محمد خضير - ملاحظة حول اللقب الأدبي: "بخصوص الأسلوب والهوية"

يهمل النقدُ الأدبي الشكلاني قضية الانحدار الاجتماعي لكتّاب القصة والرواية وتأثيرها في تحديد الهوية الساردة واشتباكها الاجتماعي والثقافي بهويات الشخصيات ومفارقات اختيارها. وشاهدي هنا الانحدار الأسريّ لكاتب من جيل التغيير هو ضياء الجبيلي، اختار لقباً أدبياً مخففاً له، مع عنايته الشديدة بموضوعاته الإشكالية.
يُعرف الروائيَّ ضياء بلقب مخفَّف من حمولاته الأسريّة، حيث يُشار اليه باسم "جبيلي" من دون نسبٍ الى الجذر النبيل لأسرة السادة "الجُبَيليّين" العريقة في البصرة. ويبدو لي أن هذه الإشارة المخفَّفة ستغفل الانحدار الاجتماعي لهذا الكاتب النبيل، ودرجة انحرافه نحو منطقة مهملة تحتشد فيها شخصيات من عروق دينية واجتماعية مهملة (أرمن ويهود ومسيحيين) مشتبكة بالعروق الإسلامية السائدة. أما درجة هذا التشابك بين الطبقات والهويات السردية والشخصية فقد احتاج الى درجة من المفارقة الساخرة تصل حدّ التغريب الفنتازي (رواية: أسد البصرة، مثلا).
يشترك مع ضياء الجبيلي روائيان آخران، هما وحيد غانم ومرتضى كزار، في ريادة هذه المنطقة الفنتازية، والاشتباك بهوياتها الفرعية، وقد وجدا في إخفاء لقبيهما حافزا لتعميق جذور الاشتباك الهوويّ وتمثيل نسبِ شخصياتهم بتشجيرات تاريخية متخيّلة (رواية: السيد أصغر أكبر، لمرتضى كزار؛ والحلو الهارب الى بغداد، لوحيد غانم، مثلا) ودفعا بذلك التمثيل الى أقصى درجات المفارقة الساخرة.
يترسب التمثيلُ الفنتازي للواقع، في السردية العراقية، حتى الطبقة العميقة من الوجدان الشخصي والتاريخي لكتاب مرحلة العشرينيات: أنور شاؤول ويوسف متي وعطا أمين. عاصر أولئك الكتّاب فترة الاحتلال البريطاني وبوادر الصراع لتأسيس سردٍ اجتماعي انتقاديّ. الا أن وعيهم الشخصيّ اشتبك بعروق الهويات الطبقية ذات الطموح الشديد في الاعتراف بشخصياتها والارتفاع على حضيضها. آنذاك بزغت قصص "الرؤيا" المتّصفة بالتخييل الحر المفارِق للتيار الانتقادي في قصص أقرانهم الواقعيين، وأولِع وجدانُهم المرهف بثيمات نوعية ناشزة. وفي ضوء هذا النزوع المبكر المتمركز في العاصمة، قد نجد توازياً لتجربة الأحفاد البصريين الثلاثة مع مفارقة الرواد الفنتازيين، واشتباكاً لجذورهم الاجتماعية (الأسرية والثقافية) مع الطبقة العميقة لمدينة حكمها الترك والفرس والبريطانيون على التوالي وصولا الى الاحتلال الأخير، بعد مئة عام.




* نقلا عن:
https://www.facebook.com/profile.ph...gzbQarEgccH2Z1IWrg3YyrgwOs3Y3ux0UJDLQ&fref=nf

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى