اليوم سأستعير وصف قرامشي للمثقف المنخرط في هواجس جماعته ؛ الذي يفكر فيها والذي يكون فاعلا عبر وعيه المستنير.
في مقابل المثقف الفاعل أو العضوي ؛ هناك الأحمق العضوي ؛ وفي رأيي أن دور الأحمق العضوي ظل منذ انبثاق فجر الانسان العاقل وحتى اليوم أهم كثيرا من المثقف العضوي. بل لا أكون مغاليا إن قلت أنه إذا كانت فاعلية الأحمق العضوي لا تعتمد بتاتا على وجود المثقف العضوي ؛ فإن فاعلية هذا الأخير تدور وجودا وعدما مع وجود الأحمق العضوي.
وتوصيفا لدور الأحمق العضوي بلا مغالاة ولا تضخيم يمكنني القول بملء فمي ؛ إن تاريخنا البشري لم يكتبه الأباطرة ولا الأنبياء ولا قيادات الجيوش ؛ بل كتبه ذلك الكائن المنزوي في الظلام .. ذلك الكائن الذي لا يسعى أبدا إلى مجده الشخصي ، ذلك المتفاني في تحقيق طموحات الآخرين دون أن يملك هو أدنى طموح يذكر ؛ ذلك المسمى بالأحمق العضوي.
إن مقالي هذا هو رد اعتبار للأحمق العضوي ، وتوثيق للبطل الحقيقي الذي محا الابطال الزائفون كل منجزاته ونسبوا نتائجها لأنفسهم زورا وبهتانا وتزييفا للتاريخ.
ليس هرقل ولا الاسكندر الأكبر ولا قسطنطين ولا حتى الأنبياء ولا جورج بوش ولا صدام حسين ولا غيرهم هم الأبطال. فهؤلاء وغيرهم ما كان لهم أبدا أن يبرزوا إلى سطور مدونات التاريخ ونقوشه على المسلات والجبانات والأهرامات لولا ذلك الأحمق العضوي.
ولولا الأحمق العضوي لما تشكلت الحضارات والثقافات ولما استطاعت أن تخوض صراعات الهيمنة الأزلية فيما بينها ؛ ولتحجر العالم الانساني في نسقه الذي وجد عليه. وعلى هذا الأساس ؛ إذا كان تشكل الحضارات تأسس على وجود ذلك الأحمق العضوي فهذا -وباللزوم- يستدعي أن نقول بملء أفواهنا ؛ أنه لولا الأحمق العضوي لما تطورت العلوم لما هو عليه الآن ولما كنا ننعم اليوم بنعمة التكنولوجيا ؛ وأخيرا لما كنتم ستشترون زمنكم بقراءة هذا المقال الجدير بالاهتمام.
نعم يا سادة ؛ ربما ؛ وبالفقرات السابقة استطعتم أن تستشفوا أهمية الأحمق العضوي ، ربما تجلت أمامكم تلك الحقيقة التي لا مراء فيها وربما لا زالت مشوشة وإن كنتم تتلمسونها من السطح.
لكن؛
دعوني أخبركم ؛ بأنني لن أشرح الأمر باسترسال وتفصيل. فالأمر لا يحتاج إلى الكثير من الذكاء لآكتشاف حقيقة كانت دائما أمام أعيننا... وكنا دائما نتعامى عن رؤيتها.
إنني سأطرح أمامكم سؤالا يتيما وبائسا بل ويحمل إجابته المقتضبة في فحواه بحيث لا تحتاج إلى تفكير طويل ولا تأمل عميق. والسؤال هو:
هل كان الاسكندر الأكبر قادرا على غزو بلاد فارس والهند هو وكبار قواد جيشه المنتفعين من كافة الانتصارات بدون وجود جندي أحمق لا ينال سوى لقمة جافة تسد جوعه على مضض ليتقدم الحروب فاتحا صدره للموت. قيسوا على ذلك كل جنود العالم الذين يقاتلون من أجل دكتاتوريات او حتى آيدولوجيات لا يفقهون منها شيئا. اسألوا اي جندي سوفيتي عن معنى الشيوعية وسوف يتلجلج ويدق عليه الأمر. اسألوا أي جندي أمريكي عن سبب غزو العراق؟ وسوف ينظر لك بحيرة وإذا كان أكثر من ذلك وعيا فسينطق بكلمة واحدة (الحرية) كما سمعها بالضبط من محطة ال CNN ؛ لكنه أبدا لم يبحث عن معنى تلك الكلمة في فلسفات هيجل وكانط وديكارت وغيرهم. اسألوا أي قاتل يدافع عن نظام قمعي دكتاتوري إرهابي ؛ لماذا تدافع عن هذا القائد ، سوف يقف مشدودا كاسطوانة الغاز وصامتا كصبار الصحراء. إن الأحمق العضوي هذا يا قوم هو من حرر الشعوب المضطهدة واضطهد الشعوب الحرة واحتل الشعوب وحرر الشعوب المحتلة وفرض الأيدولوجيات وفرض الأيدولوجيات المقابلة لها دون أن يفهم أبدا لماذا يفعل كل ذلك ومن أجل من؟ إن الأحمق العضوي هو الذي يتحرك في أي اتجاه يتم وضعه فيه ويقاتل كل من تشر إليه بأنه عدو ؛ إنه لا يعرف من هو عدوه أساسا ؛ ولا يعرف كيف ولماذا يطلق رصاصته عليه. وفي الوقت الذي يبتسم فيه أصحاب الطموحات الكبرى حين يجدون حمقى عضويين ليقاتلوا من أجل طموحاتهم بدلا عنهم ستجد أن مجموعات الحمقى العضويين تتقاتل قتال الضباع بلا هدف محدد سوى القتال الذي وجهوا إليه. إن الفلاسفة الأخلاقيين أنفسهم لم يكتبوا فلسفاتهم هذه إلا ليشرعنوا الحماقة العضوية من حولهم. بل ولا أكون مغاليا إن قلت بأن كافة الأطروحات الأيدولوجية (مادية كانت أو روحية) إنما سعت بكل شكل لبناء قاعدتها على جماجم الحمقى العضويين.
إن الشرطي الذي يرتدي خوذته ويضرب المتظاهرين هو الذي يكتب مزيدا من العمر لحياة الدكتاتور ، وهو الذي ينقش تاريخ الأنظمة القمعية بدمائه بلا سبب. والجندي الذي يخوض حربا لا يعلم كنهها ولا سببها ولا غايتها هو في الواقع من يقرر منح الضابط الأعلى نيشان الفروسية ونوط الاستحقاق من الدرجة الأولى ثم يعود هو ليعمل خادما تحت إمرة ذلك الضابط. إن الأحمق العضوي ليس خالصا من كل منفعة أو مصلحة خاصة به ؛ لكن مصلحته لا تتكافأ أبدا وما يبذله من جهد وحياة. إنه يتفانى تفاني الأب المخلص لابنائه دون أن يسأل أبدا.. لماذا يضغط على زناد البندقية أو يتلقى رصاصة على رأسه.
فطوبى للأحمق العضوي..
في مقابل المثقف الفاعل أو العضوي ؛ هناك الأحمق العضوي ؛ وفي رأيي أن دور الأحمق العضوي ظل منذ انبثاق فجر الانسان العاقل وحتى اليوم أهم كثيرا من المثقف العضوي. بل لا أكون مغاليا إن قلت أنه إذا كانت فاعلية الأحمق العضوي لا تعتمد بتاتا على وجود المثقف العضوي ؛ فإن فاعلية هذا الأخير تدور وجودا وعدما مع وجود الأحمق العضوي.
وتوصيفا لدور الأحمق العضوي بلا مغالاة ولا تضخيم يمكنني القول بملء فمي ؛ إن تاريخنا البشري لم يكتبه الأباطرة ولا الأنبياء ولا قيادات الجيوش ؛ بل كتبه ذلك الكائن المنزوي في الظلام .. ذلك الكائن الذي لا يسعى أبدا إلى مجده الشخصي ، ذلك المتفاني في تحقيق طموحات الآخرين دون أن يملك هو أدنى طموح يذكر ؛ ذلك المسمى بالأحمق العضوي.
إن مقالي هذا هو رد اعتبار للأحمق العضوي ، وتوثيق للبطل الحقيقي الذي محا الابطال الزائفون كل منجزاته ونسبوا نتائجها لأنفسهم زورا وبهتانا وتزييفا للتاريخ.
ليس هرقل ولا الاسكندر الأكبر ولا قسطنطين ولا حتى الأنبياء ولا جورج بوش ولا صدام حسين ولا غيرهم هم الأبطال. فهؤلاء وغيرهم ما كان لهم أبدا أن يبرزوا إلى سطور مدونات التاريخ ونقوشه على المسلات والجبانات والأهرامات لولا ذلك الأحمق العضوي.
ولولا الأحمق العضوي لما تشكلت الحضارات والثقافات ولما استطاعت أن تخوض صراعات الهيمنة الأزلية فيما بينها ؛ ولتحجر العالم الانساني في نسقه الذي وجد عليه. وعلى هذا الأساس ؛ إذا كان تشكل الحضارات تأسس على وجود ذلك الأحمق العضوي فهذا -وباللزوم- يستدعي أن نقول بملء أفواهنا ؛ أنه لولا الأحمق العضوي لما تطورت العلوم لما هو عليه الآن ولما كنا ننعم اليوم بنعمة التكنولوجيا ؛ وأخيرا لما كنتم ستشترون زمنكم بقراءة هذا المقال الجدير بالاهتمام.
نعم يا سادة ؛ ربما ؛ وبالفقرات السابقة استطعتم أن تستشفوا أهمية الأحمق العضوي ، ربما تجلت أمامكم تلك الحقيقة التي لا مراء فيها وربما لا زالت مشوشة وإن كنتم تتلمسونها من السطح.
لكن؛
دعوني أخبركم ؛ بأنني لن أشرح الأمر باسترسال وتفصيل. فالأمر لا يحتاج إلى الكثير من الذكاء لآكتشاف حقيقة كانت دائما أمام أعيننا... وكنا دائما نتعامى عن رؤيتها.
إنني سأطرح أمامكم سؤالا يتيما وبائسا بل ويحمل إجابته المقتضبة في فحواه بحيث لا تحتاج إلى تفكير طويل ولا تأمل عميق. والسؤال هو:
هل كان الاسكندر الأكبر قادرا على غزو بلاد فارس والهند هو وكبار قواد جيشه المنتفعين من كافة الانتصارات بدون وجود جندي أحمق لا ينال سوى لقمة جافة تسد جوعه على مضض ليتقدم الحروب فاتحا صدره للموت. قيسوا على ذلك كل جنود العالم الذين يقاتلون من أجل دكتاتوريات او حتى آيدولوجيات لا يفقهون منها شيئا. اسألوا اي جندي سوفيتي عن معنى الشيوعية وسوف يتلجلج ويدق عليه الأمر. اسألوا أي جندي أمريكي عن سبب غزو العراق؟ وسوف ينظر لك بحيرة وإذا كان أكثر من ذلك وعيا فسينطق بكلمة واحدة (الحرية) كما سمعها بالضبط من محطة ال CNN ؛ لكنه أبدا لم يبحث عن معنى تلك الكلمة في فلسفات هيجل وكانط وديكارت وغيرهم. اسألوا أي قاتل يدافع عن نظام قمعي دكتاتوري إرهابي ؛ لماذا تدافع عن هذا القائد ، سوف يقف مشدودا كاسطوانة الغاز وصامتا كصبار الصحراء. إن الأحمق العضوي هذا يا قوم هو من حرر الشعوب المضطهدة واضطهد الشعوب الحرة واحتل الشعوب وحرر الشعوب المحتلة وفرض الأيدولوجيات وفرض الأيدولوجيات المقابلة لها دون أن يفهم أبدا لماذا يفعل كل ذلك ومن أجل من؟ إن الأحمق العضوي هو الذي يتحرك في أي اتجاه يتم وضعه فيه ويقاتل كل من تشر إليه بأنه عدو ؛ إنه لا يعرف من هو عدوه أساسا ؛ ولا يعرف كيف ولماذا يطلق رصاصته عليه. وفي الوقت الذي يبتسم فيه أصحاب الطموحات الكبرى حين يجدون حمقى عضويين ليقاتلوا من أجل طموحاتهم بدلا عنهم ستجد أن مجموعات الحمقى العضويين تتقاتل قتال الضباع بلا هدف محدد سوى القتال الذي وجهوا إليه. إن الفلاسفة الأخلاقيين أنفسهم لم يكتبوا فلسفاتهم هذه إلا ليشرعنوا الحماقة العضوية من حولهم. بل ولا أكون مغاليا إن قلت بأن كافة الأطروحات الأيدولوجية (مادية كانت أو روحية) إنما سعت بكل شكل لبناء قاعدتها على جماجم الحمقى العضويين.
إن الشرطي الذي يرتدي خوذته ويضرب المتظاهرين هو الذي يكتب مزيدا من العمر لحياة الدكتاتور ، وهو الذي ينقش تاريخ الأنظمة القمعية بدمائه بلا سبب. والجندي الذي يخوض حربا لا يعلم كنهها ولا سببها ولا غايتها هو في الواقع من يقرر منح الضابط الأعلى نيشان الفروسية ونوط الاستحقاق من الدرجة الأولى ثم يعود هو ليعمل خادما تحت إمرة ذلك الضابط. إن الأحمق العضوي ليس خالصا من كل منفعة أو مصلحة خاصة به ؛ لكن مصلحته لا تتكافأ أبدا وما يبذله من جهد وحياة. إنه يتفانى تفاني الأب المخلص لابنائه دون أن يسأل أبدا.. لماذا يضغط على زناد البندقية أو يتلقى رصاصة على رأسه.
فطوبى للأحمق العضوي..