الناصر الهاني - الصين إِذْ تُسيء للكراسي

الكرسي أيقونة قارة تقريبا في كل المجالات فهو ثابت في الثقافة والدّين والاقتصاد والسياسة والفكر واليومي.

كيف؟؟
ولِمَ؟؟

الكرسي أداة استخدمت للتمثيل في فلسفة المشّاء سقراط ففي كل آونة يستدلّ به عن قيمة الأشياء ودورها، فلا يجد أفلاطون حرجا في قبول هذا التّمثيل بل يوافق معلمه وينتقل من المحسوس إلى المجرد عبر الكرسّي فهو أداة تنقلنا من المحايث إلى الترانستتندالي،وكم من مرة ذكر الكرسي في فلسفة المعلّم وتلميذه فهل هذا الحضور اعتباطي؟؟!

الكرسيّ ركن أساسي في الثقافة أكان من خشب أو من حديد أو من نحاس أو من حجر ففي المسارح القديمة نراه حاضرا في كل ركن وهو الذي وُضع متدرّجا ليطلّ على ساحة ومنها يطّلع الحاضر على: حفلات الغناء، أو مصارعة الأسود، أو النمور، أو إعدام الأشخاص.

وهو الكرسي الذي يجلس عليه المفكر والحكيم والمسرحي ولاعب خيال الظل والمغنية قديما وحديثا إذا ما "تسلطنت" هو هذه الآلة بالمفهوم الحديث ولا أقصد الأرغانون .

الكرسي ّ ركن أساسي في الكنيسة فعليه يجلس العُبّاد ويستمعون للتراتيل وإذا ما أراد الواحد منهم الكتارسيس والتطهير جلس على كرسي في غرفة منفردة تفصله عن الكاهن كوة صغيرة واعترف بكل ذنوبه ،إنه كرسي الاعتراف ،فبه يفضفض المخطئون وعليه يتعرّف الكهان على خطايا الناس ويحاولون التوسط لهم وقبول الأعذار ومسامحتهم.

الكرسيّ أداة يجلس عليه القاصي والداني الرجل والمرأة اليوم ليطقطق فوق رؤوسهم مقص الحلاّق ومنهم من ينام على وقعه ويشرد في الحلم.

الكرسيّ هو هذه الأداة المريحة إذا ما ظفر به أحد المتعبين في حافلة متهرئة من حافلات العالم الثالث ليضع عليه كومة اللحم الشقي من محل سكناه إلى مكان العمل الذي تُطحن فيه عظامه أو أثناء الرجوع ويا لها من أمنية فهي أشهى من الماء الزلال في صحراء القيظ واللّهاث.

الكرسي هو هذه الأداة الجميلة التي يقدمها الواحد منا لعجوز في مقهى أو مكان عموميّ آخر ليجلس عليه مسنّ فيبدو الواهب متحضّرا ويقول له العجوز "شكرا" أو "الله يرحم والديك" أو "ماغسي" إذا كان عاشقا للعكري وما أكثرهم عندنا.

الكرسيّ هو هذه الأداة التي تَقَاتَل من أجلها الأخوة وتشتّتت الجماعات ودمِّرت الحضارات فتبدلت مسمياته من عرش للحكم إلى مملكة إلى إمبراطورية إلى خلافة إلى ولاية إلى إيالة إلى دولة إلى دُوَيلة إلى سلطة للحكم الذاتي إلى كانتونة إلى سُليطة برام الله وفيها نرى العجب العجاب.

الكرسيّ هذه القدرة التي شرخت أمَّتنا وجعلتها تتخبط في الفرقة وأثناء مرضها كثُرت كراسيُّها ، فاليوم لا كرسي يسع سادتنا فهذا هارون وهذا معتضد وذاك منتصر وأنا معتصم وحاشا المعتصم مني فهو أغاث المستصرخة وأنا أدينها وأجوعها واقتلها وما قيمة شرفها عندي طالما أفلام هوليود عندي وزبانيتي يأتونني بكل مخالف لي ما إن يرتدّ البصر فالبقاء لي ولي الرقاب ولي الكرباج وصفارات الإنذار ولي الشعوب رعايا ولي القصور ولي الهِبَاتُ ولي خير البلد ولي الأعياد وللناس الحبس والحرمان والنكد .
الكرسيّ هو هذا كله وبما أنه أداة مهمة وماعون جبار وله الأهمية القصوى في حياتنا لا في حياة غيرنا فالغرب لا يعرف أهميته فهم لم يتعودوا حاليا الجلوس عليه كثيرا فالحاكم فيهم لا يديم أكثر من دورة أو دورتين ويقولون إنه الديمقراطية فمن يجلس عليه لا يكاد يطمئن حتى يُعَقّب بجالس ثانٍ أمّا عندنا فهو يتململ ويعيد التململ ويعيد وضعية الجلوس وهو جالس دون أن يفقد وضعية جلوسه الأولى فللكرسيّ عندنا مذاق السكر والشهد والعسل. والجالس عليه يلعن السابق ويهدد اللاّحق ولا لاحق عندنا فهو الوحيد الأوحد، فمنا عفوا فمنهم هؤلاء الذين لهم الحق الإلهي (حكّامنا) من جلس أربعين سنة تنيف وما زال جالسا في أمة نائمة، أليس هذا فضلا منه أنه يحرس هذه الجثة؟؟! ومنا من جلس ثلاثين سنة ومازال ،ومنا(منهم) من جلس أقل من ثلاثين سنة وغدا ستصبح الثلاثون ثلاثين ونيف وأربعين ونيف وقرن ونيف فجلسة الأب أقصر من جلسة الابن وجلسة الابن أقصر من الحفيد واللاحق أطول والطين ابتلّ ببلّته والكرسي هو الكرسي لكن ما العمل إذا ما تهرّأ الكرسي الأول هذا التراث الذي ورثه الأحفاد عن جد الأجداد وعملت فيه المسامير فعلها وأخذته يد المهرة بالعناية والرعاية حتى عجزوا ولم يجدوا مكانا يدقّون فيه رأس مسمار فللخشب عمر افتراضي وليس لحكمهم حدّ مقبول ولا حيز افتراضي ما العمل إذا ما بقينا دون كرسي يجلس عليه السادة !!!خصوصا في هذه الأيام في زمن تدفّق السلع الصينية الرخيصة والتي تبور لأول استعمال فكراسي الصين العظيمة ليست متينة وليست عظيمة ونخاف من نحافتها وافتقادها إلى الجودة فكل خوفنا إذا جلس عليها السادة وسقطوا أصيبوا برضوض وأمراض واستووا مع الشعوب النائمة فمن سيحمي الحمى إذا نام هؤلاء الجالسون؟؟! ومن سيجلس في مجلسهم؟؟!

لذا نوجه هذا النداء العظيم للصين العظيمة صاحبة السور العظيم أن يصنع حرفيوها كراسي عظيمة ومتينة لتجعل من حكامنا عظاما حتى وإن حاول البعض الانتقاص من عظمتهم أو أن تجعل هذه الكراسي من ليس عظيما عظيما وأن تكون هذه الكراسي أكثر دواما من الأزمنة ولا نطلب غير هذا فلا اعتراض لدينا على قلة جودة البضائع الأخرى وبما أن الكراسي ليست بضاعة فنريد احترامها ونرجو من الصين العظيمة أن ترد لها اعتبارها ولتكن هذه الكراسي عظيمة ومتينة وقادرة على تحمل هذه الجثث الثقيلة وطويلة الأمد هذه الجثث المبسترة من الديمقراطية اصنعوها كما نريد ولا تجعلوها سلعة رخيصة وسوقية فلا ضرر ولا مانع عندنا إذا صُنِعت من عظامنا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى