وأنت تسير في أغاديس، نصف جائع ، تشتد حاسة التطفل عندك ، كما تشتد حاسة الشم بعد اليوم العاشر في إضراب جوع ، فهذه المدينة تقع وسط صحراء و تربط اللامتناهي فيها ومنها و إليها، يغلب على عمارتها الطوب و الخشب ، و يقاس الغنى والفقر بحجم المكان الذي يبنى عليه البيت، رغم تشابه الواجهات في بيوت الففراء و الأغنياء على حد سواء . أما المساجد فتشبه كثيرا عمارة المسجد الكبير بتومبكتو شمال مالي ، مع مراعاة الفوارق في الحجم و العظمة ، ربما لإحجام التاريخ عن أغاديس ، إذ رماها في زواياه المهملة .
في أغاديس يحتمع كثير من الخلق في سمفونية رائعة من التناغم و التنافر ، من الجذب و النبذ ، و لكن الحياة تتدفق بتثاؤب في كل أرجائها ، فهنا العرب المحاميد ، سادة الغنم و الصحراء ، لهم حيهم و مسجدهم ، كأقلية ناشطة ، في تنافر و تضاد مع الدولة ، فلا هي اعترفت بهم و لا هي استطاعت إزاحتهم من الصورة ، لان الصحراء موطنهم قبل ميلاد السادة سايكس و بيكو . و هنا الطوارق ، الشعب الامازيغي الحر ، الوجه النابت في الرمال ، يمد رجله اليمنى في غدامس شرقا بليبيا و رجله الاخرى في كيدال شمال مالي ، و ما بينهما مرتع لابله و معزه و مهربيه ، و عبثا يقنعه أحد بالولاء لأي من الاوطان الأربع او الخمس التي يعيش بصحرائها ، فهو كالريم الشارد ، لا ولاء له الا لنفسه أو قبيلته ، و قد حارت الدول فيه و انفقت عليه كثيرا من الرشاوي ، ليكون معينا لها في تتبع المارقين، دون جدوى تذكر . قليل منهم استوطن المدينة كأغاديس ، لكنهم حافظوا على موروثهم
البدوي البدائي ، فالرعي نهارا و الغناء و الرقص ليلا دون كلل، أجسامهم نحيلة جدا ، لا شحم و لا كروش بارزة ، اللثام للرجل ، فلا ترى الاعينيه و السفور للمرأة ، سفور الوجه و الجيد الطويل الاملح مع غطاء خفيف للرأس . عكس العرب الذين لا ترى من نساءهم شيئا ، و لربما تمنوا لو لم ينجبوهن أصلا . هناك الحدادون ، وهم طبقة من السكان البيض ، قبلوا العيش في أدنى السلم الاجتماعي ، فهم الانجاس في نظر بقية المجتمع ، حتى سألت مرافقي الطوارقي يومها : هل هم مسلمون؟ قال نعم ككل سكان المدينة، مسلمون مالكيون. هناك بالمدينة أيضا بعض الفلان، وهؤلاء قبيلة من أكبر قبائل افريقيا ، أرباب قطعان البقر بلا منازع، شمُّ الأنوف ، سمر البشرة ، حازوا كره فرنسا في دول الساحل و الصحراء ، لمنسوب عشق الحرية في دمائهم . أما غالبية السكان ، فهم الهوسا كبقية مدن النيجر المعتبرة ، و هي القبائل الممتدة ، بعشرات الملاييين بين النيجر وشمال نيجيريا ، ويعتنقون الاسلام في الاغلب الاعم . هذا الخليط من الخلق ، شكل الفيسفساء العجيبة لمدينة أغاديس التائهة بين الماضي و المستقبل ، بين الحضور والغياب . ..
علي بن مكشر - تونس
في أغاديس يحتمع كثير من الخلق في سمفونية رائعة من التناغم و التنافر ، من الجذب و النبذ ، و لكن الحياة تتدفق بتثاؤب في كل أرجائها ، فهنا العرب المحاميد ، سادة الغنم و الصحراء ، لهم حيهم و مسجدهم ، كأقلية ناشطة ، في تنافر و تضاد مع الدولة ، فلا هي اعترفت بهم و لا هي استطاعت إزاحتهم من الصورة ، لان الصحراء موطنهم قبل ميلاد السادة سايكس و بيكو . و هنا الطوارق ، الشعب الامازيغي الحر ، الوجه النابت في الرمال ، يمد رجله اليمنى في غدامس شرقا بليبيا و رجله الاخرى في كيدال شمال مالي ، و ما بينهما مرتع لابله و معزه و مهربيه ، و عبثا يقنعه أحد بالولاء لأي من الاوطان الأربع او الخمس التي يعيش بصحرائها ، فهو كالريم الشارد ، لا ولاء له الا لنفسه أو قبيلته ، و قد حارت الدول فيه و انفقت عليه كثيرا من الرشاوي ، ليكون معينا لها في تتبع المارقين، دون جدوى تذكر . قليل منهم استوطن المدينة كأغاديس ، لكنهم حافظوا على موروثهم
البدوي البدائي ، فالرعي نهارا و الغناء و الرقص ليلا دون كلل، أجسامهم نحيلة جدا ، لا شحم و لا كروش بارزة ، اللثام للرجل ، فلا ترى الاعينيه و السفور للمرأة ، سفور الوجه و الجيد الطويل الاملح مع غطاء خفيف للرأس . عكس العرب الذين لا ترى من نساءهم شيئا ، و لربما تمنوا لو لم ينجبوهن أصلا . هناك الحدادون ، وهم طبقة من السكان البيض ، قبلوا العيش في أدنى السلم الاجتماعي ، فهم الانجاس في نظر بقية المجتمع ، حتى سألت مرافقي الطوارقي يومها : هل هم مسلمون؟ قال نعم ككل سكان المدينة، مسلمون مالكيون. هناك بالمدينة أيضا بعض الفلان، وهؤلاء قبيلة من أكبر قبائل افريقيا ، أرباب قطعان البقر بلا منازع، شمُّ الأنوف ، سمر البشرة ، حازوا كره فرنسا في دول الساحل و الصحراء ، لمنسوب عشق الحرية في دمائهم . أما غالبية السكان ، فهم الهوسا كبقية مدن النيجر المعتبرة ، و هي القبائل الممتدة ، بعشرات الملاييين بين النيجر وشمال نيجيريا ، ويعتنقون الاسلام في الاغلب الاعم . هذا الخليط من الخلق ، شكل الفيسفساء العجيبة لمدينة أغاديس التائهة بين الماضي و المستقبل ، بين الحضور والغياب . ..
علي بن مكشر - تونس