عالمنا الذي بذلنا جهدا عظيما لتشييده، ليس بالمعلوم بعد ، فما من باحث أو عالم قادر على التنبؤ بمستقبله، إننا لم نستأنسه بعد ،حتى و إن سميناه بمعنى العلم ، ،مادمنا جاهلين بأسراره ،رغم ما ذكرناه من أسماء للبلدان والمدن ،وما رسمناه من خرائط لا تحصى ولا تعد وما وضعناه من قوانين وسنن وأعراف .
فنحن نجهل ما يدور من حولنا ، لتشابك علاماته ودلالاتها ،سواء تلك التي أنجزناها ووضعناها، أو تلك المتصلة بالطبيعة بمخلوقاتها أرضا وأشجارا وبحارا وحيوانات وأنهارا وأودية .
فما من زمن يجمع مدننا بالغابات والسماوات ، وما من مبنى له اتصال بما حوله ولا من حكاية أو رواية يتصل ظاهرها بباطنها .
جل ما نقوله لا نفعله ، فنحن قلما نلتزم بآرائنا، ما نضمره غير ما نظهره وما نكتبه غير ما نعيشه ، وما نعرفه لا ينفعنا في تدبير شؤوننا وفض مشاكلنا إلا قليلا ،فما السبب يا ترى؟
من يحكم العالم حفنة من الأثرياء مقابل ملايين الفقراء ،كما كان الشأن دائما وأبدا على امتداد قرون ،ما قيمة ما بلغته الإنسانية من معارف وعلوم ، إذا لم تطور وعيها المحكوم بتلازم السلطة والخوف؟
فغريزة البقاء هي التي تسير الإنسان وتقنن ذكاءه ،حتى يصطبغ بلونها وينتهج منهجها بفضل حنكته .
ما قيل لنا وتعلمناه من باب الكبر هو نقيض ذلك :أن الذكاء هو الغالب وهو الأصل في الإنسان، لأنه الملكة التي تميزه عن الحيوان وعن بقية المخلوقات، وتلك هي المعضلة : تستر الغريزة بحيل الذكاء وتقمصها خطابه .
عالمنا هذا يخفي علينا جل حقائقه ، لا يفضحها ،لأنها تدمر كل ما يدعيه فتبيح انهياره حينا.
فهل من شك، في أن ما يراودنا صباحا كلما هممنا بملاقاة العالم، ليس تحقيق القيم المثلى مثل السخاء والعطاء ومحبة الغير ، بقدر ما هو السعي إلى تلبية حاجياتنا ورغباتنا ؟
لذلك، كان العالم الذي ندعي استئناسه قاسيا وغامضا عصيا على الفهم ، وكان لا بد أن نسميه باسم يوحي لنا بإمكانية العلم، للسيطرة عليه واستعماره، فشيدناه بما يخالف سنة التحول الدائمة وفرضنا استقرار أحواله بالعنف، لكي نباغت في كل لحظة بالانهيار والخيبة والفشل، بعد أن تنكرنا لسنة التحول وتكتمنا عن الفقد والموت وعن حقيقة ما يحركنا ويسكننا من أهواء .
فنشأت بيننا فلسفة العبثية ،تلك التي تقول باستحالة أن يلتقي العالم بما ننتظره منه وما نرغب فيه وما نبتغيه.......
أغلب ما يعمر العالم هي الجدران، حيثما حللتم ستواجهكم، لتقيكم من الهواء والبرد والحر والنور والظلمة والموت والحياة، بل كذلك من الخير والشر، فهل تدرون، لم كل هذا الهوس ببناء الجدران ؟
لأنها من الجحر ، تلك المادة الصلبة التي لا تتأثر بالتحول أي بجوهر الحياة .
لان الحجر صامد ،لا يقول شيئا، ألفنا حوله شبكات لا تحصى ولا تعد من الدلالات مترابطة مسترسلة وأحطنا بعضها بألغاز، لا يمكن فك أسرارها إلا باللجوء إلى ألغاز أخرى، وطوقنا جدران مدننا بذلك الكم الهائل من الدلالات والألغاز ،ووضعنا على رأسها من يحرسها ،ويسهر على تأويلها ونقلها، لكي نوهم أنفسنا أن الذكاء هو الغالب على الفطرة والغريزة .
كذلك اخترنا أن نكون بين منطقتين : منطقة الغريزة والفطرة ومنطقة الدلالة والإشارة التي تلغيهما وتتنكر لهما، فكنا تارة داخل أجسادنا لا نبرحها عند الأكل والنوم ،وطورا خارجها نبحث بين الدلالات والإشارات التي تطوق جدران مدننا عن ذواتنا التائهة، إن كانت في الأصل أرواحا تسكن
الأجساد أم أجسادا تتوهم أنها أرواح.
ما الذي يجعلنا نجر سلاسل أسرنا، دون كسرها والتحرر منها للتوغل في أغوار الدنيا ،ولا المكوث في نفس المكان والزمان ؟
هل هي الذاكرة ، التاريخ ، المعرفة ،الفكرة ، الإدراك ، الإحساس ،الذكاء أم الفطرة ؟
ترى هل يكون توقنا إلى السمو إحدى خصائص طبيعتنا الإنسانية، أم أنه وهم من ضمن أوهامنا ؟ هل للروح أوصاف وسمات، أم لا ؟ وهل الفطرة والروح متصادمان دائما ،لا يجتمعان أبدا ؟
آلاف الطقوس التي أقمناها بمدننا المحصنة بالحجر فصلا بعد فصل ، تجعلنا نقدس ما نجهل ، عزوفا عن كل إجابة ممكنة .
كاهنة عباس
فنحن نجهل ما يدور من حولنا ، لتشابك علاماته ودلالاتها ،سواء تلك التي أنجزناها ووضعناها، أو تلك المتصلة بالطبيعة بمخلوقاتها أرضا وأشجارا وبحارا وحيوانات وأنهارا وأودية .
فما من زمن يجمع مدننا بالغابات والسماوات ، وما من مبنى له اتصال بما حوله ولا من حكاية أو رواية يتصل ظاهرها بباطنها .
جل ما نقوله لا نفعله ، فنحن قلما نلتزم بآرائنا، ما نضمره غير ما نظهره وما نكتبه غير ما نعيشه ، وما نعرفه لا ينفعنا في تدبير شؤوننا وفض مشاكلنا إلا قليلا ،فما السبب يا ترى؟
من يحكم العالم حفنة من الأثرياء مقابل ملايين الفقراء ،كما كان الشأن دائما وأبدا على امتداد قرون ،ما قيمة ما بلغته الإنسانية من معارف وعلوم ، إذا لم تطور وعيها المحكوم بتلازم السلطة والخوف؟
فغريزة البقاء هي التي تسير الإنسان وتقنن ذكاءه ،حتى يصطبغ بلونها وينتهج منهجها بفضل حنكته .
ما قيل لنا وتعلمناه من باب الكبر هو نقيض ذلك :أن الذكاء هو الغالب وهو الأصل في الإنسان، لأنه الملكة التي تميزه عن الحيوان وعن بقية المخلوقات، وتلك هي المعضلة : تستر الغريزة بحيل الذكاء وتقمصها خطابه .
عالمنا هذا يخفي علينا جل حقائقه ، لا يفضحها ،لأنها تدمر كل ما يدعيه فتبيح انهياره حينا.
فهل من شك، في أن ما يراودنا صباحا كلما هممنا بملاقاة العالم، ليس تحقيق القيم المثلى مثل السخاء والعطاء ومحبة الغير ، بقدر ما هو السعي إلى تلبية حاجياتنا ورغباتنا ؟
لذلك، كان العالم الذي ندعي استئناسه قاسيا وغامضا عصيا على الفهم ، وكان لا بد أن نسميه باسم يوحي لنا بإمكانية العلم، للسيطرة عليه واستعماره، فشيدناه بما يخالف سنة التحول الدائمة وفرضنا استقرار أحواله بالعنف، لكي نباغت في كل لحظة بالانهيار والخيبة والفشل، بعد أن تنكرنا لسنة التحول وتكتمنا عن الفقد والموت وعن حقيقة ما يحركنا ويسكننا من أهواء .
فنشأت بيننا فلسفة العبثية ،تلك التي تقول باستحالة أن يلتقي العالم بما ننتظره منه وما نرغب فيه وما نبتغيه.......
أغلب ما يعمر العالم هي الجدران، حيثما حللتم ستواجهكم، لتقيكم من الهواء والبرد والحر والنور والظلمة والموت والحياة، بل كذلك من الخير والشر، فهل تدرون، لم كل هذا الهوس ببناء الجدران ؟
لأنها من الجحر ، تلك المادة الصلبة التي لا تتأثر بالتحول أي بجوهر الحياة .
لان الحجر صامد ،لا يقول شيئا، ألفنا حوله شبكات لا تحصى ولا تعد من الدلالات مترابطة مسترسلة وأحطنا بعضها بألغاز، لا يمكن فك أسرارها إلا باللجوء إلى ألغاز أخرى، وطوقنا جدران مدننا بذلك الكم الهائل من الدلالات والألغاز ،ووضعنا على رأسها من يحرسها ،ويسهر على تأويلها ونقلها، لكي نوهم أنفسنا أن الذكاء هو الغالب على الفطرة والغريزة .
كذلك اخترنا أن نكون بين منطقتين : منطقة الغريزة والفطرة ومنطقة الدلالة والإشارة التي تلغيهما وتتنكر لهما، فكنا تارة داخل أجسادنا لا نبرحها عند الأكل والنوم ،وطورا خارجها نبحث بين الدلالات والإشارات التي تطوق جدران مدننا عن ذواتنا التائهة، إن كانت في الأصل أرواحا تسكن
الأجساد أم أجسادا تتوهم أنها أرواح.
ما الذي يجعلنا نجر سلاسل أسرنا، دون كسرها والتحرر منها للتوغل في أغوار الدنيا ،ولا المكوث في نفس المكان والزمان ؟
هل هي الذاكرة ، التاريخ ، المعرفة ،الفكرة ، الإدراك ، الإحساس ،الذكاء أم الفطرة ؟
ترى هل يكون توقنا إلى السمو إحدى خصائص طبيعتنا الإنسانية، أم أنه وهم من ضمن أوهامنا ؟ هل للروح أوصاف وسمات، أم لا ؟ وهل الفطرة والروح متصادمان دائما ،لا يجتمعان أبدا ؟
آلاف الطقوس التي أقمناها بمدننا المحصنة بالحجر فصلا بعد فصل ، تجعلنا نقدس ما نجهل ، عزوفا عن كل إجابة ممكنة .
كاهنة عباس