائي له أسبابه، وهو ظاهرة قد تتوقف وربّما تنتهي، وقد تتحول إلى نهضة أدبية، وحتى الآن أجد أن هناك مؤشرات لوجود أفكار ونصوص واتجاهات تشير لتقدم في النتاج الروائي والقصصي».

ويضيف: «إن موضوع غزارة الإنتاج يتصل بعدة عوامل كالتفرغ التام أو الانشغال، وهناك أمثلة عديدة على غزارة الإنتاج مع جودة الأعمال وخلودها، لدي مثلاً كتاب قديم لتوفيق الحكيم هو (عودة الروح)، وأتذكر أنني بحثت عن مؤلفاته خلال إعدادي للتقديم لمحاضرة الشاعر كريم رضي عن الجاحظ، فوجدت ما يشير إلى أنه كتب أكثر من 300 كتاب! وقد عُرف توفيق الحكيم بصاحب البرج العاجي، كناية عن عزلته الناس وتفرغه للقراءة والكتابة، وكذلك كان الجاحظ، فقد نقل عنه انه كان يخبئ الكتب تحت ثيابه وهو في مجالس الخلفاء، فإذا انشغل الخليفة بأمر أخرج كتابًا وبدأ بقراءته. هناك أيضًا أمثلة معاكسة كالمثال الذي سبق أن ساقه الدكتور فهد، وهو أن أقل فترة كتب فيها أومبرتو إكو رواية كانت خمسة أعوام!».

ملحق رؤى جريدة الأيام البحرينية: العدد 12810 السبت 4 مايو 2024 الموافق 25 شوال 1445.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى