ألف ليلة و ليلة محمود الفلاحي - قصص ألف ليلة وليلة.. عربية أم فارسية؟

المتتبع لهذه القصص والتي اشتهر الشرق بها لانها ترجمت الى لغات عدة بل قسم يقول انها ذات اصل هندي وقسم يقول انها فارسية وقسم يقول انها عربية وان الرأي العالمي يقر بان قصص الف ليلة وليلة عربية ويؤيد ذلك الراي البورون ( دوساسي ) الذي اعلن بجراة ان الكتاب عربي الاصل للاسباب الاتية:

1- ان جميع او اكثر ابطال الكتاب مسلمون.
2- ان مسرح حوادثه في اكثر الاحيان هو ضفاف دجلة والفرات والنيل.
3- ان مافيه من اشارات الى العلم والسحر قد مارسه العرب.
4- الجن التي جاء ذكرها فيه هي وليدة الاساطير العربية وعليها طابع الاسلامي وهي ترتجف دائما” من اسم سليمان على نحو ما جاء فيه في القران الكريم.
5- الاديان التي ذكرت فيه هي الاسلام والمسيحيه واليهودية والمجوسية.
6- تتضمن قصص الليالي احاديث شتى عن موسى وداود واصناف الذين كانوا مجهولين تماما” من حكام الهند وفارس قبل دخول الاسلام الى هذين البلدين ولايكتفي البارون لما عرضه وعدده بل يتعرض لمناقشة نص المسعودي في مروج الذهب الذي قال ان الليالي مترجمة عن هزار افسان الفارسي فهو يجزم ان نص المسعودي اما منسوب اليه او محرف وان النسخه الاولى من كتاب الف ليلة وليلة قد كتبت في سوريا بلغتها العامية وان مؤلفه لم يتمه لسبب ما فأنشأ الناسخ من بعده يحاولون اكماله اما بأن يضيفون اليه قصص معروفه من قبيل قصة السندباد والوزراء السبعه واما ان يؤلفوا قصصا تختلف في جودتها او رداءتها ويحشونها فيه وهذه الاشياء تمت في مصر وكما لاحظ البارون ذلك لاحظ نفس الشيء احد الاباء اليسوعيين في مقدمتهم لطبعه مهذبة لهذا الكتاب وقد دافع هذا الاب عن عروبة الكتاب بعد ان عرض رأي كل من المسعودي وابن النديم في كتابيهما مروج الذهب والفهرست حيث قالا ان الكتاب مترجم عن الفارسية ولم يكتف باطلاق الحكم بان الكتاب في مجملة عربي بل سبب هذا الرأي تفصيلا” فقال اما مجمل الكتاب فعندنا انه تاليف عربي لا فارسي للاسباب التالية:

1- ان صاحب الفهرست قال في جملة كلامه في الكتاب المنقول عن الفارسية وتناوله الفصحاء والعلماء ونمقوه وهذبوه وصنفوا في معناه ما يشبهه وذلك مما يؤذن ان كتاب الف ليلة وليلة لو افترضنا انه منقول وقد وقع فيه ايضا” بعض التحريف.

حجة قاطعة

2- ان مؤلف الكتاب من المسلمين لامحاله لانك ايا” قرات رايته يعظم دين الاسلام وبعض من دين المجوس وغيره وتلك حجة قاطعة بان الكتاب كان ظهوره بعد الاسلام وانه لم ينقل عن كتاب في عهد الدولة الساسانية او غيرها.

3- انه يكثر ذكر هارون الرشيد وهذا برهان ساطع على ان الحكايات التي ورد فيها ذكره قد الفت من بعد زمان لانه خلفاءه لم يكونوا ليرضوا او ليرتاحوا ان يحط من قدره او ينزل مثل هذا الخليفة العظيم منزلة السفلة والغوغاء.

4- وهل يصح ان نتصور فارسيا” الف حكايات لقومه الفرس لايختار لاغلب اماكنها لا دمشق وبغداد ومصر او ليس ان كثيرا” ذكره للديار المصرية والشامية واتيانه على ما فيها من الاخلاق والعادات التي تكاد من مميزاتها دليل على ان الكتاب مصنف عربي.

5- ان كثير من الحكايات مع ما ادخل فيها المؤلف من التغيير ليست مجهولة النسب ونعلم بالتحقيق الاصلي الماخوذ عنه فأن خبر سونوسه ودانيال مأخوذه من التورات وهكذا يمكن القول عن حكايات اسحاق الموصلي وحاتم الطائي ومعن بن زائده وما اشبه فأنها مأخوذه عن تاليف عربية.

6- ان الاختلافات الواقعه في نسخ الكتاب الخطية وفي طبيعاته سواء اكان ذلك من جهة ترتيب الحكايات واستيفائها او من جهة تنسيق الليالي او من جهة اساليب التعبير في الخبر الواحد كل هذا يدلنا على ان الكتاب على فرض انه نقل عن اصل فارسي فقط تصرف فيه العرب كل على هواه فهو اشبه بسبحه قد تبدلت خرزاتها ولم يبق منها الا خيطها.

7- ان الذين يدعون استنادا” الى كتاب الفهرست ان حكايات الف ليلة وليلة منقولة من الفارسية الى العربية لو امعنوا النظر فيما جاء في النص الذي سنورده لعدلوا عن رأيهم وزعمهم ( قال محمد بن اسحاق ابتدأ ابو عبدالله محمد بن عبدوس الجهشياري صاحب كتاب الوزراء بتاليف كتاب اخر فيه الف سمر من اسمار العرب والعجم والروم وغيرهم كل جزء قائم بذاته ولا يعلق بغيره واحظر المسامرون فاخذ عنهم احسن ما يعرفون ويحسنون واختار من الكتاب المصنفه في الاسمار والخرافات ما يحل بنفسه وكان فاضلا” فأجتمع له من ذلك اربعمائة ليلة وكل ليله سمر تام يحتوي على خمسين ورقة واقل واكثر ثم عالجته المنية قبل استيفاء ما نفسه من تتميمه الف سمره ورأيت من ذلك عدة اجزاء بخط ابي الطيب اخي الشافعي ).

لغة عامية

8- ان عبارة الكتاب ليست عبارة قديمة خالصة وان ماهي تشبه لغة العامية في عصرنا وذلك يرينا انه كتب في ايام العباسيين على حين كانت اللغة في رونقها وكمالها وشبابها ومن الاراء التي تؤيد عروبة هذا الكتاب ما قاله جورجي زيدان وهو يعلق على زمن تأليفه الارجح ان تاليفها على الصوره التي وصلت بها الينا تم بعد القرن العاشر الهجري واكثر تلك الزيادات حدثت في مصر ولعلنا لو اتيح لنا الوقوف على الترجمة الاصلية لهزار افسانا لوجدنا الفرق بينها وبين قصة الف ليلة وليلة كالفرق بين اوديسة هوميروس وايناذا فريجل فان اكثرها منقول عن الاوديسة ومع ذلك فهي تنسب الى فرجيل لهذا السبب يصح ان يقال عن الف ليلة وليلة انها من مؤلفات العرب وان كان بعضها لايزال على اصله الفارسي وكما وصلت الينا الان تمثل الاداب الاجتماعية في القرون الاسلامية الوسطى بل انه لايجوز الشك بان اكثر القصص فيها عربي وانمافيها من اصل عربي يختلف كثيرا” عنما فيها من اصل هندوسي وفارسي بارز كما وصفها بذلك استاذ اللغات الشرقية في ( هيد ليبزغ ) و(مسيو فيل) في مقدمة الطبعة الالمانية لرواية الف ليلة وليلة بحسب النص الشرقي فأن الكتاب وان لم يعز الى شخص ما غير ان حكاياته ما ظهرت الا نتيجة لقريحة شعبنا وفيض ملكات الموهوبين من الناطقين بالعربية اننا لاننكر ان هناك كتابا” اسمه حزار افسان ترجم مع ما ترجم عن اصول هندية وفارسية الا ان مجموعة الف ليلة وليلة وان اختلفت في مصادرها فقط أنتهت الى ان تكون مجموعة جيدة ليست لها صلة باصلها عليها طابع واحد وتكاد تكون ذات وحدة مستقلة عن غيرها فقط محى الاصل الفارسي بما لحقه من التبديل الدائم الذي كان يقوم به الكتاب والروات ارضاء” لذوق الجمهور كما ان نثرها هو نثر القرن الثالث الذي اتسمت مدرسته في الكتابه بالانطلاق الشامل وانطلاق اللفض وانطلاق المعنى ثم اننا لنتسائل ماهذا التشريح لحكاياتها والبحث عن هفوة او كلمة لرد اصولها لغير العرب او ادابهم مع العلم ان اسلوب الليالي وروحها عربيان الا يكون هذا الا لغرض طعننا حتى في حكاياتنا وقصصنا بعد ان تعرض شعرنا الجاهلي للانتحال ونفسيرنا للاسرائيليات ولغتنا للتمحك وما دامت الف ليلة وليلة اقرب في روحها الى الذوق العام العالمي فاليرجع المفرضون اذا” اصوله لغير العرب ولترجع اصول الاصول الى الهندية القديمة والفارسية الفهلوية ولعل سبب ذلك عوامل عدة فلنقرأ ما جاء في مقال الاستاذ علي اصغر وهو يحاول جاهدا” ارجاع اغلب الحكايات الى غير العرب الا القليل فهو يقول في بداية المقال انه من الكتب المشهورة التي تمثل العهود التاريخية السابقة وانه افضل اثر متبقي من اداب الشعوب الشرقية القديمة وانه يضم منذ الفي سنة مزيجا” من لطائف اداب الشعوب القديمة كالهنود والايرانيين والعرب والاتراك ولم يكن هذا الكلام الا ترديدا” لاراء المستشرق الهولندي دوغو وي الذي نشر بحثا” ارجع فيه مقدمة الف ليلة وليلة وقصة استر في التورات الى اسطورة شعبية فارسية قديمة وبحث هذا المستشرق يشير الى الشبه القوي بين شهرزاد واستر وكيف ان كل منهما تطوعت لنجاة بنات جنسها من طاغية ثم وجد نص ابن النديم الذين يشير فيه الى حمى بنت بهمن فبحث في التاريخ الفارسي القديم فوجد ان ام بهمن تسمى استر او ما يشبهها بينما زوج استر بهمن كانت يهودية تسمى شهرزاد واحيانا” دنيازاد ان هذا الرأي لايمكن ان يكون مقبولا” لان مجرد تشابه الاسماء لايحدد اصل الكتاب واصل حكاياتها كما شرحت ذلك الدكتوره سهير القلماوي باعتمادها على بحوث عارضت دوغيه من امثال كوسكان وجاء في خلاصة الرأي ان المسألة فوضى لايمكن ان يعتمد فيها على اي شي وان تشابه الاسماء وتوافقها لايدل على وحده على كثير في باب التحقيق التاريخي وان قصة استر وقصة شهرزاد تختلفان في الخصائص المميزة وان تشاباتها في بعض الصفات الاساسية واننا لو رجعنا الى تاريخ الهند في العصر الاسلامي لوجدنا اسم شهرزاد كان معروفا” بوصفه اسما” لاميرة هندية مسلمة وعلى هذا الا يمكن ان يكون واضع الليالي قد اخذ اسم شهرزاد وشهريار ودنيازاد من اسماء حكمام الهند المسلمين واميرات القصور الهندية ثم ان عبارة الملك السعيد التي ترددها شهرزاد على مسامع الملك شهريار في بداية كل ليلة من الليالي بلغني ايها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد نجدها عند الجاحظ في كتابه في اخلاق الملوك حيث يقول ومن اخلاق الملك السعيد ترك القطوب في المنادمة ومن اخلاق الملك السعيد ان لا يعاقب وهو غضبان ان لا يمكن اعتبار هذا دليلا لغويا على ان الكتاب بعباراته صورة من صور الادب العربي ومن ذلك يتضح ان حكايات الف ليلة وليلة هي عربية في كل ما جاء فيها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى