جعفر الديري - زكريا رضي: القصص القصيرة جدا لمحمد الماجد مُبكِّرة وجديرة بالدراسة

دعا الناقد البحريني زكريا رضي، الباحثين والنقاد، إلى إيلاء تجربة الكاتب البحريني محمد الماجد القصيرة جدا، ما تستحق من دراسة، ووضعها ضمن مسارها التطوري والتاريخي، في دراسة تحول وتطور القصة القصيرة جدا وصولا إلى عصرنا اليوم، لافتا إلى أن هذه التجربة المبكرة عربيا على صعيد كتابة هذا الشكل الفني، لم تستوقف أحدا من النقاد.
وأوضح رضي -خلال محاضرته "القصة القصيرة جدا التاريخ والمصطلح"، ألقاها مؤخرا في أسرة الأدباء والكتاب- أن للماجد قصصا قصيرة جدا نشرت العام ١٩٧٦ في مجلة كتابات، وعنونت بقصص قصيرة جدا. وعلى فرض أن الاسم ( قصص قصيرة جدا... ) هي من وضع الماجد أم من غيره، فالنصوص ذاتها التي كتبت هي بالفعل قصص قصيرة جدا ومحققة لمعايير القصة القصيرة جدا كما هي في عصرنا اليوم.
من جانب آخر، قال رضي: ان البحث في مسار القصة القصيرة جدا تاريخا واصطلاحاً، يتطلب البحث عن جذور ولادة هذا اللون من الفن. وربما تلمس البعض من النقاد أن بداياته الجنينية كانت عند أرنست هيمينغاوي، فقد كتب قصة عنونها بقصة قصيرة جداً "Avery short story". ولهيمينغواي ذاته (تنسب) قصة قصيرة جدا كتبها العام ١٩٤٧ وهي لا تتعدى السطر فكتب ( حذاء طفل للبيع ، لم يلبس قط ).
وأضاف: بالمرور إلى تطور وتحولات هذه الكتابة القصيرة جدا، لا يمكننا إلا الوقوف عند الروائية ناتالي ساروت والتي أصدرت كتابها انفعالات العام ١٩٣٢ بعنوان انفعالات وكتب على غلافه قصص قصيرة جدا. وكانت كل قصة لا تتعدى الصفحة الواحدة من القطع المتوسط... وبتتبع ذلك المسار الفني الذي تنحدر منه ناتالي ساروت، سنعرف أنها أتت من تيار عرف باسم الرواية الجديدة، وهو تيار فني روائي عمل على حصول انقلاب في الشكل التقليدي في الرواية، وإيجاد شكل بديل قائم على خلخلة الزمن.. واللعب في مسار الحبكة وبناء الشخصية بطريقة مغايرة.. ومن تلك البيئة التحديدية خرجت ناتالي ساروت بقصصها القصيرة جدا.
وتابع رضي: مع تقدم الوقت بدأت القصة القصيرة جدا تتحدد وتتأطر.. وابتدأ النقاد يحاولون دراسة هذا الشكل ونمذجته وجعله جنسا كتابيا مستقلا بذاته.. وظهرت دراسات نقدية وأكاديمية في دراسة هذا النمط من الكتابة القصصية. وحددت تلك الدراسات كما هي عند يوسف حطيني وجمال حمداوي القصة القصيرة جدا بمعايير وعناصر فنية تجعل لها شكلا مختلفا ومغايرا منها التكثيف والمفارقة والجمل القصيرة المضغوطة مع الإكثار من الجمل الفعلية على الاسمية وتنكير الشخصيات والمعالم والأمكنة.
وحول الأجناس الأدبية وهوية القصة القصيرة جدا، قال رضي: لعل أكبر إشكالية تواجهنا في موضوع الأجناس الأدبية، وتحديد أن هذا جنس كتابي وذاك ليس بجنسٍ كتابيٍ أو أدبي، هو إشكالية تتمثل في عملية كيف يمكنك أن تصنف هذا الجنس وتضع له معايير وسمات ومحددات مرجعية، وهل وضعك لهذه المعايير والسمات سابقة للمنتج الإبداعي؟ بحيث يكون هذا الأثر هو مرحلة لاحقة على موضوع نمذجة ومعيارية هذا الشكل؟ أم أن الصنف أو الجنس يأتي أولا ثم تأتي سماته ومحدداته ومؤطراته لاحقا؟
وأضاف: تحضرنا هنا مقولة لأدوارد الخراط يقول " *لا أميل إلى وضع تقنيات مسبقة للأعمال الفنية بل أميل إلى استخلاص القوانين من التحليل اللاحق للأعمال* ". ذلك يكشف لنا كمثال كيف وجدت عملية تجنيس الأنماط الكتابية، وجعلها ضمن أجناس وجعل لكل جنس هويته ومرجعيته المعيارية في عملية البحث الطويلة. وأنت لا تحتاج إلى تتبع نموذج أو نموذجين أو عشرة في جنس بعينه، بل أنت تحتاج إلى عملية رصد ضمن حقبة قد تمتد إلى خمسين سنة أو أكثر، لأن الجنس الكتابي المحدد قد يتولد عنه أجناس، وقد يتمرد الجنس الأدبي ذاته على مركزه ومرجعيته ويخرج عليه بشكل جديد.. أضف إلى ذلك أن العملية الاستقرائية ذاتها واستنتاج قاعدة عامة من عدة ظواهر جزئية كي تتوصل لقاعدة كلية، هذه بحد ذاتها إشكالية منطقية فضلا عن أن تكون منطقية. ويقول الفيلسوف ( كارل بوبر ): أن لا مبرر بين أيدينا لاستنتاج فرضيات كلية انطلاقا كن قضايا جزئية مهما كان عددها ( لماذا ) لأن كل استنتاج من هذا القبيل يحتمل الكذب واحتمال كذبه عملية دائمة، فمهما كان عدد البجع الذي في مرمى رصدك هو أبيض لا يمكنك من ادعاء أن كل البجع أبيض.
وتابع رضي: على الأقل بمقدورنا الوقوف على أرضية ثابتة حتى لا يبقى المفهوم رجراجا وهلاميا وغير معرف ليس هناك من حد جامع له. فمن الطبيعي ان تقف في الدراسة النقدية على تحديد هذا الجنس وتحديد إطاره العام وتحديد هويته، وبدون تحديد هويته سيبقى عائما ومتطفلا على الأجناس الأدبية ولا وجه له، ولا يمكنك أن تجد بابا يقودك إليه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى