إياكم أن ترموا بأجسادكم في عالم الكلمات، فما من عبارة تضاهي الإحساس الذي يسكنكم، وما من كلمة تمثل ما يدور بداخلكم ،لا تصدقوا نظريات علم النفس في ما يتعلق بعلاقة أجساكم بالكلمات ،فأفكاركم وإن تطابقت مع عباراتها لا تعبر عنكم بل عن تجارب من سبقوكم ، لا تنسوا أيها السادة ،تشابه الكلمات في حين أنكم منفردون في الهوية والملامح والتجربة والإدراك والتلقي والتاريخ والذكريات، فما من كلمة تعادل رؤيتكم للجمال، وما من كلمة تعبر عن حزنكم ولا عما قد ينبثق عنكم، للتعبير عما عشتم ورأيتم وعاينتم ..
إياكم والتسلح بالكلام لمواجهة مأساة الإنسان: ألا وهو المرض والوحدة والشيخوخة والحاجة والموت والفقد ، لأنها ستغلف وتتخذ هيئة كلمات وعبارات، غير موصولة بما تشعرون به من ضيم أو وحدة أو وحشة .
أريتم ذلك الرجل المبتسم الذي يردد أنه سعيد ؟ إنه يخدعكم بكلماته، لأن السعادة لا تقال ، السعادة تعاش فهي لا تحتاج إلى كلمات،فإن تحولت إلى خطاب ، لأنها تخفي قلقا مستمرا لا يهدأ .
ومن مساوئ اللغة يا سادة، أنها قد تؤسس إلى الوهم ،فبين القول والواقع حيز كبير من المجهول، قد يوصف بالمسكوت عنه ، فاللغة عاجزة عن التعبير عن تجاربنا ،وإن كتب لها تحقيق ذلك ،لتوقف كل هذا السيل من الكلام .أتكون هي خدعتنا الكبرى ، لما تدعيه من امتلاك الحقيقة وتمثيل للواقع ؟ وفي غياب الكلمات، ماذا سيبقى لنا لمواجهة الأحاسيس، فهل سنكتفي بالإشارة ، الحركة، الرقص أم الصمت؟
خارج منطقة اللغة، ستفقد الحياة كل معنى ،أي كل قيمة بيانية تؤولها وتبين مسارها وأهدافها ، بأن تصبح مكتفية بنفسها ،لا تحتاج إلى قيمة أخرى تفوقها ، لان الحياة أسمى قيمة، لأسبقية وجودها لكل وجود.
فقد تمنحنا اللغة الجسد المتخيل، ذلك الذي يحب لأن اللغة ادعت القدرة على المحبة، ويبغض لأن اللغة وصفت البغض، ويزهو لأن اللغة وعدته بالجنة، ويحزن لأن اللغة هي الناقلة للزوال والفناء والتاريخ والفقدان .
هناك حيز يفصل بين الأحاسيس كما نحياها واللغة التي تعبر عنها ، إذا ما تصرفنا فيه يصبح منبعا للإلهام والإبداع، تحاول اللغة استكشافه بأن تعيد النظر في نظامها للتعيبر عنه، إنه ما نخفيه، ما لا نقوله، ولا نفصح عنه .
ما الذي تفعله اللغة بنا ؟ إنها تساعدنا على أن نتمثل العالم، أن نتمثل ما يدور بداخلنا، نتمثل ما يحدث لنا، أي أن نكون الرواة والشاهدين والفاعلين ،فننفصل عن إحساسنا، لكي نلقي به خارجا عنا بواسطة القول، تماما كما يفعل الرسام ،وهو يستعيد تشكيل العالم بألوانه وأشكاله حين يرسمها .
فحين تجتاحنا الأحاسيس مثل العواصف والأعاصير و تنفلت من سيطرة اللغة والتفكير لتمتزج بالعالم، عندئذ يختلط بعضها ببعض: الحب بالكراهية، الفرح بالحزن، الأمل باليأس ،فإذا بنا لا ندرك ما الذي حل بنا سوى أن طوفانها يجرفنا حيث لا ندري، فتمتزج ألوانه الأحمر بالأسود بالأصفر بالأخضر.
حتى إذا ما حاولنا التعبير عنها، أفرغناها من شحنتها ومن عنفها وتفردها وزمنيتها، فجعلناها لغة صرفة مركبة متشابهة ، لذلك كان الشعر وما يزال الصوت الذي يطوع اللغة لنبض تلك المشاعر والأحاسيس وتفاعلها في ما بينها ،فيقتحمها اقتحام المسائل الباحث المبحر الساحر، محاولا إعادة هندسة اللغة حسب تموجاتها وانحداراتها وفيضانها.
هو الذي ما فتئ يتجزأ دون الاسترسال ، تتخلله فواصل من الصمت والسكون، في قطيعة ولو قصيرة مع اللغة حتى يخوض مغامرة التكشف عما هو إحساس ، فما يفصل أبيات القصيدة صدرها عن عجزها : أي ما تقدم منها وما تأخر ،هي مقاطع من الصمت تفصل الأبيات إما أولها عن آخرها في القصيدة الكلاسيكية ، أو بعضها عن بعض، إذا ما كانت حرة .
كل هندسة للغة تستلزم إدماج الصمت ،كي تمنح للجسد إمكانية الحضور فيعبر عما يحس .
ترى ،ما الذي يفرقنا أو يجمعنا بالعالم ، اللغة أم الصمت ؟
لا أدري .
كاهنة عباس .
إياكم والتسلح بالكلام لمواجهة مأساة الإنسان: ألا وهو المرض والوحدة والشيخوخة والحاجة والموت والفقد ، لأنها ستغلف وتتخذ هيئة كلمات وعبارات، غير موصولة بما تشعرون به من ضيم أو وحدة أو وحشة .
أريتم ذلك الرجل المبتسم الذي يردد أنه سعيد ؟ إنه يخدعكم بكلماته، لأن السعادة لا تقال ، السعادة تعاش فهي لا تحتاج إلى كلمات،فإن تحولت إلى خطاب ، لأنها تخفي قلقا مستمرا لا يهدأ .
ومن مساوئ اللغة يا سادة، أنها قد تؤسس إلى الوهم ،فبين القول والواقع حيز كبير من المجهول، قد يوصف بالمسكوت عنه ، فاللغة عاجزة عن التعبير عن تجاربنا ،وإن كتب لها تحقيق ذلك ،لتوقف كل هذا السيل من الكلام .أتكون هي خدعتنا الكبرى ، لما تدعيه من امتلاك الحقيقة وتمثيل للواقع ؟ وفي غياب الكلمات، ماذا سيبقى لنا لمواجهة الأحاسيس، فهل سنكتفي بالإشارة ، الحركة، الرقص أم الصمت؟
خارج منطقة اللغة، ستفقد الحياة كل معنى ،أي كل قيمة بيانية تؤولها وتبين مسارها وأهدافها ، بأن تصبح مكتفية بنفسها ،لا تحتاج إلى قيمة أخرى تفوقها ، لان الحياة أسمى قيمة، لأسبقية وجودها لكل وجود.
فقد تمنحنا اللغة الجسد المتخيل، ذلك الذي يحب لأن اللغة ادعت القدرة على المحبة، ويبغض لأن اللغة وصفت البغض، ويزهو لأن اللغة وعدته بالجنة، ويحزن لأن اللغة هي الناقلة للزوال والفناء والتاريخ والفقدان .
هناك حيز يفصل بين الأحاسيس كما نحياها واللغة التي تعبر عنها ، إذا ما تصرفنا فيه يصبح منبعا للإلهام والإبداع، تحاول اللغة استكشافه بأن تعيد النظر في نظامها للتعيبر عنه، إنه ما نخفيه، ما لا نقوله، ولا نفصح عنه .
ما الذي تفعله اللغة بنا ؟ إنها تساعدنا على أن نتمثل العالم، أن نتمثل ما يدور بداخلنا، نتمثل ما يحدث لنا، أي أن نكون الرواة والشاهدين والفاعلين ،فننفصل عن إحساسنا، لكي نلقي به خارجا عنا بواسطة القول، تماما كما يفعل الرسام ،وهو يستعيد تشكيل العالم بألوانه وأشكاله حين يرسمها .
فحين تجتاحنا الأحاسيس مثل العواصف والأعاصير و تنفلت من سيطرة اللغة والتفكير لتمتزج بالعالم، عندئذ يختلط بعضها ببعض: الحب بالكراهية، الفرح بالحزن، الأمل باليأس ،فإذا بنا لا ندرك ما الذي حل بنا سوى أن طوفانها يجرفنا حيث لا ندري، فتمتزج ألوانه الأحمر بالأسود بالأصفر بالأخضر.
حتى إذا ما حاولنا التعبير عنها، أفرغناها من شحنتها ومن عنفها وتفردها وزمنيتها، فجعلناها لغة صرفة مركبة متشابهة ، لذلك كان الشعر وما يزال الصوت الذي يطوع اللغة لنبض تلك المشاعر والأحاسيس وتفاعلها في ما بينها ،فيقتحمها اقتحام المسائل الباحث المبحر الساحر، محاولا إعادة هندسة اللغة حسب تموجاتها وانحداراتها وفيضانها.
هو الذي ما فتئ يتجزأ دون الاسترسال ، تتخلله فواصل من الصمت والسكون، في قطيعة ولو قصيرة مع اللغة حتى يخوض مغامرة التكشف عما هو إحساس ، فما يفصل أبيات القصيدة صدرها عن عجزها : أي ما تقدم منها وما تأخر ،هي مقاطع من الصمت تفصل الأبيات إما أولها عن آخرها في القصيدة الكلاسيكية ، أو بعضها عن بعض، إذا ما كانت حرة .
كل هندسة للغة تستلزم إدماج الصمت ،كي تمنح للجسد إمكانية الحضور فيعبر عما يحس .
ترى ،ما الذي يفرقنا أو يجمعنا بالعالم ، اللغة أم الصمت ؟
لا أدري .
كاهنة عباس .