لقد حاول البعض محاكاة أسلوب (ألف ليلة) ولغتها، مثلما حاول آخرون محاكاة أسلوب كتاب عصر المماليك ولغة مؤرخيه، طلبًا للتفرد والتميز، ناسين بعد الزمن بين لغة عصر طائر الرخ والعقاب ولغة عصر الطائرة وسفن الفضاء، بين لغة عصر الفرسان ولغة عصر المدفعية. فروح (ألف ليلة) في القص هي القضية وليست اللغة، والتجارب الموازية لتجارب (ألف ليلة وليلة) هي القضية الأخرى وليس أسلوب (ألف ليلة وليلة)، أو لغة المتصوفة، والمقريزي، وابن إياس، وابن تغري بردي.
ولقد حاول البعض الإفادة من (ألف ليلة) باقتباس مقاطع منها أو بالإشارة لشخصية أو موقف من شخوص ومواقف حكاياتها، أو غيرها من تراثنا الشعبي والملحمي، ناسين أن (ألف ليلة وليلة) روح في الكاتب، إنسان يحيا ومبدع ينتج ويثمر، كما شجر الجميز، ليالي جديدة مختلفة الإيقاع والأنغام، لأنها مختلفة العصر. فهذه الروح هي التي تمنح الكاتب انتماءه، في حياته وإبداعه، لأرض (ألف ليلة وليلة)، الممتدة من الهند، بل مما وراءها إلى المغرب الآن، وإلى الأندلس سابقًا، هي التي تمنحه شرف أصالته ومحليته، وشرقيته، إذا بلغت جودة إبداعه ذروة ما متفردة، تكسبه الطعم واللون، والرائحة، تثريه بروح الزمان والمكان. وأحدس، مع الدكتور حسين فوزي، أن ليالي (ألف ليلة) هي ليالٍ هندية، وفارسية، وعربية، وأحترم مقولته في أن هذه الليالي قد وجدت "مونتاجها" الأخير في مصر خاصة، في القرن الرابع عشر. ولقد ظلت هذه (الليالي) تجد إغراءاتها السارة في الامتداد بها على أيدي مبدعي القص العظام في الشرق والغرب، بل وتجد تجسيدًا لها بالفيلم السينمائي، والتمثيليات الإذاعية والتليفزيونية، والإبداعات المسرحية والقصصية، من قصص الليالي ذاتها، فلقد صارت بأسرها أرضًا لـ (الليالي).
وليست (الليالي)، عندي، أساطير وخرافات، ابتكرها كلها الخيال البشري الشرقي؛ فهي عندي مثل الملاحم وقصص الأسمار، والأغاني، خيال تفجر من واقع، مواقف وأحداثًا وشخوصًا، في أرض لا يزال أهلها يعيشون في العصر الوسيط برغم كل التكنولوجيات، كتفسيرات غيبية وفنية لما يعجز الناس عن فهمه، وأحلام وآمال لما يرغبون في تحققه، وتجسيد فني لمشاعر فردية وجمعية محبطة، تعاني من الشعور بالحصار والعجز والقهر، والإحساس بالسخرة، وانفصال الرعاية عن الرعايا، وغربة الأنظمة عن شعوبها، والأقدار الاجتماعية المسلطة كالسيوف، فتظن قدرًا من الغيب، أو قدرًا من أقدار الطبيعة. ولنحاول أن نربط بين مغامرات السندباد وعبد الله البري والبحري، ومغامرات الجواسيس ورجال المباحث والاستخبارات، بين حكايات الرحالة في البر والبحر، وحكايات (الليالي) في البر والبحر.
من مقال أرض الليالي
مجلة فصول إبريل 1994.
ولقد حاول البعض الإفادة من (ألف ليلة) باقتباس مقاطع منها أو بالإشارة لشخصية أو موقف من شخوص ومواقف حكاياتها، أو غيرها من تراثنا الشعبي والملحمي، ناسين أن (ألف ليلة وليلة) روح في الكاتب، إنسان يحيا ومبدع ينتج ويثمر، كما شجر الجميز، ليالي جديدة مختلفة الإيقاع والأنغام، لأنها مختلفة العصر. فهذه الروح هي التي تمنح الكاتب انتماءه، في حياته وإبداعه، لأرض (ألف ليلة وليلة)، الممتدة من الهند، بل مما وراءها إلى المغرب الآن، وإلى الأندلس سابقًا، هي التي تمنحه شرف أصالته ومحليته، وشرقيته، إذا بلغت جودة إبداعه ذروة ما متفردة، تكسبه الطعم واللون، والرائحة، تثريه بروح الزمان والمكان. وأحدس، مع الدكتور حسين فوزي، أن ليالي (ألف ليلة) هي ليالٍ هندية، وفارسية، وعربية، وأحترم مقولته في أن هذه الليالي قد وجدت "مونتاجها" الأخير في مصر خاصة، في القرن الرابع عشر. ولقد ظلت هذه (الليالي) تجد إغراءاتها السارة في الامتداد بها على أيدي مبدعي القص العظام في الشرق والغرب، بل وتجد تجسيدًا لها بالفيلم السينمائي، والتمثيليات الإذاعية والتليفزيونية، والإبداعات المسرحية والقصصية، من قصص الليالي ذاتها، فلقد صارت بأسرها أرضًا لـ (الليالي).
وليست (الليالي)، عندي، أساطير وخرافات، ابتكرها كلها الخيال البشري الشرقي؛ فهي عندي مثل الملاحم وقصص الأسمار، والأغاني، خيال تفجر من واقع، مواقف وأحداثًا وشخوصًا، في أرض لا يزال أهلها يعيشون في العصر الوسيط برغم كل التكنولوجيات، كتفسيرات غيبية وفنية لما يعجز الناس عن فهمه، وأحلام وآمال لما يرغبون في تحققه، وتجسيد فني لمشاعر فردية وجمعية محبطة، تعاني من الشعور بالحصار والعجز والقهر، والإحساس بالسخرة، وانفصال الرعاية عن الرعايا، وغربة الأنظمة عن شعوبها، والأقدار الاجتماعية المسلطة كالسيوف، فتظن قدرًا من الغيب، أو قدرًا من أقدار الطبيعة. ولنحاول أن نربط بين مغامرات السندباد وعبد الله البري والبحري، ومغامرات الجواسيس ورجال المباحث والاستخبارات، بين حكايات الرحالة في البر والبحر، وحكايات (الليالي) في البر والبحر.
من مقال أرض الليالي
مجلة فصول إبريل 1994.