" اشتغلت مع كتبي بطريقة إنو أنا ما بتعامل مع قارئ أبله أو ساذج أو بقدر أنا بضحك عليه، دائمًا حطيت قدام عيني في قارئ أفهم مني وأذكى مني ما بقدر أضحك عليه "
" سليم بركات "
لطالما كرهتُ التملُّق والمحاباة والمخاتلة، إزاء موضوعات تتطلب الحد الأقصى من الانفتاح والمجابهة، حول قضايا إنسانية في الصميم. والكتابة صنعة إنسانية. إنها ذاكرة البشرية المسجَّلة، والأدب نزيف الروح البشرية على الورق. أيريد هؤلاء المتملقون، المحابون، المخاتلون في الكتابة عموماً، والأدب خصوصاً، أن نتنكر لحرارة هذا النزْف، لرقة هذا القرطاس الذي يُستنسَخ بدوره من نياط قلوبنا، كأن نسمّيه ماء مستنقعاً، والقرطاس كأن نسميه ورقاً مستهلَكاً ؟
أشدّد هنا على الكاتب: الروائي والشاعر الكردي السوري المبدع، أي على المبدع باسمه فقط: سليم بركات. لقد وصفتُه بالمبدع،وهو يليق به بحق، لكن ذلك لا يعني أن أقصيه عن قانون التعامل البشري في التاريخ، أن أعتبره كائناً ليس في مقدور أحد أن يتفهم كتابته، ليس في إمكان أي كان أن يقول له ولو في حركة منه، أن ثمة " اعوجاجاً في ظلك " كما يتردد في لغتنا الكردية. لا بد أنه هو نفسه لا يقبلها هكذا، وإن كان يستهويه قول كهذا، كما أقدّر، كوني لم أسمع، لم أقرأ في أي مكان ما يشبه تحفظاً من هذا النوع إزاء كم كبير من الكتابات المدائحية وليس النقدية تلك التي تتعلق بكتاباته.
لا أكثر من هؤلاء القرّاء، الكتّاب القراء الذي يتملقونه، أو يتعرضون له زلفى، أو ينبرون في مظهر المدافعين عنه، والظاهرين على أنهم خير من يفهمونه، خير من يعرفون ظاهر حرفه وباطنه، أو خفيَّه وعلنيه، كما تقول كتاباتهم، هذا فيما إذا كانت كتابات، إن نظرنا إليها نوعياً، ويأتي في الصدارة قرّاؤه الكرد ممن يحسنون التعبير والكتابة بالعربية، لكنهم، وهم يتحدثون عنه، وهم يكتبون عنه، إنما يتظللون بمن يسبقونهم في ذلك من الكتّاب العرب إجمالاً، فيكون أولئك/ هؤلاء الكتاب: القراء الكرد مقهورين حتى النخاع، لأنهم يتلمسون في سليم بركات، ربما، ما لم يجده هو نفسه في ذاته، طالما أنه في عملية البحث المستمر عنها، باعتباره يشكّل بطريقته ، تنفيساً لهم عن قهرهم الفسيفسائي، فيكون القراء : الكتاب العرب أصدق إذ يتعرضون له، وهو " يفتنهم " كما هو مستخلَص الكثير مما يقولون ويسطّرون، في لغتهم، وهو " يهديهم " إلى سواء لغة غير معهودة، وهو يشير إلى ما يشبه " جزة اللغة العربية الذهبية "، وأنها ستكون بخير، مادام هناك من يتبصر خيراً في وجوده، ويعيش وجوداً حياً، وجود " الدازاين " بمفهومه الهيدجري.
ولم أكتب مقالي هذا، إلا لأنني من متابعي المبدع بركات، إنما بصفته من لحم ودم، وأنه كائن ينتمي إلى نهر هيراقليطس، ليس فيه ما يثبت على حاله، وليس فيه ما يكون معصوماً عن الخطأ، وقد نشرت عنه كتاباً، قبل أكثر من عقد زمني، إلى جانب مقالات مختلفة، لأتعلم مما يكتب، إنما لأتعلم كيف أنظر إلى ما يكتب على أن نصوصه ليست مجردة من التصدعات أو الثغرات، وإلا لانتهى أمر التعلم، والعلم، لا بل لما كان للقراءة أو الكتابة من معنى .
غير أن الذين يقرأونه أو له، ويكتبون عنه، ومن " كرده " خصوصاً، يشكّلون نوعاً من كهنة الحراسة على نصوصه، ويعتبرون كل من يقلّل من قيمة نص ما له على أنه إهانة للكرد عموماً، لهم جميعاً. يا للغباء المستطير !
تُرى، كيف يمكن لسليم بركات أن يبدع في نصوصه " ولا أقول يكتب نصوصاً إعجازية " ويقدّمها لقرائه، ويعتبر نفسه في مأمن من كل نقد " رجيم " أو " عليم "، من نقد " آثم " لأن ليس هناك من نص " آثم " مسبقاً، بما أنه ينتسب إلى الوجود وموقَّع عليه من قبل موجود، لا يمثّل كلّية الوجود؟ وهو نفسه يردد في أكثر من حوار معه، على أنه ينصب فخاخاً لقارئه، أو يعتبر القارىء أذكى منه " كما أوردتُ مقتطفاً من حوار معه في المستهل، وهو بالعامّية ". سوى أن الذي ثبت ويثبت " بالدليل القاطع " أن هناك خيبة أمل، أو ما يخالف محتوى كلام بركات: إنه لا ينصب فخاخه لقرائه، إنما هناك قراء يقبلون على قراءته بنوع من الاستهواء والمشيخية المنشودة. فالفخاخ تنصَب للبرّي، للطليق نوعاً ما، أما هنا، فكيف تنصَب فخاخ لمن يتهاوى على عتبة باب " نصه " وبقيافة سبحانية " سبحانك يا بركات " ؟ أأجدّف هنا ؟
وبذلك أيضاً، فإن خيبة بركات، إن أمعنا النظر في تقديره، تكون كبيرة، أي يعدَم وجود قارىء ذكي " إلا إذا اعتبر ما يقرّا وينشَر علامة فارقة لهذا النوع الغريب من الذكاء " الدعوي "، وهذا كارثي للنص والنقد أو القراءة .
نحن إذاً في مواجهة القراءة الغبية المستفحلة، والكتابة الغبية المستفحلة، والإعلام الثقافي الغبي، بمفهومه الكردي، على أكثر من صعيد. ذلك ما يمكن التأكيد عليه، قياساً إلى هيبة الكتابة إبداعاً ونقداً .
تُرى، كيف يمكن لنص أن يكتَب ويقدَّم على أنه النص المعجز، إن لم يقرَأ حق قراءته، أي إن لم يجر النظر في مكوناته وتبيّن تلك الثغرات الموجودة، التي أعتبرها مسامات للنص بالذات، إنها متنفسه، دليل كينونته الحية؟ كيف يمكن التقابل بين نص " معجز " وقراءة تكتب عنه، وهي دونه، وبكثير، مستوى أدبياً ؟
تتطلب القراءة، أي قراءة، سوية ثقافية وجمالية بغية الدخول في حوار مع أي نص، ليكون في وسع الاثنين الارتقاء بمحتواهما، بمصيرهما الأدبي، دون ذلك، تكون أحادية الاتجاه، أي موت الأدب، وحِدَاد القراءة .
ربما الكثيرون من أهل الفلسفة يعلَمون بحقيقة مقولة " المغفور له " أفلاطون، قبل قرابة أربعة وعشرين قرناً، حين وصف تلميذه النجيب و" المغفور له " أيضاً: أرسطو بـ" القارىء " ! أترى أكان يحط من قيمته، أم يقول فيه ما تكون عليه القراءة من قيمة واعتبار ورحابة أبعاد، وعمق حوار نوعياً ؟
وإليكم بهذه الطرفة وهي واقعة كنت طرفاً فيها: في مستهل هذا القرن، راجعني أحدهم بخصوص مسألة تجارية لا تعنيني مباشرة، وهو يعلّق: أطلب رأيك، رغم أنك " أزعجتنا "، وبلغة الجمع. استغربت، فسألته: بخصوص ماذا؟ رد: نحن أهل عامودا " الناحية التي ينتمي إليها سليم بركات في أقصى الشمال الشرقي من سوريا "، لأنك " تهجَّمت " على سليم بركات. تضاعف استغرابي، وقد ذكرتُ كتابي عنه: قتل الأب في الأدب " سليم بركات نموذجاً "، فأوضحت له: لا أدري فيما إذا كنتم قرأتم كتابي أم لا، فهو كتاب نقد، من ألفه إلى يائه .
بالمناسبة، لقد وزّع منشور دعائي، على إثر صدور الكتاب ذاك في محيط عامودا وخارجها، يتضمن تشهيراً فيه وصاحبه، لأنه " أهان " الكردية في الكردي " كرديهم ": سليم بركات ! وكان السعي إلى التعتيم على الكتاب وجهاً من وجوه عملية التشهير تلك، وحتى اللحظة !
هل نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين حقاً ؟
إبراهيم محمود
" سليم بركات "
لطالما كرهتُ التملُّق والمحاباة والمخاتلة، إزاء موضوعات تتطلب الحد الأقصى من الانفتاح والمجابهة، حول قضايا إنسانية في الصميم. والكتابة صنعة إنسانية. إنها ذاكرة البشرية المسجَّلة، والأدب نزيف الروح البشرية على الورق. أيريد هؤلاء المتملقون، المحابون، المخاتلون في الكتابة عموماً، والأدب خصوصاً، أن نتنكر لحرارة هذا النزْف، لرقة هذا القرطاس الذي يُستنسَخ بدوره من نياط قلوبنا، كأن نسمّيه ماء مستنقعاً، والقرطاس كأن نسميه ورقاً مستهلَكاً ؟
أشدّد هنا على الكاتب: الروائي والشاعر الكردي السوري المبدع، أي على المبدع باسمه فقط: سليم بركات. لقد وصفتُه بالمبدع،وهو يليق به بحق، لكن ذلك لا يعني أن أقصيه عن قانون التعامل البشري في التاريخ، أن أعتبره كائناً ليس في مقدور أحد أن يتفهم كتابته، ليس في إمكان أي كان أن يقول له ولو في حركة منه، أن ثمة " اعوجاجاً في ظلك " كما يتردد في لغتنا الكردية. لا بد أنه هو نفسه لا يقبلها هكذا، وإن كان يستهويه قول كهذا، كما أقدّر، كوني لم أسمع، لم أقرأ في أي مكان ما يشبه تحفظاً من هذا النوع إزاء كم كبير من الكتابات المدائحية وليس النقدية تلك التي تتعلق بكتاباته.
لا أكثر من هؤلاء القرّاء، الكتّاب القراء الذي يتملقونه، أو يتعرضون له زلفى، أو ينبرون في مظهر المدافعين عنه، والظاهرين على أنهم خير من يفهمونه، خير من يعرفون ظاهر حرفه وباطنه، أو خفيَّه وعلنيه، كما تقول كتاباتهم، هذا فيما إذا كانت كتابات، إن نظرنا إليها نوعياً، ويأتي في الصدارة قرّاؤه الكرد ممن يحسنون التعبير والكتابة بالعربية، لكنهم، وهم يتحدثون عنه، وهم يكتبون عنه، إنما يتظللون بمن يسبقونهم في ذلك من الكتّاب العرب إجمالاً، فيكون أولئك/ هؤلاء الكتاب: القراء الكرد مقهورين حتى النخاع، لأنهم يتلمسون في سليم بركات، ربما، ما لم يجده هو نفسه في ذاته، طالما أنه في عملية البحث المستمر عنها، باعتباره يشكّل بطريقته ، تنفيساً لهم عن قهرهم الفسيفسائي، فيكون القراء : الكتاب العرب أصدق إذ يتعرضون له، وهو " يفتنهم " كما هو مستخلَص الكثير مما يقولون ويسطّرون، في لغتهم، وهو " يهديهم " إلى سواء لغة غير معهودة، وهو يشير إلى ما يشبه " جزة اللغة العربية الذهبية "، وأنها ستكون بخير، مادام هناك من يتبصر خيراً في وجوده، ويعيش وجوداً حياً، وجود " الدازاين " بمفهومه الهيدجري.
ولم أكتب مقالي هذا، إلا لأنني من متابعي المبدع بركات، إنما بصفته من لحم ودم، وأنه كائن ينتمي إلى نهر هيراقليطس، ليس فيه ما يثبت على حاله، وليس فيه ما يكون معصوماً عن الخطأ، وقد نشرت عنه كتاباً، قبل أكثر من عقد زمني، إلى جانب مقالات مختلفة، لأتعلم مما يكتب، إنما لأتعلم كيف أنظر إلى ما يكتب على أن نصوصه ليست مجردة من التصدعات أو الثغرات، وإلا لانتهى أمر التعلم، والعلم، لا بل لما كان للقراءة أو الكتابة من معنى .
غير أن الذين يقرأونه أو له، ويكتبون عنه، ومن " كرده " خصوصاً، يشكّلون نوعاً من كهنة الحراسة على نصوصه، ويعتبرون كل من يقلّل من قيمة نص ما له على أنه إهانة للكرد عموماً، لهم جميعاً. يا للغباء المستطير !
تُرى، كيف يمكن لسليم بركات أن يبدع في نصوصه " ولا أقول يكتب نصوصاً إعجازية " ويقدّمها لقرائه، ويعتبر نفسه في مأمن من كل نقد " رجيم " أو " عليم "، من نقد " آثم " لأن ليس هناك من نص " آثم " مسبقاً، بما أنه ينتسب إلى الوجود وموقَّع عليه من قبل موجود، لا يمثّل كلّية الوجود؟ وهو نفسه يردد في أكثر من حوار معه، على أنه ينصب فخاخاً لقارئه، أو يعتبر القارىء أذكى منه " كما أوردتُ مقتطفاً من حوار معه في المستهل، وهو بالعامّية ". سوى أن الذي ثبت ويثبت " بالدليل القاطع " أن هناك خيبة أمل، أو ما يخالف محتوى كلام بركات: إنه لا ينصب فخاخه لقرائه، إنما هناك قراء يقبلون على قراءته بنوع من الاستهواء والمشيخية المنشودة. فالفخاخ تنصَب للبرّي، للطليق نوعاً ما، أما هنا، فكيف تنصَب فخاخ لمن يتهاوى على عتبة باب " نصه " وبقيافة سبحانية " سبحانك يا بركات " ؟ أأجدّف هنا ؟
وبذلك أيضاً، فإن خيبة بركات، إن أمعنا النظر في تقديره، تكون كبيرة، أي يعدَم وجود قارىء ذكي " إلا إذا اعتبر ما يقرّا وينشَر علامة فارقة لهذا النوع الغريب من الذكاء " الدعوي "، وهذا كارثي للنص والنقد أو القراءة .
نحن إذاً في مواجهة القراءة الغبية المستفحلة، والكتابة الغبية المستفحلة، والإعلام الثقافي الغبي، بمفهومه الكردي، على أكثر من صعيد. ذلك ما يمكن التأكيد عليه، قياساً إلى هيبة الكتابة إبداعاً ونقداً .
تُرى، كيف يمكن لنص أن يكتَب ويقدَّم على أنه النص المعجز، إن لم يقرَأ حق قراءته، أي إن لم يجر النظر في مكوناته وتبيّن تلك الثغرات الموجودة، التي أعتبرها مسامات للنص بالذات، إنها متنفسه، دليل كينونته الحية؟ كيف يمكن التقابل بين نص " معجز " وقراءة تكتب عنه، وهي دونه، وبكثير، مستوى أدبياً ؟
تتطلب القراءة، أي قراءة، سوية ثقافية وجمالية بغية الدخول في حوار مع أي نص، ليكون في وسع الاثنين الارتقاء بمحتواهما، بمصيرهما الأدبي، دون ذلك، تكون أحادية الاتجاه، أي موت الأدب، وحِدَاد القراءة .
ربما الكثيرون من أهل الفلسفة يعلَمون بحقيقة مقولة " المغفور له " أفلاطون، قبل قرابة أربعة وعشرين قرناً، حين وصف تلميذه النجيب و" المغفور له " أيضاً: أرسطو بـ" القارىء " ! أترى أكان يحط من قيمته، أم يقول فيه ما تكون عليه القراءة من قيمة واعتبار ورحابة أبعاد، وعمق حوار نوعياً ؟
وإليكم بهذه الطرفة وهي واقعة كنت طرفاً فيها: في مستهل هذا القرن، راجعني أحدهم بخصوص مسألة تجارية لا تعنيني مباشرة، وهو يعلّق: أطلب رأيك، رغم أنك " أزعجتنا "، وبلغة الجمع. استغربت، فسألته: بخصوص ماذا؟ رد: نحن أهل عامودا " الناحية التي ينتمي إليها سليم بركات في أقصى الشمال الشرقي من سوريا "، لأنك " تهجَّمت " على سليم بركات. تضاعف استغرابي، وقد ذكرتُ كتابي عنه: قتل الأب في الأدب " سليم بركات نموذجاً "، فأوضحت له: لا أدري فيما إذا كنتم قرأتم كتابي أم لا، فهو كتاب نقد، من ألفه إلى يائه .
بالمناسبة، لقد وزّع منشور دعائي، على إثر صدور الكتاب ذاك في محيط عامودا وخارجها، يتضمن تشهيراً فيه وصاحبه، لأنه " أهان " الكردية في الكردي " كرديهم ": سليم بركات ! وكان السعي إلى التعتيم على الكتاب وجهاً من وجوه عملية التشهير تلك، وحتى اللحظة !
هل نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين حقاً ؟
إبراهيم محمود