في قصة النمور في اليوم العاشر، يخبرنا الأديب زكريا تامر بهذه القاعدة :أن غريزة البقاء قادرة على تغيير طبيعة الكائنات.
وتقوم بالأدوار الأساسية شخصيتان المروض من جهة والنمر من جهة الأخرى ، إلى جانب المتابعين لما يدور بينهما ، هم تلاميذ المروض .
يتصف النمر في بداية القصة بالقوة والأنفة و حب الحرية ، أما المروض بالدهاء والقدرة على المراوغة و المساومة .
ولا يدرك القارئ ما الذي جمعهما، لكنه يشك في حقيقتهما ،من أنهما فعلا نمرا ومروضا ، فالهدف من لقائهما ليس ترويض النمر تحضيرا لمشهد أو حفل يكون بطله المروض، بل إثبات أن النمر قد يتحول إلى كائن وديع ،فيتنكر لطبيعته الأصلية، ليحصل على غدائه من المروض .
ذلك هو موضوع القصة ظاهريا ،قبل بلوغ خاتمتها والكشف عن معانيها الضمنية، تلك التي لم يصرح بها الكاتب منذ البداية .
لا بد من الرجوع إذا ، إلى طبيعة الحوار الذي دار بين الشخصيتين على امتداد القصة ،لمعرفة أنه اتخذ صيغة المساومة بين المروض والنمر، مما أسدى عليه طابعا إنسانيا، جعلنا ننتهج التأويل الرمزي لأحداثها المقتضبة وللحوار الذي أسس بنيتها ،حتى نكتشف معانيها الخفية .
إذ ،تحيلنا تلك المساومة وما تفترضه من أخذ وعطاء إلى خصائص الإنسان ،بوصفه الكائن الذي يستعمل اللغة للتواصل مع غيره، خلافا للكائنات الأخرى ،كما قال أرسطو " الإنسان حيوان ناطق " ،و هو المدرك للزمن أي الحاضر والماضي والمستقبل ،بالتالي تقوم علاقته مع غيره في الغالب على المبادلات والمصالح لتنتهي بالتفاوض .
ويمتلك النمر تلك الخصائص ،بما أنه شخصية ناطقة، لها تصور معين لوضعيتها ولطبيعتها وللزمن الذي تعيشه ،وبالتالي فاكتسابه لقدرات إنسانية ، يجعلنا نعيد النظر في معاني الحوار ومغزى القصة، بطرح الأسئلة التالية : هل يولد الإنسان حرا ، مكتفيا بنفسه ، أبيا ، مستقلا فتجبره السلطة السياسية على الطاعة والخنوع وخشية الغير ،لأنها ترى فيه الوحش الذي يهددها ؟ أ لذلك تقمصت الشخصية الأولى دور النمر رغم ما تمتلكه من صفات إنسانية ،بينما احتفظ المروض ( الشخصية الثانية )بإنسانيته ، أ لأنه كان يعتبر أخيه الإنسان شبيها بالحيوان الوحشي،الرافض للمدنية ، أي للسياسة ،وتحديدا للسلطة التي كان يمثلها بوصفه من يمتلك الغذاء؟
يجيبنا الكاتب في خاتمة القصة ، أن النمر هو المواطن الذي أجبر على قبول عقد المدنية، أي العيش تحت ظل سلطة ما انفكت تساومه حتى لا يثور ضدها، فتطالبه بالتصفيق لها ،دون أن يفهم خطابها ، إذ كان هدفها الأساسي من ترويضه التدريجي أن يستغني عن طبيعته الاصلية.
فهل يسعى الأديب زكريا تامر، أن يقنعنا بخلاف ما ذهب إليه ابن خلدون ،من أن الإنسان مدني بالطبع ، معتبرا العيش المشترك بين الناس وحاجتهم إلى السياسة أي إلى المدنية ،هي التي تفقد الانسان حريته وأنفته وعزته واستقلاليته وخاصة كرامته لتضعه في قفص؟
قد يكون الأمر كذلك ،إذا ما اقتصر الفعل السياسي على ترويض الإنسان واستلاب وعيه ومساومته بإجباره على الطاعة ،مقابل حصوله على لقمة العيش ،بالتنكر لإنسانيته وعدم احترام حريته وكرامته حسب أحداث القصة .
لكن اختيار الكاتب للعنوان القصة وألا هو النمور ( ليس النمر)في اليوم العاشر، قد يجعلنا نعيد النظر في مواقع وأدوار جل الشخصيات ، باعتبارها نمورا بما فيها المروض .
إذ يتخلى النمر عن طبيعته الوحشية تدريجيا بتقليد مواء القطط، ثم بالتشبه بالحمار ليقبل بالتصفيق للسلطة الحاكمة دون فهم خطابها، بعد أن انطلت عليه حيل المروض ، فيضطر إلى أكل الأعشاب بعد أن كان يتناول اللحوم أثناء المراحل الأولى للترويض، حينئذ يكتسب المروض صفات أخرى إلى جانب الخداع والمراوغة وهي القسوة فيصبح مؤهلا إلى تقمص دور النمر .
وصفوة القول، أننا إزاء "أدب فكري" ،تناول قضايا كبرى مثل ماهية السياسة ومعنى المدنية وغريزة البقاء لدى الإنسان ،علاقة المحكوم بحاكمه ، ومفهوم الحرية والضرورة .
أما عن رؤية الكاتب فهي مستوحاة من واقع المجتمعات العربية، لا من النظريات التي غالبا ما تذهب إلى اعتبار أن الهدف الأساسي للسياسة هو ضمان حرية الإنسان وكرامته لا قمعه واضطهاده وتجويعه.
ويبقى السؤال مطروحا : من النمر ومن المروض في قصة النمور في اليوم العاشر ؟
كاهنة عباس .
وتقوم بالأدوار الأساسية شخصيتان المروض من جهة والنمر من جهة الأخرى ، إلى جانب المتابعين لما يدور بينهما ، هم تلاميذ المروض .
يتصف النمر في بداية القصة بالقوة والأنفة و حب الحرية ، أما المروض بالدهاء والقدرة على المراوغة و المساومة .
ولا يدرك القارئ ما الذي جمعهما، لكنه يشك في حقيقتهما ،من أنهما فعلا نمرا ومروضا ، فالهدف من لقائهما ليس ترويض النمر تحضيرا لمشهد أو حفل يكون بطله المروض، بل إثبات أن النمر قد يتحول إلى كائن وديع ،فيتنكر لطبيعته الأصلية، ليحصل على غدائه من المروض .
ذلك هو موضوع القصة ظاهريا ،قبل بلوغ خاتمتها والكشف عن معانيها الضمنية، تلك التي لم يصرح بها الكاتب منذ البداية .
لا بد من الرجوع إذا ، إلى طبيعة الحوار الذي دار بين الشخصيتين على امتداد القصة ،لمعرفة أنه اتخذ صيغة المساومة بين المروض والنمر، مما أسدى عليه طابعا إنسانيا، جعلنا ننتهج التأويل الرمزي لأحداثها المقتضبة وللحوار الذي أسس بنيتها ،حتى نكتشف معانيها الخفية .
إذ ،تحيلنا تلك المساومة وما تفترضه من أخذ وعطاء إلى خصائص الإنسان ،بوصفه الكائن الذي يستعمل اللغة للتواصل مع غيره، خلافا للكائنات الأخرى ،كما قال أرسطو " الإنسان حيوان ناطق " ،و هو المدرك للزمن أي الحاضر والماضي والمستقبل ،بالتالي تقوم علاقته مع غيره في الغالب على المبادلات والمصالح لتنتهي بالتفاوض .
ويمتلك النمر تلك الخصائص ،بما أنه شخصية ناطقة، لها تصور معين لوضعيتها ولطبيعتها وللزمن الذي تعيشه ،وبالتالي فاكتسابه لقدرات إنسانية ، يجعلنا نعيد النظر في معاني الحوار ومغزى القصة، بطرح الأسئلة التالية : هل يولد الإنسان حرا ، مكتفيا بنفسه ، أبيا ، مستقلا فتجبره السلطة السياسية على الطاعة والخنوع وخشية الغير ،لأنها ترى فيه الوحش الذي يهددها ؟ أ لذلك تقمصت الشخصية الأولى دور النمر رغم ما تمتلكه من صفات إنسانية ،بينما احتفظ المروض ( الشخصية الثانية )بإنسانيته ، أ لأنه كان يعتبر أخيه الإنسان شبيها بالحيوان الوحشي،الرافض للمدنية ، أي للسياسة ،وتحديدا للسلطة التي كان يمثلها بوصفه من يمتلك الغذاء؟
يجيبنا الكاتب في خاتمة القصة ، أن النمر هو المواطن الذي أجبر على قبول عقد المدنية، أي العيش تحت ظل سلطة ما انفكت تساومه حتى لا يثور ضدها، فتطالبه بالتصفيق لها ،دون أن يفهم خطابها ، إذ كان هدفها الأساسي من ترويضه التدريجي أن يستغني عن طبيعته الاصلية.
فهل يسعى الأديب زكريا تامر، أن يقنعنا بخلاف ما ذهب إليه ابن خلدون ،من أن الإنسان مدني بالطبع ، معتبرا العيش المشترك بين الناس وحاجتهم إلى السياسة أي إلى المدنية ،هي التي تفقد الانسان حريته وأنفته وعزته واستقلاليته وخاصة كرامته لتضعه في قفص؟
قد يكون الأمر كذلك ،إذا ما اقتصر الفعل السياسي على ترويض الإنسان واستلاب وعيه ومساومته بإجباره على الطاعة ،مقابل حصوله على لقمة العيش ،بالتنكر لإنسانيته وعدم احترام حريته وكرامته حسب أحداث القصة .
لكن اختيار الكاتب للعنوان القصة وألا هو النمور ( ليس النمر)في اليوم العاشر، قد يجعلنا نعيد النظر في مواقع وأدوار جل الشخصيات ، باعتبارها نمورا بما فيها المروض .
إذ يتخلى النمر عن طبيعته الوحشية تدريجيا بتقليد مواء القطط، ثم بالتشبه بالحمار ليقبل بالتصفيق للسلطة الحاكمة دون فهم خطابها، بعد أن انطلت عليه حيل المروض ، فيضطر إلى أكل الأعشاب بعد أن كان يتناول اللحوم أثناء المراحل الأولى للترويض، حينئذ يكتسب المروض صفات أخرى إلى جانب الخداع والمراوغة وهي القسوة فيصبح مؤهلا إلى تقمص دور النمر .
وصفوة القول، أننا إزاء "أدب فكري" ،تناول قضايا كبرى مثل ماهية السياسة ومعنى المدنية وغريزة البقاء لدى الإنسان ،علاقة المحكوم بحاكمه ، ومفهوم الحرية والضرورة .
أما عن رؤية الكاتب فهي مستوحاة من واقع المجتمعات العربية، لا من النظريات التي غالبا ما تذهب إلى اعتبار أن الهدف الأساسي للسياسة هو ضمان حرية الإنسان وكرامته لا قمعه واضطهاده وتجويعه.
ويبقى السؤال مطروحا : من النمر ومن المروض في قصة النمور في اليوم العاشر ؟
كاهنة عباس .