أدب السجون فاليري شولتز - في السجن، الكتابة فعل تحرير.. ترجمة: نهى الرومي

الكتابة فعل عزلة، لكنني أعرف أن كتابتي نضجت عبر السنين بمساعدة مجموعات الكتابة وورش الكتابة ومن تعليقات الكتاب الآخرين.

مضى الشاعر، نقل إلى منشأة أخرى، هذا لم يكن خياره، عندما يكون المرء مسجونًا فإنه يذهب إلى حيث يرسل. ظهر اسمه على قائمة المنقولين، حزم أشعاره وكان على ظهر الحافلة بحلول نهاية الأسبوع، كما لو أنه لم يكن هنا قط.

“هنا” حيث أعمل، في مكتبة سجن الولاية. تعد هذه المكتبة بالتحديد شذوذًا في السجن، غرفة ضخمة سقفها عال، محاطة بأرفف ونوافذ، مفعمة بالضوء، تنفح برائحة الكتب التي يحبها القراء. إنها واحة، بقعة صغيرة من الصفاء بين قيود المنشأة.

تعرفت على الشاعر عندما طلب إلي أن أصحح بعض قصائده قبل أن يرسلها إلى عدة محررين. قضى كل يوم جزءًا من يومه على إحدى الآلات الكاتبة في المكتبة، لذا كان وجهه مألوفًا لي. تلقى بضعة ردود بالرفض، وبوصفي زميلًا كاتبًا حرًا شاركته كذلك رقمي القياسي من رسائل الرفض.

الكتابة فعل عزلة، لكنني أعرف أن كتابتي نضجت عبر السنين بمساعدة مجموعات الكتابة وورش الكتابة ومن تعليقات الكتاب الآخرين. سألت الشاعر إن كانت فكرة المجموعات الكتابية تثير اهتمامه، ووافق على الفور. وسألت بعضًا من الكتاب الآخرين في المكتبة، الرجل الذي يكتب روايته الفانتازية، المجلد الأول من سلسلة من عشرة مجلدات، والذي يكتب قصة أطفال ليساعد الأطفال على التكيف مع حالات الوفاة. والحاصل على درجة الماجستير في الكتابة الإبداعية، الذي تقرأ مقالته حول الحياة في السجن كما لو أن تيم أوبراين ذهب إلى السجن بدلًا من حرب فيتنام. وانضموا كلهم. طلب مني شاب آخر الانضمام إلى المجموعة، ولم يكن يكتب شيئًا من قبل، لكنه قد يبدأ الآن، وطلب أن يصطحب معه صديقه، وهكذا كنا -مع الشاعر- ستة كتاب في اجتماعنا الأول.

بدأنا بالمقدمات، أعطيت كلًا منهم بعض الأوراق لأن الدفاتر العادية ذات السلك كانت محظورة، وتابعنا بتمرين كتابي: خمس دقائق لكتابة أولى ذكرياتنا، انهمك الكتاب المتمرسون، ونظر الكاتبان المستجدان حولهما بقلق ثم بدأا بالكتابة.

كان هذا قبل أربع سنوات، حيث واظبنا على الاجتماع في المكتبة كل ظهيرة ثلاثاء. حظيت بالاستماع إلى مستوى عال من الكتابة. ”وكأبي، كنت أبا لابن لا أب له” كتب شاب اثني عشر مقطعًا لفظيًا يحتوي عالمًا من المعاناة والألم، بالإضافة إلى تشخيص لأحد أخطر أمراض المجتمع. ”نحن الأغنام السوداء، المقذوفة خارج الواقع” كتب شخص يكبره، في ومضة تجلٍ أخرى وإنكار فطن للنفس. أجد نفسي مستكينًا بالجلوس بين مجموعة من الكتاب يكتشفون الخلاص المكنون في فعل الكتابة.

هؤلاء ليسوا كتابًا ينقرون على حاسب محمول، أو يقرأون من جهاز آيفون. باستثناء أجهزة سطح المكتب لغرض البحث القانوني، وجهاز الحاسب في مكتبي، تعيش المكتبة هنا في زمن منسي تقنيًا. يستعمل هؤلاء الكتاب أقلام الرصاص وأقلام الحبر وتبويبات غريبة لأوراقهم، يخربشون طريقهم بين صفحات وصفحات من الكلمات، ويكتشفون بذلك ما يفكرون به حقًا، بعيدًا عن رنين الأصفاد وامتثالات حياة السجن.

“لن أجد مرة أخرى في حياتي وقتًا كهذا لأشتغل على نفسي” كتب سجين سيعود إلى بيته قريبًا وأدرك الناحية العلاجية في الكراسة المعبأة.

محور الأمور عند هؤلاء الكتاب هو الجلادة والغضب، والتوق والعدالة، ومع هذا يمضون الكثير من الوقت في التفكير بمفردة واحدة، بفاصلة منقوطة، بزمن فعل.

“كنت سأطارده، فكرت أن علي أن أطيحه أرضًا، ثم قلت: ربما كان يومه سيئًا”، كتب أحد الكتاب ملمحًا إلى مفهوم التعاطف بعد ثلاثين سنة متوحدة في السجن.

حضور المجموعة تزايد وتضاءل ثم تزايد مجددًا حسب قدوم المساجين وذهابهم.كل أسبوع يتطوع ثلاثة كتاب ليقرأوا أعمالهم ويستقبلوا الاقتراحات والتنويهات، يضحكون وأحيانًا يبكون، وأشجعهم على تقديم أعمالهم، وعلى نشرها، لتكتمل الحلقة من الكاتب للقارئ، وليملأ الرضا قلوبهم برؤية أعمالهم مطبوعة، ليفخروا بشيء قاموا به حين كانوا مقيدين.

قبل ثلاثة سنوات بدأنا بتنسيق صحيفة فصلية لساحة السجن، تتضمن كتابات إبداعية وأعمالًا فنية، ووصفات للقدور الساخنة ومقاطع علمية، أسميناها ”الطير المحبوس” كانت المكان الأول الذي نشر فيه بعض الكتاب مواهبهم، وكان العدد الأول مجرد صفحتين، وكان العدد السابق 16 صفحة.

قبل أن يذهب الشاعر شاركنا خبر وجود ثلاثة من أعماله قيد النشر. نشر عمل كاتب آخر في مجلة صغيرة، بلا مقابل لكنه لا يقدر بثمن، قطعته المنشورة الأولى من جعبته الخيالية. قد نرى يومًا أحد أعمدتهم في مجلة ذا نيويوركر.

يومًا ما سيخرج هؤلاء الكتاب من السجن، سيعودون إلى ما تبقى من حياتهم السابقة، لكنهم سيعودون كتابًا محنكين حساسين متأملين. يمتلكون قوة الكلمة المكتوبة، وأعلم أنهم سيواظبون على الكتابة، كشهادة لفعل الكتابة بأنها تأهيل وتحرير، بأنها ولادة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى