لا أدعي هنا قدرتي الوجدانية على الإحاطة بهذا البحر الخضم من العواطف الجياشة التي تفجرها صفحات الديوان بأمواجها وأنوائها المتمددة فوق أديم الخيال الشاعري على مدى 277 نفلة،،، أنفال لا متناهية،،، كل نفلة منها تؤجج الفؤاد، تسكب فيه النظارة والقَذى سكبا معنِيا بالاشتهاء دونما انتهاء،، حتى لكأنها مدعاة للأرق الجميل الذي خلناه ونحن في غضاضة اليفاعة، نجوس أركان القلب بحثا عن أولى وريقات الهوى والحب العذري الذي كان يُرجف فينا المفاصل، ويغرقنا في غيض من فيض... إنه يحيلنا إلى بدايات البدايات الجميلة، ويَكشِط عنا ترّهات الزمن المتراكمة فوق الأصل ماديات وعراكات واختراقا بلا معنى.
أقرّ أن ما عانيتُه وأنا أتملى بِطلَّة الأشعار هذه، قد أشعل في دواخلي ? وفي من تلفع بدثارات هاته القصائد - الإحساس الهادر: كم أضعتَ من العمر يا هذا ؟، وكم تضاءل حجمُك ؟، ذاك التضاؤل الذي يكبر كلما انتقلتَ من قصيدة إلى أخرى؛ وفي الوقت ذاته، تضاؤل يتحسّس الجسد، ويحبَكُه سموّا في الروح، كم نحن أحوجُ إليه في راهننا المادي ، كما يقول طاغور.
فهل تؤولُ لي رؤيايَ يا رشدي
أنا ويا ضِلّتي .. أم كنت تُذويها ؟
قل لي: أحبّكِ .. فالدنيا وما فيها
إليكَ أنتَ .. وللدنيا سَتُهديهـا
(قصيدة: قل لي أحبكِ ? ص 23)
من يتصفح ديوان الشليح ? وكفايتُه بعضٌ من كله - سرعان ما سيجد نفسه يتثنى بعضا بعضا.. يتفتت شهقة شهقة.. يهتز رعشة رعشة .. مختطفا ذاته إجباريا من وعثاء الضنك اليومي، وركاكة الواقع، ليمتطي صهوة الصبابة في رحلة سرمدية إلى جحيم الفردوس.. يلملم أبعاضَه صفّا صفّا،، في درب لا متناه إلى نياط الفؤاد المشرعة في هزيع الفجر الساحر.
يفجّر مصطفى في ديوانه ينابيع توليفة سمفونية بكل ترانيمها وحركاتها المكشوفة مفاتيحها المعتملة داخل القصائد: ضوء الشمس،، مدى البحر،، صهيل الخيل،، رنة الموسيقى،، لذة الكأس،، خفقان القلب،، غواية الرؤيا،،، وهلمّ بريقا أو لمعانا ..
والشعراء يتبعهم الغاوون.. وشاعرنا شاعر غاوٍ جبارٌ،، يغوينا بوجودٍ رتّبه ونمّقه وجودا لا يشبه الوجود الذي خلناه ونمّطناه:
قل لي أحبّكِ.. أُرسِم للشذا.. قمرا
لا شيء يشبِهُه .. تيها .. وتنزيهاَ
إذا رسمتُ له ثغـرا .. همى وتـرا
على الأقاصي وهام اللون تمويها
(نفس القصيدة. ص 19)
هذا الوجود الشاعري الذي ابتغاه لنا الشليح الحبّ ذروتُه، والقلب منبته،، ويستحيل اكتمالُه إلا بعِلّة الموجود،، هو من يعطي للحياة معنى، إنه الحبيب:
وقلتُ لي: لمن الدنيا .. ولثغتُها
إذا أنا .. أقتفيني .. في خوافيها
إذا أنا أختفي عنِّـي .. لأَعرفَني
في مقلتيكَ ؟ لكَ الدنيا وما فيها
( نفسها )
فالحب سر المعنى، وهو عمق الكينونة الإنسانية، صيّره شاعرُنا هنا امتدادا للحياة،، موصولا بحرفَي اللّفظة، هما منطلقُ الرحلة، وهما نهايتُها... نارٌ تستعرُ وجودا في المعنى والمبنى، ودونهما الخواء أو اللا وجود:
هما لغةٌ عليا .. ولا أحدٌ بها
سوى كلماتٍ .. للكلام تُطيلُ
هما لغة عليا .. ترِنُّ بِحائها
إلى بائِها .. إمّا الحمامُ دليلُ
(قصيدة: الهاتف ? ص 26)
والحب هنا لغة تطوي الوجود وتدلكه مجازا، تسبغه حقيقة لا يدركها إلا الراسخون في حرقة الصبابة:
تُهامسُني
مثل الشّذاوهْي تَضحكُ
وتَحدِس .. أنّي، بالشذا، .. أتبرّكُ
(قصيدة: الوتر الضاحك ? ص 5)
إنها الصبابة التي تجعل الأنا متوحدة مع الآخر، متوهجة بوجوده، ومندثرة بغيابه،، إنه حب على طريقة المتصوفة كما الحلاج:
أذِنتَ. سهوتُ عنّي لا أراني
سِواكَ .. ولا شبيها أو مثيلا
(قصيدة: أتأذن لي بقلبي ..؟ - ص 7)
إنه العشق الأزلي الذي به تقاس مدى إنسانية الكائن، ضحالة أو عمقا من خلال لغة الإحساس المعبر عنه، ولا لغة هنا غير لغة القلب:
لا تترُكي.
كوني القصيدةَ كلَّها
دنيا .. فتلك قصيدةُ الأعماقِ
(قصيدة: كوني القصيدة .. كلِّها ? ص 12)
ويقال إن الحب لغة العيون الناضحة باعتمال القلب، فالصب تفضحه عيونه، غير أن مصطفى هنا لا يأبه للغة الكتمان، ألم نقل إنه غاو جبار، ويعنيه أن يضع نفسه لا بين ثنايا التعابير وكشكولات التخفي، وإنما يردنا أن نعرف منه من هو بلغة الحب صدعا بهويته:
أحدو ندائي استعاراتٍ مناوَرةً
إلى ندائي .. كأني .. فَدفَد فردُ
أحدو صدايَ ولا برْقٌ ليحمِلني
صوتا بشقّ احتمالاتي إذا يحدو
أحدو هُدايَ .. لِتطويني غَوايتُه
هـذيا يشِفّ خيالا .. خوفُه عهدُ
.................................
................................
أخُطّ لونا ..
وأمحوه بقافيتي
لا لونَ لي غير أَنّي
اللون والوجْدُ
(قصيدة: كيف اتقائي يا أنا ..؟ - ص 14)
ولا يعدم مصطفى ? وكما نزار قباني في الكثير من أشعاره - أن يتوحد مع روح المحبوب متقمصا لسانه للبوح عن أسراره، وإن كان أحيانا يصيبنا بالحيرة في بوحه الشعري، فلا ندرك هل اختار الاعتزاز بذاته الولهانة ؟ أم هو تشكيه من تيه المحبوب في خيلائه وكبريائه حد الغرور الفاضح للتملك واستعباد تلابيب القلب؟
ماذا ستكتب أحلى من قوافيه ؟
ماذا ستكتبُ لي عنّي ؟ أنا فيه
أنا القصيد ولم يخلق سوى شفةٍ
لي .. يستحمّ بأطيافي .. توافيه
أنا رفيفُ الأغاني حار قاطفُها
مِن أيِمّا وترٍ .. أتي .. مَنافيه
(قصيدة: إلا كلامٌ إذا يحلو .. أنا فيه ? ص 17)
ختاما:
هل بالمقدور بلوغ كنه الاستمتاع بالمائة قصيدة وقصيدة التي تؤثث هذا الديوان القبسي المزركش بضوء الوجدان وسحره، في مدة شهر .. شهرين .. ثلاثة .. قل سنة ... خلتني قادرا على ترويض هذا النهر، عمدتي في ذلك خبرتي بالبحار والمحيطات، فوجدتني حيال بحر لا متناهٍ متلاطم بأمواج صبابة عاتية دونها وبحر الظلمات، بأعاجيبها اللغوية والتعبيرية، ملؤها الذُّرَر،، ملؤها الغَرر:
أحار جوابا. أين منّي كِنايةٌ
أكونُ بها معنى ولا أستحيلُ ؟
أحار كأنّي شاعر لا نهايةٌ
لديه قصيداً .. بدؤُه سلسبيل
أضِلُّ ولا ألفي يدَيَّ .. نكاية
تهم بأثوابي .. كأني عليلُ
(قصيدة: الهاتف ? ص 27)
فكيف لي أن أقدر على بواح الكلام عن كل قصيدة لذاتها، أنا الذي اضطر إلى إغماض العين حتى تنفتح كل طاقة الفؤاد والخيال لأتذوق تباريح الاصطفاء الشاعري لمصطفى الشليح ؟ كيف لي أن أتمزق بعضا عن بعض وهسيس الكلمات يلاوحني أحيانا إلى نزار، وأخرى إلى رامي، بل وإلى طاغور والخيام والحلاج، إنني أجد أحدهم متربصا في ثنايا بيت، أو أيقونة تعبيرية، يرحبون بما اقترفه الشليح من جرثوم الشعر,
وإن كنت عزيزي مصطفى قد نجحت إلى حد ما في شرب ماء عراقك رغم القصف، وتمكنت معك من عبور مراياك على انكساراتها، واستطعت سرقة بعض من مظانك التي احتكرتَها لنفسك دون الأوراق، فإني لحد الساعة لم أفلح في الاستيقاظ عند حافة نهرك المتدفق امرأة..
لن تفيدك غيرتك ولا بوحك في اقتلاعي من هذا المكان، لأنني ? ولحسن حظي أن زوجتي غير موجودة ? عشقت امرأتك اللامرئية، ولا أنوي التوبة ولا الاستغفار أبد الدهر. هنا وجدت نفسي. هنا تنفست وجودا، وأنا مستعد لرفع التحدي الذي بشرت به:
لعلّ بديوان الصبابة مرسما
سيأوي إليه .. قاتلٌ .. وقتيلُ
(قصيدة: الهاتف ? ص 26)
قرأتُ شعرا آتيا، من هنا إلى هنا، كأنما ما قرأت شعرا إلا بماء الدهشة الأولى وإلا بهشاشة الكائن الشعري الذاهب إلى النهر ذاتا لا تنام.
وكيف وقد قال: " كأنَّ النهر .. امرأة لا تنام " ؟
14/11/2013
العلم الثقافي
د. حسن أميلي
أقرّ أن ما عانيتُه وأنا أتملى بِطلَّة الأشعار هذه، قد أشعل في دواخلي ? وفي من تلفع بدثارات هاته القصائد - الإحساس الهادر: كم أضعتَ من العمر يا هذا ؟، وكم تضاءل حجمُك ؟، ذاك التضاؤل الذي يكبر كلما انتقلتَ من قصيدة إلى أخرى؛ وفي الوقت ذاته، تضاؤل يتحسّس الجسد، ويحبَكُه سموّا في الروح، كم نحن أحوجُ إليه في راهننا المادي ، كما يقول طاغور.
فهل تؤولُ لي رؤيايَ يا رشدي
أنا ويا ضِلّتي .. أم كنت تُذويها ؟
قل لي: أحبّكِ .. فالدنيا وما فيها
إليكَ أنتَ .. وللدنيا سَتُهديهـا
(قصيدة: قل لي أحبكِ ? ص 23)
من يتصفح ديوان الشليح ? وكفايتُه بعضٌ من كله - سرعان ما سيجد نفسه يتثنى بعضا بعضا.. يتفتت شهقة شهقة.. يهتز رعشة رعشة .. مختطفا ذاته إجباريا من وعثاء الضنك اليومي، وركاكة الواقع، ليمتطي صهوة الصبابة في رحلة سرمدية إلى جحيم الفردوس.. يلملم أبعاضَه صفّا صفّا،، في درب لا متناه إلى نياط الفؤاد المشرعة في هزيع الفجر الساحر.
يفجّر مصطفى في ديوانه ينابيع توليفة سمفونية بكل ترانيمها وحركاتها المكشوفة مفاتيحها المعتملة داخل القصائد: ضوء الشمس،، مدى البحر،، صهيل الخيل،، رنة الموسيقى،، لذة الكأس،، خفقان القلب،، غواية الرؤيا،،، وهلمّ بريقا أو لمعانا ..
والشعراء يتبعهم الغاوون.. وشاعرنا شاعر غاوٍ جبارٌ،، يغوينا بوجودٍ رتّبه ونمّقه وجودا لا يشبه الوجود الذي خلناه ونمّطناه:
قل لي أحبّكِ.. أُرسِم للشذا.. قمرا
لا شيء يشبِهُه .. تيها .. وتنزيهاَ
إذا رسمتُ له ثغـرا .. همى وتـرا
على الأقاصي وهام اللون تمويها
(نفس القصيدة. ص 19)
هذا الوجود الشاعري الذي ابتغاه لنا الشليح الحبّ ذروتُه، والقلب منبته،، ويستحيل اكتمالُه إلا بعِلّة الموجود،، هو من يعطي للحياة معنى، إنه الحبيب:
وقلتُ لي: لمن الدنيا .. ولثغتُها
إذا أنا .. أقتفيني .. في خوافيها
إذا أنا أختفي عنِّـي .. لأَعرفَني
في مقلتيكَ ؟ لكَ الدنيا وما فيها
( نفسها )
فالحب سر المعنى، وهو عمق الكينونة الإنسانية، صيّره شاعرُنا هنا امتدادا للحياة،، موصولا بحرفَي اللّفظة، هما منطلقُ الرحلة، وهما نهايتُها... نارٌ تستعرُ وجودا في المعنى والمبنى، ودونهما الخواء أو اللا وجود:
هما لغةٌ عليا .. ولا أحدٌ بها
سوى كلماتٍ .. للكلام تُطيلُ
هما لغة عليا .. ترِنُّ بِحائها
إلى بائِها .. إمّا الحمامُ دليلُ
(قصيدة: الهاتف ? ص 26)
والحب هنا لغة تطوي الوجود وتدلكه مجازا، تسبغه حقيقة لا يدركها إلا الراسخون في حرقة الصبابة:
تُهامسُني
مثل الشّذاوهْي تَضحكُ
وتَحدِس .. أنّي، بالشذا، .. أتبرّكُ
(قصيدة: الوتر الضاحك ? ص 5)
إنها الصبابة التي تجعل الأنا متوحدة مع الآخر، متوهجة بوجوده، ومندثرة بغيابه،، إنه حب على طريقة المتصوفة كما الحلاج:
أذِنتَ. سهوتُ عنّي لا أراني
سِواكَ .. ولا شبيها أو مثيلا
(قصيدة: أتأذن لي بقلبي ..؟ - ص 7)
إنه العشق الأزلي الذي به تقاس مدى إنسانية الكائن، ضحالة أو عمقا من خلال لغة الإحساس المعبر عنه، ولا لغة هنا غير لغة القلب:
لا تترُكي.
كوني القصيدةَ كلَّها
دنيا .. فتلك قصيدةُ الأعماقِ
(قصيدة: كوني القصيدة .. كلِّها ? ص 12)
ويقال إن الحب لغة العيون الناضحة باعتمال القلب، فالصب تفضحه عيونه، غير أن مصطفى هنا لا يأبه للغة الكتمان، ألم نقل إنه غاو جبار، ويعنيه أن يضع نفسه لا بين ثنايا التعابير وكشكولات التخفي، وإنما يردنا أن نعرف منه من هو بلغة الحب صدعا بهويته:
أحدو ندائي استعاراتٍ مناوَرةً
إلى ندائي .. كأني .. فَدفَد فردُ
أحدو صدايَ ولا برْقٌ ليحمِلني
صوتا بشقّ احتمالاتي إذا يحدو
أحدو هُدايَ .. لِتطويني غَوايتُه
هـذيا يشِفّ خيالا .. خوفُه عهدُ
.................................
................................
أخُطّ لونا ..
وأمحوه بقافيتي
لا لونَ لي غير أَنّي
اللون والوجْدُ
(قصيدة: كيف اتقائي يا أنا ..؟ - ص 14)
ولا يعدم مصطفى ? وكما نزار قباني في الكثير من أشعاره - أن يتوحد مع روح المحبوب متقمصا لسانه للبوح عن أسراره، وإن كان أحيانا يصيبنا بالحيرة في بوحه الشعري، فلا ندرك هل اختار الاعتزاز بذاته الولهانة ؟ أم هو تشكيه من تيه المحبوب في خيلائه وكبريائه حد الغرور الفاضح للتملك واستعباد تلابيب القلب؟
ماذا ستكتب أحلى من قوافيه ؟
ماذا ستكتبُ لي عنّي ؟ أنا فيه
أنا القصيد ولم يخلق سوى شفةٍ
لي .. يستحمّ بأطيافي .. توافيه
أنا رفيفُ الأغاني حار قاطفُها
مِن أيِمّا وترٍ .. أتي .. مَنافيه
(قصيدة: إلا كلامٌ إذا يحلو .. أنا فيه ? ص 17)
ختاما:
هل بالمقدور بلوغ كنه الاستمتاع بالمائة قصيدة وقصيدة التي تؤثث هذا الديوان القبسي المزركش بضوء الوجدان وسحره، في مدة شهر .. شهرين .. ثلاثة .. قل سنة ... خلتني قادرا على ترويض هذا النهر، عمدتي في ذلك خبرتي بالبحار والمحيطات، فوجدتني حيال بحر لا متناهٍ متلاطم بأمواج صبابة عاتية دونها وبحر الظلمات، بأعاجيبها اللغوية والتعبيرية، ملؤها الذُّرَر،، ملؤها الغَرر:
أحار جوابا. أين منّي كِنايةٌ
أكونُ بها معنى ولا أستحيلُ ؟
أحار كأنّي شاعر لا نهايةٌ
لديه قصيداً .. بدؤُه سلسبيل
أضِلُّ ولا ألفي يدَيَّ .. نكاية
تهم بأثوابي .. كأني عليلُ
(قصيدة: الهاتف ? ص 27)
فكيف لي أن أقدر على بواح الكلام عن كل قصيدة لذاتها، أنا الذي اضطر إلى إغماض العين حتى تنفتح كل طاقة الفؤاد والخيال لأتذوق تباريح الاصطفاء الشاعري لمصطفى الشليح ؟ كيف لي أن أتمزق بعضا عن بعض وهسيس الكلمات يلاوحني أحيانا إلى نزار، وأخرى إلى رامي، بل وإلى طاغور والخيام والحلاج، إنني أجد أحدهم متربصا في ثنايا بيت، أو أيقونة تعبيرية، يرحبون بما اقترفه الشليح من جرثوم الشعر,
وإن كنت عزيزي مصطفى قد نجحت إلى حد ما في شرب ماء عراقك رغم القصف، وتمكنت معك من عبور مراياك على انكساراتها، واستطعت سرقة بعض من مظانك التي احتكرتَها لنفسك دون الأوراق، فإني لحد الساعة لم أفلح في الاستيقاظ عند حافة نهرك المتدفق امرأة..
لن تفيدك غيرتك ولا بوحك في اقتلاعي من هذا المكان، لأنني ? ولحسن حظي أن زوجتي غير موجودة ? عشقت امرأتك اللامرئية، ولا أنوي التوبة ولا الاستغفار أبد الدهر. هنا وجدت نفسي. هنا تنفست وجودا، وأنا مستعد لرفع التحدي الذي بشرت به:
لعلّ بديوان الصبابة مرسما
سيأوي إليه .. قاتلٌ .. وقتيلُ
(قصيدة: الهاتف ? ص 26)
قرأتُ شعرا آتيا، من هنا إلى هنا، كأنما ما قرأت شعرا إلا بماء الدهشة الأولى وإلا بهشاشة الكائن الشعري الذاهب إلى النهر ذاتا لا تنام.
وكيف وقد قال: " كأنَّ النهر .. امرأة لا تنام " ؟
14/11/2013
العلم الثقافي
د. حسن أميلي