في الحرب فكّرتُ بالانحباس الحراري، أو التلّوث البيئي أو أي من هذه المشاغل الكونية التي تبدو ترفاً أمام القتل والتدمير والتهجير، وتلك ليست إلا مخاوف مستقبلية إلا أنها واعدة بمعنى تسببها بنتائج كارثية، إلا أنها قادرة على محو النصر والهزيمة، وهي نقيض واقعي لتحرير الحاجز رقم 77 واسترداد التلة رقم 99 . طبعاً لا أجرؤ على التفكير بالزلازل والأعاصير فتلك شديدة الفتك وتمتلك القدرة على التحالف مع الحرب في آثارها المدمرة السريعة.
في الحرب خرجت عليّ كائنات منقرضة: ديناصور أو ماموث، وترافق ذلك مع عواء ألف ألف كلب وقد استشعرتْ عودتَها من أزمنةٍ غابرة، مع أنها كلابٌ تحرسُ العدم أو اللا شيء، وليس لديها مخاوف بخصوص الإنقراض، إلا أنها " في كل مكان، تتخاطف كلّ ما تقع عليه، تتسافح في الأبنية المهدّمة والردم والخرائب والمجارير المفتوحة.. على أسطح الأبنية الناجية، في الشوارع والأزقّة، تعضّ وتنهشُ الأحياءَ والأموات." كما في روايتي "كلاب المناطق المحررة".
لا يحتكم ما تقدّم على أي تشويش، إنها محاولةٌ ناجحة أو فاشلة لتعقّب آليات الكتابة في/عن الحرب، لا بل مواصلتي الكتابة عن الحياة، والحب - لا بل الوله - والخراب يحيط بنا من كل حدب وصوب، وقد تطلّب هذا جهداً جهيداً للتخلص من الأحكام، وابتكار منهج عاطفي خاص يقيني السيولة والميوعة، أو الاستسلام للصراخ والأدرينالين، والتخلص من الحاجة الملحة لإعادة تعريف بديهيات مثل وطن ودين وتاريخ، في فعل مجابهة مع الأكثرية الساحقة التي لم تكتفِ بتعريف كل شيء بل اعتبرته نهائياً. ما الذي تبقى لي إذن؟ المخيلة المخيلة المخيلة كما يردد براندو في "القيامة الآن": "الرعب الرعب الرعب"
أتقوّى على الحرب بالمخيلة، ضد الإنشاء المرافق لها، الكتابة الملطخة بالدماء ودعوات القتل، الصراخ عن بعد، العويل والندب، والنأي عن التوثيق بوصفه فعلاً أدبياً، أو حتى ما هو متعارف عليه بقدرة الرواية على تقديم الرواية الموازية للواقعي. أنأى عن كل ذلك وأحيا مع المخيلة والتنافس على أشده مع ما حدث في سورية وتفوقه على المخيلة، فقد ألحقت الحرب السورية بالمخيلة هزيمة نكراء، وما من سبيل للانتصار عليها سوى نبش واقعها بخيال يضاهيها، بالبحث عن معادل مجازي، وهي وحدها – أي الحرب – ما أفضى بي إلى ذلك، وأنا على أتمّ الاستعداد لتحمل كافة التبعات، بينما الديناصورات الطائرة تعيث دماراً بالمدن، والماموثات تتقدم، والكلاب لا تملك إلا النباح الذي سرعان ما استحال أهازيج فرح بكل ما هو منقرض.
زياد عبدالله
* نقلا عن أوكسجين
العدد 235 | 21 أيلول 2018
في الحرب خرجت عليّ كائنات منقرضة: ديناصور أو ماموث، وترافق ذلك مع عواء ألف ألف كلب وقد استشعرتْ عودتَها من أزمنةٍ غابرة، مع أنها كلابٌ تحرسُ العدم أو اللا شيء، وليس لديها مخاوف بخصوص الإنقراض، إلا أنها " في كل مكان، تتخاطف كلّ ما تقع عليه، تتسافح في الأبنية المهدّمة والردم والخرائب والمجارير المفتوحة.. على أسطح الأبنية الناجية، في الشوارع والأزقّة، تعضّ وتنهشُ الأحياءَ والأموات." كما في روايتي "كلاب المناطق المحررة".
لا يحتكم ما تقدّم على أي تشويش، إنها محاولةٌ ناجحة أو فاشلة لتعقّب آليات الكتابة في/عن الحرب، لا بل مواصلتي الكتابة عن الحياة، والحب - لا بل الوله - والخراب يحيط بنا من كل حدب وصوب، وقد تطلّب هذا جهداً جهيداً للتخلص من الأحكام، وابتكار منهج عاطفي خاص يقيني السيولة والميوعة، أو الاستسلام للصراخ والأدرينالين، والتخلص من الحاجة الملحة لإعادة تعريف بديهيات مثل وطن ودين وتاريخ، في فعل مجابهة مع الأكثرية الساحقة التي لم تكتفِ بتعريف كل شيء بل اعتبرته نهائياً. ما الذي تبقى لي إذن؟ المخيلة المخيلة المخيلة كما يردد براندو في "القيامة الآن": "الرعب الرعب الرعب"
أتقوّى على الحرب بالمخيلة، ضد الإنشاء المرافق لها، الكتابة الملطخة بالدماء ودعوات القتل، الصراخ عن بعد، العويل والندب، والنأي عن التوثيق بوصفه فعلاً أدبياً، أو حتى ما هو متعارف عليه بقدرة الرواية على تقديم الرواية الموازية للواقعي. أنأى عن كل ذلك وأحيا مع المخيلة والتنافس على أشده مع ما حدث في سورية وتفوقه على المخيلة، فقد ألحقت الحرب السورية بالمخيلة هزيمة نكراء، وما من سبيل للانتصار عليها سوى نبش واقعها بخيال يضاهيها، بالبحث عن معادل مجازي، وهي وحدها – أي الحرب – ما أفضى بي إلى ذلك، وأنا على أتمّ الاستعداد لتحمل كافة التبعات، بينما الديناصورات الطائرة تعيث دماراً بالمدن، والماموثات تتقدم، والكلاب لا تملك إلا النباح الذي سرعان ما استحال أهازيج فرح بكل ما هو منقرض.
زياد عبدالله
* نقلا عن أوكسجين
العدد 235 | 21 أيلول 2018