يحاول الناقد والباحث د. محمد عبدالرحمن يونس في كتابه "فضاء النص الأسطوري في فضاء الخطاب الشعري العربي المعاصر ـ السندباد البحري/أنموذجا" أن يعرض لأبعاد الرحلة السندبادية في الخطاب الشعري العربي المعاصر، باعتبارها تجسيداً لرحلة الإنسان المعاصر، ومغامرة وتوقاً للخروج عمّا هو رتيب ومتخلف في بنية الحياة العربية المعاصرة.
وفي هذا الإطار درس نماذج شعريّة لكل من الشعراء: صلاح عبدالصبور من مصر، وخليل حاوي من لبنان، وبلند الحيدري، وبدر شاكر السيّاب من العراق، وعبدالعزيز المقالح من اليمن، وبن سالم حميش من المغرب، وسليمان العيسى من سوريا، ويوسف الخال من لبنان. مؤكدا أن "إنّ إعادة بناء الأسطورة وتوظيفها في النص الشعري وفق رؤية جديدة للحياة والعالم، عملية جدّ مهمة للتخلص من النموذج الماضوي المتعارف عليه. وقيمة التجربة الإبداعية تكمن بالدرجة الأولى في لحظة تواجدها وانبثاقها، وفي قدرة هذا الانبثاق على تجاوز الماضي لبناء مجتمع الغد، انطلاقاً من الحاضر".
وأشار يونس في كتابه الصادر أخيرا عن مؤسسة Noor Publishing في ألمانيا إلى أنه نهج في دراسته، ومن خلال تحليله للخطابات الشعرية المعاصرة التي وظفت شخصية السندباد البحري، إلى أن أرى النصّ الشعري نصّاً متعدد التأويلات، ولا نهائياً من حيث دلالته الرمزية، وقابلاً لمزيد من التفسيرات المتباينة جداً، ولا يمكن فهمه أو تفسيره تفسيراً أحادي الجانب، بل إنّ له قدرة كبيرة على التشعب والنمو والاستفادة من حقول مرجعية، وفضاءات نصيَّة أخرى، وبالتالي حاولت أن أفهم النصوص الشعرية فهماً قد يكون مغايراً لفهم باحثين آخرين، ولا يعني أن يكون هذا الفهم صحيحاً أو دقيقاً، إنه لا يتعدى حدود المحاولات البحثيّة والنقدية في فهم النصوص، وبالتالي قد تخطيء هذه المحاولات أو تصيب.
وأكد أن توظيف أسطورة السندباد ـ في الخطاب الشعري العربي المعاصر ـ يمثّل توق الشعراء المعاصرين للخروج عن دائرة المألوف والواقع العربي برتابته وسكونيته، وبنية أمكنته المنحطّة، بحثاً عن عالم جديد مثير مليء بالدهشة والغرابة، وروح المغامرة والكشف، هذا العالم الجديد الحضاري الممتد من الذاكرة الشعرية إلى آفاق رحبة عصيّة على الضبط والتحديد، لا يتم اكتشافه إلاّ بالرحلة، فالرحلة السندبادية في الخطاب الشعري المعاصر هي رفض لحدود المكان، ورفض للزمان التاريخي المحدد ببنية هذا المكان، إنها تمثّل التشوّف نحو المستقبل والحلم والحرية.
وقال د. محمد عبد الرحمن يونس "إذا كانت الذات العربية في تاريخها المعاصر عرفت مختلف صنوف التراجع والاستلاب والخيبة والحسّ بالفاجع والقتامة، والانهزام السياسي عام 1948، مروراً بنكسة يونيو/حزيران 1967، حتى آخر هزائمنا الحالية، فإنّ ذلك انعكس بشكل أو بآخر على آمال المواطن العربي وتطلعاته في الحلم والحرية والعدالة والمستقبل المشرق، وقد جسّدت القصيدة العربية المعاصرة هزائم هذا المواطن وانكسار أحلامه.
وإذا كانت الأسطورة في حقلها الأسطوري تؤكد أنّ السندباد وبالرغم من تعرضه لكثير من المصاعب والأهوال كان يعود سالماً غانماً بالأموال والهدايا والجواهر، ثم سرعان ما يفترش مصاطب بغداد ناشراً الأماني والتطلعات الجديدة لسفرات جديدة، فإنّ السندباد المعاصر في الخطاب الشعري العربي المعاصر، ومن خلال الرؤية الشعرية يعود فاقداً آماله، ويسافر فاقداً آماله في كل الحركات الإصلاحية التي طرحت شعاراتها الوطنية وبرامجها التنويرية ولم يتحقق منها شيء، ومن هنا نفهم لماذا سندباد صلاح عبدالصبور وبدر شاكر السيّاب وبلند الحيدري وعبدالعزيز المقالح يعاني من الفشل والخيبة في حياته وبحثه وتطلعاته.
وقد كشفت بعض القصائد التي دُرِسَت في هذا الفصل عن نزعة تشاؤمية سوداء لدى الشعراء، إذ كثيراً ما كان السندباد المعاصر يعود مهزوماً، ممزق الأشرعة، مستسلماً للخيبة والمرارة، هذه الخيبة التي تعكس خيبة الإنسان المعاصر في تاريخه وحياته ومستقبله، ونظامه الاجتماعي والسياسي.
ورأى يونس أنّ هذه النماذج الشعرية التي عرض لها تمثّلُ معظم حالات وملامح وجوه السندباد المعاصر في ترحاله، وأضاف "السندباد عند صلاح عبدالصبور يمثّل توهجاً معرفياً، وكشفاً عن الرؤية الإبداعية من خلال تشكيل العمل الشعري، وهو تعبير عن الحزن واليأس أحياناً أخرى، ورحلة تأمل في أعماق الذات والذاكرة لاكتشاف رؤاها وأفكارها، وهو بحث عن وطنٍ أكثر جمالاً، وهو في وجه آخر إشارة إلى سكونية الإنسان العربي وكسله وخوفه من المغامرة، وفي حالة أخرى تعبير عن الملل والتعب من الرحلات، حيث تصبح هذه الحالة أكثر تعمّقاً وهدوءاً وحزناً بعد أن كان السندباد في بدايته "كالإعصار، إن يهدأ يمت".
وهو عند خليل حاوي رحلة في أعماق الذات لاكتشاف ما ترسّب في هذه الذات من انحطاط وتخلف وجمود ومفاهيم رثّة، والعودة بهذه الذات لأن تكون ذاتاً فاعلة قادرة على إعادة بعث حضارة الأمة وتجديد روحها ودمائها، لتكون أكثر نقاءً، وبالتالي أكثر عطاءً".
وقال "وهو عند بدر شاكر السيّاب تعبير عن حالة ذاتية تشير إلى حالة نفسية خاصة على المستوى النفسي والجسدي والسياسي، ورحلته رحلة مع المرض واليأس والموت، وهو عند عبدالعزيز المقالح إدانة وتعرية للتاريخ السياسي الأسود الذي فرض على اليمن حالة من التخلف والعزلة، وهو عند بلند الحيدري تعبير عن نزعة تشاؤمية حزينة، وإحساس بمستقبل أسود، طالما أنّ الحياة العربية في معظمها صحراء لا حياة ولا حرية ولا ثورة فيها. وهو عند بن سالم حميش إدانة لتاريخ المغرب، ولبنياته السوداء، وهو عند سليمان العيسى رحلة في أعماق الشعر التراثي العربي لرفض ابتذال هذا الشعر، وسفحه لماء وجهه أمام أقدام الحكّام والطغاة، وبالتالي فإنّ بعده الإشاري ما هو إلاّ تأكيد ذات الشاعر المتعالية التي ترفض أن تنحني لهؤلاء الطغاة، وهو عند يوسف الخال رحلة إلى حضارة أوروبا وتمثّلها واستيعاب ثقافاتها ومعارفها".
وخلص د. محمد عبدالرحمن يونس إذا كان الشعر الأصيل يستفيد من الموروث الأصيل، ويعيد تشكيله شعرياً، وفق رؤية جديدة، تستثمر إمكاناته المعرفية، والفنية الجمالية، فإنّ أهم الأساطير التي أُعِيْدَ تشكيلها في الخطاب الشعري العربي المعاصر هي أسطورة السندباد البحري، وبالرغم من كثرة استخدامها، فإنّها تظلّ ذات طاقات إبداعية وفنية ثرّة، لم تُستنفد بعد في الخطاب الشعري العربي المعاصر، ولا في بقية الأجناس الأدبية الأخرى، كالقصة والمسرحية والرواية، والدراما التلفزيونية.
ويذكر أن الكتاب يشكل استكمالا لدراسات وقراءات نقدية في ألف ليلة وليلة قدم فيها الناقد مجموعة من المؤلفات المهمة منها "تأثير ألف ليلة وليلة في المسرح العربيّ الحديث والمعاصر"، "الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة"، "الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة"، "المدينة في ألف ليلة وليلة ـ ملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية"، "الأسطورة، مصادرها وبعض المظاهر السلبية في توظيفها"، و"مقاربات في مفهوم الأسطورة شعرا وفكرا".
محمد الحمامصي
وفي هذا الإطار درس نماذج شعريّة لكل من الشعراء: صلاح عبدالصبور من مصر، وخليل حاوي من لبنان، وبلند الحيدري، وبدر شاكر السيّاب من العراق، وعبدالعزيز المقالح من اليمن، وبن سالم حميش من المغرب، وسليمان العيسى من سوريا، ويوسف الخال من لبنان. مؤكدا أن "إنّ إعادة بناء الأسطورة وتوظيفها في النص الشعري وفق رؤية جديدة للحياة والعالم، عملية جدّ مهمة للتخلص من النموذج الماضوي المتعارف عليه. وقيمة التجربة الإبداعية تكمن بالدرجة الأولى في لحظة تواجدها وانبثاقها، وفي قدرة هذا الانبثاق على تجاوز الماضي لبناء مجتمع الغد، انطلاقاً من الحاضر".
وأشار يونس في كتابه الصادر أخيرا عن مؤسسة Noor Publishing في ألمانيا إلى أنه نهج في دراسته، ومن خلال تحليله للخطابات الشعرية المعاصرة التي وظفت شخصية السندباد البحري، إلى أن أرى النصّ الشعري نصّاً متعدد التأويلات، ولا نهائياً من حيث دلالته الرمزية، وقابلاً لمزيد من التفسيرات المتباينة جداً، ولا يمكن فهمه أو تفسيره تفسيراً أحادي الجانب، بل إنّ له قدرة كبيرة على التشعب والنمو والاستفادة من حقول مرجعية، وفضاءات نصيَّة أخرى، وبالتالي حاولت أن أفهم النصوص الشعرية فهماً قد يكون مغايراً لفهم باحثين آخرين، ولا يعني أن يكون هذا الفهم صحيحاً أو دقيقاً، إنه لا يتعدى حدود المحاولات البحثيّة والنقدية في فهم النصوص، وبالتالي قد تخطيء هذه المحاولات أو تصيب.
وأكد أن توظيف أسطورة السندباد ـ في الخطاب الشعري العربي المعاصر ـ يمثّل توق الشعراء المعاصرين للخروج عن دائرة المألوف والواقع العربي برتابته وسكونيته، وبنية أمكنته المنحطّة، بحثاً عن عالم جديد مثير مليء بالدهشة والغرابة، وروح المغامرة والكشف، هذا العالم الجديد الحضاري الممتد من الذاكرة الشعرية إلى آفاق رحبة عصيّة على الضبط والتحديد، لا يتم اكتشافه إلاّ بالرحلة، فالرحلة السندبادية في الخطاب الشعري المعاصر هي رفض لحدود المكان، ورفض للزمان التاريخي المحدد ببنية هذا المكان، إنها تمثّل التشوّف نحو المستقبل والحلم والحرية.
وقال د. محمد عبد الرحمن يونس "إذا كانت الذات العربية في تاريخها المعاصر عرفت مختلف صنوف التراجع والاستلاب والخيبة والحسّ بالفاجع والقتامة، والانهزام السياسي عام 1948، مروراً بنكسة يونيو/حزيران 1967، حتى آخر هزائمنا الحالية، فإنّ ذلك انعكس بشكل أو بآخر على آمال المواطن العربي وتطلعاته في الحلم والحرية والعدالة والمستقبل المشرق، وقد جسّدت القصيدة العربية المعاصرة هزائم هذا المواطن وانكسار أحلامه.
وإذا كانت الأسطورة في حقلها الأسطوري تؤكد أنّ السندباد وبالرغم من تعرضه لكثير من المصاعب والأهوال كان يعود سالماً غانماً بالأموال والهدايا والجواهر، ثم سرعان ما يفترش مصاطب بغداد ناشراً الأماني والتطلعات الجديدة لسفرات جديدة، فإنّ السندباد المعاصر في الخطاب الشعري العربي المعاصر، ومن خلال الرؤية الشعرية يعود فاقداً آماله، ويسافر فاقداً آماله في كل الحركات الإصلاحية التي طرحت شعاراتها الوطنية وبرامجها التنويرية ولم يتحقق منها شيء، ومن هنا نفهم لماذا سندباد صلاح عبدالصبور وبدر شاكر السيّاب وبلند الحيدري وعبدالعزيز المقالح يعاني من الفشل والخيبة في حياته وبحثه وتطلعاته.
وقد كشفت بعض القصائد التي دُرِسَت في هذا الفصل عن نزعة تشاؤمية سوداء لدى الشعراء، إذ كثيراً ما كان السندباد المعاصر يعود مهزوماً، ممزق الأشرعة، مستسلماً للخيبة والمرارة، هذه الخيبة التي تعكس خيبة الإنسان المعاصر في تاريخه وحياته ومستقبله، ونظامه الاجتماعي والسياسي.
ورأى يونس أنّ هذه النماذج الشعرية التي عرض لها تمثّلُ معظم حالات وملامح وجوه السندباد المعاصر في ترحاله، وأضاف "السندباد عند صلاح عبدالصبور يمثّل توهجاً معرفياً، وكشفاً عن الرؤية الإبداعية من خلال تشكيل العمل الشعري، وهو تعبير عن الحزن واليأس أحياناً أخرى، ورحلة تأمل في أعماق الذات والذاكرة لاكتشاف رؤاها وأفكارها، وهو بحث عن وطنٍ أكثر جمالاً، وهو في وجه آخر إشارة إلى سكونية الإنسان العربي وكسله وخوفه من المغامرة، وفي حالة أخرى تعبير عن الملل والتعب من الرحلات، حيث تصبح هذه الحالة أكثر تعمّقاً وهدوءاً وحزناً بعد أن كان السندباد في بدايته "كالإعصار، إن يهدأ يمت".
وهو عند خليل حاوي رحلة في أعماق الذات لاكتشاف ما ترسّب في هذه الذات من انحطاط وتخلف وجمود ومفاهيم رثّة، والعودة بهذه الذات لأن تكون ذاتاً فاعلة قادرة على إعادة بعث حضارة الأمة وتجديد روحها ودمائها، لتكون أكثر نقاءً، وبالتالي أكثر عطاءً".
وقال "وهو عند بدر شاكر السيّاب تعبير عن حالة ذاتية تشير إلى حالة نفسية خاصة على المستوى النفسي والجسدي والسياسي، ورحلته رحلة مع المرض واليأس والموت، وهو عند عبدالعزيز المقالح إدانة وتعرية للتاريخ السياسي الأسود الذي فرض على اليمن حالة من التخلف والعزلة، وهو عند بلند الحيدري تعبير عن نزعة تشاؤمية حزينة، وإحساس بمستقبل أسود، طالما أنّ الحياة العربية في معظمها صحراء لا حياة ولا حرية ولا ثورة فيها. وهو عند بن سالم حميش إدانة لتاريخ المغرب، ولبنياته السوداء، وهو عند سليمان العيسى رحلة في أعماق الشعر التراثي العربي لرفض ابتذال هذا الشعر، وسفحه لماء وجهه أمام أقدام الحكّام والطغاة، وبالتالي فإنّ بعده الإشاري ما هو إلاّ تأكيد ذات الشاعر المتعالية التي ترفض أن تنحني لهؤلاء الطغاة، وهو عند يوسف الخال رحلة إلى حضارة أوروبا وتمثّلها واستيعاب ثقافاتها ومعارفها".
وخلص د. محمد عبدالرحمن يونس إذا كان الشعر الأصيل يستفيد من الموروث الأصيل، ويعيد تشكيله شعرياً، وفق رؤية جديدة، تستثمر إمكاناته المعرفية، والفنية الجمالية، فإنّ أهم الأساطير التي أُعِيْدَ تشكيلها في الخطاب الشعري العربي المعاصر هي أسطورة السندباد البحري، وبالرغم من كثرة استخدامها، فإنّها تظلّ ذات طاقات إبداعية وفنية ثرّة، لم تُستنفد بعد في الخطاب الشعري العربي المعاصر، ولا في بقية الأجناس الأدبية الأخرى، كالقصة والمسرحية والرواية، والدراما التلفزيونية.
ويذكر أن الكتاب يشكل استكمالا لدراسات وقراءات نقدية في ألف ليلة وليلة قدم فيها الناقد مجموعة من المؤلفات المهمة منها "تأثير ألف ليلة وليلة في المسرح العربيّ الحديث والمعاصر"، "الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة"، "الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة"، "المدينة في ألف ليلة وليلة ـ ملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية"، "الأسطورة، مصادرها وبعض المظاهر السلبية في توظيفها"، و"مقاربات في مفهوم الأسطورة شعرا وفكرا".
محمد الحمامصي