شهادات خاصة جعفر الديري - كتّاب: الرواية البحرينية ارتدت لباس التغيير بالمعطيات العصرية

شهدت الأعوام الأخيرة، صدور روايات لمؤلفين بحرينيين، مخضرمين وشباب، في ظل محاولات لا تتوقف، ساهم في نشاطها، توفر كثير من دور النشر، ومساعدة وزارة الثقافة في طباعة الإنتاج الروائي، بجانب عوامل أخرى.
هذه التجارب، تحتاج بحسب الروائي عبدالعزي الموسوي، لناقد، يتكفّل بدراستها، ليعطينا حكماً نستطيع الركون إليه ومحاكاته بشأن ما يميزها عن سابقاتها.
الموسوي لا يرى بشكل عام، أن هناك فارقاً بين هذه التجارب وسابقاتها؛ إلا بما يتناسب وروح كل جيل، مشيراً إلى أن ثمّة سمات بسيطة وهي مكمن الاختلاف في عمل كل جيل، رغم أن كلمة جيل لا تعطي توصيفاً حقيقياً، لحجم النقص الفادح في الكتابة السردية، «إن جمعت الأولين والآخرين، الأحياء والأموات ستجد أن ذلك محض حفنة بالنسبة لبلد يزخر منذ زمن بالمبدعين، ويكفي الإشارة لعدم وجود كيان سردي لحد كتابة هذه الأسطر، وهو مثال يبين لك حجم الفاجعة التي لم نتجاوزها ومانزال نعيش فصولها بكل ألم وأمل في التغيير».
عناء التجربة
وبالنسبة للروائي أحمد المؤذن، فإن الروائيين الشباب من جيله؛ عبد العزيز الموسوي، فتحية ناصر، رسول درويش وأسماء أخرى يقدر مجهودها، يجدها كلها ضمن الساحة، تجتهد في عناء التجربة وتريد وضع الرواية البحرينية في مقدمة الصادرات الثقافية، لكن تحتاج لمن يؤمن برسالتها ويدعمها، كجهات ثقافية ومثقفين وقراء .
يقول المؤذن: لا أشذ عن بقية جيلي من الروائيين الشباب في البحرين، بأنني أحاول جاهداً في ترك بصمتي الخاصة على صعيد القصة القصيرة أو الرواية على حدٍ سواء، لافتاً إلى أن العديد من الأقلام النقدية العربية تفاعلت مع روايته (وقت للخراب القادم) وأبرزت جوانبها الإيجابية كتجربة روائية تمثل المشهد الثقافي في الخليج العربي.
نوع جديد
بدوره يدلي الروائي رسول درويش برؤية هنا حول تطور الرواية العربية المعاصرة، بما فيها البحرينية، مشيراً إلى أن الرواية المعاصرة ارتدت لباس التغيير بناء على المعطيات العصرية، ونحَى بعض الكتاب نحو (العصرنة) بعفوية بينما غلب (التقليد) على مجموعة كبيرة من الروائيين وهو ما انبثق عنه نوع جديد من العمل الروائي، مذكراً بما قاله الألماني جيتز جراس الفائز بجائزة نوبل للآداب العام 1999: يستغرق العمل الروائي ما يقرب من خمس سنوات من التحضير والكتابة حتى يكون النص ناجحاً، متسائلاً: كيف يُقاس النجاح؟ هل هو من خلال عملية المحاكاة أو الإبداع أو النضج؟
ويضيف درويش: في البداية، نذكر بأن جذور القصة ضاربة عند العرب منذ ما قبل الإسلام على شكل شفهي تتناقله الألسن، ثم جاء القرآن الكريم ووضع نماذج مثالية للسرد القصصي والروائي خصوصاً في قصص الأنبياء ومنها قصة يوسف استناداً لقوله تعالى (أحسن القصص)، وحاول الأدب محاكاة ذلك في العصر الأموي فجاءت قصص قيس وليلى وعنتر وعبلة ... أما في العصر العباسي فقرأنا صغاراً (ترجمات) كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة وفي موازاة ذلك ظهر نوع جديد من القصص مثل البخلاء للجاحظ ورسالة الغفران للمعري .. ثم جاءت فترة الإبداع والبزوغ الروائي العربي في القرن العشرين فبزغ نجم الحكيم والسباعي ونجيب محفوظ وغيرهم .. الملاحظ في ذلك كله أنه لم ينقطع أبداً تأثير السابق على اللاحق قديماً وحديثاً.
ويذهب درويش إلى أبرز مميزات الرواية المعاصرة، ويتساءل إن كانت أضافت شيئاً جديداً مقارنة بأمهات الروايات الأدبية، مشيراً إلى أنها تميزت في الحقبتين، ففي مرحلة المحاكاة simulation: يعتبر مصطفى لطفي المنفلوطي أحد أهم المعرِبين، فقد حوّل رواية (ماجدولين) إلى (تحت ظلال الزيزفون) ولم يشعر القارئ قط أنه عملٌ مترجم أو مقلّد، أما في الوقت المعاصر فنستطيع القول إنّ رواية ساق البامبو للكويتي سعود السنعوسي والتي فازت بالبوكر العربية لم تكن مترجمة ولكن كانت (تقليدية) في هدفها وتركيبها وكأنها محاكاة لروايات إسماعيل فهد إسماعيل خصوصاً رواية (في حضرة العنقاء والخل الوفي) من حيث وحدة الهدف (البدون) ومن حيث التنوع الجغرافي حيث التنقل المكاني، وكذلك أسلوب ربط شخصيات القصة بشخوص حقيقية يُضفي الواقعية على العمل.
أما في مرحلة الإبداع creativity: فجاءت رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ بأسلوبها الرمزي symbolism لتبين القدرة على الابتكار، وفي العشرية الأخيرة جاءت رواية بنات الرياض لرجاء الصايغ نموذجاً للإبداع أيضاً من حيث الهدف واللغة، فكانت-حسب معرفتي- من أول الأعمال التي كُتبت أحداثها عن طريق «الإيميلات» وهي لغة إبداعية مستحدثة جداً.
أسلوب سينمائي
ويضيف درويش بشأن مرحلة النضج maturity: : يتذكر القارئ جيداً إبداعات السبعينات كثيراً لأنها تعكس حالة من الوعي عند الكتاب بعد هزيمة 1967 ثم حرب التحرير 1970، وهنا على المستوى البحريني، نجد ذلك لدى بعض الأقلام الواعية ومنها (قلبي في رقبتك) لعزيز الموسوي، حيث تدفعه الأحداث السياسية والاجتماعية للكتابة حول آلام مجتمعه.
وفي مرحلة الفن السابع: ظهرت في أربعينات القرن الماضي بعض الأعمال التي تم تحويلها لأفلام سينمائية ناجحة ومنها (رُدّ قلبي) ليوسف السباعي، أما حالياً، فقد اختلط الأمر على بعض الكتّاب، فصاروا يكتبون بأسلوب (السيناريو) السينمائي حتى صار إدخال اللهجات المحلية في النص تعويضاً عن الفقر اللغوي وتأثراً بالأعمال التلفزيونية ومنها رواية (أوركيد) للمتألقة حوراء الحداد.
الوطن البحرينية الثلاثاء10 يونيو 2014

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى