نقوس المهدي - في الأدب المغربي القديم

بداءة وبخشوع المتأمل في شجون الادب المغربي القديم وشؤونه نجازف بالولوج الى بعض منعطفات الدروب القصية والمعتمة منه محاولين تتبع خطوات جمهرة من الباحثين المتنورين الذين حاولوا بجهد جهيد وبأناة وصدق وصبر مكين اماطة اغشية النسيان عنه وصقله واخراجه الى النور وبعثه حيا في إهاب من بلور ونور. خصوصا ان هذه النصوص عرفت تهميشا ولم تنل حقها من التكريم والعناية والاهتمام .. ويعزي العلامة عبد الله كنون سبب هذا الإهمال والتهميش إلى الأدباء المغاربة انفسهم..

فهنا وفي ربوع هذه المغارب بزغ قمر الحضارات القديمة، وسطعت شموس المعتقدات ونجومها.. وهنا انتعشت قبل التاريخ، بل قبل دول عديدة العديد من الحضارات، وسادت دول وتعاقبت ممالك وسلالات من رومانية وقرطاجنية و نوميدية وبيزنطية وامازيغية واسلامية، وتربع شيشنق الامبراطور الأمازيغي على العرش الفرعوني، وكان المنطلق البحري نحو اكتشاف قارات اخرى ، وبسط الدين الاسلامي في أوربا، وعرف كتابة اولى الروايات بالمعنى الحديث في تاريخ الادب الكوني ، وعرف ازدهار الفلسفة المسيحية و الديانة اليهودية ، وطرق التصوف الاسلامي، والزوايا الى امتدت الى اقصى ادغال افريقيا ، و لا غرابة ان نجد بان أصول الطرق الصوفية المصرية على سبيل المثال جميعها مغاربية! إما أندلسية أو مغربية.. وهو ما يفسر لنا اعتقاد أهل القرى المصرية ، خاصة فى الصعيد ، بأن "الولى" لابد أن يكون مغربيا ، ليكون باهر الكرامات. فيما انفرد المشرق بظهور الأنبياء والرسل ، وعرف ايضا الى جانب ازدهار تلك النخبة الدينية نشوء الفكر التنويري في زمن جد متقدم.. وألفت العديد من الكتب في الفلسقة والفكر والأدب، والطب، والفلاحة، والموسيقا والطبخ والهندسة والعمران، وغير ذلك من صنوف المعرفة و انواعها . وان كان هذا التراث يغلب عليه الطابع الفقهي ويسمه بميسم العتاقة، والأخذ عن السلف والمتح من متون التقليد والاسانيد.. وإن لاقى الكثير من العنت والنكران والإقصاء من طرف الاخوة المشارقة، وأثيرت نقاشات كثيرة حول انحساره وعدم انتشاره،
وقد ورد في العدد 140 من مجلة دعوة الحق حديث عن للمغرب جاء فيه


(وجدت في كتاب نبذ تاريخية في أخبار البربر في القرون الوسطى المطبوع بالرباط سنة 1934 م ص 1
"ولقد جرى ذكر المغرب بحضرة أمير المومنين ابن عبد العزيز العبيدي فقال بعض الحاضرين: بلغنا أن الدنيا شبهت بطائر.. فالمشرق رأسها، واليمن جناحها، والشام جناحها الآخر، والعراق صدرها.. والمغرب ذنبها...! وكان في المجلس رجل مغربي يقال له الدقا. فقال لهم : صدقتم...! والطائر طاووس..! فضحك وأجزل صلته.
يريد أن أحسن ما في الطاووس ذيله..!)

وتجدر الاشارة الى وجود العديد من الباحثين الذين احيوا ذاكرة هذا التراث الانساني، ذلك كما قال الباحث محمد بن تاويت فان "الأدب المغربي آخر ما تنفست به العربية في أقطارها المفتوحة"، واذا كان مقدرا للأدب المغربي أن يتأخر ظهوره ردحا طويلا من الزمن ، فهذا لا يعني انعدام قيمته وجماليته ، وقد سخر له من يزيل عنه غبار النسيان ويبعث فيه الروح والامل ، مثل عبدالله كنون ومحمد بن تاويت، ومحمد المنوني وعبد الله الجراري والحسن السايح وابراهيم حركات وعباس ارحيلة وعباس الجراري ، عبد الهادي التازي وحسن جلاب وعلال الفاسي والمختار السوسي، وعبدالعزيز بن عبدالله، ومحمد علال سيناصر و غيرهم ممن يضيق عن ذكرهم هذا التقديم .. هذا فضلا عن من الفوا فيه من القدماء مثل المقري و الجراوي المليلي ، والقاضي عياض ، والعباس بن ابراهيم ، و الناصري، والتادلي، وشعيب الدكالي، وابن المعطي، والزموري ، وابن المرحل ، والبلغيثي ، السجلماسي، وأبو القاسم السبتي، وإبراهيم بن أيوب النكوري ، والشيخ الحسن اليوسي ، وابن حبوس و ابن عمران الفاسي والثعالبي الفاسي، وان كان هذا الادب و خاصة الشعر منه اقرب الى الادب الاندلسي - الذي يعتبر في حد ذاته رافدا من روافد الادب المغربي - منه الى الادب المشرقي ، ويقوم على جملة من التقابلات العقلية والحدود المنطقية بين الادب والواقع مثل الالفيات والاراجيز والواربيات والمولديات والحجازيات والبديعيات والقصائد الدينية والمعارضات والخمريات والادب الرحلي والرسالي وشعر الملحون والموشحات والزجل ، وقس على ذلك من الاغراض..

خلال هذا السفر الروحي و المعرفي في انساق الانتلجنسيا المغربية التقليدية، و في متون الادب المغربي الاصيل كما سيرى المتتبع الحصيف سنصادف مواضيع شائقة صاغها باحثون كبار و وازنون ، و باسلوب رصين و قصصي بهيج سيسلط الاضواء الكاشفة على هذا المبحث الراقي الذي يتعلق بحضارتنا و فكرنا الأصيل..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى