عندما أحيل إلى التقاعُد .. تقاعدَ عندَه كلّ شيء .. بل وتقاعَسْ !
انطفأت جذوته وخبا بريقه
تثاقلت مشيته وفترت همّته ورقّت نبرته
لان وانثنى .. واستكان وانحنى ..
وانطوى والتوى وزوى
كغصنٍ شديد العود ذبُل فجأة بحجْبِ الماء والضياء عنه .. فجفّ لحاؤه وتجعّدت أوداجه واصفرّت أوراقه
فاستحى وامّحى
وتداعى وتهاوى
وانكفأ وانطفأ
ما عاد كما كان.. جبّاراً صبّاراً أمّاراً هدّاراً.. ظلّاماً حكّاماً حطّاماً.. رمّاحاً وصيّاحاً .. بل ولنقُل نبّاحاً .. يعوي في الدار فيمنحك الأمان
كلبٌ بوليسيٌّ موظّف .. والشرطة طوع أمره .. يلحقونه كالجراء
يهتدون بأنفه الشمّام .. وحدسه وحاسته السادسة ..
بريق عينيه يرعب المجرمين العتاة .. فيعترفون أمام فكّه المفترس .. وإلا أشار بذيله للهراوات الشُّرطية تنتزع الاعترافات القطعية ..
الكلب البوليسي لا يكذب ..ولا داعٍ ليحلف اليمين على كتاب مقدّس ..تجذبه رائحة الدم المسفوح والممسوح ..واللصوصية المختبئة والفساد المتخفي فيجري نحوها منبّهاً ، ولا يتركها حتى يمنعه القيد القابض على عنقه ..بأنه وطئ حدود المحرّمات ..فيكفّون بصره ..ويكمّون شدقه ..ويقصّون أظافره ..ولكنّهم ينسون أنّ الكلب يسمع فوق ما نسمع
ذلك الكلب أحيل للتقاعد ..لأنّ نباحه فاق الحدود المسموحة وتجاوز الامتيازات الممنوحة ..فأنيط به إلى سلة المحذوفات
وقالت زوجته في سياق روايتها عن حبّه بُعيد تقاعده :
-فعلاً..زوجي كان ضابط شرطة وأحالوه للتقاعد غصباً بسبب سوء سلوكه ..هكذا قالوا في معرض إحالته ..ويلي فقد اعتدتُ عليه ضابطاً على رأس عمله ..وما عاد كما كان
كانت قدماه راسختان في الأرض ورأسه بين نجومٍ ونسور تتلألأ على كتفيه ..والتقاعد يعني إحالة تلك الرتب إلى عداد الذكريات ..ما أحيلى احتضانه لي ببزته الرسمية ..كنت أحسُّه كبيراً بها ..شامخاً كالطود ، فألعب بأزراره المعدنية وأفكفك أوسمته الصدرية وأحزمته الجلدية.. ومسدّسه الثقيل
أوَتعلمين ؟..لا أستطيع تخيُّل زوجي بدون مسدّس ..بدونه يفقد رجولته وسطوته وسلطانه عليّ..لذا أتحسّس مسدسه قبل أن أنام وألعب به ..أسحبه من تحت مخدته ..أهدده به لو نام وأهملني فيفزّ مرعوباً ..ثم يبتسم ساخراً ويقول وكأنه يهذي في نومه :
-لا تلعبي بالنار
واللعب بالنار مثيرٌ أحياناً ..بل وممتع !!
ما أجمل أيامه عندما كان ينقل عمله إلى البيت ..فيراقبني ويلاحقني ..يفتح ملفاتي كلها ..يستجوبني ويحقق معي ويكذّبني ..ويؤنّبني ويؤدّبني .. وما أرقّ تأديبه لي عندما تجتمع القسوة مع الحب !
ولم تأبه الزوجة لاستغراب صديقتها ..وتابعت :
-كان قانون الطوارئ مُعلناً في بيتنا ومعمولاً به وقابلاً للتمديد .. وما عدت أحسِن العيش بدون قانون الطوارئ لذا أطالب بتمديده على الدوام..غرفة نومي كانت صورة عن مكتب التحقيق ينتزع فيها اعترافاتي ..ويلهبني بسطوته وسلطته فأمنحه كلّ شيء ككتابٍ مفتوح ..لا يمكن إخفاء شيء عن الشرطة – كما تعلمين - فالحكومة تعرف كلّ شيء عنا ..ولكن يجب أن نعترف تدريجياً ، وبعدها نمثل الجريمة.. هذه هي اللعبة
تساءلت الصديقة :
-أثرتِ فضولي ..أما مللتِ الأوامر العسكرية ..والحصار الاقتصادي وبرامج التقشف والعزلة الاجتماعية ..وحظر التجوّل ؟..ما أصعبها من عيوشة مع ضابط شرطة !
-على العكس يا صديقتي ..ما أجملها عندما تكوني محكومة بالحديد والنار ..عشقت دور المتهمة في غرفة نومي ..تعوّدتُ أن ألعب دور الضحية التي يعشقها جلادها ..ليس مرضاً نفسياً لا تنتقدينني أرجوك
ما أحيلاه عندما يأتيني معاتباً..يتهمني ..يحاصرني كلامياً..أضحك وأقول له ...رويدك ..أحتاج إلى محامٍ للدفاع فهذا حقي ..لكنه لا يردّ..بل يبتسم بعينين مفتوحتين كأيّ محققٍ خبيث ..ثم يقول ..هل تظنين أنك في أوروبا ؟..إنّ قانون الطوارئ المُعلَن أبداً يسمح لنا باعتقال أي شخص لمجرد الشبهة !
وأنتِ الآن مشتبهٌ بها ..ساقاكِ اللمّاعتان تحت تنورتك القصيرة تخلّان بالآداب العامة وأنا من بوليس الآداب .. وقميصُك الضيق الذي يكاد أن يتفجّر عن قنبلتين موقوتتين يستدعي شرطة الإرهاب .. وشفتاك الشهّيتان وعيونك الآسرة أدمنت عليهما كمخدّر يومي وأنا من فرع مكافحة المخدرات ..مثقلة أنتِ بتُهمٍ كثيرة ..أنت من أرباب السوابق فسلّمي نفسك فنخفف عنكِ العقاب ..ولا تحاولي الهرب .
أهرب أمامه من غرفة إلى غرفة ، ومن زاوية إلى أخرى فيلحق بي ..وقد أقفز من فوق السرير وأنا أولول وأصرخ مستغيثة ونضحك معاً ..وقد أختبئ تحت الطاولة فيحبو خلفي كطفلٍ كبير ، وينجح بالتقاط قدمي ويحاول سحبي كقطة برية تموء وتغرس مخالبها في سجادة الأرض رافضة الانسحاب ..وتتمنّع وهي راغبة ..ولا أحزن على مزهرية ثمينة قد تنكسر كقربانٍ عن معمعة الحب !
وقد يختفي عن ناظري هنيهة ، فأبحث عنه وأنا أعلم أنه يكمن لي خلف الخزانة إذ أنني أسمع أنفاسه اللاهثة ..وأصيح أنا هنا أيها الشرطي العاجز لتستمرّ المطاردة ..وقد أنجو من براثنه وأدخل حمامي وأقفل بابي من الداخل وأقول :
-أنا هنا ..اخلع الباب إن كنت رجلاً
فيجيب بلهجة الشرطي الآمر :
-افتح الباب يا مجرم فأنت محاصر
ويطرق عليّ بكعب مسدسه ..وأنصِتُ مترقّبة ماذا سيفعل ..وعندما أسمع صوت تلقيم المسدس أعرف أنه صار جاهزاً لإطلاق النار
عندها أستسلم له وأفتح بابي وقد أخذ الإجهاد منّا كلَّ مأخذ ..
يعتقلني ..يقتادني ويقودني ..يقيّدني إلى الكرسي أو إلى قوائم السرير مستعملاً ربطة عنقه أو فردة جرابي الطويل ..لا تعجبي من ذلك ..كلّها طرقٌ محبّبة ..
تبتلع ريقها ..وتتابع رغم ذهول صديقتها :
ثم ..ثم يقبّلني ..مبتدئاً من جبيني كأنه يتلذّذ بطعم عرقي المالح ..أصيح وأولول ..ولا أستطيع الفكاك ..
أبصق في وجهه ..أشتم أمَّه وكل عائلته بكلماتٍ بذيئة ..لتثور ثائرته
يمزّق ثيابي ..عن طريق التسلسل ..وكلّ قطعة من جسدي يروي عنها حكاية ..فأذوب في قيدي ..أركله بمعنى أن اربط ساقيّ أيضاً
يشعل سيجارة ..ينفخ في وجهي ..
يتجوّل أمامي بكبرياء وتسلّط ..يروح ويجيء ..
يطفئ النور فتزداد خيالاتي ويذهب ما تبقى من بقايا خجلي
يسلّط نوراً إلى وجهي من مصباح جيبه ..فأغمض عيني ..أصبحتُ له سبيّة مقيدة جاهزة للاغتصاب .. يشطفني بالماء...
يقول ..أنتِ أكثر جاذبية عندما تكونين مبللة وثيابكِ ملتصقةٌ بكِ...
وأنا أذوب في قيدي وأنتظر النهاية ..وعندما يتراخى أمامي ..أحرّضه ..وأقول ..تستأسد عليّ وأنا مقيدة ؟...فكّ أغلالي.. وسترى...
يجيب بعد أن يفتل شاربيه..وماذا ستفعلين أيتها المتهمة الحسناء ؟...أقول ..سأنهشكَ ..وأفترسكَ.
قالت صديقتها :
-ياللروعة ...منتهى الإثارة !
ولكن أين الحب في هذه اللعبة ؟..وكيف تتحول المسبيّة إلى معشوقة بعد كلِّ هذا العنف والتعنيف ؟
أجابت :
-رويدكِ قليلاً ..فالجلاد لا يلبث أن يحتضن المتهمة ويحلحل قيودها بالتسلسل ..ويفكفك أغلالها بالتدريج ..تحدوه رغبته الجامحة ..يتنازل عندها عن رتبته العسكرية وكل أوسمته وقد ندوس على بزّته العسكرية التي رماها أرضاً كيفما اتفق ..إلا مسدسه الذي مازال ممسكاً به فالطلقة في بيت النار والإصبع على الزناد !
ويستسلم بعدها كالطفل في حضني ..حنوناً ..لطيفاً ..دامع العين والقلب ..فتكفكف الضحية دموع الجلاد ..ويعترف بحبه معتذراً وينام بجانبي طالباً الصفح عمّا اقترفت يداه
وهكذا في النهاية ينقاد لها بعد أن كان لها مقيّداً ..ويصبح هو الأسير المستضعف وأنا القاضي الذي ينهي الجلسة بضربة مطرقة أو يحكم عليه بالأشغال الشاقة يومياً وليس كل خميس !
نعم ..كان ذلك فيما مضى ..أما الآن ..وبعد أن تقاعد وانكسرت شوكته فما عاد كما كان..فقد استردّوا منه مسدسه الأميري بعد التقاعد !
قالت صديقتها ..وقد ضربت كفّاً بكفّ :
-احترْتُ في أمري ..ماذا تريدين بالضبط ؟
-أريد الإبقاء عليه شرطياً في بيتي ، رافضةً إحالته للتقاعد ..فنلعب لعبة التحقيق المثير التي أهواها ..ألبسه حلته الرسمية يوم الخميس فتثيرني ويعود بها كما كان ..لذا أعلقها في خزانتي بجانب أثوابي الشفيفة والمهفهفة التي تثيره .. ويمتثل المسكين لرغبتي ويرتديها لي فقط ، كاملة إلا من مسدسه الذي أحيل للتقاعد مثله ..وأنا اليوم أناشدهم :
-لابأس إن أحلتموه للتقاعد ..جرّدوه من كل امتيازاته ومن رتبه وأوسمته ..إلا من مسدسه الذي أرفض أن يحال إلى التقاعد !
****************
انطفأت جذوته وخبا بريقه
تثاقلت مشيته وفترت همّته ورقّت نبرته
لان وانثنى .. واستكان وانحنى ..
وانطوى والتوى وزوى
كغصنٍ شديد العود ذبُل فجأة بحجْبِ الماء والضياء عنه .. فجفّ لحاؤه وتجعّدت أوداجه واصفرّت أوراقه
فاستحى وامّحى
وتداعى وتهاوى
وانكفأ وانطفأ
ما عاد كما كان.. جبّاراً صبّاراً أمّاراً هدّاراً.. ظلّاماً حكّاماً حطّاماً.. رمّاحاً وصيّاحاً .. بل ولنقُل نبّاحاً .. يعوي في الدار فيمنحك الأمان
كلبٌ بوليسيٌّ موظّف .. والشرطة طوع أمره .. يلحقونه كالجراء
يهتدون بأنفه الشمّام .. وحدسه وحاسته السادسة ..
بريق عينيه يرعب المجرمين العتاة .. فيعترفون أمام فكّه المفترس .. وإلا أشار بذيله للهراوات الشُّرطية تنتزع الاعترافات القطعية ..
الكلب البوليسي لا يكذب ..ولا داعٍ ليحلف اليمين على كتاب مقدّس ..تجذبه رائحة الدم المسفوح والممسوح ..واللصوصية المختبئة والفساد المتخفي فيجري نحوها منبّهاً ، ولا يتركها حتى يمنعه القيد القابض على عنقه ..بأنه وطئ حدود المحرّمات ..فيكفّون بصره ..ويكمّون شدقه ..ويقصّون أظافره ..ولكنّهم ينسون أنّ الكلب يسمع فوق ما نسمع
ذلك الكلب أحيل للتقاعد ..لأنّ نباحه فاق الحدود المسموحة وتجاوز الامتيازات الممنوحة ..فأنيط به إلى سلة المحذوفات
وقالت زوجته في سياق روايتها عن حبّه بُعيد تقاعده :
-فعلاً..زوجي كان ضابط شرطة وأحالوه للتقاعد غصباً بسبب سوء سلوكه ..هكذا قالوا في معرض إحالته ..ويلي فقد اعتدتُ عليه ضابطاً على رأس عمله ..وما عاد كما كان
كانت قدماه راسختان في الأرض ورأسه بين نجومٍ ونسور تتلألأ على كتفيه ..والتقاعد يعني إحالة تلك الرتب إلى عداد الذكريات ..ما أحيلى احتضانه لي ببزته الرسمية ..كنت أحسُّه كبيراً بها ..شامخاً كالطود ، فألعب بأزراره المعدنية وأفكفك أوسمته الصدرية وأحزمته الجلدية.. ومسدّسه الثقيل
أوَتعلمين ؟..لا أستطيع تخيُّل زوجي بدون مسدّس ..بدونه يفقد رجولته وسطوته وسلطانه عليّ..لذا أتحسّس مسدسه قبل أن أنام وألعب به ..أسحبه من تحت مخدته ..أهدده به لو نام وأهملني فيفزّ مرعوباً ..ثم يبتسم ساخراً ويقول وكأنه يهذي في نومه :
-لا تلعبي بالنار
واللعب بالنار مثيرٌ أحياناً ..بل وممتع !!
ما أجمل أيامه عندما كان ينقل عمله إلى البيت ..فيراقبني ويلاحقني ..يفتح ملفاتي كلها ..يستجوبني ويحقق معي ويكذّبني ..ويؤنّبني ويؤدّبني .. وما أرقّ تأديبه لي عندما تجتمع القسوة مع الحب !
ولم تأبه الزوجة لاستغراب صديقتها ..وتابعت :
-كان قانون الطوارئ مُعلناً في بيتنا ومعمولاً به وقابلاً للتمديد .. وما عدت أحسِن العيش بدون قانون الطوارئ لذا أطالب بتمديده على الدوام..غرفة نومي كانت صورة عن مكتب التحقيق ينتزع فيها اعترافاتي ..ويلهبني بسطوته وسلطته فأمنحه كلّ شيء ككتابٍ مفتوح ..لا يمكن إخفاء شيء عن الشرطة – كما تعلمين - فالحكومة تعرف كلّ شيء عنا ..ولكن يجب أن نعترف تدريجياً ، وبعدها نمثل الجريمة.. هذه هي اللعبة
تساءلت الصديقة :
-أثرتِ فضولي ..أما مللتِ الأوامر العسكرية ..والحصار الاقتصادي وبرامج التقشف والعزلة الاجتماعية ..وحظر التجوّل ؟..ما أصعبها من عيوشة مع ضابط شرطة !
-على العكس يا صديقتي ..ما أجملها عندما تكوني محكومة بالحديد والنار ..عشقت دور المتهمة في غرفة نومي ..تعوّدتُ أن ألعب دور الضحية التي يعشقها جلادها ..ليس مرضاً نفسياً لا تنتقدينني أرجوك
ما أحيلاه عندما يأتيني معاتباً..يتهمني ..يحاصرني كلامياً..أضحك وأقول له ...رويدك ..أحتاج إلى محامٍ للدفاع فهذا حقي ..لكنه لا يردّ..بل يبتسم بعينين مفتوحتين كأيّ محققٍ خبيث ..ثم يقول ..هل تظنين أنك في أوروبا ؟..إنّ قانون الطوارئ المُعلَن أبداً يسمح لنا باعتقال أي شخص لمجرد الشبهة !
وأنتِ الآن مشتبهٌ بها ..ساقاكِ اللمّاعتان تحت تنورتك القصيرة تخلّان بالآداب العامة وأنا من بوليس الآداب .. وقميصُك الضيق الذي يكاد أن يتفجّر عن قنبلتين موقوتتين يستدعي شرطة الإرهاب .. وشفتاك الشهّيتان وعيونك الآسرة أدمنت عليهما كمخدّر يومي وأنا من فرع مكافحة المخدرات ..مثقلة أنتِ بتُهمٍ كثيرة ..أنت من أرباب السوابق فسلّمي نفسك فنخفف عنكِ العقاب ..ولا تحاولي الهرب .
أهرب أمامه من غرفة إلى غرفة ، ومن زاوية إلى أخرى فيلحق بي ..وقد أقفز من فوق السرير وأنا أولول وأصرخ مستغيثة ونضحك معاً ..وقد أختبئ تحت الطاولة فيحبو خلفي كطفلٍ كبير ، وينجح بالتقاط قدمي ويحاول سحبي كقطة برية تموء وتغرس مخالبها في سجادة الأرض رافضة الانسحاب ..وتتمنّع وهي راغبة ..ولا أحزن على مزهرية ثمينة قد تنكسر كقربانٍ عن معمعة الحب !
وقد يختفي عن ناظري هنيهة ، فأبحث عنه وأنا أعلم أنه يكمن لي خلف الخزانة إذ أنني أسمع أنفاسه اللاهثة ..وأصيح أنا هنا أيها الشرطي العاجز لتستمرّ المطاردة ..وقد أنجو من براثنه وأدخل حمامي وأقفل بابي من الداخل وأقول :
-أنا هنا ..اخلع الباب إن كنت رجلاً
فيجيب بلهجة الشرطي الآمر :
-افتح الباب يا مجرم فأنت محاصر
ويطرق عليّ بكعب مسدسه ..وأنصِتُ مترقّبة ماذا سيفعل ..وعندما أسمع صوت تلقيم المسدس أعرف أنه صار جاهزاً لإطلاق النار
عندها أستسلم له وأفتح بابي وقد أخذ الإجهاد منّا كلَّ مأخذ ..
يعتقلني ..يقتادني ويقودني ..يقيّدني إلى الكرسي أو إلى قوائم السرير مستعملاً ربطة عنقه أو فردة جرابي الطويل ..لا تعجبي من ذلك ..كلّها طرقٌ محبّبة ..
تبتلع ريقها ..وتتابع رغم ذهول صديقتها :
ثم ..ثم يقبّلني ..مبتدئاً من جبيني كأنه يتلذّذ بطعم عرقي المالح ..أصيح وأولول ..ولا أستطيع الفكاك ..
أبصق في وجهه ..أشتم أمَّه وكل عائلته بكلماتٍ بذيئة ..لتثور ثائرته
يمزّق ثيابي ..عن طريق التسلسل ..وكلّ قطعة من جسدي يروي عنها حكاية ..فأذوب في قيدي ..أركله بمعنى أن اربط ساقيّ أيضاً
يشعل سيجارة ..ينفخ في وجهي ..
يتجوّل أمامي بكبرياء وتسلّط ..يروح ويجيء ..
يطفئ النور فتزداد خيالاتي ويذهب ما تبقى من بقايا خجلي
يسلّط نوراً إلى وجهي من مصباح جيبه ..فأغمض عيني ..أصبحتُ له سبيّة مقيدة جاهزة للاغتصاب .. يشطفني بالماء...
يقول ..أنتِ أكثر جاذبية عندما تكونين مبللة وثيابكِ ملتصقةٌ بكِ...
وأنا أذوب في قيدي وأنتظر النهاية ..وعندما يتراخى أمامي ..أحرّضه ..وأقول ..تستأسد عليّ وأنا مقيدة ؟...فكّ أغلالي.. وسترى...
يجيب بعد أن يفتل شاربيه..وماذا ستفعلين أيتها المتهمة الحسناء ؟...أقول ..سأنهشكَ ..وأفترسكَ.
قالت صديقتها :
-ياللروعة ...منتهى الإثارة !
ولكن أين الحب في هذه اللعبة ؟..وكيف تتحول المسبيّة إلى معشوقة بعد كلِّ هذا العنف والتعنيف ؟
أجابت :
-رويدكِ قليلاً ..فالجلاد لا يلبث أن يحتضن المتهمة ويحلحل قيودها بالتسلسل ..ويفكفك أغلالها بالتدريج ..تحدوه رغبته الجامحة ..يتنازل عندها عن رتبته العسكرية وكل أوسمته وقد ندوس على بزّته العسكرية التي رماها أرضاً كيفما اتفق ..إلا مسدسه الذي مازال ممسكاً به فالطلقة في بيت النار والإصبع على الزناد !
ويستسلم بعدها كالطفل في حضني ..حنوناً ..لطيفاً ..دامع العين والقلب ..فتكفكف الضحية دموع الجلاد ..ويعترف بحبه معتذراً وينام بجانبي طالباً الصفح عمّا اقترفت يداه
وهكذا في النهاية ينقاد لها بعد أن كان لها مقيّداً ..ويصبح هو الأسير المستضعف وأنا القاضي الذي ينهي الجلسة بضربة مطرقة أو يحكم عليه بالأشغال الشاقة يومياً وليس كل خميس !
نعم ..كان ذلك فيما مضى ..أما الآن ..وبعد أن تقاعد وانكسرت شوكته فما عاد كما كان..فقد استردّوا منه مسدسه الأميري بعد التقاعد !
قالت صديقتها ..وقد ضربت كفّاً بكفّ :
-احترْتُ في أمري ..ماذا تريدين بالضبط ؟
-أريد الإبقاء عليه شرطياً في بيتي ، رافضةً إحالته للتقاعد ..فنلعب لعبة التحقيق المثير التي أهواها ..ألبسه حلته الرسمية يوم الخميس فتثيرني ويعود بها كما كان ..لذا أعلقها في خزانتي بجانب أثوابي الشفيفة والمهفهفة التي تثيره .. ويمتثل المسكين لرغبتي ويرتديها لي فقط ، كاملة إلا من مسدسه الذي أحيل للتقاعد مثله ..وأنا اليوم أناشدهم :
-لابأس إن أحلتموه للتقاعد ..جرّدوه من كل امتيازاته ومن رتبه وأوسمته ..إلا من مسدسه الذي أرفض أن يحال إلى التقاعد !
****************