تساءلنا في العدد الماضي عن مصير المسرح بعد طغيان السينما واجتذابها أنظار الأدباء والفنانين فضلاً عن توطد مكانتها بين الجماهير
وقبل أن نجيب على هذا السؤال دعنا نستمع إلى حدث لأدولف زوكور كبير مؤسسي شركة برامونت السينمائية لعله يغني أو يمهد للجواب
يقول زوكور لأحد الصحفيين الأمريكيين: (إن شركته متعاقدة مع 83 ممثلاً وممثلة، منهم 64 أتوا عن طريق المسرح والباقون خمسة أطفال، وأربعة من محطات الإذاعة، واثنان من الأوبرا، واثنان من الأندية الليلية، واثنان من الفرق الموسيقية وآخران عن طريق المسابقات الصحفية، وواحد من الألعاب الأولمبية، وآخر من أحد معاهد التمثيل!!)
فالغالبية الكبرى إذن قد تخرجت على المسرح، وأكثر الباقين قد كسبوا كذلك خبرة تمت إلى المسرح بصلة
وليست هذه الحال فريدة بأمريكا؛ فان المسرح في كل بلد يمد السينما بحاجتها من الممثلين. . . كما أن له نصيباً كذلك من تقديم طائفة من كبار المخرجين السينمائيين أمثال ريتهاردت ولوبتسن وماموليان وديتريل وغيرهم
نستخلص من ذلك أن تغذية السينما بحاجتها من الفنانين إنما هي خطوة تالية لنهوض كفايات مسرحية
ولكنا إذا نظرنا إلى حديث أدولف زوكور من ناحية أخرى فماذا نستخلص من وراء قوله إنه متعاقد مع 83 منهم 64 من المسرح؟
أو ليس معنى ذلك أن السينما تجرد المسرح من قواه وكفاياته، وأن المسرح أصبح وسيلة أو قنطرة عبور إلى السينما؟
أجل، هنا يتكشف الستر قليلاً عن محنة المسرح، فإذا سفرت حقيقة تلك المحنة، فإنما هي كلمة تضيء بنور يخطف الأبصار: (المال)
المال هو الذي يسلب المسرح جاهه ويقلم أظافره المال هو الذي يخلب برقه ألباب الكتاب والممثلين والفنانين فيجذبهم من أنوار المسرح الباهتة إلى أنوار الاستديو الساطعة
والواقع أن هؤلاء الأمريكيين لا يحسبون حساباً للمال، أو أنهم يحسبون حساباً عجيباً؛ ففي العام الماضي ابتاع هاري كوهين صاحب شركة كولومبيا حقوق إحدى المسرحيات الناجحة ببرودواي بمبلغ 40. 000 جنيه، نعم أربعين ألفاً، وكان هذا رقماً قياسياً شاءت شركة راديو أن تكسبه لنفسها فدفعت خمسين ألفاً من الجنيهات في مسرحية آبوت
وقبل ذلك بعام دفع سام جولدوين 160 , 000 دولار إلى سنكلير لويس في روايته التي شهدناها في الموسم الماضي.
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي قد يعتبرها المرء أمثلة لشغف هؤلاء القوم بالبذخ والإسراف
فأي كاتب يستطيع أن يحمل نفسه على الاقتناع بعد ذلك بما يقدمه له الناشر أو القارئ؟ أي كاتب لا يحلم الآن بمجد هوليود ومال هوليود؟ إن عمل الكاتب في الفيلم يذاع أكثر من عمله في المطبعة بمئات المرات، فضلاً عن هذه الآلاف من الجنيهات
لقد طالب محصلوا ضريبة الدخل في أمريكا ب. ج. وودهاوس أحد كتاب السيناريو بمبلغ 50. 000. . . فإذا كانت هذه ضريبة دخل، فكم بلغ إذن دخل الرجل؟!
ويستوي في التمثيل هنا المخرجون والممثلون؛ فإن ماكس ريتهاردت عاهل المسرح الكبير رأى تلامذته في هوليود يثرون ويشتهرون من الأفلام، وهو باق في فينا يشهد ركود المسرح، رأى إيرفنج تالبرج يتقاضى أسبوعياً من شركة مترو 2. 400 جنيهاً مع 10 % من أرباح الشركة، ورأى المخرج العادي يأخذ في الفيلم الواحد عشرين أو ثلاثين ألفاً من الجنيهات فلم يطل انتظاره وحزم أمتعته ورحل إلى هوليود فأخرج (حلم منتصف ليلة صيف) وهو يأخذ عدته الآن لإخراج فيلمه الثاني (وانتون)
وأبهظ الأجور في أمريكا من نصيب ممثلي السينما، فقد أصبح من الأمور العادية أن يأخذ الكوكب من الفيلم الواحد خمسين ألف جنيه، ومثل هذا الأجر كفيل باقتلاع أي ممثل من فوق خشبة المسرح
فإذا استثنينا القليل من الممثلين الذين لا تستعبدهم تماماً شهوة المال فيقسمون أوقاتهم بين العمل في المسرح والعمل في الأستوديو مثل والتر هاستون وهنرى فوندا ومثل هيلين هايز التي تركت الشاشة وهي في أوجها، وبعد أن اكتسبت التمثال الذهبي من أكاديمية الصور والفنون لأحسن ممثلة سينمائية في أول فيلم مثلته - إذا استثنينا مثل هؤلاء فأنا لا نغالي إذا قلنا إن الدولار هو الذي هزم المسرح
محمد علي ناصف
مجلة الرسالة - العدد 239
بتاريخ: 31 - 01 - 1938
وقبل أن نجيب على هذا السؤال دعنا نستمع إلى حدث لأدولف زوكور كبير مؤسسي شركة برامونت السينمائية لعله يغني أو يمهد للجواب
يقول زوكور لأحد الصحفيين الأمريكيين: (إن شركته متعاقدة مع 83 ممثلاً وممثلة، منهم 64 أتوا عن طريق المسرح والباقون خمسة أطفال، وأربعة من محطات الإذاعة، واثنان من الأوبرا، واثنان من الأندية الليلية، واثنان من الفرق الموسيقية وآخران عن طريق المسابقات الصحفية، وواحد من الألعاب الأولمبية، وآخر من أحد معاهد التمثيل!!)
فالغالبية الكبرى إذن قد تخرجت على المسرح، وأكثر الباقين قد كسبوا كذلك خبرة تمت إلى المسرح بصلة
وليست هذه الحال فريدة بأمريكا؛ فان المسرح في كل بلد يمد السينما بحاجتها من الممثلين. . . كما أن له نصيباً كذلك من تقديم طائفة من كبار المخرجين السينمائيين أمثال ريتهاردت ولوبتسن وماموليان وديتريل وغيرهم
نستخلص من ذلك أن تغذية السينما بحاجتها من الفنانين إنما هي خطوة تالية لنهوض كفايات مسرحية
ولكنا إذا نظرنا إلى حديث أدولف زوكور من ناحية أخرى فماذا نستخلص من وراء قوله إنه متعاقد مع 83 منهم 64 من المسرح؟
أو ليس معنى ذلك أن السينما تجرد المسرح من قواه وكفاياته، وأن المسرح أصبح وسيلة أو قنطرة عبور إلى السينما؟
أجل، هنا يتكشف الستر قليلاً عن محنة المسرح، فإذا سفرت حقيقة تلك المحنة، فإنما هي كلمة تضيء بنور يخطف الأبصار: (المال)
المال هو الذي يسلب المسرح جاهه ويقلم أظافره المال هو الذي يخلب برقه ألباب الكتاب والممثلين والفنانين فيجذبهم من أنوار المسرح الباهتة إلى أنوار الاستديو الساطعة
والواقع أن هؤلاء الأمريكيين لا يحسبون حساباً للمال، أو أنهم يحسبون حساباً عجيباً؛ ففي العام الماضي ابتاع هاري كوهين صاحب شركة كولومبيا حقوق إحدى المسرحيات الناجحة ببرودواي بمبلغ 40. 000 جنيه، نعم أربعين ألفاً، وكان هذا رقماً قياسياً شاءت شركة راديو أن تكسبه لنفسها فدفعت خمسين ألفاً من الجنيهات في مسرحية آبوت
وقبل ذلك بعام دفع سام جولدوين 160 , 000 دولار إلى سنكلير لويس في روايته التي شهدناها في الموسم الماضي.
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي قد يعتبرها المرء أمثلة لشغف هؤلاء القوم بالبذخ والإسراف
فأي كاتب يستطيع أن يحمل نفسه على الاقتناع بعد ذلك بما يقدمه له الناشر أو القارئ؟ أي كاتب لا يحلم الآن بمجد هوليود ومال هوليود؟ إن عمل الكاتب في الفيلم يذاع أكثر من عمله في المطبعة بمئات المرات، فضلاً عن هذه الآلاف من الجنيهات
لقد طالب محصلوا ضريبة الدخل في أمريكا ب. ج. وودهاوس أحد كتاب السيناريو بمبلغ 50. 000. . . فإذا كانت هذه ضريبة دخل، فكم بلغ إذن دخل الرجل؟!
ويستوي في التمثيل هنا المخرجون والممثلون؛ فإن ماكس ريتهاردت عاهل المسرح الكبير رأى تلامذته في هوليود يثرون ويشتهرون من الأفلام، وهو باق في فينا يشهد ركود المسرح، رأى إيرفنج تالبرج يتقاضى أسبوعياً من شركة مترو 2. 400 جنيهاً مع 10 % من أرباح الشركة، ورأى المخرج العادي يأخذ في الفيلم الواحد عشرين أو ثلاثين ألفاً من الجنيهات فلم يطل انتظاره وحزم أمتعته ورحل إلى هوليود فأخرج (حلم منتصف ليلة صيف) وهو يأخذ عدته الآن لإخراج فيلمه الثاني (وانتون)
وأبهظ الأجور في أمريكا من نصيب ممثلي السينما، فقد أصبح من الأمور العادية أن يأخذ الكوكب من الفيلم الواحد خمسين ألف جنيه، ومثل هذا الأجر كفيل باقتلاع أي ممثل من فوق خشبة المسرح
فإذا استثنينا القليل من الممثلين الذين لا تستعبدهم تماماً شهوة المال فيقسمون أوقاتهم بين العمل في المسرح والعمل في الأستوديو مثل والتر هاستون وهنرى فوندا ومثل هيلين هايز التي تركت الشاشة وهي في أوجها، وبعد أن اكتسبت التمثال الذهبي من أكاديمية الصور والفنون لأحسن ممثلة سينمائية في أول فيلم مثلته - إذا استثنينا مثل هؤلاء فأنا لا نغالي إذا قلنا إن الدولار هو الذي هزم المسرح
محمد علي ناصف
مجلة الرسالة - العدد 239
بتاريخ: 31 - 01 - 1938