بيننا ترقد هذه المرأة, بيننا تتردد أنفاسها الحارقة كحائط عال وسور من الأشواك. أمد يدي إليه, تتسلل أصابعي من تحت السور, تسيل دمائي على الأشواك وهي واقفة في المنتصف تنفث دخانها وأنفاسها الحارقة, عيناها الشاخصتان تحترقان ببريق غامض, شعرها المنفوش يطل ألسنة من نار, عظامها البارزة عند الكاحل ورجلاها تمتدان كالمخالب, كلما حاولت أن أمد ذراعي إلى ذراعيه خمشتني فأرتد حاسرة الطرف, كلما امتد إصبعي إلى الشوك توقدت عيناها ومع كل انسيال لدمي تبتسم.
هاهو يتقلب في فراشه يكاد يفتح عينيه, يكلمني, وهاهي تلقي على بصره أغطية كثيفة فيستدير, يوليني ظهره ولا يعود ينظر ناحيتي ,وإذا انصرف عني تبتسم, تتسع ابتسامتها, تصبح ضحكة, ضحكة عالية ساخرة ترن رنيناً متواصلاً تجتذب الغربان والحدآن.
تقترب, تنهش أصابعي, تنزع أظفاري, تلقيها بعيداً, وهي من عليائها تبسط يديها على مخدعنا, تقذفني بالجمر المشتعل, يتطاير الشرر, تفرد منديلها الأسود, تطرحه على بدنه, وتترك بدني محترقاً بالجمر.
في جرابها مفاتيح تصلصل, يدها الخشنة تدير أكبر مفتاح رأيته في حياتي, مفتاح نحاسي يعلوه اخضرار الصدأ, تكشف بدنه, تقلبه, تمد يدها إلى قلبه, تغلقه بمفتاحها النحاسي, تلعق اخضرار الصدأ, يرن قلبه رنيناً أجوف, تجاوبه سائر الأعضاء بالصمت والسكون, مدت يدها إلى يمامتي, أفزعتها فطارت, تركت بيضتها الدافئة وعلى جوانبها دم أحمر ساخن يسيل, مدت يدها إلى البيضة فكسرتها, دحرجت رأسها وهي تصطنع من قشر البيضة كأساً شربته بصفاره وبياضه ودمه دفعة واحدة, سال على جوانب فمها زبد البيض والدم. على رأسه وضعت إبريقاً, وعلى رأسي نثرت هشيم أباريق صغيرة, أجمع أجزاءها الزرقاء وأبكي, لكل إبريق عندي منزلة خاصة, أنفث في قطع الفخار ألمي, يشرب الفخار دمي وأنفاسي, بدمي يرتوي فيلتئم, أجمع كسوره, أجزاءه المهشمة تلتئم جراح الأباريق, تستوي بين يدي, على جدرانها تسيل بقايا دمي, التفتت من عليائها, أبصرتها, ألقت بمنديلها الأسود على الأباريق فاستحال المنديل ناراً, أرتعد, النار تحيط بالأباريق من كل جانب, قلبي يكتوي, ولكن الأباريق تصطلي, تبرق, تأخذ عوارضها في الاستدارة, وتتشكل ثناياها بالبريق, في النار تحترق تصطلي فتبرق, حول نفسها وحولنا تدور, الأباريق من نار ونور وهي من بعيد تتلاشى, تبتعد, تبتعد, الأباريق ترقص وعلى موسيقاها يستيقظ.. يسأل: (نمت طويلاً... أليس كذلك?!) فقلت: بلى... نمت طويلاً يا عزيزي... أطول مما يجب!!
[SIZE=3]
عزة بدر مجلة العربي سبتمبر 2001[/SIZE]
هاهو يتقلب في فراشه يكاد يفتح عينيه, يكلمني, وهاهي تلقي على بصره أغطية كثيفة فيستدير, يوليني ظهره ولا يعود ينظر ناحيتي ,وإذا انصرف عني تبتسم, تتسع ابتسامتها, تصبح ضحكة, ضحكة عالية ساخرة ترن رنيناً متواصلاً تجتذب الغربان والحدآن.
تقترب, تنهش أصابعي, تنزع أظفاري, تلقيها بعيداً, وهي من عليائها تبسط يديها على مخدعنا, تقذفني بالجمر المشتعل, يتطاير الشرر, تفرد منديلها الأسود, تطرحه على بدنه, وتترك بدني محترقاً بالجمر.
في جرابها مفاتيح تصلصل, يدها الخشنة تدير أكبر مفتاح رأيته في حياتي, مفتاح نحاسي يعلوه اخضرار الصدأ, تكشف بدنه, تقلبه, تمد يدها إلى قلبه, تغلقه بمفتاحها النحاسي, تلعق اخضرار الصدأ, يرن قلبه رنيناً أجوف, تجاوبه سائر الأعضاء بالصمت والسكون, مدت يدها إلى يمامتي, أفزعتها فطارت, تركت بيضتها الدافئة وعلى جوانبها دم أحمر ساخن يسيل, مدت يدها إلى البيضة فكسرتها, دحرجت رأسها وهي تصطنع من قشر البيضة كأساً شربته بصفاره وبياضه ودمه دفعة واحدة, سال على جوانب فمها زبد البيض والدم. على رأسه وضعت إبريقاً, وعلى رأسي نثرت هشيم أباريق صغيرة, أجمع أجزاءها الزرقاء وأبكي, لكل إبريق عندي منزلة خاصة, أنفث في قطع الفخار ألمي, يشرب الفخار دمي وأنفاسي, بدمي يرتوي فيلتئم, أجمع كسوره, أجزاءه المهشمة تلتئم جراح الأباريق, تستوي بين يدي, على جدرانها تسيل بقايا دمي, التفتت من عليائها, أبصرتها, ألقت بمنديلها الأسود على الأباريق فاستحال المنديل ناراً, أرتعد, النار تحيط بالأباريق من كل جانب, قلبي يكتوي, ولكن الأباريق تصطلي, تبرق, تأخذ عوارضها في الاستدارة, وتتشكل ثناياها بالبريق, في النار تحترق تصطلي فتبرق, حول نفسها وحولنا تدور, الأباريق من نار ونور وهي من بعيد تتلاشى, تبتعد, تبتعد, الأباريق ترقص وعلى موسيقاها يستيقظ.. يسأل: (نمت طويلاً... أليس كذلك?!) فقلت: بلى... نمت طويلاً يا عزيزي... أطول مما يجب!!
[SIZE=3]
عزة بدر مجلة العربي سبتمبر 2001[/SIZE]