- ألو..
- ألو..
- أريد أن أراك
- غدا يمكن.
- لا أريد غدا. اليوم واقترح مباشرة بعد العمل
- في أي مقهى؟ إن الجو بارد
- المقاهي غير مناسبة هذه المرة. منزلي. وماذا تريد للأكل؟
- انت تعرفين كم أنا سهل في هذا. كل شيء يُعد، سآكله.
كان الجو باردا. منذ الصباح تهب ريح شمالية قارسة تحول دون أن يتم السقوط في حركته العمودية الطبيعية، كانت الرياح في بعض الأحيان من اليوم جد هائجة، تهز أغصان الأشجار العارية وتُطٓيِّر ندفات الثلج الكثيفة مُلٓوِّحة بها في كل الإتجاهات. السماء كئيبة رغم أنها تظهر وكأنها تتراقص بفعل انتشارهذه الندفات البيضاء بتلك الكثافة. وكانت الأرض حالكة رمادية ومبتلة لا تتحمل كسوة البياض ببللها. وكانت يداي تَرتجفان، وأنا كنت في حاجة ماسة الى دخان سيجارة. الجو كئيب وقدماي الباردتان تحملان بتكلف كبير جسمي النحيل وتجر خلفها شرودي الهائم. وحدها أغصان الأشجار تظهر وكأنها نجت من مقصلة هذه الرتابة الثقيلة الحزينة. كانت تتلألأ وتحدث إشعاعات وكأنها زينت بملايين المصابيح المنيرة الصغيرة الصغيرة جدا، تلك التي تلف حولها، ملتصقة بها. كانت ندفات الثلج تسقط عليها وكانت هذه الأغصان أيضا كالتربة في هذا اليوم، لا تتحمل البياض، فتُحوِّل الندفات الى سائل سريعا ما يشكل كويورات ندى تتراقص لبعضها البعض في مشهد حالم. أطفأت سيجارتي أو رميتها قبالة الباب. كنت قد وصلت وكان البرد شديدا ورجلاي تتراقصان. كلّفني سحب المفتاح من جيب معطفي الشتوي كثيرا من الوقت والعناء بسبب اهتزازات في يدي، لا تحكم لي فيها. تنفست الصعداء. بحثت عن الفتحة في القفل، أولجت فيها مفتاحي وحركته يمينا، ثم يمينا حتى قرقب القفل وانفتح الباب. صعدت درجات الطابق الاول والثاني بصعوبة، ثم استدركت، فعدت بخفة لم أعهدها اليوم كاملا مني. خرجت من الباب وأغلقته خلفي دون إحداث أي ضجيج. أشعلت سيجارة أخرى بأصابع مرتعشة. تنفست الصعداء مرة أخرى. أخذت جرعة أخيرة منها ثم وضعت رأس سبابتي على زر الباب.
- ألو
- ألو
- لماذا ترن؟ أين تركت مفتاحك ؟
- الجو بارد والمفتاح في جيبي
فُتح الباب وصعدت الدرجات الى طابق البيت. كان باب الشقة نصف مفتوح والأنوار لم تشعل بعد، وكان الجو في الداخل رماديا حالكا وباردا.
- أدخل واغلق الباب خلفك من البرد.. أو أنك تنتظر أن تسمع مني " تفضل "؟
- من فتحة باب البهو رمقتها في المطبخ. كانت لا تزال ترتدي معطفها الشتوي، وكان صوف معطفها يظهر كما كانت تظهر أغصان الأشجار المشعة بأضواء كويرات الندى. بادلتها التحية وبحثت عن وضعية وقوف مناسبة أمامها، لكنها كانت منشغلة بإفراغ أكياس تبضعها.
- اشتريت لحم دجاج وخليط خضروات. سأهيؤهما مع.. أيهما تفضل؟ الْمِي أو الأرز؟
- أفضل الأرز
- اشتريت أرزا جيدا مخلطا مع الكِيّوطْ
- الكيوط؟ ماهو هذا الذي تسمينه هكذا؟
- إنه نوع من الحبوب ينمو في جنوب امريكا. قبل خمسة سنوات لم يكن يعرفه أحد، لكن بعدما اكتُشف واكتشفت مدى فعاليته الصحية، فإنه صار اليوم موضة. يستعملونه الآن في الأدوية، في الوصفات الغذائية الصحية، قل، في كل شيء. أحقا لا تعرفه؟
- لم أسمع بهذا الإسم من قبل.
- سأعد لنا قبل ذلك حريرة من خضرة البروكلي.
- جيد وأنا سأعد الشاي. أي شاي تفضلين؟
- لا يهم. انت تعرف كم أنا سهل في هذا. كل شيء يُعد، سآشربه.
- أنا سأشرب الشاي الأخضر
- غريب ان تختار بالتحديد ذلك الشاي. انت لم تكن في البداية تستسيغه كليا.
- هل تحتاجين لأي مساعدة في المطبخ؟
- لا أحتاج. انتظر الماء يغلي وهَيِّئ الشاي. الشاي يكفي
- هل سأشعل الشمع؟
- لماذا الشمع؟
- الجو بارد
- والشمع لا يدفئ إلا بيتا يكون في الأصل ليس باردا.
لم يكن بوسعي أن انطق كلمة الرومانسية، لعدم تناسبها مع هذا الموعد، فأطبق الصمت علينا وكانت لحظاته ثقيلة وحالكة.
- أراك مشتتا بعض الشيء ومرتبكا على غير عادتك هذا اليوم؟ هل انت بخير؟.
- أنا بخير. فقط اليوم بارد
- الجو حقا كئيب هذا اليوم.
مغلاة الماء الكهربائية أحدثت موجة أصوات غليان قبل أن تنطفئ، كسرت معها جدار لحظات الصمت التي حاولنا كل مرة أن لا نرضخ لسلطتها. توجهت فورا الى المطبخ وقمت بما كان ينتظرني على مسافة قليلة منها وسمعتها لأول مرة تقول بذلك الصوت الرخيم الهادئ الذي تعودت أن يملأ أذني كل الوقت:
- اقترب مني. أريد.. أريد عناقا. عناقا فقط
كانت تظهر في تلك الفينة كطفلة صغيرة وكانت الكلمات الواثقة الباردة التي تخللت محادثاتنا من قبل، تبدو وكأنها لم تنبعث من لسانها. اقتربت منها دون أن أعرف بالضبط لماذا فعلت؟ عطفا عليها أو حنوا على نفسي. وضعت ساعدي الأيمن حول كتفها والأيسر تركته يلف حول خاصرتها. كان جسمها حارا في هذا المطبخ البارد. اقتربت منها أكثر وتركت جسدي يلتصق بجسدها. تبادلنا قبلات خفيفة وضعناها دون سابق اتفاق على الخد وعلى جنبات شفاهنا متجنبين أن تلامس أنوفنا بعضها. أيضا بدون اتفاق وضعنا رؤوسنا باعتراض على أكتاف بعضنا، فينظر كل واحد منا في الوجهة المضادة. كان الدفء يسري في عروقي وكنا نشد بعضنا الى بعضنا أكثر، وتتمايل أجسادنا في تناغم بطيء كقصب سكر أمام هبوب نفحة نسيم خفيفة. كنت أتابع من أعلى كتفها خط عمود فقرها والخطوط التي جعلت ظهرها يتشكل بهذا الشكل المثير جدا. أوقفت نظراتي على أردافها التي تراءت لي كربوتين ضخمتين. وضعت دون أن أحس راحة يدي عليهما وأحسست بشعور دافئ يفتح له مسلكا بيني وبينها. كنت مشتتا حقا وحاولت أن أتراجع قليلا وأعود خطوة الى الوراء، لكن أجسامنا زادت التصاقا وازدادت ميغناطيسة تجاذبها وحركات ترنحها. كان الجو هادئا ومفعما بسكوت غريب جدا، وكنت أسمع نحيبها بصوت محتشم خافت يخترق الصمت الثقيل. حاولت التحكم في نفسي أنا المشتت الشعور بين ما يمتد بيننا وبين ما يتقلص حولنا. فكرت في أن أدير وجهها الي لأعرف سبب نحيبها، لكن دموعي كانت أيضا تنهمر. لم أعترضها. تركتها ترسم مسالكها عبر تضاريس لم يسكنها الدمع يوما بهذه الحرقة والسيولة. مددت يدي إلى وجهها. كان دافئا ومبتلا. حركت بدورها رأسها ورفعته عن كتفي. نظرنا في أعين بعضنا البعض والتي كانت مغرورقة بالدمع.
- الأمر واضح إذن، قالت
- واضح الى درجة أننا لا نحتاج الى كلام او تفسير أو أي استفسار، قلت
- أحبك
- أحبك أيضا
- أحبك كثيرا
- أحبك أكثر
- أريد مرة أخيرة. أريد ليلة أخيرة. أريد أن نعوم هذه الليلة في ملوحة دموعنا ونترك أرواحنا تصرخ وتعلي من شهقاتها الى أعلى سماء يمكن أن ندركها معا
- لا توجد ليلة أخيرة عزيزتي، فقط مرة أخيرة.
- لم لا؟
- لأنها المرة الأخيرة وموعدنا الأخير. قضاء الليل كاملا معا سيعقد الأمور أكثر
- أوعدني إذن أن لا تكون هذه المرة، كآخر مرة
- كيف كنت آخر مرة؟
- أحسست لأول مرة في علاقتنا المنتهية وكأنك تغتصبني. كنت تضاجع وتمارس وكأنني لم أكن معك، لقد قلتها لك ولم تكن تسمع
- أعتذر لك، كيف لي أن لا احس بهذا.. لم انتبه ولا كنت سأعرف ان هذا حقا وقع. ماذا قلت لي؟
- قلت لك انني جافة
- وقلت انا لك ستبتلين
- أحبك وسأبقى رغم مفترق الطرق هذا الذي أمامنا
- سأبقى أيضا أحبك
كانت الغرفة دافئة، وكانت الحرارة تنبعث شديدة من أعماق أرواحنا. كان البروكلي يغلي، وكان هذا ليس مستحبا، والشاي الأخضر كان ينقع ويبرد، وكان الكيوط؟ لا أعرف، لم يسبق لي أن تذوقته لأعرف، لكني أعرف أننا كنا ننصهر وشهقاتنا ترتفع. وكان الدمع يسير ويسيل. وكانت أعيننا اليوم أيضا كالتربة في هذا اليوم، وكالشجر. كانت هي أيضا لا تتحمل بياض برودة الثلج ولا جفاف الصفاء.
* القاص محمد السقفاتي
.
- ألو..
- أريد أن أراك
- غدا يمكن.
- لا أريد غدا. اليوم واقترح مباشرة بعد العمل
- في أي مقهى؟ إن الجو بارد
- المقاهي غير مناسبة هذه المرة. منزلي. وماذا تريد للأكل؟
- انت تعرفين كم أنا سهل في هذا. كل شيء يُعد، سآكله.
كان الجو باردا. منذ الصباح تهب ريح شمالية قارسة تحول دون أن يتم السقوط في حركته العمودية الطبيعية، كانت الرياح في بعض الأحيان من اليوم جد هائجة، تهز أغصان الأشجار العارية وتُطٓيِّر ندفات الثلج الكثيفة مُلٓوِّحة بها في كل الإتجاهات. السماء كئيبة رغم أنها تظهر وكأنها تتراقص بفعل انتشارهذه الندفات البيضاء بتلك الكثافة. وكانت الأرض حالكة رمادية ومبتلة لا تتحمل كسوة البياض ببللها. وكانت يداي تَرتجفان، وأنا كنت في حاجة ماسة الى دخان سيجارة. الجو كئيب وقدماي الباردتان تحملان بتكلف كبير جسمي النحيل وتجر خلفها شرودي الهائم. وحدها أغصان الأشجار تظهر وكأنها نجت من مقصلة هذه الرتابة الثقيلة الحزينة. كانت تتلألأ وتحدث إشعاعات وكأنها زينت بملايين المصابيح المنيرة الصغيرة الصغيرة جدا، تلك التي تلف حولها، ملتصقة بها. كانت ندفات الثلج تسقط عليها وكانت هذه الأغصان أيضا كالتربة في هذا اليوم، لا تتحمل البياض، فتُحوِّل الندفات الى سائل سريعا ما يشكل كويورات ندى تتراقص لبعضها البعض في مشهد حالم. أطفأت سيجارتي أو رميتها قبالة الباب. كنت قد وصلت وكان البرد شديدا ورجلاي تتراقصان. كلّفني سحب المفتاح من جيب معطفي الشتوي كثيرا من الوقت والعناء بسبب اهتزازات في يدي، لا تحكم لي فيها. تنفست الصعداء. بحثت عن الفتحة في القفل، أولجت فيها مفتاحي وحركته يمينا، ثم يمينا حتى قرقب القفل وانفتح الباب. صعدت درجات الطابق الاول والثاني بصعوبة، ثم استدركت، فعدت بخفة لم أعهدها اليوم كاملا مني. خرجت من الباب وأغلقته خلفي دون إحداث أي ضجيج. أشعلت سيجارة أخرى بأصابع مرتعشة. تنفست الصعداء مرة أخرى. أخذت جرعة أخيرة منها ثم وضعت رأس سبابتي على زر الباب.
- ألو
- ألو
- لماذا ترن؟ أين تركت مفتاحك ؟
- الجو بارد والمفتاح في جيبي
فُتح الباب وصعدت الدرجات الى طابق البيت. كان باب الشقة نصف مفتوح والأنوار لم تشعل بعد، وكان الجو في الداخل رماديا حالكا وباردا.
- أدخل واغلق الباب خلفك من البرد.. أو أنك تنتظر أن تسمع مني " تفضل "؟
- من فتحة باب البهو رمقتها في المطبخ. كانت لا تزال ترتدي معطفها الشتوي، وكان صوف معطفها يظهر كما كانت تظهر أغصان الأشجار المشعة بأضواء كويرات الندى. بادلتها التحية وبحثت عن وضعية وقوف مناسبة أمامها، لكنها كانت منشغلة بإفراغ أكياس تبضعها.
- اشتريت لحم دجاج وخليط خضروات. سأهيؤهما مع.. أيهما تفضل؟ الْمِي أو الأرز؟
- أفضل الأرز
- اشتريت أرزا جيدا مخلطا مع الكِيّوطْ
- الكيوط؟ ماهو هذا الذي تسمينه هكذا؟
- إنه نوع من الحبوب ينمو في جنوب امريكا. قبل خمسة سنوات لم يكن يعرفه أحد، لكن بعدما اكتُشف واكتشفت مدى فعاليته الصحية، فإنه صار اليوم موضة. يستعملونه الآن في الأدوية، في الوصفات الغذائية الصحية، قل، في كل شيء. أحقا لا تعرفه؟
- لم أسمع بهذا الإسم من قبل.
- سأعد لنا قبل ذلك حريرة من خضرة البروكلي.
- جيد وأنا سأعد الشاي. أي شاي تفضلين؟
- لا يهم. انت تعرف كم أنا سهل في هذا. كل شيء يُعد، سآشربه.
- أنا سأشرب الشاي الأخضر
- غريب ان تختار بالتحديد ذلك الشاي. انت لم تكن في البداية تستسيغه كليا.
- هل تحتاجين لأي مساعدة في المطبخ؟
- لا أحتاج. انتظر الماء يغلي وهَيِّئ الشاي. الشاي يكفي
- هل سأشعل الشمع؟
- لماذا الشمع؟
- الجو بارد
- والشمع لا يدفئ إلا بيتا يكون في الأصل ليس باردا.
لم يكن بوسعي أن انطق كلمة الرومانسية، لعدم تناسبها مع هذا الموعد، فأطبق الصمت علينا وكانت لحظاته ثقيلة وحالكة.
- أراك مشتتا بعض الشيء ومرتبكا على غير عادتك هذا اليوم؟ هل انت بخير؟.
- أنا بخير. فقط اليوم بارد
- الجو حقا كئيب هذا اليوم.
مغلاة الماء الكهربائية أحدثت موجة أصوات غليان قبل أن تنطفئ، كسرت معها جدار لحظات الصمت التي حاولنا كل مرة أن لا نرضخ لسلطتها. توجهت فورا الى المطبخ وقمت بما كان ينتظرني على مسافة قليلة منها وسمعتها لأول مرة تقول بذلك الصوت الرخيم الهادئ الذي تعودت أن يملأ أذني كل الوقت:
- اقترب مني. أريد.. أريد عناقا. عناقا فقط
كانت تظهر في تلك الفينة كطفلة صغيرة وكانت الكلمات الواثقة الباردة التي تخللت محادثاتنا من قبل، تبدو وكأنها لم تنبعث من لسانها. اقتربت منها دون أن أعرف بالضبط لماذا فعلت؟ عطفا عليها أو حنوا على نفسي. وضعت ساعدي الأيمن حول كتفها والأيسر تركته يلف حول خاصرتها. كان جسمها حارا في هذا المطبخ البارد. اقتربت منها أكثر وتركت جسدي يلتصق بجسدها. تبادلنا قبلات خفيفة وضعناها دون سابق اتفاق على الخد وعلى جنبات شفاهنا متجنبين أن تلامس أنوفنا بعضها. أيضا بدون اتفاق وضعنا رؤوسنا باعتراض على أكتاف بعضنا، فينظر كل واحد منا في الوجهة المضادة. كان الدفء يسري في عروقي وكنا نشد بعضنا الى بعضنا أكثر، وتتمايل أجسادنا في تناغم بطيء كقصب سكر أمام هبوب نفحة نسيم خفيفة. كنت أتابع من أعلى كتفها خط عمود فقرها والخطوط التي جعلت ظهرها يتشكل بهذا الشكل المثير جدا. أوقفت نظراتي على أردافها التي تراءت لي كربوتين ضخمتين. وضعت دون أن أحس راحة يدي عليهما وأحسست بشعور دافئ يفتح له مسلكا بيني وبينها. كنت مشتتا حقا وحاولت أن أتراجع قليلا وأعود خطوة الى الوراء، لكن أجسامنا زادت التصاقا وازدادت ميغناطيسة تجاذبها وحركات ترنحها. كان الجو هادئا ومفعما بسكوت غريب جدا، وكنت أسمع نحيبها بصوت محتشم خافت يخترق الصمت الثقيل. حاولت التحكم في نفسي أنا المشتت الشعور بين ما يمتد بيننا وبين ما يتقلص حولنا. فكرت في أن أدير وجهها الي لأعرف سبب نحيبها، لكن دموعي كانت أيضا تنهمر. لم أعترضها. تركتها ترسم مسالكها عبر تضاريس لم يسكنها الدمع يوما بهذه الحرقة والسيولة. مددت يدي إلى وجهها. كان دافئا ومبتلا. حركت بدورها رأسها ورفعته عن كتفي. نظرنا في أعين بعضنا البعض والتي كانت مغرورقة بالدمع.
- الأمر واضح إذن، قالت
- واضح الى درجة أننا لا نحتاج الى كلام او تفسير أو أي استفسار، قلت
- أحبك
- أحبك أيضا
- أحبك كثيرا
- أحبك أكثر
- أريد مرة أخيرة. أريد ليلة أخيرة. أريد أن نعوم هذه الليلة في ملوحة دموعنا ونترك أرواحنا تصرخ وتعلي من شهقاتها الى أعلى سماء يمكن أن ندركها معا
- لا توجد ليلة أخيرة عزيزتي، فقط مرة أخيرة.
- لم لا؟
- لأنها المرة الأخيرة وموعدنا الأخير. قضاء الليل كاملا معا سيعقد الأمور أكثر
- أوعدني إذن أن لا تكون هذه المرة، كآخر مرة
- كيف كنت آخر مرة؟
- أحسست لأول مرة في علاقتنا المنتهية وكأنك تغتصبني. كنت تضاجع وتمارس وكأنني لم أكن معك، لقد قلتها لك ولم تكن تسمع
- أعتذر لك، كيف لي أن لا احس بهذا.. لم انتبه ولا كنت سأعرف ان هذا حقا وقع. ماذا قلت لي؟
- قلت لك انني جافة
- وقلت انا لك ستبتلين
- أحبك وسأبقى رغم مفترق الطرق هذا الذي أمامنا
- سأبقى أيضا أحبك
كانت الغرفة دافئة، وكانت الحرارة تنبعث شديدة من أعماق أرواحنا. كان البروكلي يغلي، وكان هذا ليس مستحبا، والشاي الأخضر كان ينقع ويبرد، وكان الكيوط؟ لا أعرف، لم يسبق لي أن تذوقته لأعرف، لكني أعرف أننا كنا ننصهر وشهقاتنا ترتفع. وكان الدمع يسير ويسيل. وكانت أعيننا اليوم أيضا كالتربة في هذا اليوم، وكالشجر. كانت هي أيضا لا تتحمل بياض برودة الثلج ولا جفاف الصفاء.
* القاص محمد السقفاتي
.