لم تزل كلمة قدس (بفتح القاف وضم الدال) كمصدر ل (قداسة ، قدوس ، مقدس) تستخدم بوجه مائي جدا. إن هذه الإشكالية لم تكن مقصورة على القداسة في معناها العربي المستمد لفظها من العبرية Q-D-SH الواردة بالتوراة (العهد القديم) ، بل تمددت إلى اللغة الانجليزية التي استخدمت مفهوم الكلية whole والكمال والطهر والمطلق والتعالي والاتصال والانفصال ...الخ ، ولا زال الجدل حول holiness و sacredness مسألة لم يتمكن علم التأثيل Etymology من حسمها في قواميس اللغة الانجليزية. فالقداسة كما تنسب للمتعالي (الله ، يهوه ، الرب) فإنها تنسب كذلك للأشياء ، ففي قصة موسى الواردة بالتوراة كان عليه أن يخلع نعليه لقداسة المكان. وقداسة المكان هنا لا تفهم إلا من خلال معنيين: قداسة لذاته وقداسة بغيره. فالقداسة بغيره هي نسبة تعلق المكان بالمتعالي وحتى في القداسة لذاته فانوجادها ناتج عن منحة المتعالي لتلك القداسة. وإذا تابعنا القواميس المختلفة سنجد كلمات أخرى تستخدم كمفسرات للكلمة كالبركة او الطهر او المطلق أو التبجيل والاحترام ...الخ. مع ذلك فلا يخفى عن النبيه أن كلمة مقدس هي وصف معنوي يؤخذ فحواه من سياقات كل جملة على حدة. لقد استطاعت التوراة أن تنحت مفرداتها الخاصة وتلقي بها عبر الاستخدام المتباين للحكي أو القص. وهكذا ترسخ اللفظ دون أن يترسخ له معنى حاسم في أذهان الناس. إن هذه الاشكالية تعد سبيبة رفيعة جدا وطيفية بحيث قد تمثل شراكة متبادلة بين المتعالي والفاسد ، بين اللاهوت والناسوت ، وهكذا ترمينا في لجة الجدل القديم الذي أثارته فلسفات متعددة كوحدة الوجود مثلا والفيض والصدور وخلق القرآن وطبيعة المسيح والتقرب بالأوثان ..الخ. فكما أن الله مقدس فكذلك بعض مخلوقاته كشعب الله المختار أو مناطق جغرافية معينة أو جبال ما... وغير ذلك.
لكن يمكننا أن ننظر لهذه الكلمة (قدس) من نصفها الايجابي حين تؤدي كمفردة واحدة الى خلق تلك الشبكة من الاتصال بين النومين والفينومين اي عالم الظواهر وعالم التعالي. يمكننا حينها أن نكتشف عنصرين يتشكل منهما ذلك المفهوم وهما:
- الاتصالية Connectionism
- الخلوصية Exclusivism
فتمثل الاتصالية دائرة المتعالي غير المتناهية والتي لا تتمتع بأي نقطة مركزية حيث كل اتصال يبقى مركزيا مع هذا المحيط. واما الخلوصية فتعني تلك العلاقة التفردية والتكاملية التي تبدو كحاملة لمتضادين هما الخضوع والتكافوء. وعلى هذا فالقداسة لا تفضي الا إلى منح قيم متساوية بين الوجود والموجود من ناحية وبين الوجود والموجود والمتعالي من ناحية أخرى. هكذا لن تختلف قداسة المكان أو الحيوان أو الجماد عن بعضها البعض من حيث القيم باعتبار الاتصال المباشر والخلوص المطلق. فالطوطم قبل آلاف السنين هو ذاته كل محمول قداسوي آني ، مادام كلاهما تعبير رمزي (رمزية لها قيمة الحقيقة) عن الانغطاس داخل عمق الدائرة المتعالية. على هذا الأساس يمكننا الآن أن نعلن بكل ثقة أن القداسة المعطاة خارج تلك الدائرة هي قداسة رمزية محضة (وضعية positive ) ، تستقي بلاغتها من مشبه به مستقل ومنفصل وتتمسح في أعطافه المفهومية.. وتعلن بالتالي اعترافها بدرجتها الأحط منه..أو بدرجته الأسمى فوقها. ونقول أن هذا وجه ايجابي للقداسة ليس لانها تمنحنا تمييزا واضحا عن كل استخدام خارج ما نحتت من أجله كمفردة بل أيضا لأنها بذلك تعد أساسا لوحدة كل المقدسات عبر تساويها في القيمة..وهكذا تدفع بها كلها نحو التكامل أو حتى الفناء والغياب في مفهوم حدسي وشعوري واحد. هكذا تتساوى قداسة البقرة بقداسة حائط المبكى ، والأصنام ، ونهر الجانج لدى الهندوس والمعبد الذهبي عند السيخ ...الخ.. مادامت كلها تمثل محاولات اتصالية بالمتعالي واعتقاد بخلصوية محضة.
كلمة القداسة هنا .. وبقليل من التحليل يمكنها أن تعطنا رؤية مذهبية جديدة تعين على فهم الإمكانيات الغنية التي تعزز القواسم المشتركة الكبرى لدى الأطروحات الثيولوجية المختلفة.
لكن يمكننا أن ننظر لهذه الكلمة (قدس) من نصفها الايجابي حين تؤدي كمفردة واحدة الى خلق تلك الشبكة من الاتصال بين النومين والفينومين اي عالم الظواهر وعالم التعالي. يمكننا حينها أن نكتشف عنصرين يتشكل منهما ذلك المفهوم وهما:
- الاتصالية Connectionism
- الخلوصية Exclusivism
فتمثل الاتصالية دائرة المتعالي غير المتناهية والتي لا تتمتع بأي نقطة مركزية حيث كل اتصال يبقى مركزيا مع هذا المحيط. واما الخلوصية فتعني تلك العلاقة التفردية والتكاملية التي تبدو كحاملة لمتضادين هما الخضوع والتكافوء. وعلى هذا فالقداسة لا تفضي الا إلى منح قيم متساوية بين الوجود والموجود من ناحية وبين الوجود والموجود والمتعالي من ناحية أخرى. هكذا لن تختلف قداسة المكان أو الحيوان أو الجماد عن بعضها البعض من حيث القيم باعتبار الاتصال المباشر والخلوص المطلق. فالطوطم قبل آلاف السنين هو ذاته كل محمول قداسوي آني ، مادام كلاهما تعبير رمزي (رمزية لها قيمة الحقيقة) عن الانغطاس داخل عمق الدائرة المتعالية. على هذا الأساس يمكننا الآن أن نعلن بكل ثقة أن القداسة المعطاة خارج تلك الدائرة هي قداسة رمزية محضة (وضعية positive ) ، تستقي بلاغتها من مشبه به مستقل ومنفصل وتتمسح في أعطافه المفهومية.. وتعلن بالتالي اعترافها بدرجتها الأحط منه..أو بدرجته الأسمى فوقها. ونقول أن هذا وجه ايجابي للقداسة ليس لانها تمنحنا تمييزا واضحا عن كل استخدام خارج ما نحتت من أجله كمفردة بل أيضا لأنها بذلك تعد أساسا لوحدة كل المقدسات عبر تساويها في القيمة..وهكذا تدفع بها كلها نحو التكامل أو حتى الفناء والغياب في مفهوم حدسي وشعوري واحد. هكذا تتساوى قداسة البقرة بقداسة حائط المبكى ، والأصنام ، ونهر الجانج لدى الهندوس والمعبد الذهبي عند السيخ ...الخ.. مادامت كلها تمثل محاولات اتصالية بالمتعالي واعتقاد بخلصوية محضة.
كلمة القداسة هنا .. وبقليل من التحليل يمكنها أن تعطنا رؤية مذهبية جديدة تعين على فهم الإمكانيات الغنية التي تعزز القواسم المشتركة الكبرى لدى الأطروحات الثيولوجية المختلفة.