1-
لا يتحدث الكرنفال إلا عن الجسد. وإذا كان يستعمل الأقنعة فإنه لا يفعل ذلك لإخفائه وإنما لإبرازه كجسد آخر، حيث يفتته ليعيد تشكيله وصنعه: الشيء الذي يفتح المجال أمام خطابات عديدة في هذا الموضوع.
وعليه، فإن الكلام عن الكرنفال هو كلام عن "طاقة" لا عن تشخيص. لذلك سنتحدث عنه كما لو أننا نتحدث عن منظومة كوكبية جديدة أو عن فصل خامس لأنه يستطيع أن يغير كل شيء؛ وقد حدث أنه غيركل شيء. وهذا هو السبب الذي جعلنا نحوله الى "فرجة". (..)
***
2-
يمارس الكرنفال كل أنواع الهجومات الممكنة ضد الجسد الأحاداتي من أجل أن يغيره. وهكذا ننتقل من جسد يتحدد بدقة عبرالجلدة والأعضاء إلى جسد لا متفرد تتحول كليا حدوده وأوضاعه ووظائفه، بحيث تنمحي التضاريس الاجتماعية والذهنية لتبرزالحدود الجديدة لما يسميه باختين : الجسدالسخري ( le corps grotesque) .
***
3- الانمحاء
إن التنكر هو إحدى التقنيات الأولى لبروز الجسد الكرنفالي الذي يشع في أجساد لطخت بالسواد وتبدلت سحنتها، وفي وجوه ذكورية أصبحت ذات طلعة أنوثية، إذ بدل تأكيد الذات في ما تنطوي عليه من فردانية أو صميمية، فإننا لا نعتبر سوى ملامح ما هو خارج الجسد إلى أن نضيع في عالم الغيرية، غيرية تأخذ صفة معكوسة داخل نظام القيم. مثلا : نستطيع أن نطلي الجسد بالريش لنتستر بين الحيوانات، أو نسود الوجه لنختفي في الظلمة التي ستجري فيها عملية التقنع. كل ما هناك هو أن الجسد يروم بكل بساطة إلى الانمحاء. وبالتالي، فإن التطري بالمساحيق يعني الابتذال لأنه بقدرما أغير سحنتي بقدر ما أبدو أقل وضوحا بالنسبة إلى من ينظر إلي.
في هذا الصدد يورد فان جنب (V Gennep) حالات عديدة عن مظاهر التلطيخ والتسويد وتغييرالجنس تساهم في عملية التنكر هذه. من ذلك، أن >حفلات المهرجين في بار-سير-أوب ( Bar-Sur-Aube) خلال عيد ثلاثاء المرفع (Mardi- Gras) كانت تتعقد أحيانا عبرالمشهد الذي نرى فيه شخصا متوحشا وهو يأكل اللحم الطازج. إن هذا الشبه/ المتوحش يكاد يبدو عاريا. فبعد أن طلى جسده بالسخام وشد نصفه بحزام من ريش الطيور وجعل على رأسه الشعث تاجا مصنوعا من نفس المادة ربط نفسه بحبل ثم أخذ ينط ويشوِّر
لكن ما يهمنا في هذه الممارسات هوأن الممثلين لا يدخلون في اللعبة ولا يندمجون في الموضوع أوالحيوان الذي يحاكونه، وإنما يلعبون فقط. ذلك أن الرجل الذي يتنكر مثلا في شكل امرأة لا يتوغل في الأنوثة، وإنما يعمل على تجسيد الفكرة والمبدأ كما هوالشأن في ظواهرالتنكر الشرقية، إذ لا شيء يبدو هستيريا في الالتقاط الرمزي للغيرية.
وهكذا، فإن المتنكرالكرنفالي يجعل نفسه في حالة "عرض" فيما وراء الجسد بحيث يعمل داخل العلامات بعد أن ينتهك حدود الجسد ويخترقها. إن هذا النسق الذي ينحصرفي تجاوزالحدود هو ما يسميه سفيرو سردي ( Svero Sarduy ) " فنا متضخم الأعضاء" (Un art hypertélique)، لأن فعل"الانمحاء" عبرالاختلاط باللوحة الخلفية هوأسلوب المتنكر. ومن الأكيد أنه يعد شكلا من أشكال المحاكاة التي لا تتجلى في المقنع، إذ ما أن تنصاع الذات إلى دوارة الأقنعة، وما أن تعطي لهذه الأخيرة أشكال وألوان الفضاء المحيطي، فإن الأمر ينحصر في إزعاج الذات وتذويبها كالفراشة التي تأخذ شكل الورقة التي تحط فوقها. وعليه، فإن الجسد السخري هو أولا جسد محلول يتلاشى في الفضاء. وهذا ما دفع روجي كايوا (Roger Caillois) إلى التأكيد على تبدد "الأنا" في المحاكاة وذلك بقوله >إن شعورالشخصية بوصفه شعورا لتميزالجسد في نطاق البيئة ولعلاقة الوعي بنقطة معينة من الفضاء لا يلبث ضمن هذه الشروط أن يغدو ملغوما لجدة
***
هناك إذا إغراء للفضاء وضرب من تملك للكون عبرالجسد الكرنفالي: لأنه سواء قلنا "كونا" (cosmos) أو"دهنا" ( Cosmétique) فإن التلاعب بالألفاظ أمر سهل ما دام هذا التلاعب يجد مسوغه في الحقيقة التالية: وهو أن التقنع يفتح الجسد للكون، وعن طريق هذا الانفتاح -الذي يتم عبر امتزاج التنكر والمحاكاة -ينبثق أول تشكيل للجسد السخري.
4- الملء- التفريغ
يمارس الكرنفال على الجسد السخري عمليات أخرى. لذلك، يجب الحديث عن "فن للثقوب". فكما عرض الجسد نفسه مثقوبا (فجوات- فتحات)، فإن الكرنفال يستغل ذلك إما عن طريق النفخ أوالفش لأن المسألة كلها تنحصر في خرق القاعدة. وهكذا يستطيع الجسد السخري مرة ثانية أن يتغلب على حدوده الخاصة بحيث يرقى إلى درجة كونية بعد أن تتسرب إليه المادة وكل أنواع الهواء والرياح إلى حد أن تنمحي الحدود بين "الأنا" والعالم. وهذا >يعني أن الجسد السخري هو جسد متحرك لا يكون جاهزا أو منتهيا؛ وإنما هو دوما في حالة تأسيس وخلق، كما أنه يؤسس بنفسه جسدا آخر<.><p>***</p><p>من هنا نفهم لماذا تبدو بعض الأعضاء ذات امتياز في الكرنفال؛ لأنها تنظم هذا التبادل: (أعضاء مفتوحة -أعضاء مثقوبة-أعضاء غير مغلقة كالفم والأست).
إن هذه الأعضاء تأخذ -تناظرا-وضعية معكوسة فوق الجسد. أما صور العكس -وهي جد متواترة في الكرنفال-فإنها تستمد جذورها، لا محالة، من هذا العكس العضوي. فهناك أولا الفم الذي يتكفل بملء الجسد أو تفريغه: أي الفم المفتوح والمنفغر الذي يكاد يكون مدورا وكبيرا ليؤكد على التعبيرالمرير للرأس
وبما أنه لا يوجد قناع يجعله ينفتح بشكل واسع، فإنه لا علاقة له بالتعبيرأوبعملية التواصل، وإنما يهم الكرنفال كقناة لتسمين الجسد. وهذا ما يجعلنا ندرك سبب كثرة الطعام الذي يملأ الجسد السخري وفيض الأكل في قصة الأميرة براميا (La princesse Brambilla ) لهوفمانHoffmann وكذا في الممثل البديل ( La doublure) لروسيل (Roussel)، وهما أديبان يعتمدان في الأساس على الكرنفال.
في هذين النصين نأكل ونُؤكل. أما ما يؤكل، فإنه يقذف ثم يبلع من جديد: كالبرازات والأمعاء والمعدة. لذلك يبقى الفصيد والكرِش من الأطعمة المفضلة في الكرنفال عبرحلقة الجسد السخرى الذي يمارس عليه عمليا الملء والتفريغ. ومادامت المعدة تأكل وتؤكل، فإن الطعام في كرنفال روسيل (الذي هو تجسيد لكرنفال مدينة نيس) يقوم بنفس الدور الذي يقوم به نثار الورق الملون ( confetti) حيث يكتسي شكله (حبات وأقراص ملبسة بالسكر)، ثم يأخذ في ملء الجسد كما نملأ كيسا بكريات العاج
***
يرتبط فم الجسد الكرنفالي بثلاثة أعضاء أخرى قابلة للمد أوالبسط وهي: البطن والأنف والذكر أو ما يقوم مقامه. إن هذه الأعضاء الثلاثة تتضخم في الكرنفال. وبما أن هذه القطعة من الكون قد ابتلعها الفم، فإنه يجب على الجسد أن يقوم بتخزينها كما يجب، في الوقت ذاته، أن يفرط في المبالغة. لذلك، نجد الأنوف في كرنفال روسيل مضحكة وضخمة. بل إنها تبدو أحيانا وقد علاها ندب أودمل أوخرّاج صلب ومستدير:
في وجهه ذي الأنف الطويل
نشاهد نظارتين
وفي أعلى أنفه
يوجد خرّاج ضخم أحمر
نفس الشيء نلحظه في الكرنفال الذي يصفه هوفمان؛ من ذلك قوله مثلا: >في آخرالنهار شاهدنا في غمرة الاستعراض بروز قناع ذي لباس غريب ومضحك إلى حد أنه أثار كل الأنظار. وكانت فوق رأسه قلنسوة ذات شكل فريد تزينها ريشتا ديك. وكان للقناع أنف كخرطوم الفيل
وإذا كانت الأنوف ضخمة، فإن البطون تبدو كذلك غالبا. وهذا ما يجعل نص الممثل البديل يعج بصورالتكوير والتحديب، كما أننا نصادف موضوع "السمنة" في كتاب صراع الكرنفال والصوم الكبير لبروغل (le combat de Carnaval et Carème de Brueghel) حيث يظهر فيه الملك الصغيرللكرنفال وهو يرتدي لحافا من الريش.
***
وحينما لا يستطيع البطن أن ينتفخ داخل الجسد، فإن الكرنفال يعمل على قلبه كقفاز يد ليجعله يستمرفي تعدديته عبرالأقنعة التي تؤشر بوضوح في الممثل البديل إلى تراكم الأمعاء:
وضعت المرضعة البدينة فوق رأسها قلنسوة قطنية تحيط بها ثنيات أنبوبية ضخمة
وهكذا، فإن قناع الكرنفال لا يُظهرمساحة الجسد وإنما داخله، كما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن القناع ليس شيئا آخر سوى معدة مقلوبة (تشبه الظهر التناظري للنموذج المسلوخ : أي نموذج إنسان أوحيوان يرسمه طلاب معهد الفنون الجميلة).
***
وإذا كان الجسد يستطيع الامتلاء بالكون، فإنه يلزمه كذلك أن يفرغ. وهنا يتجلى دورالإست الذي تخرج منه أشياء تكون أساسا سائلة أو مائعة وذلك عبر إسهالات أو رياح لأنه يجب أن يعاد إلى الكون ما أخذه منه ثنائي الفم والطعام. وفي هذه المرة، فإن الجسد سيصبح "كونا" الشيء الذي يحمله -اشتياقيا- على التنكر (قلنا "دهنا" سابقا) خصوصا وأن الإسهالات تبدو متواترة في الكرنفال. من ذلك أن أحد شخوص الأميرة برامبيا داهمه إسهال كبيرجعله يفرغ كل ما في داخله >وفجأة أحس الأمير بإسهالات فظيعة، وكان من الطبيعي أن يربط مصدرها بأكلة بولشنيك الكثيرة التوابل<.><p>أما أنواع الضراط، فإنها لا تحصى لأنها بالضبط ذات بعد مناخي، في هذا الصدد، يمكن أن نتذكراستعراضات >النفخ بالإست< ( souffle cul) التي أشار إليها فان جنب ( Van Gennep) ثم تحدث عنها ببراعة كلود غينيوبي ( C. Gaignebet) قائلا: >لتحقيق هذا الجريان لاحظنا انبثاق طقوس لها علاقة بالنفخ منها طقس أساسي ينحصر في استعمال منفاخات ( soufflets )، وهي آلة استمد منها المجانين إسمهم في اللغة الفرنسية. ثم هناك طقس آخر كان ينحصر في استهلاك أطعمة تولد غازات مما يؤدي إلى إثارة النفخ والريح داخل البطن
5- الغربلة - الانصهار
هذا ما يتعلق بالمنافذ أوالأجزاء الممتدة للجسد السخري. فحيث لا يكون الجسد مساميا، فإن الكرنفال يتكفل بغربلته وتحويله إلى جسد/مصفاة، وكذلك تبدو وظيفة النثار( confetti) ( الورق الملون ) العدوانية والثاقبة. ومن ثم، لم نعد نحصي في الممثل البديل اللقطات التي يتراشق خلالها الشخوص بتلك الكويرات الصغيرة المصنوعةمن الجص، لأن فعل ثقب الجسد هي نفس الوظيفة التي تقوم بها عمليات الرش (بالوحل أوالرماد أوالبرازات ) التي وقف عليها فان جنب في أنواع عديدة من الفلكلور. أما عند روسيل ،فهناك هاموية (Vampirisme ) للنثار(الورق الملون). فاذا لم يتمكن هذا الأخير من ثقب الجسد، فإنه يقوم بحشوه كالكيس:
وبسرعة فائقة لاحقه غاسبار
ساعيا إإلى اختزال المسافة التي تفصلهما
قبل أن يضرب. وبينما كان يجري
خرج مجرفته من كيسه شبه الفارغ وهي ممتلئة ثانية
ثم ألقى كل شيء على الرجل القوي</p><p>مسددا العنق بإحكام كبير...</p><p>***</p><p>وسواء قامت عمليات الرش والنثار بالإفراغ أوالحشو، فإنها تفعل فعلها في الجسد السخري لينقذ جلدته العتيقة. وبما أننا تحدثنا عن الهاموية، فهناك نص للكاتب لورانس دايرل ( L . Durrell) عن الكرنفال يرتبط بهذه الظاهرة. ويتعلق الأمربشاب كان جسده مليئا باللدغات خلال كرنفال البندقية. لم يكن الأمر ينحصر في لدغة واحدة كما هو سائد في التقليد، وإنما في عدد لامتناهي من اللدغات. هنا أيضا يجب الوقوف على كيفية بروز استراتيجية الغربلة التي فعلت فعلها قبلا، و بطريقة رمزية، في مجال نثار الورق الملون: > في هذه السنة توجهنا جميعا إلى الكرنفال ...وأنتم تعرفون أن الكرنفال هوإحدى مراحل السنة التي تتجول فيها الهامات ( Vampires) بكامل الحرية...
***
في نهاية المطاف يتجلى آخر شكل للجسد السخري في الانصهار، حيث تنصهر الأجساد في الكرنفال لتكون جسدا واحدا. وهكذا نجد في الممثل البديل أطفالا غائصين في نفس القدر، كما نجد آخرين يتجمعون داخل ماثل واحد ( Mannequin )، كما هو الشأن في لعبة بدوش (Bidoche) و لعبة الحصان/التنورة أولعبة السلم النقال. لهذا السبب، نلاحظ في الكرنفال حضور عدد كبير من العمالقة أوالشخصيات التوأمة. ففي الاميرة برامبيا ينظم الانصهار خروجا مضاعفا للجسد: حيث نرى مصارعين جسما لجسم وقد تداخلا فيما بينهما، ثم صارا يتبادلان موادهما وأنفاسهما كما أخذا في نفس الوقت يتجاوزان نحو العالم:</p><p>كانت رجلهما اليسرى تبدو وكأنها تنغرس في الارض.</p><p>وهكذا ارتقي المصارعان إلى جلدة ثانية خاصة بالجسد السخري إلى درجة أن شقا في اللباس يبدو وكأنه جرح حقيقي تجب معالجته.
***
6- العكس
يحتفي الكرنفال بتدمير العالم القديم وميلاد العالم الجديد والسنة الجديدة والربيع الجديد والنفوذ الجديد. وهكذا يقدم العالم المدمر ويجسد رفقته العالم الجديد: الشيء الذي يجعل صورالكرنفال تمدنا بأشياء كثيرة في وضعية معكوسة كالوجوه والأحجام التي تخرق عمدا</p><p>في هذا الصدد يركز إمانويل لوروا (E.LeRoy ) في تحليله لكرنفال رومانس 1580(وهو احتفال تحول إلى ثورة) على طقوس العكس: العكس الزمني والعكس الاجتماعي، حيث يلعب المحكومون دورالحكام وتقوم أدوات المنزل بوظائف أخرى غير وظائفها العادية، كما تقلب القواعد الجنسية إلى حد أننا نشاهد فجورا آدِميا ( cannibalique ) يندرج تحت الشعار التالي: > في رومانس يباع لحم المسيحي
وفي نطاق الاستيهام، فإن العكس له علاقة بالانصهار والمضاعفة. وبالتالي، فإذا كانت الأقنعة تعمل على خلخلة الأشياء، فإنها تنصهر كذلك في الأجساد وتضاعفها: الشيء الذي دفع هوفمان (Hoffmann) إلى إبراز العكس والمضاعفة على نفس المستوى في الاميرة برامبياإذ يتعلق الأمر هنا بمرآة سحرية (ينبوع أوردارla fontaine Urdar) تقدم صورة معكوسة عن الأشياء: >حينما رأوا من عمق لانهائي السماء الصافية الزرقاء والغابات والأشجار والورود والطبيعة وصورتهم الشخصية و كل شيء معكوس، شعروا حينذاك وكأن العصابة سقطت عن أعينهم ثم تجلى أمام نظرهم عالم جديد مليء بالحياة والبهجة
انطلاقا من هذه العجيبة وعبرتها قام أحد الشخوص بتقريب هذه الظاهرة من التفكهة التي تعد مضاعفة سخرية للأشياء: >حينما تخلق هذه القوة الخارقة للفكر مضاعفة ساخرة وهزلية من ذاتها، فإنها تعترف بنقائصها في نطاق هذه الهزأة
وإذا عدنا إلى روسيل، فإننا نلاحظ لديه كذلك اقتران العكس بالمضاعفة حيث تتجلى هذه الأخيرة عبرالأقنعة أوعبرالنص بعد أن يحمل كل ماثل في الكرنفال لوحة إعلانية تضاعفه و تكرره. وهكذا، فإن كل مضاعفة كلامية لمضاعفة ملبسية (أناصر نصيرا-هذا شيء يرهقني- أنا قادم من باريس ) تبدو وكأنها تهدف إلى إغلاق الأجساد على نفسها. ولكن روسيل يبادر فورا إلي فتحها من جديد عن طريق البحث عن نقائصها ومفارقاتها مما يجعلنا نصادف كثيرا في الممثل البديلالصورة التالية: وهي >أن كل ما يغطي ينغلق
7- الكتابة - التهريج - النقد
ماذا نقول في الكرنفال؟ كلام لا معنى له. من هنا، فإن الفم المفتوح لا ينغلق. ولأنه غرفة صدى، فإنه لا يصدر عنه سوى الدال (الصدى نفسه) أوالنسق بمفهوم روسيل. وهوليس شيئا آخر سوى ترقيع دوال بدوال أخرى، أي أنه بين كلمة تنحدر من كلمة أخرى وتنساب فوق المنحدر الناعم لتماثل الصوت ( homophonie) ؛ هناك نفس الفضاء ونفس الفجوة التي تفصل وجها عن القناع.
بعبارة اخرى، إن القناع والنسق (الكرنفال والكتابة) يتضاعفان كما يضاعف كل منهما الآخر. لهذا السبب، فكل كتابة نسقية مثل كتابة روسيل لا يمكن لها أن تتحدث عن شيء آخر سوى الكرنفال، لأنه الطريقة التي تخول له عدم الانحراف عن هذه الكتابة، حيث الكرنفال يوازي الأقنعة المفروغة من الوجوه، بينما يوازي التخيل الكلمات المفصولة عن الكلمات (...). في الممثل البديل نشاهد رجلا أصلع وهو يغني النشيد الوطني الفرنسي ويمسك بيده لوحة كتب عليها أنا أصلع أليس كذلك !
ومن ثم، فإن الكرنفال لدى روسيل لا يوجد في أزقة مدينة نيس Nice، بل في الكتابة التي يشبه لعبها بهلوانية صوتية. لقد أدرك باطاي (Bataille) أهمية هذه اللغة التي تعمل على تفجير اللغة الناقلة والنفعية وذلك حينما أكد على أن "النقديات" قد تخلصت من ازدراء الأجيال كما تخلصت من دماغ كل الذين أعمتهم قهقهة ... لأن ما يهم ليس هوالضحك وإنما القهقهة.
ملاحظة
(...) هذا الرسم يشير الى حذف مقطع أوجملة من النص السخري ( الجسد السخري corps grotesque)
ترجمة : د. حسن المنيعي
لا يتحدث الكرنفال إلا عن الجسد. وإذا كان يستعمل الأقنعة فإنه لا يفعل ذلك لإخفائه وإنما لإبرازه كجسد آخر، حيث يفتته ليعيد تشكيله وصنعه: الشيء الذي يفتح المجال أمام خطابات عديدة في هذا الموضوع.
وعليه، فإن الكلام عن الكرنفال هو كلام عن "طاقة" لا عن تشخيص. لذلك سنتحدث عنه كما لو أننا نتحدث عن منظومة كوكبية جديدة أو عن فصل خامس لأنه يستطيع أن يغير كل شيء؛ وقد حدث أنه غيركل شيء. وهذا هو السبب الذي جعلنا نحوله الى "فرجة". (..)
***
2-
يمارس الكرنفال كل أنواع الهجومات الممكنة ضد الجسد الأحاداتي من أجل أن يغيره. وهكذا ننتقل من جسد يتحدد بدقة عبرالجلدة والأعضاء إلى جسد لا متفرد تتحول كليا حدوده وأوضاعه ووظائفه، بحيث تنمحي التضاريس الاجتماعية والذهنية لتبرزالحدود الجديدة لما يسميه باختين : الجسدالسخري ( le corps grotesque) .
***
3- الانمحاء
إن التنكر هو إحدى التقنيات الأولى لبروز الجسد الكرنفالي الذي يشع في أجساد لطخت بالسواد وتبدلت سحنتها، وفي وجوه ذكورية أصبحت ذات طلعة أنوثية، إذ بدل تأكيد الذات في ما تنطوي عليه من فردانية أو صميمية، فإننا لا نعتبر سوى ملامح ما هو خارج الجسد إلى أن نضيع في عالم الغيرية، غيرية تأخذ صفة معكوسة داخل نظام القيم. مثلا : نستطيع أن نطلي الجسد بالريش لنتستر بين الحيوانات، أو نسود الوجه لنختفي في الظلمة التي ستجري فيها عملية التقنع. كل ما هناك هو أن الجسد يروم بكل بساطة إلى الانمحاء. وبالتالي، فإن التطري بالمساحيق يعني الابتذال لأنه بقدرما أغير سحنتي بقدر ما أبدو أقل وضوحا بالنسبة إلى من ينظر إلي.
في هذا الصدد يورد فان جنب (V Gennep) حالات عديدة عن مظاهر التلطيخ والتسويد وتغييرالجنس تساهم في عملية التنكر هذه. من ذلك، أن >حفلات المهرجين في بار-سير-أوب ( Bar-Sur-Aube) خلال عيد ثلاثاء المرفع (Mardi- Gras) كانت تتعقد أحيانا عبرالمشهد الذي نرى فيه شخصا متوحشا وهو يأكل اللحم الطازج. إن هذا الشبه/ المتوحش يكاد يبدو عاريا. فبعد أن طلى جسده بالسخام وشد نصفه بحزام من ريش الطيور وجعل على رأسه الشعث تاجا مصنوعا من نفس المادة ربط نفسه بحبل ثم أخذ ينط ويشوِّر
لكن ما يهمنا في هذه الممارسات هوأن الممثلين لا يدخلون في اللعبة ولا يندمجون في الموضوع أوالحيوان الذي يحاكونه، وإنما يلعبون فقط. ذلك أن الرجل الذي يتنكر مثلا في شكل امرأة لا يتوغل في الأنوثة، وإنما يعمل على تجسيد الفكرة والمبدأ كما هوالشأن في ظواهرالتنكر الشرقية، إذ لا شيء يبدو هستيريا في الالتقاط الرمزي للغيرية.
وهكذا، فإن المتنكرالكرنفالي يجعل نفسه في حالة "عرض" فيما وراء الجسد بحيث يعمل داخل العلامات بعد أن ينتهك حدود الجسد ويخترقها. إن هذا النسق الذي ينحصرفي تجاوزالحدود هو ما يسميه سفيرو سردي ( Svero Sarduy ) " فنا متضخم الأعضاء" (Un art hypertélique)، لأن فعل"الانمحاء" عبرالاختلاط باللوحة الخلفية هوأسلوب المتنكر. ومن الأكيد أنه يعد شكلا من أشكال المحاكاة التي لا تتجلى في المقنع، إذ ما أن تنصاع الذات إلى دوارة الأقنعة، وما أن تعطي لهذه الأخيرة أشكال وألوان الفضاء المحيطي، فإن الأمر ينحصر في إزعاج الذات وتذويبها كالفراشة التي تأخذ شكل الورقة التي تحط فوقها. وعليه، فإن الجسد السخري هو أولا جسد محلول يتلاشى في الفضاء. وهذا ما دفع روجي كايوا (Roger Caillois) إلى التأكيد على تبدد "الأنا" في المحاكاة وذلك بقوله >إن شعورالشخصية بوصفه شعورا لتميزالجسد في نطاق البيئة ولعلاقة الوعي بنقطة معينة من الفضاء لا يلبث ضمن هذه الشروط أن يغدو ملغوما لجدة
***
هناك إذا إغراء للفضاء وضرب من تملك للكون عبرالجسد الكرنفالي: لأنه سواء قلنا "كونا" (cosmos) أو"دهنا" ( Cosmétique) فإن التلاعب بالألفاظ أمر سهل ما دام هذا التلاعب يجد مسوغه في الحقيقة التالية: وهو أن التقنع يفتح الجسد للكون، وعن طريق هذا الانفتاح -الذي يتم عبر امتزاج التنكر والمحاكاة -ينبثق أول تشكيل للجسد السخري.
4- الملء- التفريغ
يمارس الكرنفال على الجسد السخري عمليات أخرى. لذلك، يجب الحديث عن "فن للثقوب". فكما عرض الجسد نفسه مثقوبا (فجوات- فتحات)، فإن الكرنفال يستغل ذلك إما عن طريق النفخ أوالفش لأن المسألة كلها تنحصر في خرق القاعدة. وهكذا يستطيع الجسد السخري مرة ثانية أن يتغلب على حدوده الخاصة بحيث يرقى إلى درجة كونية بعد أن تتسرب إليه المادة وكل أنواع الهواء والرياح إلى حد أن تنمحي الحدود بين "الأنا" والعالم. وهذا >يعني أن الجسد السخري هو جسد متحرك لا يكون جاهزا أو منتهيا؛ وإنما هو دوما في حالة تأسيس وخلق، كما أنه يؤسس بنفسه جسدا آخر<.><p>***</p><p>من هنا نفهم لماذا تبدو بعض الأعضاء ذات امتياز في الكرنفال؛ لأنها تنظم هذا التبادل: (أعضاء مفتوحة -أعضاء مثقوبة-أعضاء غير مغلقة كالفم والأست).
إن هذه الأعضاء تأخذ -تناظرا-وضعية معكوسة فوق الجسد. أما صور العكس -وهي جد متواترة في الكرنفال-فإنها تستمد جذورها، لا محالة، من هذا العكس العضوي. فهناك أولا الفم الذي يتكفل بملء الجسد أو تفريغه: أي الفم المفتوح والمنفغر الذي يكاد يكون مدورا وكبيرا ليؤكد على التعبيرالمرير للرأس
وبما أنه لا يوجد قناع يجعله ينفتح بشكل واسع، فإنه لا علاقة له بالتعبيرأوبعملية التواصل، وإنما يهم الكرنفال كقناة لتسمين الجسد. وهذا ما يجعلنا ندرك سبب كثرة الطعام الذي يملأ الجسد السخري وفيض الأكل في قصة الأميرة براميا (La princesse Brambilla ) لهوفمانHoffmann وكذا في الممثل البديل ( La doublure) لروسيل (Roussel)، وهما أديبان يعتمدان في الأساس على الكرنفال.
في هذين النصين نأكل ونُؤكل. أما ما يؤكل، فإنه يقذف ثم يبلع من جديد: كالبرازات والأمعاء والمعدة. لذلك يبقى الفصيد والكرِش من الأطعمة المفضلة في الكرنفال عبرحلقة الجسد السخرى الذي يمارس عليه عمليا الملء والتفريغ. ومادامت المعدة تأكل وتؤكل، فإن الطعام في كرنفال روسيل (الذي هو تجسيد لكرنفال مدينة نيس) يقوم بنفس الدور الذي يقوم به نثار الورق الملون ( confetti) حيث يكتسي شكله (حبات وأقراص ملبسة بالسكر)، ثم يأخذ في ملء الجسد كما نملأ كيسا بكريات العاج
***
يرتبط فم الجسد الكرنفالي بثلاثة أعضاء أخرى قابلة للمد أوالبسط وهي: البطن والأنف والذكر أو ما يقوم مقامه. إن هذه الأعضاء الثلاثة تتضخم في الكرنفال. وبما أن هذه القطعة من الكون قد ابتلعها الفم، فإنه يجب على الجسد أن يقوم بتخزينها كما يجب، في الوقت ذاته، أن يفرط في المبالغة. لذلك، نجد الأنوف في كرنفال روسيل مضحكة وضخمة. بل إنها تبدو أحيانا وقد علاها ندب أودمل أوخرّاج صلب ومستدير:
في وجهه ذي الأنف الطويل
نشاهد نظارتين
وفي أعلى أنفه
يوجد خرّاج ضخم أحمر
نفس الشيء نلحظه في الكرنفال الذي يصفه هوفمان؛ من ذلك قوله مثلا: >في آخرالنهار شاهدنا في غمرة الاستعراض بروز قناع ذي لباس غريب ومضحك إلى حد أنه أثار كل الأنظار. وكانت فوق رأسه قلنسوة ذات شكل فريد تزينها ريشتا ديك. وكان للقناع أنف كخرطوم الفيل
وإذا كانت الأنوف ضخمة، فإن البطون تبدو كذلك غالبا. وهذا ما يجعل نص الممثل البديل يعج بصورالتكوير والتحديب، كما أننا نصادف موضوع "السمنة" في كتاب صراع الكرنفال والصوم الكبير لبروغل (le combat de Carnaval et Carème de Brueghel) حيث يظهر فيه الملك الصغيرللكرنفال وهو يرتدي لحافا من الريش.
***
وحينما لا يستطيع البطن أن ينتفخ داخل الجسد، فإن الكرنفال يعمل على قلبه كقفاز يد ليجعله يستمرفي تعدديته عبرالأقنعة التي تؤشر بوضوح في الممثل البديل إلى تراكم الأمعاء:
وضعت المرضعة البدينة فوق رأسها قلنسوة قطنية تحيط بها ثنيات أنبوبية ضخمة
وهكذا، فإن قناع الكرنفال لا يُظهرمساحة الجسد وإنما داخله، كما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن القناع ليس شيئا آخر سوى معدة مقلوبة (تشبه الظهر التناظري للنموذج المسلوخ : أي نموذج إنسان أوحيوان يرسمه طلاب معهد الفنون الجميلة).
***
وإذا كان الجسد يستطيع الامتلاء بالكون، فإنه يلزمه كذلك أن يفرغ. وهنا يتجلى دورالإست الذي تخرج منه أشياء تكون أساسا سائلة أو مائعة وذلك عبر إسهالات أو رياح لأنه يجب أن يعاد إلى الكون ما أخذه منه ثنائي الفم والطعام. وفي هذه المرة، فإن الجسد سيصبح "كونا" الشيء الذي يحمله -اشتياقيا- على التنكر (قلنا "دهنا" سابقا) خصوصا وأن الإسهالات تبدو متواترة في الكرنفال. من ذلك أن أحد شخوص الأميرة برامبيا داهمه إسهال كبيرجعله يفرغ كل ما في داخله >وفجأة أحس الأمير بإسهالات فظيعة، وكان من الطبيعي أن يربط مصدرها بأكلة بولشنيك الكثيرة التوابل<.><p>أما أنواع الضراط، فإنها لا تحصى لأنها بالضبط ذات بعد مناخي، في هذا الصدد، يمكن أن نتذكراستعراضات >النفخ بالإست< ( souffle cul) التي أشار إليها فان جنب ( Van Gennep) ثم تحدث عنها ببراعة كلود غينيوبي ( C. Gaignebet) قائلا: >لتحقيق هذا الجريان لاحظنا انبثاق طقوس لها علاقة بالنفخ منها طقس أساسي ينحصر في استعمال منفاخات ( soufflets )، وهي آلة استمد منها المجانين إسمهم في اللغة الفرنسية. ثم هناك طقس آخر كان ينحصر في استهلاك أطعمة تولد غازات مما يؤدي إلى إثارة النفخ والريح داخل البطن
5- الغربلة - الانصهار
هذا ما يتعلق بالمنافذ أوالأجزاء الممتدة للجسد السخري. فحيث لا يكون الجسد مساميا، فإن الكرنفال يتكفل بغربلته وتحويله إلى جسد/مصفاة، وكذلك تبدو وظيفة النثار( confetti) ( الورق الملون ) العدوانية والثاقبة. ومن ثم، لم نعد نحصي في الممثل البديل اللقطات التي يتراشق خلالها الشخوص بتلك الكويرات الصغيرة المصنوعةمن الجص، لأن فعل ثقب الجسد هي نفس الوظيفة التي تقوم بها عمليات الرش (بالوحل أوالرماد أوالبرازات ) التي وقف عليها فان جنب في أنواع عديدة من الفلكلور. أما عند روسيل ،فهناك هاموية (Vampirisme ) للنثار(الورق الملون). فاذا لم يتمكن هذا الأخير من ثقب الجسد، فإنه يقوم بحشوه كالكيس:
وبسرعة فائقة لاحقه غاسبار
ساعيا إإلى اختزال المسافة التي تفصلهما
قبل أن يضرب. وبينما كان يجري
خرج مجرفته من كيسه شبه الفارغ وهي ممتلئة ثانية
ثم ألقى كل شيء على الرجل القوي</p><p>مسددا العنق بإحكام كبير...</p><p>***</p><p>وسواء قامت عمليات الرش والنثار بالإفراغ أوالحشو، فإنها تفعل فعلها في الجسد السخري لينقذ جلدته العتيقة. وبما أننا تحدثنا عن الهاموية، فهناك نص للكاتب لورانس دايرل ( L . Durrell) عن الكرنفال يرتبط بهذه الظاهرة. ويتعلق الأمربشاب كان جسده مليئا باللدغات خلال كرنفال البندقية. لم يكن الأمر ينحصر في لدغة واحدة كما هو سائد في التقليد، وإنما في عدد لامتناهي من اللدغات. هنا أيضا يجب الوقوف على كيفية بروز استراتيجية الغربلة التي فعلت فعلها قبلا، و بطريقة رمزية، في مجال نثار الورق الملون: > في هذه السنة توجهنا جميعا إلى الكرنفال ...وأنتم تعرفون أن الكرنفال هوإحدى مراحل السنة التي تتجول فيها الهامات ( Vampires) بكامل الحرية...
***
في نهاية المطاف يتجلى آخر شكل للجسد السخري في الانصهار، حيث تنصهر الأجساد في الكرنفال لتكون جسدا واحدا. وهكذا نجد في الممثل البديل أطفالا غائصين في نفس القدر، كما نجد آخرين يتجمعون داخل ماثل واحد ( Mannequin )، كما هو الشأن في لعبة بدوش (Bidoche) و لعبة الحصان/التنورة أولعبة السلم النقال. لهذا السبب، نلاحظ في الكرنفال حضور عدد كبير من العمالقة أوالشخصيات التوأمة. ففي الاميرة برامبيا ينظم الانصهار خروجا مضاعفا للجسد: حيث نرى مصارعين جسما لجسم وقد تداخلا فيما بينهما، ثم صارا يتبادلان موادهما وأنفاسهما كما أخذا في نفس الوقت يتجاوزان نحو العالم:</p><p>كانت رجلهما اليسرى تبدو وكأنها تنغرس في الارض.</p><p>وهكذا ارتقي المصارعان إلى جلدة ثانية خاصة بالجسد السخري إلى درجة أن شقا في اللباس يبدو وكأنه جرح حقيقي تجب معالجته.
***
6- العكس
يحتفي الكرنفال بتدمير العالم القديم وميلاد العالم الجديد والسنة الجديدة والربيع الجديد والنفوذ الجديد. وهكذا يقدم العالم المدمر ويجسد رفقته العالم الجديد: الشيء الذي يجعل صورالكرنفال تمدنا بأشياء كثيرة في وضعية معكوسة كالوجوه والأحجام التي تخرق عمدا</p><p>في هذا الصدد يركز إمانويل لوروا (E.LeRoy ) في تحليله لكرنفال رومانس 1580(وهو احتفال تحول إلى ثورة) على طقوس العكس: العكس الزمني والعكس الاجتماعي، حيث يلعب المحكومون دورالحكام وتقوم أدوات المنزل بوظائف أخرى غير وظائفها العادية، كما تقلب القواعد الجنسية إلى حد أننا نشاهد فجورا آدِميا ( cannibalique ) يندرج تحت الشعار التالي: > في رومانس يباع لحم المسيحي
وفي نطاق الاستيهام، فإن العكس له علاقة بالانصهار والمضاعفة. وبالتالي، فإذا كانت الأقنعة تعمل على خلخلة الأشياء، فإنها تنصهر كذلك في الأجساد وتضاعفها: الشيء الذي دفع هوفمان (Hoffmann) إلى إبراز العكس والمضاعفة على نفس المستوى في الاميرة برامبياإذ يتعلق الأمر هنا بمرآة سحرية (ينبوع أوردارla fontaine Urdar) تقدم صورة معكوسة عن الأشياء: >حينما رأوا من عمق لانهائي السماء الصافية الزرقاء والغابات والأشجار والورود والطبيعة وصورتهم الشخصية و كل شيء معكوس، شعروا حينذاك وكأن العصابة سقطت عن أعينهم ثم تجلى أمام نظرهم عالم جديد مليء بالحياة والبهجة
انطلاقا من هذه العجيبة وعبرتها قام أحد الشخوص بتقريب هذه الظاهرة من التفكهة التي تعد مضاعفة سخرية للأشياء: >حينما تخلق هذه القوة الخارقة للفكر مضاعفة ساخرة وهزلية من ذاتها، فإنها تعترف بنقائصها في نطاق هذه الهزأة
وإذا عدنا إلى روسيل، فإننا نلاحظ لديه كذلك اقتران العكس بالمضاعفة حيث تتجلى هذه الأخيرة عبرالأقنعة أوعبرالنص بعد أن يحمل كل ماثل في الكرنفال لوحة إعلانية تضاعفه و تكرره. وهكذا، فإن كل مضاعفة كلامية لمضاعفة ملبسية (أناصر نصيرا-هذا شيء يرهقني- أنا قادم من باريس ) تبدو وكأنها تهدف إلى إغلاق الأجساد على نفسها. ولكن روسيل يبادر فورا إلي فتحها من جديد عن طريق البحث عن نقائصها ومفارقاتها مما يجعلنا نصادف كثيرا في الممثل البديلالصورة التالية: وهي >أن كل ما يغطي ينغلق
7- الكتابة - التهريج - النقد
ماذا نقول في الكرنفال؟ كلام لا معنى له. من هنا، فإن الفم المفتوح لا ينغلق. ولأنه غرفة صدى، فإنه لا يصدر عنه سوى الدال (الصدى نفسه) أوالنسق بمفهوم روسيل. وهوليس شيئا آخر سوى ترقيع دوال بدوال أخرى، أي أنه بين كلمة تنحدر من كلمة أخرى وتنساب فوق المنحدر الناعم لتماثل الصوت ( homophonie) ؛ هناك نفس الفضاء ونفس الفجوة التي تفصل وجها عن القناع.
بعبارة اخرى، إن القناع والنسق (الكرنفال والكتابة) يتضاعفان كما يضاعف كل منهما الآخر. لهذا السبب، فكل كتابة نسقية مثل كتابة روسيل لا يمكن لها أن تتحدث عن شيء آخر سوى الكرنفال، لأنه الطريقة التي تخول له عدم الانحراف عن هذه الكتابة، حيث الكرنفال يوازي الأقنعة المفروغة من الوجوه، بينما يوازي التخيل الكلمات المفصولة عن الكلمات (...). في الممثل البديل نشاهد رجلا أصلع وهو يغني النشيد الوطني الفرنسي ويمسك بيده لوحة كتب عليها أنا أصلع أليس كذلك !
ومن ثم، فإن الكرنفال لدى روسيل لا يوجد في أزقة مدينة نيس Nice، بل في الكتابة التي يشبه لعبها بهلوانية صوتية. لقد أدرك باطاي (Bataille) أهمية هذه اللغة التي تعمل على تفجير اللغة الناقلة والنفعية وذلك حينما أكد على أن "النقديات" قد تخلصت من ازدراء الأجيال كما تخلصت من دماغ كل الذين أعمتهم قهقهة ... لأن ما يهم ليس هوالضحك وإنما القهقهة.
ملاحظة
(...) هذا الرسم يشير الى حذف مقطع أوجملة من النص السخري ( الجسد السخري corps grotesque)
ترجمة : د. حسن المنيعي