لم يُقبَل بي مهاجماً، ولا مدافعاً. أنا المفتون بميشال بلاتيني ومحمد التيموري، لم تُعرَض عليَّ حتى حراسة المرمى.خضعتُ لقلة حيلتي ورضيتُ بي متفرجاً منفعلاً شديد الحماسة. في مونديال المكسيك 1986 أوصلنا الليل بالنهار حتى لا نضيّع متابعة مارادونا. خالفني أبي حينها، إذ بقي مخلصاً للبرازيل، ونفّره من مارادونا سلوكه الصبياني، فيما وجد في البرازيليين رصانة وفناً في آن واحد. في سنوات لاحقة خفّت رغبتي في المتابعة، ومجلات "الصقر" التي كانت تأتينا من الدوحة غطى الغبار غلفها، أما اللاعبون الجدد فلا أكاد أعرف منهم أحداً. وإذ اضطر أخي الأكبر أن يشتري بطاقة اشتراك لمتابعة الكأس الأخيرة، بعدما احتكرت "الجزيرة" الرياضية بثّ مبارياتها، وجدتُ نفسي بعيداً عما سبق وفتنتُ به طوال عشرين سنة.
* * *
كنت في نحو العاشرة، حين اشترى لي أبي كرة تليق بفريق محترف. كرة كبيرة متينة من نوع "ميكاسا"، مبقعة بمخمسات بيضاء سوداء شبيهة رقع الشطرنج. هذه "ميكاسا"! إنها أغلى ضعفين من كرة "أوفيشيال" التي سرعان ما يرتخي هواؤها داخل جلدها الليّن. لم أفلح يوماً في تعلم الشطرنج ولا استسغته. الشطرنج؛ إنها لعبة الأذكياء، وشأني لا يداني شأنهم. خرجت إلى الشارع مزهوّاً وكرتي ممسوكة بحبّ بين ذراعي وخصري. إنها كرتي، وأنا مالكها. أنا أول من شاطها. أنا مَن سيحرز بها هدف حياته الأول. مع كل ذلك لم يُقبَل بي لاعباً في أيّ فريق. أخيراً بدرت لطافة من صبي أحمر الشعر: ليكن حارس مرمى فريقنا، فلنجرّبه مع كرته. لعبتُ كحارس تحت أوامر شيرو الطويل، كبير اللاعبين وأكثرهم بذاءة وسرعة غضب.
* * *
يُحدَّد المرمى عادةً بحجرين بارزين. حجران يحجزان مسافة تعادل ثلثي عرض الشارع. نحن في عطلة الصيف. لا شجرة في الجوار ولا بركة ماء ولا رطوبة هواء. الشمس تقدح حواف البيوت الطينية المرضوضة بزخّات مطر الشتاء الماضي. لهيبها يتوهج على نتوءات حجري المرمى الثابتين. لا ظلّ يقينا شمسنا. إنها الظهيرة، وكرتي تتنقل بين الأقدام. لم أخلَق لأكون حارس مرمى. أنا سريع العدو، وبنيتي ليست ضعيفة. صحيح أني غير جريء بما فيه الكفاية، لكني لست جباناً على كل حال. لا ينقصني سوى قذف الكلمات من فمي، غير أنه يفضل عمل عيني على عمل الكلمات. حمّلني شيرو مسؤولية الخسارة. وبقيت وحدي في الشارع. وكرتي بعيدة عني مسافة ثلاثة شوارع. عليَّ إحضارها. إنها الظهيرة الساخنة. شعري ممتلئ بالعرق، وذقني وشفتي العليا وصدغاي ووجهي. ما أشد إحمرار وجهي!
مضيتُ إلى كرتي أخيراً، حملتُها لصقَ خصري مثل أول مرة، ودخلتُ الشارع المفضي إلى بيتي. كان ظلٌّ قصير على الرصيف. لا أصلح مالك كرة أيضاً. إني قادر على اللعب، أقول لنفسي، إني صبور، سألعب دائماً، على رغم أنف شيرو، على رغم شعره الطويل الخشن، وأنفه المنتفخ الكريه!
* * *
كنت في نحو العاشرة، حين اشترى لي أبي كرة تليق بفريق محترف. كرة كبيرة متينة من نوع "ميكاسا"، مبقعة بمخمسات بيضاء سوداء شبيهة رقع الشطرنج. هذه "ميكاسا"! إنها أغلى ضعفين من كرة "أوفيشيال" التي سرعان ما يرتخي هواؤها داخل جلدها الليّن. لم أفلح يوماً في تعلم الشطرنج ولا استسغته. الشطرنج؛ إنها لعبة الأذكياء، وشأني لا يداني شأنهم. خرجت إلى الشارع مزهوّاً وكرتي ممسوكة بحبّ بين ذراعي وخصري. إنها كرتي، وأنا مالكها. أنا أول من شاطها. أنا مَن سيحرز بها هدف حياته الأول. مع كل ذلك لم يُقبَل بي لاعباً في أيّ فريق. أخيراً بدرت لطافة من صبي أحمر الشعر: ليكن حارس مرمى فريقنا، فلنجرّبه مع كرته. لعبتُ كحارس تحت أوامر شيرو الطويل، كبير اللاعبين وأكثرهم بذاءة وسرعة غضب.
* * *
يُحدَّد المرمى عادةً بحجرين بارزين. حجران يحجزان مسافة تعادل ثلثي عرض الشارع. نحن في عطلة الصيف. لا شجرة في الجوار ولا بركة ماء ولا رطوبة هواء. الشمس تقدح حواف البيوت الطينية المرضوضة بزخّات مطر الشتاء الماضي. لهيبها يتوهج على نتوءات حجري المرمى الثابتين. لا ظلّ يقينا شمسنا. إنها الظهيرة، وكرتي تتنقل بين الأقدام. لم أخلَق لأكون حارس مرمى. أنا سريع العدو، وبنيتي ليست ضعيفة. صحيح أني غير جريء بما فيه الكفاية، لكني لست جباناً على كل حال. لا ينقصني سوى قذف الكلمات من فمي، غير أنه يفضل عمل عيني على عمل الكلمات. حمّلني شيرو مسؤولية الخسارة. وبقيت وحدي في الشارع. وكرتي بعيدة عني مسافة ثلاثة شوارع. عليَّ إحضارها. إنها الظهيرة الساخنة. شعري ممتلئ بالعرق، وذقني وشفتي العليا وصدغاي ووجهي. ما أشد إحمرار وجهي!
مضيتُ إلى كرتي أخيراً، حملتُها لصقَ خصري مثل أول مرة، ودخلتُ الشارع المفضي إلى بيتي. كان ظلٌّ قصير على الرصيف. لا أصلح مالك كرة أيضاً. إني قادر على اللعب، أقول لنفسي، إني صبور، سألعب دائماً، على رغم أنف شيرو، على رغم شعره الطويل الخشن، وأنفه المنتفخ الكريه!