... ومات أبو فيروز، ذلك الرجل الذي جاء جريحًا وحيدًا إلى قريتنا، عشيّة النكبة، فقد وقعت قنبلةٌ على اللاجئين الذين خرجوا من يافا هربًا من المذابح، فَفقد أبو فيروز سَمعَه، إذ فجّر قيزان القنبلة طبلتيْه، مثلما مزّقت عائلته برمّتها.
كان لأبي فيروز بدلة سوداء، تبذّ أيّ طقم رسمي أو "تاكسيدو" يتزيّن بها المشهورون من نجوم السينما ورجال الأعمال، وكانت القرية تحسد أبا فيروز على بدلته، التي يحرص عليها حرصه على حياته!
كان يعلّقها على مسمار الحائط، بعد أن يلفّها بشرشفٍ حتى لا يظهر منها شيء، ويلفّعها خوف الغبار والشمس، ولا يلبسها إلا في الأعياد وفي بعض الأعراس.
حاول بعض العِرسان أنْ يستعيروا البدلة، فرفض أبو فيروز، وغضب، كأنهم يريدون استعارة زوجته!
وبعد أنْ دفنوا أبا فيروز، اجتمع رجال القرية، فشكّلوا لجنةً لحَصْر تَرِكة الرجل واستلام بدلته... غير أنّهم اختلفوا على مَن سيرثها!
وفي النهاية استطاع مختار القرية أن يحسم الأمر، وتكون البدلة في عهدته، فهو لا يلبس البدلات، بل الديمايات والقنابيز، وأولاده قد تزوّجوا، وستكون البدلة بمثابة نفر من سكان القرية، يحرص عليها ويحرسها.
واتّفقوا على أنّ كلّ عريس يستطيع أن يستعيرها يوم زفافه، شرط أنْ يحافظ عليها.
والمفارقة أن مَن كان ضعيف البنية قد ظهرت عليه البدلة فضفاضةً، واضطر أنْ يبحث عن حزامٍ جلدي ليشدّ به خَصْر البنطال، حتى لا يسقط على قدميه.
وربما تردّد المختار لأن يعيرها لمَن كان سمينًا، خوفًا من أنْ يفتقها أو يفختها أو تتمزّق بين إليتيه... ما خلق عداوات جديدة للمختار ، وجعل الاتهامات تنهال عليه، بدعوى التحيّز وعدم العدل.
بعد بضع سنوات، فَقَدت البدلة رونقها، وتفسّخت خيوطها، وكلَحَ لونها، وبدَت عليها تلك البقع الملطوخة على صدرها وفخذيها، وتهلهلت، ولم تعد تصلح للعرسان.
عقد المختار اجتماعًا لرجال القرية، وقد أحضر البدلة وعرضها عليهم، محاولًا إقناعهم بأنها أدّت واجبها وآن الأوان لأن تستريح.
أين ستذهب البدلة ؟
تعدّدت الآراء واختلف المجتمعون، وانقضى النهار دون أن يتوصّلوا إلى قرار، فأرجأوا الاجتماع لليوم الثاني، ولم يتّفقوا، فمدّدوا مؤتمرهم لليوم الثالث، فالرابع... وفي اليوم الخامس توافقوا على أنْ يحملوا البدلة إلى متحف المدينة، لعرضها هناك، مع شرحٍ مكثّف معها، باعتبار أنّها قدّمت خدمات جليلة للناس، وأنّها ما تبقّى من يافا، ومن رائحة البلاد!
ذهب المختارُ برفقة ثلاثةٍ من رجال القرية، وقد حملوا البدلة بحرص واهتمام، وقصدوا المتحف... فاستقبلهم المدير وتسلّمها!
وما كاد المختار ومَن معه يخرجون من البوابة، حتى أمر المديرُ عامل النظافة في المتحف بأن يُلقيها في سلّة المهملات.
كان لأبي فيروز بدلة سوداء، تبذّ أيّ طقم رسمي أو "تاكسيدو" يتزيّن بها المشهورون من نجوم السينما ورجال الأعمال، وكانت القرية تحسد أبا فيروز على بدلته، التي يحرص عليها حرصه على حياته!
كان يعلّقها على مسمار الحائط، بعد أن يلفّها بشرشفٍ حتى لا يظهر منها شيء، ويلفّعها خوف الغبار والشمس، ولا يلبسها إلا في الأعياد وفي بعض الأعراس.
حاول بعض العِرسان أنْ يستعيروا البدلة، فرفض أبو فيروز، وغضب، كأنهم يريدون استعارة زوجته!
وبعد أنْ دفنوا أبا فيروز، اجتمع رجال القرية، فشكّلوا لجنةً لحَصْر تَرِكة الرجل واستلام بدلته... غير أنّهم اختلفوا على مَن سيرثها!
وفي النهاية استطاع مختار القرية أن يحسم الأمر، وتكون البدلة في عهدته، فهو لا يلبس البدلات، بل الديمايات والقنابيز، وأولاده قد تزوّجوا، وستكون البدلة بمثابة نفر من سكان القرية، يحرص عليها ويحرسها.
واتّفقوا على أنّ كلّ عريس يستطيع أن يستعيرها يوم زفافه، شرط أنْ يحافظ عليها.
والمفارقة أن مَن كان ضعيف البنية قد ظهرت عليه البدلة فضفاضةً، واضطر أنْ يبحث عن حزامٍ جلدي ليشدّ به خَصْر البنطال، حتى لا يسقط على قدميه.
وربما تردّد المختار لأن يعيرها لمَن كان سمينًا، خوفًا من أنْ يفتقها أو يفختها أو تتمزّق بين إليتيه... ما خلق عداوات جديدة للمختار ، وجعل الاتهامات تنهال عليه، بدعوى التحيّز وعدم العدل.
بعد بضع سنوات، فَقَدت البدلة رونقها، وتفسّخت خيوطها، وكلَحَ لونها، وبدَت عليها تلك البقع الملطوخة على صدرها وفخذيها، وتهلهلت، ولم تعد تصلح للعرسان.
عقد المختار اجتماعًا لرجال القرية، وقد أحضر البدلة وعرضها عليهم، محاولًا إقناعهم بأنها أدّت واجبها وآن الأوان لأن تستريح.
أين ستذهب البدلة ؟
تعدّدت الآراء واختلف المجتمعون، وانقضى النهار دون أن يتوصّلوا إلى قرار، فأرجأوا الاجتماع لليوم الثاني، ولم يتّفقوا، فمدّدوا مؤتمرهم لليوم الثالث، فالرابع... وفي اليوم الخامس توافقوا على أنْ يحملوا البدلة إلى متحف المدينة، لعرضها هناك، مع شرحٍ مكثّف معها، باعتبار أنّها قدّمت خدمات جليلة للناس، وأنّها ما تبقّى من يافا، ومن رائحة البلاد!
ذهب المختارُ برفقة ثلاثةٍ من رجال القرية، وقد حملوا البدلة بحرص واهتمام، وقصدوا المتحف... فاستقبلهم المدير وتسلّمها!
وما كاد المختار ومَن معه يخرجون من البوابة، حتى أمر المديرُ عامل النظافة في المتحف بأن يُلقيها في سلّة المهملات.