الفصل التاسع -
سقوط
وسقطت حبّة الرّمل الأخيرة ..وكان سقوطُها منتظرَاً من الطرفين وما كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير ..فالجمل وإن كان قد ناء بما حمل لكنّه كان قادراً على القيام لو استنفره الحادي ..
سقوطُها كان كسقوط ورقة التوت بين آدم وحواء ..وعندها لا خجل ..والحيّة أشبَعَتها إغواءً فقرّرت أن تقطفَ التفاحة المحرّمة ..ولابدّ من أن يقضماها معاً لتتمَّ الخطيئة الأصلية .
وسقوطها كان كاقتلاع ورقة الورد الأخيرة من تويج أحد الزهرات ..في لعبة التوقّعات (يحبّني أو لا يحبني )؟...وتلك الورقة الأخيرة كانت (يحبّني ) فلابدّ لها إذن من أن تحبَّه .
وسقوطُها كان كلعبة القتل بين خصمَين وقرّرا إنهاء اللعبة بموت أحدهما .. ويحشوان مسدّساً واحداً بطلقة واحدة بشكلٍ عشوائيّ ..ويتبادلان التصويب والإطلاق على بعضهما من مسافةٍ قريبة .. لكنّ الخصمَين هنا كانا عاشقين ولذلك تمنّى كلّ واحدٍ منهما أن تكون الطلقة القاتلة بيد الآخر ..فيموت بيد من يحبّ وبين يديه .
كأنّهما يلعبان الشطرنج مُذ تعارفا ..ويلعبانها بحذر بحركاتٍ محسوبة وموقوتة ومدروسة وقد خسرا حتى الآن كلَّ البيادق ..وكي تستمرّ اللعبة لابدّ من التضحية بحصانٍ أو فيل ..لابدّ للقلاع المحصّنة أن تتداعى أسوارها ، ولابدّ للملك أن ينقلب في النهاية ولو تأخّر انقلابه .
وسقوط ملك الشطرنج – على عظمته - كم يبدو بسيطاً وحتمياً عندما ينكشف عن حاميته ..قد تتفاجأ بحركته المحدودة والثقيلة كأضعف حجرٍ في المملكة لأنّه مُثقَلٌ بتاجه الثقيل ..فيستسلم للأعداء والتاج يتوّجُه ..عندها يقيّدونه بسلاسلَ ذهبيّة لأنهم مازالوا يعتبرونه ملكاً ، ويعرّونه كاملاً إلا من تاجه ..ويتوقّع الملك الأسير أنّ الخصوم سيفعلون به ويفتعلون ما أمكنهم .. فلا ينبس ببنت شفة لأنه غدا في عنق الزجاجة !
تنفسّا الصّعداء ووقفا متواجهَين ..والتقت عيونهما بلا خجل ، وكانت عادةً ما تخفق أجفانُهما لو التقت العيون لكنّها الآن ما انسدلت بل حمْلَقت
وقالت :
- حبة الرمل الأخيرة سقطت..أأقلب الساعة أم تقلِبْها أنت ؟
-عن أيّة ساعة تتحدّثين وقد أتت ساعتنا ؟..تعالي نستغلّها حتى الثّمالة .
ماعادا ملتزمَين بالمربّعات السوداء والبيضاء من رقعة الشطرنج .. واختلطت الأحجار المتبقّية ببعضها ..واختلط الحابل بالنابل ، وخرجا عن قواعد اللعبة .
والتقت الأصابع الباردة وتشابكت ..لم يجذبها إلى صدره ليحتضنها بل اندفعت لوحدها تلتحفه وتشتمل به ..وأغمِضَت العيون فما انتبها للظلام الذي أطبق عليهما ..وأحسّا بالزمن الجميل يتسرّب إلى أوصالهما ..ونسِيَا في حمأة الموقف ساعَتَهما الزجاجية الواقفة على المنضدة ..وبدأت حبيبات الرمل في أجسادهما تغلي وتتحرّك منذرة بالعبور من عنق الزجاجة ..
كانت ملكة بيضاء مأسورة بين يديّ الملك الأسود ..جاءت غازيةً إلى قصره المتواضع لتصارِعه فاحتضنها ، ونصف المصارعة احتضان وإن كان قاسياً ..وتنتهي المصارعة عادة بإيقاع الخصم المُنهَك وتثبيته من كتفيه .. ولولا تدخّل الحكم لانتهت لعبة المصارعة باغتصاب الخصم المستضعَف..
وتركته يُحَلحِل أحزمتها ويفكفك أزرارها بصمْتِ المترقّب ورغبة المُستجدي ..حتى غدت عاريةً بين يديه إلا من تاجها ..كلّه مسموحٌ أيها الملك الأسود إلا تويج طهارتي الذي أعتزّ به لا تنزعه ..لكنّ التيجان اصطدمت ببعضها في لحظة العناق وغدت مُعيقَة للوفاق والاتّفاق ..فقالت في نفسها ..لابأس إن نزعْتُ تاجي قليلاً ..
وعندما ينزعون التاج عن رأس الملكة العارية تحسّ بالخجل ، وما خجلت عندما عرّاها كاملة وكأنّ تاجَها هو عورتُها فقط ..وأحسّت بالخوف على عرشها المسلوب ..لقد وطِئوا بلاطها وانفضّت عنها كلّ حاشيتها في لحظة ضعف ..وبانت حواشيها وتناثر شعرها ككلّ النساء في لحظة حبّ !
إنّها نصفُ ساعةٍ أيضاً ولكنها كانت قصيرة وطويلة ..قصيرة بحلاوتها وطويلة لو حاولت سرد تفاصيلها
وتلاصق الجسدان المُنهَكان كحجرتين من ساعةٍ رملية ..وكانت حجرتُها متلهّفةً لاستقبال حُبيبات حجرته ، وعسيلتها طلبت الامتزاج بعسيلته .. واسترخى عنق الزجاجة ساعتَها وما كان انفتاحُه مؤلماً ..
ومن قال إننا نعيش في أزمة عنق الزجاجة ؟..ألا فانظروا حبيباتنا تمرّ بسلاسة وكأنها تعرف طريقَها الغريزيّ ..وكان انقلاب الساعة بعدها عفوياً وضرورياً لمعاودة العبور وإثبات الاتّساع في عنق الزجاجة كحقيقةٍ حتميّة .. وغدت رقعة الشطرنج تحتَهما رماديّة باختلاط أبيضِها بأسودِها ..ولم تبقَ حدودٌ ومربعات مرسومة .
وتبخّرت ساعتها كلّ الهموم وكأنها لم تكنْ ..
ولم يشعرا بالبرد لأنّ حبيباتهما كانت تمرّ ساخنةً عبر عنق الزجاجة .
سقوط
وسقطت حبّة الرّمل الأخيرة ..وكان سقوطُها منتظرَاً من الطرفين وما كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير ..فالجمل وإن كان قد ناء بما حمل لكنّه كان قادراً على القيام لو استنفره الحادي ..
سقوطُها كان كسقوط ورقة التوت بين آدم وحواء ..وعندها لا خجل ..والحيّة أشبَعَتها إغواءً فقرّرت أن تقطفَ التفاحة المحرّمة ..ولابدّ من أن يقضماها معاً لتتمَّ الخطيئة الأصلية .
وسقوطها كان كاقتلاع ورقة الورد الأخيرة من تويج أحد الزهرات ..في لعبة التوقّعات (يحبّني أو لا يحبني )؟...وتلك الورقة الأخيرة كانت (يحبّني ) فلابدّ لها إذن من أن تحبَّه .
وسقوطُها كان كلعبة القتل بين خصمَين وقرّرا إنهاء اللعبة بموت أحدهما .. ويحشوان مسدّساً واحداً بطلقة واحدة بشكلٍ عشوائيّ ..ويتبادلان التصويب والإطلاق على بعضهما من مسافةٍ قريبة .. لكنّ الخصمَين هنا كانا عاشقين ولذلك تمنّى كلّ واحدٍ منهما أن تكون الطلقة القاتلة بيد الآخر ..فيموت بيد من يحبّ وبين يديه .
كأنّهما يلعبان الشطرنج مُذ تعارفا ..ويلعبانها بحذر بحركاتٍ محسوبة وموقوتة ومدروسة وقد خسرا حتى الآن كلَّ البيادق ..وكي تستمرّ اللعبة لابدّ من التضحية بحصانٍ أو فيل ..لابدّ للقلاع المحصّنة أن تتداعى أسوارها ، ولابدّ للملك أن ينقلب في النهاية ولو تأخّر انقلابه .
وسقوط ملك الشطرنج – على عظمته - كم يبدو بسيطاً وحتمياً عندما ينكشف عن حاميته ..قد تتفاجأ بحركته المحدودة والثقيلة كأضعف حجرٍ في المملكة لأنّه مُثقَلٌ بتاجه الثقيل ..فيستسلم للأعداء والتاج يتوّجُه ..عندها يقيّدونه بسلاسلَ ذهبيّة لأنهم مازالوا يعتبرونه ملكاً ، ويعرّونه كاملاً إلا من تاجه ..ويتوقّع الملك الأسير أنّ الخصوم سيفعلون به ويفتعلون ما أمكنهم .. فلا ينبس ببنت شفة لأنه غدا في عنق الزجاجة !
تنفسّا الصّعداء ووقفا متواجهَين ..والتقت عيونهما بلا خجل ، وكانت عادةً ما تخفق أجفانُهما لو التقت العيون لكنّها الآن ما انسدلت بل حمْلَقت
وقالت :
- حبة الرمل الأخيرة سقطت..أأقلب الساعة أم تقلِبْها أنت ؟
-عن أيّة ساعة تتحدّثين وقد أتت ساعتنا ؟..تعالي نستغلّها حتى الثّمالة .
ماعادا ملتزمَين بالمربّعات السوداء والبيضاء من رقعة الشطرنج .. واختلطت الأحجار المتبقّية ببعضها ..واختلط الحابل بالنابل ، وخرجا عن قواعد اللعبة .
والتقت الأصابع الباردة وتشابكت ..لم يجذبها إلى صدره ليحتضنها بل اندفعت لوحدها تلتحفه وتشتمل به ..وأغمِضَت العيون فما انتبها للظلام الذي أطبق عليهما ..وأحسّا بالزمن الجميل يتسرّب إلى أوصالهما ..ونسِيَا في حمأة الموقف ساعَتَهما الزجاجية الواقفة على المنضدة ..وبدأت حبيبات الرمل في أجسادهما تغلي وتتحرّك منذرة بالعبور من عنق الزجاجة ..
كانت ملكة بيضاء مأسورة بين يديّ الملك الأسود ..جاءت غازيةً إلى قصره المتواضع لتصارِعه فاحتضنها ، ونصف المصارعة احتضان وإن كان قاسياً ..وتنتهي المصارعة عادة بإيقاع الخصم المُنهَك وتثبيته من كتفيه .. ولولا تدخّل الحكم لانتهت لعبة المصارعة باغتصاب الخصم المستضعَف..
وتركته يُحَلحِل أحزمتها ويفكفك أزرارها بصمْتِ المترقّب ورغبة المُستجدي ..حتى غدت عاريةً بين يديه إلا من تاجها ..كلّه مسموحٌ أيها الملك الأسود إلا تويج طهارتي الذي أعتزّ به لا تنزعه ..لكنّ التيجان اصطدمت ببعضها في لحظة العناق وغدت مُعيقَة للوفاق والاتّفاق ..فقالت في نفسها ..لابأس إن نزعْتُ تاجي قليلاً ..
وعندما ينزعون التاج عن رأس الملكة العارية تحسّ بالخجل ، وما خجلت عندما عرّاها كاملة وكأنّ تاجَها هو عورتُها فقط ..وأحسّت بالخوف على عرشها المسلوب ..لقد وطِئوا بلاطها وانفضّت عنها كلّ حاشيتها في لحظة ضعف ..وبانت حواشيها وتناثر شعرها ككلّ النساء في لحظة حبّ !
إنّها نصفُ ساعةٍ أيضاً ولكنها كانت قصيرة وطويلة ..قصيرة بحلاوتها وطويلة لو حاولت سرد تفاصيلها
وتلاصق الجسدان المُنهَكان كحجرتين من ساعةٍ رملية ..وكانت حجرتُها متلهّفةً لاستقبال حُبيبات حجرته ، وعسيلتها طلبت الامتزاج بعسيلته .. واسترخى عنق الزجاجة ساعتَها وما كان انفتاحُه مؤلماً ..
ومن قال إننا نعيش في أزمة عنق الزجاجة ؟..ألا فانظروا حبيباتنا تمرّ بسلاسة وكأنها تعرف طريقَها الغريزيّ ..وكان انقلاب الساعة بعدها عفوياً وضرورياً لمعاودة العبور وإثبات الاتّساع في عنق الزجاجة كحقيقةٍ حتميّة .. وغدت رقعة الشطرنج تحتَهما رماديّة باختلاط أبيضِها بأسودِها ..ولم تبقَ حدودٌ ومربعات مرسومة .
وتبخّرت ساعتها كلّ الهموم وكأنها لم تكنْ ..
ولم يشعرا بالبرد لأنّ حبيباتهما كانت تمرّ ساخنةً عبر عنق الزجاجة .