ـ زمن الحرب
شوارع لا يمر فيها أحد, وعمارات خالية من السكان. ساحة للفراغ, صارت خارج الوقت والمكان, تعبرها من حين لآخر نساء ملثمات يرتدين الجلابيب السوداء, عبورا كأنه يتم في أوهام المدينة أو خيالاتها أو في ذاكرة من عاشوا فيها قبل هذا الزمان, فلعلهن النادبات. طيور محنطة محمولة على أصابع من حديد وعيونها البلورية تنظر إلى فراغ المدينة. كُتُبٌ يعلوها غبار وصفحاتها مفتوحة وهي تنظر إلى الشمس والربيع. غابة محروقة أشجارها واقفة ولكنها قد صارت من رماد. تماثيل للملك تبدو مائلة وهي على وشك السقوط, فلا يدري أحد من أسقط تلك التماثيل ومتى وكيف, فحتى التيجان المرصعة صارت ملقاة على الأرض وسيوف من ذهب وأقواس نصر وكلها ملفوفة برماد الاحتراق. الخرائط تكدس عليها الغبار فلم تعد تظهر منها معالم المدن, فهي خرائط جاء بها الغزاة, ليعيدوا رسم الخرائط من جديد.
ثم ها هي المدينة. مدينة التاريخ التي لا يراها أحد اليوم كما ينكر التاريخ أن يعرفها إن رآها على هذه الحال, فقد ضاعت معالمها وبناياتها الأثرية المعروفة, كما امحت وجوه أناسها وسكانها, ولم تبق إلا أصواتهم في الأثير, فلربما يكون سحر ساحر قد محا تلك المعالم, بعد أن تم استخدامه في حرب لم يحاربها إلا قليلون, وأما الذين حاربوا فقد نسوا أنفسهم ولم يتذكروا سوى الغزاة, ثم تعفنت بعض الجثث وفاحت رائحتها قي الشوارع وداخل البنايات السكنية وإدارات الدولة, والأسلحة ملقاة بعد انسحاب.
ومن كان هنا ومن انسحب, ومن بقي في مدينة لا تعرف وجهها في المرآة?
2 ـ صاحب التاج
وأما صاحب التاج, فكان بشوشا أمام كاميرات التلفزيون, يهدئ من روع من كان لهم روع لا يقدرون على إظهاره أمامه, هو العارف بهذه الأمور, وكان يضحك, ويطلب من رجاله أن يشربوا شايهم قبل أن يبرد.
هل كان الوقت وقت شرب الشاي?
انسحب صاحب التاج, فقد اختفى ليكرر للتاريخ أسطورة اختفاء هتلر.
صاحب التاج انسحب فانسحب من خلفه كل رجاله, وقالوا هي صفقة أو خيانة, وكل صفقة في زمن الحرب هي خيانة, ولكن من الذي خان المدينة, أهو صاحب التاج أم هم رجاله الذين خانوه وخانوا المدينة, حتى صاحب التاج والمدينة, غير متلازمين, فالمدينة لها تاريخ, وما هو إلا صاحب تاج من تلك التيجان التي تعودت في أوقات الحروب أن تلقى على الأرض. لكن ما فعلوه بالمدينة هو أنهم جعلوها أطلالا, لا يمكن أن يقف عليها التاريخ, فبالرغم من دموية بعض التواريخ, فالتاريخ يخجل من المدينة, وها هي, أطلال ودماء لم تجف في الشوارع, وأرض مسكونة بالخراب.
3 ـ رجال البوليس
مقهى خال من الرواد, والكراسي مقلوبة على الموائد. نافورة ماء في وسط ساحة, والماء يتدفق دون أن يراه أحد, ما عدا بعض الحمائم التي تغسل أجنحتها من رذاذ ذلك الماء. سيارات عتيقة حمقاء تظهر وهي تطوف حول الساحة طوفانا لا ينتهي, تتحرك دون أن يسوقها أحد, وفي طوافها حول الساحة لا تجد أحدا يراها, ما عدا ذلك الطائر الذي اقتحم المدينة, فصار من حديد وبارود, ثم يظهر رجال البوليس بأسلحتهم وهم يجوبون الشوارع الفارغة, ونظراتهم خزر, يتوقفون عند واجهات متاجر تعرض ملابس جاهزة للرجال والنساء, يمرون بمدخل أحد البنوك, وينظرون إلى كشك مفتوح يعرض الجرائد وأنواع التبغ, ولكن لا أحد به ليبيع ولا أحد يأتي ليشتري, يتصفح أحد رجال البوليس جريدة وينظر إلى تاريخ صدورها فيجد أنه هو تاريخ نفس اليوم, يقرأ بعض العناوين فيجد أن الأحداث قديمة, ولكن كأنها تقع اليوم, يرمي بالجريدة فتنفتح أوراقها وتأتي ريح من إحدى الجهات لتذهب بها وهي تتحرك على الأرض قبل أن تعلو مع الريح وتطير. رجال البوليس المسلحون يعودون من تجوالهم في الشوارع إلى مدخل البنك, فيقفون عند الباب متلصصين إلى الداخل بنظراتهم, ثم يدخلون. البنك خال من الموظفين والمراجعين. رجال البوليس يتطلعون إلى الأوراق والملفات. أحدهم يفتح خزنة المال فيجدها ممتلئة بأوراق النقد بكل العملات. يغلقها وينظر إلى أصحابه ويغادرون البنك.
4ـ رجل وامرأة
يجولان في شوارع المدينة, متعانقين أو متخاصرين, يضاحك كل منهما الاخر.
دخلا المقهى الفارغ من الرواد, وذهب الرجل نحو عصارة القهوة, فشغلها وحضّر لنفسه قهوة مركزة في فنجان وضع بجواره قطع السكر, ثم عصر أربع برتقالات وسكب العصير في كوب وصَفَّ كل ذلك على مائدة ثم جلس ينظر إلى امرأته وهو يحتسي من فنجان القهوة.
حينما رأى رجال البوليس يعبرون الطريق المقابل سحب فنجان القهوة وكوب العصير وأشار إلى امرأته أن تختبئ بسرعة, فاختبآ في الداخل, وبعد حين ظهر الرجل وهو يطل بنظرات مريبة نحو الشارع, ثم تقدم خطوات وهو يطل على الطريق, و لما رأى طائرين أسودين ضخمي الجثة, يطيران فوق الشارع, أصابه الذهول, ولما التقت نظراته مع نظرات ذلك الطائر, بدا وكأنه يعرفه, فأحس بالفرح والطمأنينة, وأشار إلى امرأته أن تخرج, ولما خرجت أكملا شرب مشروبيهما وغادرا المقهى للتجوال في الشوارع, متعانقين متخاصرين, حتى وصلا إلى الواجهة التي تعرض الملابس الرجالية والنسائية, وكان المحل مفتوحا ولا أحد بالداخل, فدخلا, وارتدت المرأة ما اختارته من ثياب لها وهي تغير ثوبا بآخر ناظرة إلى المرآة, وكذلك فعل الرجل, لكنهما تبادلا نظرة أمام المرآة, ونظرا إلى الثياب التي على جسديهما, فتضاحكا, ونزعا عنهما تلك الثياب ثم خرجا للشوارع. دخلا البنك وتلاعبا بأوراق النقد وهما يضحكان, وظهر لهما رجال البوليس يمرون بالشارع, فاختبآ إلى حين أن مروا, وخرجا من البنك متجولين في الشوارع, حتى وصلا إلى النافورة التي في تلك الساحة العمومية, فرأيا الحمائم تغسل أجنحتها من رذاذ ذلك الماء, فاغتسلا, وشربا من الماء, وتآلفا مع الحمائم التي لم تجفل منهما, ثم سارا يتجولان في شوارع المدينة.
5 ـ القاتل والمقتول
في شوارع المدينة, ودروبها وأزقتها, تعانقت جثث كثيرة بينما ارتمت من حولها أسلحة وطلقات كانت قد ضاعت في الفراغ, فالمسافات اختلطت على الغازي والمدافع عن المدينة, كلاهما ارتبك ولم يفهم أهو غاز أم مدافع عن المدينة, ولما كان لابد من الضرب بالرصاص, لأن ذلك هو مهنة القتلة, فقد تحول كل قاتل إلى مقتول, وكل واحد منهما قتل وهو يظن أنه كان قد دافع عن شرف وطنه, غازيا كان أم مغزوا, ولذلك فقد تعانقت الجثث, لجنود غزاة وجنود آخرين محتلين, عناق الموت في الحرب, وعناق من يسافر نحو الموت.
لكن الرجل والمرأة, السائرين في شوارع المدينة, فكرا في دفن الجثث, كما فكرا في محو بقع الدم اليابسة على أرضية الشوارع, لكنهما خافا من أن يظهرا أمام رجال البوليس وهما يفعلان تلك الأشياء, وأحزنهما أن تبقى المدينة فارغة, دون سكان, واقترب كل منهما من الآخر, ضاحكين مبتهجين, وقال لها أنا آدم وأنت حواء, فقالت له أنا حواء وأنت آدم.
6 ـ طائر المدينة
فجأة كان ذلك الطائر قد جاء من سماء بعيدة يحاول أن يدخل المدينة, فاقترب من باب ثم وجد للمدينة بابا آخر, وطاف مع سور المدينة فوجد لها سبعة أبواب, وكلها مغلقة, فقرر أن يدخلها من فوق, مقتحما وسطها, ولما دفع بجناحيه, رأى من علوه الرجل والمرأة وهما يسيران في شوارع المدينة متعانقين, فقال ذلك الطائر, لا, لا يمكن أن أدخل هذه المدينة وليست معي أنثاي, وتراجع نحو سمائه يزعق وينادي أنثاه, ولما تبعته ودخلا المدينة, رأيا التوابيت, والطيور المحنطة, والغابة المحروقة التي صارت أشجارها واقفة, ولكنها من رماد, وأشباح النساء ذوات الجلابيب السوداء, العابرات كأنهن خيال ظل, كان أول ما أذهلهما, هو أن رجال البوليس, وأسلحتهم, قد صاروا من رماد في انتظار ريح تأتي لتذر ذلك الرماد.
شوارع لا يمر فيها أحد, وعمارات خالية من السكان. ساحة للفراغ, صارت خارج الوقت والمكان, تعبرها من حين لآخر نساء ملثمات يرتدين الجلابيب السوداء, عبورا كأنه يتم في أوهام المدينة أو خيالاتها أو في ذاكرة من عاشوا فيها قبل هذا الزمان, فلعلهن النادبات. طيور محنطة محمولة على أصابع من حديد وعيونها البلورية تنظر إلى فراغ المدينة. كُتُبٌ يعلوها غبار وصفحاتها مفتوحة وهي تنظر إلى الشمس والربيع. غابة محروقة أشجارها واقفة ولكنها قد صارت من رماد. تماثيل للملك تبدو مائلة وهي على وشك السقوط, فلا يدري أحد من أسقط تلك التماثيل ومتى وكيف, فحتى التيجان المرصعة صارت ملقاة على الأرض وسيوف من ذهب وأقواس نصر وكلها ملفوفة برماد الاحتراق. الخرائط تكدس عليها الغبار فلم تعد تظهر منها معالم المدن, فهي خرائط جاء بها الغزاة, ليعيدوا رسم الخرائط من جديد.
ثم ها هي المدينة. مدينة التاريخ التي لا يراها أحد اليوم كما ينكر التاريخ أن يعرفها إن رآها على هذه الحال, فقد ضاعت معالمها وبناياتها الأثرية المعروفة, كما امحت وجوه أناسها وسكانها, ولم تبق إلا أصواتهم في الأثير, فلربما يكون سحر ساحر قد محا تلك المعالم, بعد أن تم استخدامه في حرب لم يحاربها إلا قليلون, وأما الذين حاربوا فقد نسوا أنفسهم ولم يتذكروا سوى الغزاة, ثم تعفنت بعض الجثث وفاحت رائحتها قي الشوارع وداخل البنايات السكنية وإدارات الدولة, والأسلحة ملقاة بعد انسحاب.
ومن كان هنا ومن انسحب, ومن بقي في مدينة لا تعرف وجهها في المرآة?
2 ـ صاحب التاج
وأما صاحب التاج, فكان بشوشا أمام كاميرات التلفزيون, يهدئ من روع من كان لهم روع لا يقدرون على إظهاره أمامه, هو العارف بهذه الأمور, وكان يضحك, ويطلب من رجاله أن يشربوا شايهم قبل أن يبرد.
هل كان الوقت وقت شرب الشاي?
انسحب صاحب التاج, فقد اختفى ليكرر للتاريخ أسطورة اختفاء هتلر.
صاحب التاج انسحب فانسحب من خلفه كل رجاله, وقالوا هي صفقة أو خيانة, وكل صفقة في زمن الحرب هي خيانة, ولكن من الذي خان المدينة, أهو صاحب التاج أم هم رجاله الذين خانوه وخانوا المدينة, حتى صاحب التاج والمدينة, غير متلازمين, فالمدينة لها تاريخ, وما هو إلا صاحب تاج من تلك التيجان التي تعودت في أوقات الحروب أن تلقى على الأرض. لكن ما فعلوه بالمدينة هو أنهم جعلوها أطلالا, لا يمكن أن يقف عليها التاريخ, فبالرغم من دموية بعض التواريخ, فالتاريخ يخجل من المدينة, وها هي, أطلال ودماء لم تجف في الشوارع, وأرض مسكونة بالخراب.
3 ـ رجال البوليس
مقهى خال من الرواد, والكراسي مقلوبة على الموائد. نافورة ماء في وسط ساحة, والماء يتدفق دون أن يراه أحد, ما عدا بعض الحمائم التي تغسل أجنحتها من رذاذ ذلك الماء. سيارات عتيقة حمقاء تظهر وهي تطوف حول الساحة طوفانا لا ينتهي, تتحرك دون أن يسوقها أحد, وفي طوافها حول الساحة لا تجد أحدا يراها, ما عدا ذلك الطائر الذي اقتحم المدينة, فصار من حديد وبارود, ثم يظهر رجال البوليس بأسلحتهم وهم يجوبون الشوارع الفارغة, ونظراتهم خزر, يتوقفون عند واجهات متاجر تعرض ملابس جاهزة للرجال والنساء, يمرون بمدخل أحد البنوك, وينظرون إلى كشك مفتوح يعرض الجرائد وأنواع التبغ, ولكن لا أحد به ليبيع ولا أحد يأتي ليشتري, يتصفح أحد رجال البوليس جريدة وينظر إلى تاريخ صدورها فيجد أنه هو تاريخ نفس اليوم, يقرأ بعض العناوين فيجد أن الأحداث قديمة, ولكن كأنها تقع اليوم, يرمي بالجريدة فتنفتح أوراقها وتأتي ريح من إحدى الجهات لتذهب بها وهي تتحرك على الأرض قبل أن تعلو مع الريح وتطير. رجال البوليس المسلحون يعودون من تجوالهم في الشوارع إلى مدخل البنك, فيقفون عند الباب متلصصين إلى الداخل بنظراتهم, ثم يدخلون. البنك خال من الموظفين والمراجعين. رجال البوليس يتطلعون إلى الأوراق والملفات. أحدهم يفتح خزنة المال فيجدها ممتلئة بأوراق النقد بكل العملات. يغلقها وينظر إلى أصحابه ويغادرون البنك.
4ـ رجل وامرأة
يجولان في شوارع المدينة, متعانقين أو متخاصرين, يضاحك كل منهما الاخر.
دخلا المقهى الفارغ من الرواد, وذهب الرجل نحو عصارة القهوة, فشغلها وحضّر لنفسه قهوة مركزة في فنجان وضع بجواره قطع السكر, ثم عصر أربع برتقالات وسكب العصير في كوب وصَفَّ كل ذلك على مائدة ثم جلس ينظر إلى امرأته وهو يحتسي من فنجان القهوة.
حينما رأى رجال البوليس يعبرون الطريق المقابل سحب فنجان القهوة وكوب العصير وأشار إلى امرأته أن تختبئ بسرعة, فاختبآ في الداخل, وبعد حين ظهر الرجل وهو يطل بنظرات مريبة نحو الشارع, ثم تقدم خطوات وهو يطل على الطريق, و لما رأى طائرين أسودين ضخمي الجثة, يطيران فوق الشارع, أصابه الذهول, ولما التقت نظراته مع نظرات ذلك الطائر, بدا وكأنه يعرفه, فأحس بالفرح والطمأنينة, وأشار إلى امرأته أن تخرج, ولما خرجت أكملا شرب مشروبيهما وغادرا المقهى للتجوال في الشوارع, متعانقين متخاصرين, حتى وصلا إلى الواجهة التي تعرض الملابس الرجالية والنسائية, وكان المحل مفتوحا ولا أحد بالداخل, فدخلا, وارتدت المرأة ما اختارته من ثياب لها وهي تغير ثوبا بآخر ناظرة إلى المرآة, وكذلك فعل الرجل, لكنهما تبادلا نظرة أمام المرآة, ونظرا إلى الثياب التي على جسديهما, فتضاحكا, ونزعا عنهما تلك الثياب ثم خرجا للشوارع. دخلا البنك وتلاعبا بأوراق النقد وهما يضحكان, وظهر لهما رجال البوليس يمرون بالشارع, فاختبآ إلى حين أن مروا, وخرجا من البنك متجولين في الشوارع, حتى وصلا إلى النافورة التي في تلك الساحة العمومية, فرأيا الحمائم تغسل أجنحتها من رذاذ ذلك الماء, فاغتسلا, وشربا من الماء, وتآلفا مع الحمائم التي لم تجفل منهما, ثم سارا يتجولان في شوارع المدينة.
5 ـ القاتل والمقتول
في شوارع المدينة, ودروبها وأزقتها, تعانقت جثث كثيرة بينما ارتمت من حولها أسلحة وطلقات كانت قد ضاعت في الفراغ, فالمسافات اختلطت على الغازي والمدافع عن المدينة, كلاهما ارتبك ولم يفهم أهو غاز أم مدافع عن المدينة, ولما كان لابد من الضرب بالرصاص, لأن ذلك هو مهنة القتلة, فقد تحول كل قاتل إلى مقتول, وكل واحد منهما قتل وهو يظن أنه كان قد دافع عن شرف وطنه, غازيا كان أم مغزوا, ولذلك فقد تعانقت الجثث, لجنود غزاة وجنود آخرين محتلين, عناق الموت في الحرب, وعناق من يسافر نحو الموت.
لكن الرجل والمرأة, السائرين في شوارع المدينة, فكرا في دفن الجثث, كما فكرا في محو بقع الدم اليابسة على أرضية الشوارع, لكنهما خافا من أن يظهرا أمام رجال البوليس وهما يفعلان تلك الأشياء, وأحزنهما أن تبقى المدينة فارغة, دون سكان, واقترب كل منهما من الآخر, ضاحكين مبتهجين, وقال لها أنا آدم وأنت حواء, فقالت له أنا حواء وأنت آدم.
6 ـ طائر المدينة
فجأة كان ذلك الطائر قد جاء من سماء بعيدة يحاول أن يدخل المدينة, فاقترب من باب ثم وجد للمدينة بابا آخر, وطاف مع سور المدينة فوجد لها سبعة أبواب, وكلها مغلقة, فقرر أن يدخلها من فوق, مقتحما وسطها, ولما دفع بجناحيه, رأى من علوه الرجل والمرأة وهما يسيران في شوارع المدينة متعانقين, فقال ذلك الطائر, لا, لا يمكن أن أدخل هذه المدينة وليست معي أنثاي, وتراجع نحو سمائه يزعق وينادي أنثاه, ولما تبعته ودخلا المدينة, رأيا التوابيت, والطيور المحنطة, والغابة المحروقة التي صارت أشجارها واقفة, ولكنها من رماد, وأشباح النساء ذوات الجلابيب السوداء, العابرات كأنهن خيال ظل, كان أول ما أذهلهما, هو أن رجال البوليس, وأسلحتهم, قد صاروا من رماد في انتظار ريح تأتي لتذر ذلك الرماد.