يظل النص الشعري خميلة مظللة بالجمال يتشظى فيها المتخيل، ويأتلف المُوقّع، وتختمر الرؤى غوصا وتجليا. والشاعر هو المالك لأسرار هذا الجمال بثوابته ومتحولاته، والعارف بكيميائه وتفاعل عناصره. ولأن لكل شاعر نكهتَه فالأكيد كذلك أن لكل شاعر خلطتَه التي يحسن مزج عناصرها كي يعلنها إبداعا يتفرد وحده بخلقه.
وللشعر ثوابته الجمالية متمثلة في اللغة والخيال والايقاع والرؤى، وله متحولاته وهي تشغيل كل شاعر لهذه الثوابت بفرادته وبصمته.
هذه التوطئة هي مدخلي لقراءة ديوان “كي أشبه ظلي” للشاعر بوعلام دخيسي الصادر عن مطبعة الجسور بوجدة في نوفمبر 2016 وهو الأضمومة الثالثة للشاعر.
القصيدة العربية المعاصرة عرفت ثلاثة أشكال مؤثرة أو كبرى في سياق صراعها وتعايشها، وفي ظل بحثها عن مبررها ومشروعيتها منذ سبعين سنة وهي القصيدة العمودية والتفعيلية وقصيدة النثر. والشاعر بوعلام دخيسي منحاز بحكم مرجعيته ومنجزه إلى القصيدة التفعيلية والعمودية فمن ثلاث وأربعين قصيدة تحضر تسع وثلاثون تفعيلية وأربع عمودية وفي سياق وفائه للاختيارات التفعيلية اقتصر على مايعرف بالبحور الصافية التي نظم عليها الرواد والسبعينيون وسائر شعراء النص التفعيلي إذ يحضر الخبب بعشرين قصيدة ثم الكامل بثلاث عشرة والمتدارك بخمس والمتقارب باثنتين ثم الرجز والرمل والبسيط بنص واحد والأخير بحر مركب جاء في نص عمودي.
إن هذا الجرد الوصفي للاختيار الوزني لن يكون ذا قيمة إذا لم نكشف عن كيميائه في تفاعله مع إيقاعه ومع باقي المكونات الجمالية في القصيدة.
إن الاختيار التفعيلي في الديوان محكوم بجمل مقفاة قصيرة ومتوسطة وطويلة فإذا قرأنا
هذا المقطع القصير من فاتحة الديوان: قلبك ينبض فيّْ // ويظن الناس بأني أحيا !/ لا، لست بحيّْ// جربْ واخرجْ مني/ ستبوح بسري ..وسأدفَن/ حينئذ /أخشى أن ترجع حيث هناك إليّْ// . فمسافة التقفية في السطر الأول ثلاث تفعيلات من الخبب والمسافة نحو التقفية الثانية هي سبع والمسافة نحو الثالثة أربع عشرة. وقد يتحايل الشاعر فنيا على طول المسافة المقفاة بقوافي داخلية وتجنيسات وتكرارات وتوازيات مثل قوله في نفس القصيدة: قل لي/ من أين أتيتَ ،/ ومن أنت ؟/ …../ سأوفر عنك لتشرح لي سركَ/ أفتح صدري../ أسمع شعرك/ أسبق سطرك/ أكتبُ:.. أيْ// فالمسافة هنا بين التقفية الارتكاز (الروي الياء) هي ثماني عشرة تفعيلة غير أن الشاعر قلص هذا التباعد بتقفيتين داخليتين (الرويان التاء والكاف). إن هذا الاشتغال المكثف على القافية والوزن وتقليص المسافة الجُمْلية وتمطيطها بتكتيكات مُوَقَّعة يكشف الخلفية التي تؤطر مفهوم شعرية القصيدة عند الشاعر بوعلام دخيسي، شعرية تعتبر الوزن مكونا جماليا أساسيا ولا تغامر بإقصائه بل إن الشاعر لا يؤمن بالمسافة الوزنية بين النص التفعيلي والعمودي مادامت الأنساق العروضية وقوافي الارتكاز حاضرة بجَرْسها الحاد في أغلب النصوص. وإضافة للجمل الموقعة عروضيا تشتغل كيمياء القصيدة على جدلية الغنائي والدرامي فصوت الشاعر بوعلام لا يحتكر الكلام وإنما يتقاسمه مع مخاطب مجرد فنيا من ضلع الذات فحين نقرأ قوله من الديوان ص 104: أجمل من شعرك أشعاري.. / اسمك فيها/ يحتفل الناس بها ../ بك فيها/ جرب ../ واحذف بعض حروفك/ لاشيء سيعجب فيها/ نلحظ تنازل الشاعر عن صوته لملهمته كي تتخذ القصيدة ظاهرا صبغة درامية وجوهرا صبغتها الغنائية الأصلية لان المتكلم وهو يتخلى ظاهرا عن صوته يبقى الصوتَ المضمر فنيا والملهِب لخطابية القصيدة بصيغ التفضيل والامر والنفي. وهذا المستوى التفاعلي بين الغنائي والدرامي حواريا يتكرر في أكثر من نص شعري بالجمل الاستجوابية وأفعال الكلام، لينقذ القصيدة من رتابة الخبرية والصوت المفرد بل يتعزز بالبناء القصصي سردا وحوارا صريحا وضمنيا في نص حدثني جدي. إن المكون العروضي وامتزاج الغنائية بالدرامية يتعضد بلغة تشعرن اليومي وتمنح لغة الحياة تأشيرة ولوج خميلة لغة الشعرالمترفة. فإذا كانت القصيدة العربية تحتفظ لنزار قباني بأستاذيته في تجديد قاموس الشعر وجعل الجريدة والفنجان وأحمر الشفاه والوسادة والشرشف كلمات تزاحم أو تزيل مفردات تربعت على عرش القاموس الغزلي مثل البان والحور والدعج والخباء والعَنَم والنقا … وتحتفظ لقصيدة النثر خاصة بتشغيل لغة الحياة وتثبيتها قاموسا اثيرا بانجازات أنسي الحاج والماغوط وسركون بولص فإن نصوص هذه المجموعة تملك الإحساس والكيمياء لتشغيل المفردة شعريا في سياق فني ينفض عنها نثريتها وابتذالها، ويعرج بها نحو بذخها التعبيري ففي نص ” العلبة الصوتية ” نقرأ :
لا أسأم من هاتفك المشغول/أناغي رقمك كل صباح ومساء/ تكفيني علبتك الصوتيه/ غب أنت ودع لي هذا المشغول بمسألتي/ يخبرني في أدب أن مخاصمكم مشغول.
إن الابتذال في عبارتي العلبة الصوتية وخط مخاطبكم مشغول يزول عندما تتموقعان في سياق هذا النص وتتفاعلان ضمن كيميائه الصوتية والدلالية والتركيبية بل إن اللغة الخادعة ببساطتها تتحول فجأة ودون سابق إنذار الا إنذار الجمال إلى لغة رمزية تراثية قرآنية تستدعي الذاكرة الجمعية والمخزون العارف في قوله من النص نفسه : كان وما زال الهاتف منا / ثالث قلبين/ سلاما لك مني / ألف سلام وتحية . فسرعة الانتقال من العلبة الصوتية وخط مخاصمكم مشغول والهاتف إلى رمزية ثالث قلبين (ثاني اثنين إذ هما في الغار) سلاما لك مني (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) أشبه بانتقالك عبر طائرة نفاثة من بلد صقيعي إلى بلد حار. وهذا المستوى في تشغيل اليومي والتسامي نحو الرمزي في انتقالات فجائية يتكرر في نصوص أخرى منها قصيدة :” ألف صديق” الذي أقرأ منه عن أبطال الفايسبوك وبطولاتهم الدونكيشوتية : والكل هنا قيس من فرط براءته ينضح طهرا /والكل هنا يكتب شعرا …/ إلا الشعراء/والكل أمير الأمراء/ والكل ضمير العالمِ/ لكن مستتر في علب الليل الأزرق / بطل من ورق../ من أرق/ يحسن فن العوم على ظهر الزورق/إن جاء الصبح تذكر وقت النوم أخيرا/ ليعيش فقط / بعد المسموح من العيش/دقائق بوح وسهاد/ ثم يعود إلى الصحو/ ليغرق.
النسق التفعيلي المحكوم بقوافي الارتكاز وجدلية الغنائي والدرامي وشعرنة اليومي معجما وتجربة هي الأثافي الجمالية التي تنتصب فوقها قصائد الديوان. وهي البهارات الشعرية التي تنكه هذه الأضمومة الرائعة، تتفاعل هذه العناصر وتتناغم هارمونيا حسب إحساس الشاعر بها فهي بقدر ماتشتغل ثوابت بحضورها في المجموعة وتشتغل متحولات بفعل درجة حضورها وهيمنتها في كل النص. درجة الحضور والهيمنة هي الكيمياء التي يملك الشاعر سر جرعتها في كل قصيدة، وهو ما يؤكد احترافية الشاعر في تشغيله لجمالياته ثوابت ومتغيرات. طبعا في الديوان منكهات أخرى في صناعة المعنى توليدا واستطرادا وإحكاما للقفلة والخرجة، وعمق التجربة وجرْس المفردة وقوة المتخيل بتآلف المتنافر فيه غير أنها حاصلة من حضور الأثافي التي ذكرت. وقبل أن أختم هذه الدراسة أستسمح المتلقي في أن أكون انطباعيا ذاتيا وما أحوجنا الآن إلى النقد الانطباعي بعد أن سلك النقد باسم العلمية والموضوعية مسلكا جافا حوله إلى معادلات وقوالب وتخطيطات نفّرت منه أقطابه قبل مريديه أهمهم تيزفيطان تودوروف في كتيبه الأخير “الأدب في خطر”. اسمحوا لي على هذا الاستطراد لأعود إلى تلقائيتي وانطباعيتي وأقاسمكم تذوقي بإحساس الشاعر لهذه المنمنمة سلاسة والتفاتا وتوقيعا المعنونة ب ” خصام ” : حينما نلتقي يختفي الشعر/ هل تعلمين ؟؟/ هو لا يحسن المشي إلا ونحن بعيدان/ يخطو بأفكارنا/ ينتقي بحره من خليل يعد مواويل أشواقنا/ أنت شعري، ولي في القصيدة قول/ سأشرحه بعد حين.. /// موعد النشر أضحى قريبا/ فمن يقنع الناس ألا يكون على الصفحات سواكْ؟!/ كيف يلهم نقادها أن شعرا هناك؟؟!/// أنت والشعر تختصمان/ أرى أن تكوني على متن ديوانه/ وأرى أن يكون هو/ العتبات.
وبعد ، كي أشبه ظلي ديوان شعري يمكن أن تضعه باطمئنان تحت وسادتك، فحين لا يسعفك النوم ستسعفك عبارته. ديوان يشبه ظل صاحبه الشاعر المظلل بغمامات الجمال إيقاعا ولغة ومتخيلا ورؤيا.
وللشعر ثوابته الجمالية متمثلة في اللغة والخيال والايقاع والرؤى، وله متحولاته وهي تشغيل كل شاعر لهذه الثوابت بفرادته وبصمته.
هذه التوطئة هي مدخلي لقراءة ديوان “كي أشبه ظلي” للشاعر بوعلام دخيسي الصادر عن مطبعة الجسور بوجدة في نوفمبر 2016 وهو الأضمومة الثالثة للشاعر.
القصيدة العربية المعاصرة عرفت ثلاثة أشكال مؤثرة أو كبرى في سياق صراعها وتعايشها، وفي ظل بحثها عن مبررها ومشروعيتها منذ سبعين سنة وهي القصيدة العمودية والتفعيلية وقصيدة النثر. والشاعر بوعلام دخيسي منحاز بحكم مرجعيته ومنجزه إلى القصيدة التفعيلية والعمودية فمن ثلاث وأربعين قصيدة تحضر تسع وثلاثون تفعيلية وأربع عمودية وفي سياق وفائه للاختيارات التفعيلية اقتصر على مايعرف بالبحور الصافية التي نظم عليها الرواد والسبعينيون وسائر شعراء النص التفعيلي إذ يحضر الخبب بعشرين قصيدة ثم الكامل بثلاث عشرة والمتدارك بخمس والمتقارب باثنتين ثم الرجز والرمل والبسيط بنص واحد والأخير بحر مركب جاء في نص عمودي.
إن هذا الجرد الوصفي للاختيار الوزني لن يكون ذا قيمة إذا لم نكشف عن كيميائه في تفاعله مع إيقاعه ومع باقي المكونات الجمالية في القصيدة.
إن الاختيار التفعيلي في الديوان محكوم بجمل مقفاة قصيرة ومتوسطة وطويلة فإذا قرأنا
هذا المقطع القصير من فاتحة الديوان: قلبك ينبض فيّْ // ويظن الناس بأني أحيا !/ لا، لست بحيّْ// جربْ واخرجْ مني/ ستبوح بسري ..وسأدفَن/ حينئذ /أخشى أن ترجع حيث هناك إليّْ// . فمسافة التقفية في السطر الأول ثلاث تفعيلات من الخبب والمسافة نحو التقفية الثانية هي سبع والمسافة نحو الثالثة أربع عشرة. وقد يتحايل الشاعر فنيا على طول المسافة المقفاة بقوافي داخلية وتجنيسات وتكرارات وتوازيات مثل قوله في نفس القصيدة: قل لي/ من أين أتيتَ ،/ ومن أنت ؟/ …../ سأوفر عنك لتشرح لي سركَ/ أفتح صدري../ أسمع شعرك/ أسبق سطرك/ أكتبُ:.. أيْ// فالمسافة هنا بين التقفية الارتكاز (الروي الياء) هي ثماني عشرة تفعيلة غير أن الشاعر قلص هذا التباعد بتقفيتين داخليتين (الرويان التاء والكاف). إن هذا الاشتغال المكثف على القافية والوزن وتقليص المسافة الجُمْلية وتمطيطها بتكتيكات مُوَقَّعة يكشف الخلفية التي تؤطر مفهوم شعرية القصيدة عند الشاعر بوعلام دخيسي، شعرية تعتبر الوزن مكونا جماليا أساسيا ولا تغامر بإقصائه بل إن الشاعر لا يؤمن بالمسافة الوزنية بين النص التفعيلي والعمودي مادامت الأنساق العروضية وقوافي الارتكاز حاضرة بجَرْسها الحاد في أغلب النصوص. وإضافة للجمل الموقعة عروضيا تشتغل كيمياء القصيدة على جدلية الغنائي والدرامي فصوت الشاعر بوعلام لا يحتكر الكلام وإنما يتقاسمه مع مخاطب مجرد فنيا من ضلع الذات فحين نقرأ قوله من الديوان ص 104: أجمل من شعرك أشعاري.. / اسمك فيها/ يحتفل الناس بها ../ بك فيها/ جرب ../ واحذف بعض حروفك/ لاشيء سيعجب فيها/ نلحظ تنازل الشاعر عن صوته لملهمته كي تتخذ القصيدة ظاهرا صبغة درامية وجوهرا صبغتها الغنائية الأصلية لان المتكلم وهو يتخلى ظاهرا عن صوته يبقى الصوتَ المضمر فنيا والملهِب لخطابية القصيدة بصيغ التفضيل والامر والنفي. وهذا المستوى التفاعلي بين الغنائي والدرامي حواريا يتكرر في أكثر من نص شعري بالجمل الاستجوابية وأفعال الكلام، لينقذ القصيدة من رتابة الخبرية والصوت المفرد بل يتعزز بالبناء القصصي سردا وحوارا صريحا وضمنيا في نص حدثني جدي. إن المكون العروضي وامتزاج الغنائية بالدرامية يتعضد بلغة تشعرن اليومي وتمنح لغة الحياة تأشيرة ولوج خميلة لغة الشعرالمترفة. فإذا كانت القصيدة العربية تحتفظ لنزار قباني بأستاذيته في تجديد قاموس الشعر وجعل الجريدة والفنجان وأحمر الشفاه والوسادة والشرشف كلمات تزاحم أو تزيل مفردات تربعت على عرش القاموس الغزلي مثل البان والحور والدعج والخباء والعَنَم والنقا … وتحتفظ لقصيدة النثر خاصة بتشغيل لغة الحياة وتثبيتها قاموسا اثيرا بانجازات أنسي الحاج والماغوط وسركون بولص فإن نصوص هذه المجموعة تملك الإحساس والكيمياء لتشغيل المفردة شعريا في سياق فني ينفض عنها نثريتها وابتذالها، ويعرج بها نحو بذخها التعبيري ففي نص ” العلبة الصوتية ” نقرأ :
لا أسأم من هاتفك المشغول/أناغي رقمك كل صباح ومساء/ تكفيني علبتك الصوتيه/ غب أنت ودع لي هذا المشغول بمسألتي/ يخبرني في أدب أن مخاصمكم مشغول.
إن الابتذال في عبارتي العلبة الصوتية وخط مخاطبكم مشغول يزول عندما تتموقعان في سياق هذا النص وتتفاعلان ضمن كيميائه الصوتية والدلالية والتركيبية بل إن اللغة الخادعة ببساطتها تتحول فجأة ودون سابق إنذار الا إنذار الجمال إلى لغة رمزية تراثية قرآنية تستدعي الذاكرة الجمعية والمخزون العارف في قوله من النص نفسه : كان وما زال الهاتف منا / ثالث قلبين/ سلاما لك مني / ألف سلام وتحية . فسرعة الانتقال من العلبة الصوتية وخط مخاصمكم مشغول والهاتف إلى رمزية ثالث قلبين (ثاني اثنين إذ هما في الغار) سلاما لك مني (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) أشبه بانتقالك عبر طائرة نفاثة من بلد صقيعي إلى بلد حار. وهذا المستوى في تشغيل اليومي والتسامي نحو الرمزي في انتقالات فجائية يتكرر في نصوص أخرى منها قصيدة :” ألف صديق” الذي أقرأ منه عن أبطال الفايسبوك وبطولاتهم الدونكيشوتية : والكل هنا قيس من فرط براءته ينضح طهرا /والكل هنا يكتب شعرا …/ إلا الشعراء/والكل أمير الأمراء/ والكل ضمير العالمِ/ لكن مستتر في علب الليل الأزرق / بطل من ورق../ من أرق/ يحسن فن العوم على ظهر الزورق/إن جاء الصبح تذكر وقت النوم أخيرا/ ليعيش فقط / بعد المسموح من العيش/دقائق بوح وسهاد/ ثم يعود إلى الصحو/ ليغرق.
النسق التفعيلي المحكوم بقوافي الارتكاز وجدلية الغنائي والدرامي وشعرنة اليومي معجما وتجربة هي الأثافي الجمالية التي تنتصب فوقها قصائد الديوان. وهي البهارات الشعرية التي تنكه هذه الأضمومة الرائعة، تتفاعل هذه العناصر وتتناغم هارمونيا حسب إحساس الشاعر بها فهي بقدر ماتشتغل ثوابت بحضورها في المجموعة وتشتغل متحولات بفعل درجة حضورها وهيمنتها في كل النص. درجة الحضور والهيمنة هي الكيمياء التي يملك الشاعر سر جرعتها في كل قصيدة، وهو ما يؤكد احترافية الشاعر في تشغيله لجمالياته ثوابت ومتغيرات. طبعا في الديوان منكهات أخرى في صناعة المعنى توليدا واستطرادا وإحكاما للقفلة والخرجة، وعمق التجربة وجرْس المفردة وقوة المتخيل بتآلف المتنافر فيه غير أنها حاصلة من حضور الأثافي التي ذكرت. وقبل أن أختم هذه الدراسة أستسمح المتلقي في أن أكون انطباعيا ذاتيا وما أحوجنا الآن إلى النقد الانطباعي بعد أن سلك النقد باسم العلمية والموضوعية مسلكا جافا حوله إلى معادلات وقوالب وتخطيطات نفّرت منه أقطابه قبل مريديه أهمهم تيزفيطان تودوروف في كتيبه الأخير “الأدب في خطر”. اسمحوا لي على هذا الاستطراد لأعود إلى تلقائيتي وانطباعيتي وأقاسمكم تذوقي بإحساس الشاعر لهذه المنمنمة سلاسة والتفاتا وتوقيعا المعنونة ب ” خصام ” : حينما نلتقي يختفي الشعر/ هل تعلمين ؟؟/ هو لا يحسن المشي إلا ونحن بعيدان/ يخطو بأفكارنا/ ينتقي بحره من خليل يعد مواويل أشواقنا/ أنت شعري، ولي في القصيدة قول/ سأشرحه بعد حين.. /// موعد النشر أضحى قريبا/ فمن يقنع الناس ألا يكون على الصفحات سواكْ؟!/ كيف يلهم نقادها أن شعرا هناك؟؟!/// أنت والشعر تختصمان/ أرى أن تكوني على متن ديوانه/ وأرى أن يكون هو/ العتبات.
وبعد ، كي أشبه ظلي ديوان شعري يمكن أن تضعه باطمئنان تحت وسادتك، فحين لا يسعفك النوم ستسعفك عبارته. ديوان يشبه ظل صاحبه الشاعر المظلل بغمامات الجمال إيقاعا ولغة ومتخيلا ورؤيا.