نوافذ البيوت تنقذها من احتمال تحوّلها إلى قبور، وهي علامة مُفضية إلى العالم الخارجي، فيدخل الضوء والنّور بحريّة تامّة، تجعل التشارك ميّزة بين الدّاخل والخارج. ونطلق عليها شُبّاك إذا شُبِكت واجهتها بالحديد والخشب للحماية من اللّصوص والحراميّة.
وهي إطلالة تفاعليّة ضروريّة لحياة سليمة تستجيب لقيم الطّبع السويّ، فإذا صارت مثارًا للمشاكل فسدّها وإغلاقها هو الأولى لدرء المفسدة وجلب المنفعة.
«أغدًا ألقاك» ضرب من المواعيد بين صديقين أو حبيبين أو غير ذلك، أمّا وأن تأتي العبارة عنوان لمجموعة قصصيّة للأديبة (عنان رضا محروس)، فهذا اختيار موفّق، سيّما وأنّ الفصل الأوّل جاء تحت عنوان نوافذ، توزّع على خمسة نصوص كانت نوافذ مفتوحة أمام القارئ على نماذج إنسانيّة لها اعتبارها الاجتماعيّ المؤتلف ما بين السُّدى واللُّحمَة.
ولا يسعني في إطلالتي هذه إلّا التوقّف أمام نوافذ أغدًا ألقاك، وهي تستثير في نفسي رغبة سبر ما خلفها مما هو محجوب مخفيّ عنّي.
- النّافذة الأولى: تصدّرتها عبارة تقول: (لا يغفو قلب الأب، إلّا بعد أن تغفو جميع القلوب) -ريشيليو-. ولكنّ قلب الابن الغافل غفا أمام جبروت زوجته القاسية فلم لزوجها الخيار في ردّ شيء من حقّ أبيه السبعينيّ العاجز عليه.
فكان «يرقب الطّرقات.. وكأن فيها انعتاق روحه من قيد أتعبه سنينًا.. ستائر تافذته الرّثّة تحجب عنه بعض الرّؤيا.. فتبعدها يده المرتجفة بصعوبة».
الذي سمع بأمر ظالم يُخرجه من بيته إلى دار العجزة. فتوقّف قلبه الضّعيف حزنًا وكمدًا من ظلم لا يستطيع دفعه عن نفسه في مثل هذا العمر الوَهِن، وصار ذكرى منسيّة من قلب ابنه العاقّ.
- النّافذة الثانية، تصدّرتها عبارة غاندي: «الرٍجل.. ما هو إلّا نتاج أفكاره .. بما يُفكّر، يصبح عليه»، لنرى نموذجًا بشريًا مختلف تمامًا بانحراف سلوكيّ مُتلاعب بعواطف الآخرين خاصّة من الجنس اللّطيف لا يرعوي ذمّة ولا خُلُقا، وقد أضاع بوصلته وانطلق بتوحشّه خاليًا من بقايا ضمير، وهو يغسل خطاياه بدموع الضحايا. وكل جرائمه جاءت عبر النّافذة: «عند نافذة قريبة أضواؤها خافتة، وقف رجلٌ وسيمٌ مُصاب بأنيميا حبٍّ مُزمن لا شفاء منه. الجزء الأعلى من جسمه يظهر من النّافذة، ويختفي الجزء الأسفل تحت حافّتها، وقف يُلوّح بلهفة عاشق لصبيّة جميلة، نافذتها تًقابل نافذته».
- أمّا النّافذة الثالثة، فقد تصدّرتها عبارة غاندي ثانية: «ساعة الغضب ليس لها عقارب»، ومنها نرى حال الزوجة المخلصة مقابل زوج غير قانع بما لديه، فيهيم ضياعًا في دروب بائعات الهوى خيانة لأمانة الحياة الزوجيٍّة. «لماذا ننسى قيمة عندما تكون لنا.. نغالط أنفسنا ونطارد الوهم». فماذا يكون انعكاس ذلك على الزوجة: «ينعكس خيال صورتها على زجاج النّافذة، فتستغرب ما ترى..!!. تحوّل وجهها الملائكيّ إلى مخلوق بشع». من المؤكّد صدق حديث المرايا، فهو حقيقة مجرّدة بلا رتوشات مّزوّقة.
- وعند النّافذة الرابعة نجد أنّ: «المصائب نوعان: حظٌّ عاثر يصيبنا، وحظٌّ حسنٌ يصيب الآخرين» جاء ذلك على لسان -أمبيروسبيرس- لنتوقّف أمام حالة فريدة حقيقة، أرملة شهيد تعمل تحت غطاء اللّيل راقصة في مرابع السّمر، لتقوم بتربية أولادها عندما ضاقت في وجهها سُبُل العيش، وتُخفي عن أولادها الصّغار الذين ينتظرون عودتها دقيقة بدقيقة، وقد أدمنوا ذلك: «من بعيد رأت ضوءًا ينبعث من نافذتها، وثلاثة أزواج من عيون بريئة، تسعى هي بكلّ قوّتها لإبقائها حُرّة أبيّة.. ذات يوم جلست قرب نافذتها.. وامتدّ نظرها إلى الشّارع المُعتِم، وكأنّ الطّرقات المفتوحة هي السجن والعزلة، وجدران بيتها هي الانعتاق والحريّة».
- النافذة الخامسة والأخيرة، تصّدرتها مقولة الشّاعر محمود درويش: «لا أستطيع الذّهاب إليكِ.. ولا أستطيعُ الرّجوع إلي». وقضية السّاعة في الزواج العُرفي خارج إطار القانون النّاظم للحقوق والواجبات، ف «قطرات من النّدى على زجاج النّافذة زادت من غبَش الرّؤية.. لأنثى تنتظر وصوت أذان الفجر يُبشّر بيوم جديد».
صور عديدة جاءت بها القاصّة والروائيّة عنان محروس في ثوب شديدة البياض بنقائه الشفيف عن حسّ مليء بضميره اليقظ ذي النّزعة الإصلاحيّة في إطار خُلُقيّ متين، سلطّت الضوء على معاناة ومآسي اجتماعيٍّة خطيرة تحيق بفئات من النّاس وهم بحاجة ليد العوْن تمتدّ لانتشالهم إلى برّ الأمان.
عمان – الأردن
6 /1 /2019
وهي إطلالة تفاعليّة ضروريّة لحياة سليمة تستجيب لقيم الطّبع السويّ، فإذا صارت مثارًا للمشاكل فسدّها وإغلاقها هو الأولى لدرء المفسدة وجلب المنفعة.
«أغدًا ألقاك» ضرب من المواعيد بين صديقين أو حبيبين أو غير ذلك، أمّا وأن تأتي العبارة عنوان لمجموعة قصصيّة للأديبة (عنان رضا محروس)، فهذا اختيار موفّق، سيّما وأنّ الفصل الأوّل جاء تحت عنوان نوافذ، توزّع على خمسة نصوص كانت نوافذ مفتوحة أمام القارئ على نماذج إنسانيّة لها اعتبارها الاجتماعيّ المؤتلف ما بين السُّدى واللُّحمَة.
ولا يسعني في إطلالتي هذه إلّا التوقّف أمام نوافذ أغدًا ألقاك، وهي تستثير في نفسي رغبة سبر ما خلفها مما هو محجوب مخفيّ عنّي.
- النّافذة الأولى: تصدّرتها عبارة تقول: (لا يغفو قلب الأب، إلّا بعد أن تغفو جميع القلوب) -ريشيليو-. ولكنّ قلب الابن الغافل غفا أمام جبروت زوجته القاسية فلم لزوجها الخيار في ردّ شيء من حقّ أبيه السبعينيّ العاجز عليه.
فكان «يرقب الطّرقات.. وكأن فيها انعتاق روحه من قيد أتعبه سنينًا.. ستائر تافذته الرّثّة تحجب عنه بعض الرّؤيا.. فتبعدها يده المرتجفة بصعوبة».
الذي سمع بأمر ظالم يُخرجه من بيته إلى دار العجزة. فتوقّف قلبه الضّعيف حزنًا وكمدًا من ظلم لا يستطيع دفعه عن نفسه في مثل هذا العمر الوَهِن، وصار ذكرى منسيّة من قلب ابنه العاقّ.
- النّافذة الثانية، تصدّرتها عبارة غاندي: «الرٍجل.. ما هو إلّا نتاج أفكاره .. بما يُفكّر، يصبح عليه»، لنرى نموذجًا بشريًا مختلف تمامًا بانحراف سلوكيّ مُتلاعب بعواطف الآخرين خاصّة من الجنس اللّطيف لا يرعوي ذمّة ولا خُلُقا، وقد أضاع بوصلته وانطلق بتوحشّه خاليًا من بقايا ضمير، وهو يغسل خطاياه بدموع الضحايا. وكل جرائمه جاءت عبر النّافذة: «عند نافذة قريبة أضواؤها خافتة، وقف رجلٌ وسيمٌ مُصاب بأنيميا حبٍّ مُزمن لا شفاء منه. الجزء الأعلى من جسمه يظهر من النّافذة، ويختفي الجزء الأسفل تحت حافّتها، وقف يُلوّح بلهفة عاشق لصبيّة جميلة، نافذتها تًقابل نافذته».
- أمّا النّافذة الثالثة، فقد تصدّرتها عبارة غاندي ثانية: «ساعة الغضب ليس لها عقارب»، ومنها نرى حال الزوجة المخلصة مقابل زوج غير قانع بما لديه، فيهيم ضياعًا في دروب بائعات الهوى خيانة لأمانة الحياة الزوجيٍّة. «لماذا ننسى قيمة عندما تكون لنا.. نغالط أنفسنا ونطارد الوهم». فماذا يكون انعكاس ذلك على الزوجة: «ينعكس خيال صورتها على زجاج النّافذة، فتستغرب ما ترى..!!. تحوّل وجهها الملائكيّ إلى مخلوق بشع». من المؤكّد صدق حديث المرايا، فهو حقيقة مجرّدة بلا رتوشات مّزوّقة.
- وعند النّافذة الرابعة نجد أنّ: «المصائب نوعان: حظٌّ عاثر يصيبنا، وحظٌّ حسنٌ يصيب الآخرين» جاء ذلك على لسان -أمبيروسبيرس- لنتوقّف أمام حالة فريدة حقيقة، أرملة شهيد تعمل تحت غطاء اللّيل راقصة في مرابع السّمر، لتقوم بتربية أولادها عندما ضاقت في وجهها سُبُل العيش، وتُخفي عن أولادها الصّغار الذين ينتظرون عودتها دقيقة بدقيقة، وقد أدمنوا ذلك: «من بعيد رأت ضوءًا ينبعث من نافذتها، وثلاثة أزواج من عيون بريئة، تسعى هي بكلّ قوّتها لإبقائها حُرّة أبيّة.. ذات يوم جلست قرب نافذتها.. وامتدّ نظرها إلى الشّارع المُعتِم، وكأنّ الطّرقات المفتوحة هي السجن والعزلة، وجدران بيتها هي الانعتاق والحريّة».
- النافذة الخامسة والأخيرة، تصّدرتها مقولة الشّاعر محمود درويش: «لا أستطيع الذّهاب إليكِ.. ولا أستطيعُ الرّجوع إلي». وقضية السّاعة في الزواج العُرفي خارج إطار القانون النّاظم للحقوق والواجبات، ف «قطرات من النّدى على زجاج النّافذة زادت من غبَش الرّؤية.. لأنثى تنتظر وصوت أذان الفجر يُبشّر بيوم جديد».
صور عديدة جاءت بها القاصّة والروائيّة عنان محروس في ثوب شديدة البياض بنقائه الشفيف عن حسّ مليء بضميره اليقظ ذي النّزعة الإصلاحيّة في إطار خُلُقيّ متين، سلطّت الضوء على معاناة ومآسي اجتماعيٍّة خطيرة تحيق بفئات من النّاس وهم بحاجة ليد العوْن تمتدّ لانتشالهم إلى برّ الأمان.
عمان – الأردن
6 /1 /2019