(1)
أقعدوها ، منفطرة القلب .. ينتفخ جفناها .. تتورم ، وتتدلى شفتاها القانيتان .. يصطبغ الوجه الأبيض الحليبي بسياط من لهيب أحمر ، وأشباح تعدو بباطن جفنيها المثقلين بجبال من رمال تتحرك.
بين الوعي واللاوعي ، تواجهها صورة أبيها ـ الذي رحل توا ـ بكل ملامحها .. تسرع ؛ لتلحق بسيل أشباحها.
يهيج الكيان المتمزق . يشتعل العويل . يتمرغ الجسد المكدود على الأرض .
تعيي مرافقاتها محاولات انتشالها حتى تقوم . تعود ؛ لتقفز .. تلطم .. تصرخ . تتكرر محاولاتهن لاحتوائها . تتملكها أعاصير داخلها المريرة . يلتوي مفصل إحدى قدميها ؛ فتهوى عليها بكل ثقلها فاقدة الوعي.
(2)
حملوها ، بلا حراك منها ، ولا هوادة لتراتيل النواح والبكاء المعتصر ، وهنيهات غيبوبية ، يفصل بينها نشيج عنيف.
في صالة الانتظار بالمستشفى .. انبثقت من الأعين نظرات الإشفاق والألم ؛ فالتفتت إحدى مرافقاتها ـ بعد أن مصمصت شفتيها ـ لإحدى المجاورات المنتظرات ، ثم همست:
• عروس هي لم تزل ، لكن الفرح أيامه قليلة .
وراحت في حوار متبادل تسرد جوانب المأساة المزدوجة .
لم يزل سرادق عزاء أبيها منصوبا ، يرج أجوائه صوت المقرئ المجلجل .. ينبعث صداه ؛ يصل إلى آذان مرتادي المستشفى.
(3)
على كرسي متحرك ، وفى ظل مرافقاتها المتشحات بالسواد .. خرجت من حجرة الطبيب مدلاة الرأس على الصدر في وله ، ممددة القدم الملفوفة في جبيرة من الجبس للانتظار حتى يسمح الطبيب بالمغادرة.
أمام الحجرة واجهها .. حليق الذقن ، وشعر الرأس .. لا آثار لغبار على ملابسه المهندمة ، ولا إرهاق على ملامح وجهه المتكلسة.
همست المرافقة في أذن مجاورتها ، ناظرة إليه :
•هو زوجها …
ولوّت شفتيها قاطعةً سيل كلماتها .
سحب كرسيا ، وجاور زوجته .. يحقن آثار غضب مقيت .
لم يبادر بسؤالها عمّا آلت إليه حالتها . اكتفي بنظراته الخاطفة نحو قدمها (المجبّرة).
حاولت فك أقفال فمها ؛ فخرجت حروف كلماتها مخنوقة ، مجروحة ، محشورة في أحبال صوتها الممزقة.
سبقت دموعها أي كلام ؛ فراحت تترع كخيوط منسابة على وجهها المتلطخ بدماء بشرتها الحليبية.
بادرته إحدى المرافقات متسائلة :
•ما بك ؟
اعرض بوجهه ذي العينين الغائرتين مغمغما :
•لا شئ .
بادرته أخرى :
• زوجتك في حاجة إليك .
أشاح بيده .. موجها نظره إليها .. منفثاً لكلماته المحتقنة :
• خطيبك السابق ( … ) …
صمت .. ثم تابع :
• ما الذي أتي به إلى العزاء ؟ ! ما أن رايته مقبلا نحوي .. حتى انفلتت من صف آخذي العزاء آتيا إليك.
تولته أعين النسوة المتحوطات بها بنظرات اختلط فيها الاستهجان ، مع السخط ، والتعجب في صمت.
رغم ما ألمّ بها .. تناهي إلي مسامعها المشوشة صوت المقرئ بسرادق العزاء واهنا .. ومن خلال عبراتها المترقرقة بعينيها المغبشتين ، طالعته نظراتها العيية من أعلاه إلى أسفله ، ودارت بها الدنيا .. ثمّ راحت ـ مرة أخرى ـ فاقدة الوعي.
أقعدوها ، منفطرة القلب .. ينتفخ جفناها .. تتورم ، وتتدلى شفتاها القانيتان .. يصطبغ الوجه الأبيض الحليبي بسياط من لهيب أحمر ، وأشباح تعدو بباطن جفنيها المثقلين بجبال من رمال تتحرك.
بين الوعي واللاوعي ، تواجهها صورة أبيها ـ الذي رحل توا ـ بكل ملامحها .. تسرع ؛ لتلحق بسيل أشباحها.
يهيج الكيان المتمزق . يشتعل العويل . يتمرغ الجسد المكدود على الأرض .
تعيي مرافقاتها محاولات انتشالها حتى تقوم . تعود ؛ لتقفز .. تلطم .. تصرخ . تتكرر محاولاتهن لاحتوائها . تتملكها أعاصير داخلها المريرة . يلتوي مفصل إحدى قدميها ؛ فتهوى عليها بكل ثقلها فاقدة الوعي.
(2)
حملوها ، بلا حراك منها ، ولا هوادة لتراتيل النواح والبكاء المعتصر ، وهنيهات غيبوبية ، يفصل بينها نشيج عنيف.
في صالة الانتظار بالمستشفى .. انبثقت من الأعين نظرات الإشفاق والألم ؛ فالتفتت إحدى مرافقاتها ـ بعد أن مصمصت شفتيها ـ لإحدى المجاورات المنتظرات ، ثم همست:
• عروس هي لم تزل ، لكن الفرح أيامه قليلة .
وراحت في حوار متبادل تسرد جوانب المأساة المزدوجة .
لم يزل سرادق عزاء أبيها منصوبا ، يرج أجوائه صوت المقرئ المجلجل .. ينبعث صداه ؛ يصل إلى آذان مرتادي المستشفى.
(3)
على كرسي متحرك ، وفى ظل مرافقاتها المتشحات بالسواد .. خرجت من حجرة الطبيب مدلاة الرأس على الصدر في وله ، ممددة القدم الملفوفة في جبيرة من الجبس للانتظار حتى يسمح الطبيب بالمغادرة.
أمام الحجرة واجهها .. حليق الذقن ، وشعر الرأس .. لا آثار لغبار على ملابسه المهندمة ، ولا إرهاق على ملامح وجهه المتكلسة.
همست المرافقة في أذن مجاورتها ، ناظرة إليه :
•هو زوجها …
ولوّت شفتيها قاطعةً سيل كلماتها .
سحب كرسيا ، وجاور زوجته .. يحقن آثار غضب مقيت .
لم يبادر بسؤالها عمّا آلت إليه حالتها . اكتفي بنظراته الخاطفة نحو قدمها (المجبّرة).
حاولت فك أقفال فمها ؛ فخرجت حروف كلماتها مخنوقة ، مجروحة ، محشورة في أحبال صوتها الممزقة.
سبقت دموعها أي كلام ؛ فراحت تترع كخيوط منسابة على وجهها المتلطخ بدماء بشرتها الحليبية.
بادرته إحدى المرافقات متسائلة :
•ما بك ؟
اعرض بوجهه ذي العينين الغائرتين مغمغما :
•لا شئ .
بادرته أخرى :
• زوجتك في حاجة إليك .
أشاح بيده .. موجها نظره إليها .. منفثاً لكلماته المحتقنة :
• خطيبك السابق ( … ) …
صمت .. ثم تابع :
• ما الذي أتي به إلى العزاء ؟ ! ما أن رايته مقبلا نحوي .. حتى انفلتت من صف آخذي العزاء آتيا إليك.
تولته أعين النسوة المتحوطات بها بنظرات اختلط فيها الاستهجان ، مع السخط ، والتعجب في صمت.
رغم ما ألمّ بها .. تناهي إلي مسامعها المشوشة صوت المقرئ بسرادق العزاء واهنا .. ومن خلال عبراتها المترقرقة بعينيها المغبشتين ، طالعته نظراتها العيية من أعلاه إلى أسفله ، ودارت بها الدنيا .. ثمّ راحت ـ مرة أخرى ـ فاقدة الوعي.