أأدرك غرابة العنوان وأدرك كثيراً مما سيتسابق إلى أذهان وألسنة بعض القراء قبل قراءة الموضوع وبعده بحكم تركيبتنا الفكرية، وعليه فلن أستنكر ذا الاستغراب فلطالما ظل الفقه واحة ذكورية محظوراً على النساء دخولها إبداعاً – ابتداءً؛ وكيف يفعلن وهن ناقصات العقل والدين؟!
العجيب أن هذا العلم حال نشأته لم تكن النساء خارج محيطه كما هن الآن، ولعلنا نذكر توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته مشيراً للسيدة عائشة رضي الله عنها ومشيداً بها بقوله: (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء).
ثم ماذا؟ ذهبت الحميراء، وراح فقه الدين (كله) للرجال، أقول هذا وأنا أستعرض تاريخاً طويلاً للفقه الإسلامي لا أرى نون نسوة بارزة فيه.. بالتأكيد يسعدني إن كنت مخطئة أن يصحح أحد لي المعلومة ويسعفني بتعداد بعض الفقيهات المسلمات في عصرنا هذا أو في عصور سابقة، رغم أني أعرف أن الذاكرة لن تجود بالكثير لا من خلل فيها بل لخلل في الذاكرة الجمعية والوعي الجمعي فيما يخص الشأن النسائي.. والطريف هنا إني أثناء الكتابة بحثت في النت مستخدمة كلمة فقيهة وقريباتها فلم أجد سوى ما سماه أصحابه مشروع الفقيهة واصفينه بقولهم هو (مشروع خاص بالنشر الإسلامي ويعتبر من المشاريع الحديثة التي بدأت عام 1999م استحدثته اللجنة الثقافية لتأليف ونشر وتوزيع المطبوعات والكتيبات الإسلامية سواء باللغة العربية وغيرها وسمي بهذا الاسم لكي تتفقه المرأة المسلمة في دينها وتصبح (فقيهة) بإذن الله تعالى مع إصدارات مشروع الفقيهة، وقد تم طباعة نشرتين والثالثة تحت الطباعة) وذا (كما هو واضح) فقه تلقيني يحمل رسالة واضحة بأن أقصى ما يجب أن تطمح إليه المرأة في هذا المجال هو أن تحفظ ما شرّع بخصوصها لا أن تشارك في التشريع أو تبدي رأيها فيه.
ما أريده الآن هو أن تشاركوني حيرتي لا حول سؤال لا أقلل من أهميته ألا وهو: لماذا بدأ الفقه بالمرأة ثم خرجت – أخرجت من حيزه سريعاً وطويلاً جداً؟ فإقصاء المرأة عن مجال الفقه ليس إلا تابعاً لإقصائها عن كل مناحي الحياة ما وسع المقصين الإقصاء وما وسعها أن تكون قصية، لذا أريد أن ننشغل بالأهم: ما الذي سيتغير لو عادت حمراوات أخريات من خليفات عائشة للاشتغال بالفقه.. وحول السؤال المقلق الآخر: ماذا لو ظلت المرأة تشتغل بمجال الفقه مذ ذاك؟
أكانت خارطة فقهنا الإسلامي بأحكامه المتعددة (يعنيني هنا حقل الأحوال الشخصية) كما هي الآن لو ظل نصف الفقه (ربعه حتى) للمرأة؟
أرجو ألا يقفز الآن من يكرر عليَّ عبارات أحفظها مثله بأن الإسلام كرم المرأة ثم يجتر لي تاريخ ظلم المرأة في الأمم السابقة، وإنصاف الإسلام، أعرف ذا وأكثر، وأقره قبل غيري، لكن بعد إنصاف الإسلام يبقى إنصاف المسلمين وإنصاف المسلمة لنفسها بثقتها بأنها تستطيع أن تساهم في مجال حيوي وخطير كمجال الفقه.
من جهة أخرى أتمنى ألا يتسرع أحد فيقول إن الفقه سيظل هو هو، وأريده قبلها أن يستذكر أن أصول الأحكام مقررة في الكتاب الكريم والسنة المطهرة لكن مساحة الاجتهاد في التفاصيل والتقنين بينة.
أظن أن المرأة بحاجة لدخول حقل هذا العلم لأن ثمة تفاصيل فيما يخصها لا يعيها الرجل لو اجتهد، فكيف إذا ما أقررنا بأن الإرث الثقافي العربي يشحن ذاكرته بكل ما يقلل من شأن المرأة ويحقرها، فهل تنصف أحكامه المرأة لو شاء؟
أتذكر الآن حادثة لا أظنها بعيدة عن أذهانكم وهي سؤال عمر بن الخطاب ابنته حفصة عن المدة التي تحتملها المرأة في غياب زوجها والتزامه بما أقرته، وذا إقرار من عقلية فذة بأن المرأة أدرى بالمرأة وأقدر وأحق باتخاذ قرارات فيما يخصها.
فهل يمكن أن تنهض المرأة بواجبها تجاه نفسها فنتج -على غرار النقد النسوي- فقه نسوي يعنى بخصوصية ما تنتجه المرأة في مجال الفقه منقبة أيضاً في الكتابات الفقهية الكاشفة عن مكامن الاختلاف الأنثوي الذي يجب أن يراعى عند سن التشريعات، بما فيها الكتابات المذكرة شرط ألا تنطلق من قراءة ظالمة لنقص عقل المرأة ودينها.
قرآن الصغار
حين استعرض سنوات عملي في حقل التدريس أجد أجمل الصور المحفورة في خاطري من فترة تدريس المرحلة الابتدائية صورة صغيرات الفصول الدنيا مرددات آيات القرآن الكريم، تلك روحانية تتوالى السنين وأستشعرها كما لو هي بنت اللحظة، لكنها تستدعي لفكري دوماً السؤال التربوي المقلق: أيدركن ما يرتلن؟
ذلك أن شاغل أي معلم – معلمة: هل يستوعب الصغار ما يقدم لهم؟ هل يفهمونه؟ هل يؤثر فيهم هل يغير شيئاً في نظرتهم لأنفسهم وللوجود؟
مع الفصول الدنيا يكون القلق أكبر، لأن اللغة عندهم محدودة، فيما يسعد الصغار استعمال المفردات حتى التي لا يفقهون معناها فيكون من الصعب الجزم بما وما يلم يستوعبوه..
ولأني قضيت في تدريس الفصول الدنيا عدة سنوات فإني أعرف أن كثيراً من الصغيرات يرددن كثيراً من الآيات بآلية دون إدراك لجمال ما تلفظه ألسنتهن، ومهما بلغ جهد المعلمة البارعة في تقريب هذه النصوص لأفهامهن تظل العملية صعبة، لذا أريد أن أفكر فيها قليلاً معكم: أمن إلزامية في ترتيب الآيات المدروسة؟
الله سبحانه أنزل القرآن العظيم دون ترتيب للسور، وكان الصحابة يتدارسون كل ما يتنزل في أوانه، وجاء الترتيب بعد اكتمال النزول، ولم
يرد فيما ورد عن الرسول الكريم أية إلزامية عند قراءة القرآن بالتزام الترتيب، والسؤال: هل من ضير لو انتقى واضعو المناهج الآيات الأقرب لأفهام الصغيرات معنى ومبنى؟
هل من ضير في البدء بالآيات التي يسهل عليهن استيعابها لغوياً والأقرب لنفسياتهن كالتي تحوي قصص الأنبياء والأمم السابقة، أو آيات الترغيب والترهيب الواصفة للجنة والنار؟
ألن تكون تلك آيات أنسب للصغار في سنوات تعاملهم الأولى مع القرآن ومع لغته العالية؟
نحن نراعي لغة الأطفال وقواميسهم المحدودة في التخطيط للمناهج، وعند وضع أو إعادة تقييم الكتب الدراسية وفي الحصص الدراسية، لكن ما إن نصل لحصص القرآن الكريم حتى نتوقف، لا نجرؤ على أن ننتقي الآيات، رغم أن الله أنزلها مجزأة..
كيف نريد للصغار أو نتوقع منهم أن يفهموا ويحترموا ويتعلقوا بكلمات لا يعون معناها؟
من قام بتدريس الصغار أو كان والداً لطفل في الصف الأول الابتدائي مثلاً سيذكر بالتأكيد معضلة الصغار مع سورة البينة أو الكافرون على سبيل المثال، فهل هذا الانطباع الذي نريد أن يخرج به أطفالنا من تعاملهم الأول مع كتابنا الكريم.
أقول هذا مع إدراكي كم هو شائك الحديث عن تطوير المناهج الدينية في بلادنا، حيث تقفز الآن بعض الأذهان مباشرة للتشكيك في نوايا الكاتب..
فماذا الآن؟ ما الأهم؟ أن نحمي مناهجنا من أفكار التطوير التي نشكك في نوايا القائلين بها، أم نبحث عما يحقق تقاربنا مع ما هو مقدس بصورة أفضل؟
جريدة الجزيرة
٢٥-١٠-٢٠٠٦م
العجيب أن هذا العلم حال نشأته لم تكن النساء خارج محيطه كما هن الآن، ولعلنا نذكر توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته مشيراً للسيدة عائشة رضي الله عنها ومشيداً بها بقوله: (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء).
ثم ماذا؟ ذهبت الحميراء، وراح فقه الدين (كله) للرجال، أقول هذا وأنا أستعرض تاريخاً طويلاً للفقه الإسلامي لا أرى نون نسوة بارزة فيه.. بالتأكيد يسعدني إن كنت مخطئة أن يصحح أحد لي المعلومة ويسعفني بتعداد بعض الفقيهات المسلمات في عصرنا هذا أو في عصور سابقة، رغم أني أعرف أن الذاكرة لن تجود بالكثير لا من خلل فيها بل لخلل في الذاكرة الجمعية والوعي الجمعي فيما يخص الشأن النسائي.. والطريف هنا إني أثناء الكتابة بحثت في النت مستخدمة كلمة فقيهة وقريباتها فلم أجد سوى ما سماه أصحابه مشروع الفقيهة واصفينه بقولهم هو (مشروع خاص بالنشر الإسلامي ويعتبر من المشاريع الحديثة التي بدأت عام 1999م استحدثته اللجنة الثقافية لتأليف ونشر وتوزيع المطبوعات والكتيبات الإسلامية سواء باللغة العربية وغيرها وسمي بهذا الاسم لكي تتفقه المرأة المسلمة في دينها وتصبح (فقيهة) بإذن الله تعالى مع إصدارات مشروع الفقيهة، وقد تم طباعة نشرتين والثالثة تحت الطباعة) وذا (كما هو واضح) فقه تلقيني يحمل رسالة واضحة بأن أقصى ما يجب أن تطمح إليه المرأة في هذا المجال هو أن تحفظ ما شرّع بخصوصها لا أن تشارك في التشريع أو تبدي رأيها فيه.
ما أريده الآن هو أن تشاركوني حيرتي لا حول سؤال لا أقلل من أهميته ألا وهو: لماذا بدأ الفقه بالمرأة ثم خرجت – أخرجت من حيزه سريعاً وطويلاً جداً؟ فإقصاء المرأة عن مجال الفقه ليس إلا تابعاً لإقصائها عن كل مناحي الحياة ما وسع المقصين الإقصاء وما وسعها أن تكون قصية، لذا أريد أن ننشغل بالأهم: ما الذي سيتغير لو عادت حمراوات أخريات من خليفات عائشة للاشتغال بالفقه.. وحول السؤال المقلق الآخر: ماذا لو ظلت المرأة تشتغل بمجال الفقه مذ ذاك؟
أكانت خارطة فقهنا الإسلامي بأحكامه المتعددة (يعنيني هنا حقل الأحوال الشخصية) كما هي الآن لو ظل نصف الفقه (ربعه حتى) للمرأة؟
أرجو ألا يقفز الآن من يكرر عليَّ عبارات أحفظها مثله بأن الإسلام كرم المرأة ثم يجتر لي تاريخ ظلم المرأة في الأمم السابقة، وإنصاف الإسلام، أعرف ذا وأكثر، وأقره قبل غيري، لكن بعد إنصاف الإسلام يبقى إنصاف المسلمين وإنصاف المسلمة لنفسها بثقتها بأنها تستطيع أن تساهم في مجال حيوي وخطير كمجال الفقه.
من جهة أخرى أتمنى ألا يتسرع أحد فيقول إن الفقه سيظل هو هو، وأريده قبلها أن يستذكر أن أصول الأحكام مقررة في الكتاب الكريم والسنة المطهرة لكن مساحة الاجتهاد في التفاصيل والتقنين بينة.
أظن أن المرأة بحاجة لدخول حقل هذا العلم لأن ثمة تفاصيل فيما يخصها لا يعيها الرجل لو اجتهد، فكيف إذا ما أقررنا بأن الإرث الثقافي العربي يشحن ذاكرته بكل ما يقلل من شأن المرأة ويحقرها، فهل تنصف أحكامه المرأة لو شاء؟
أتذكر الآن حادثة لا أظنها بعيدة عن أذهانكم وهي سؤال عمر بن الخطاب ابنته حفصة عن المدة التي تحتملها المرأة في غياب زوجها والتزامه بما أقرته، وذا إقرار من عقلية فذة بأن المرأة أدرى بالمرأة وأقدر وأحق باتخاذ قرارات فيما يخصها.
فهل يمكن أن تنهض المرأة بواجبها تجاه نفسها فنتج -على غرار النقد النسوي- فقه نسوي يعنى بخصوصية ما تنتجه المرأة في مجال الفقه منقبة أيضاً في الكتابات الفقهية الكاشفة عن مكامن الاختلاف الأنثوي الذي يجب أن يراعى عند سن التشريعات، بما فيها الكتابات المذكرة شرط ألا تنطلق من قراءة ظالمة لنقص عقل المرأة ودينها.
قرآن الصغار
حين استعرض سنوات عملي في حقل التدريس أجد أجمل الصور المحفورة في خاطري من فترة تدريس المرحلة الابتدائية صورة صغيرات الفصول الدنيا مرددات آيات القرآن الكريم، تلك روحانية تتوالى السنين وأستشعرها كما لو هي بنت اللحظة، لكنها تستدعي لفكري دوماً السؤال التربوي المقلق: أيدركن ما يرتلن؟
ذلك أن شاغل أي معلم – معلمة: هل يستوعب الصغار ما يقدم لهم؟ هل يفهمونه؟ هل يؤثر فيهم هل يغير شيئاً في نظرتهم لأنفسهم وللوجود؟
مع الفصول الدنيا يكون القلق أكبر، لأن اللغة عندهم محدودة، فيما يسعد الصغار استعمال المفردات حتى التي لا يفقهون معناها فيكون من الصعب الجزم بما وما يلم يستوعبوه..
ولأني قضيت في تدريس الفصول الدنيا عدة سنوات فإني أعرف أن كثيراً من الصغيرات يرددن كثيراً من الآيات بآلية دون إدراك لجمال ما تلفظه ألسنتهن، ومهما بلغ جهد المعلمة البارعة في تقريب هذه النصوص لأفهامهن تظل العملية صعبة، لذا أريد أن أفكر فيها قليلاً معكم: أمن إلزامية في ترتيب الآيات المدروسة؟
الله سبحانه أنزل القرآن العظيم دون ترتيب للسور، وكان الصحابة يتدارسون كل ما يتنزل في أوانه، وجاء الترتيب بعد اكتمال النزول، ولم
يرد فيما ورد عن الرسول الكريم أية إلزامية عند قراءة القرآن بالتزام الترتيب، والسؤال: هل من ضير لو انتقى واضعو المناهج الآيات الأقرب لأفهام الصغيرات معنى ومبنى؟
هل من ضير في البدء بالآيات التي يسهل عليهن استيعابها لغوياً والأقرب لنفسياتهن كالتي تحوي قصص الأنبياء والأمم السابقة، أو آيات الترغيب والترهيب الواصفة للجنة والنار؟
ألن تكون تلك آيات أنسب للصغار في سنوات تعاملهم الأولى مع القرآن ومع لغته العالية؟
نحن نراعي لغة الأطفال وقواميسهم المحدودة في التخطيط للمناهج، وعند وضع أو إعادة تقييم الكتب الدراسية وفي الحصص الدراسية، لكن ما إن نصل لحصص القرآن الكريم حتى نتوقف، لا نجرؤ على أن ننتقي الآيات، رغم أن الله أنزلها مجزأة..
كيف نريد للصغار أو نتوقع منهم أن يفهموا ويحترموا ويتعلقوا بكلمات لا يعون معناها؟
من قام بتدريس الصغار أو كان والداً لطفل في الصف الأول الابتدائي مثلاً سيذكر بالتأكيد معضلة الصغار مع سورة البينة أو الكافرون على سبيل المثال، فهل هذا الانطباع الذي نريد أن يخرج به أطفالنا من تعاملهم الأول مع كتابنا الكريم.
أقول هذا مع إدراكي كم هو شائك الحديث عن تطوير المناهج الدينية في بلادنا، حيث تقفز الآن بعض الأذهان مباشرة للتشكيك في نوايا الكاتب..
فماذا الآن؟ ما الأهم؟ أن نحمي مناهجنا من أفكار التطوير التي نشكك في نوايا القائلين بها، أم نبحث عما يحقق تقاربنا مع ما هو مقدس بصورة أفضل؟
جريدة الجزيرة
٢٥-١٠-٢٠٠٦م