إنَّ ظهور أية نظرية وتبلور مفاهيمها بشكل نظري وعملي في أي مجال من المجالات ، يجب أن يكون لها الأساس الفكري والجذور التاريخية التي تستند أليها ، كي تبرر وجودها بشكل فعلي ومنطقي في الميدان الذي تظهر فيه . و(نظرية التلقي الأدبية Theory of Reception ) التي بدأت بالظهور ، ولفتت أنظار الدارسين في الحقل الأدبي ، منذ ثلاثينيات القرن العشرين ، كانت بفضل الألماني (رومان أنجاردن ) الذي قدم ، في تلك المرحلة الكتابات الأولى حولها ، مستمداً أفكاره وجذوره الفلسفية من الفلسفة ( الظاهراتية ) ( الفينومينولوجيا ) ، تلك الفلسفة التي أنصب جل اهتمام مؤسسها ( هوسرل ) على ( الوعي بالأشياء ) . إذ بدأ( هوسرل ) ، كسلفه الفيلسوف ( رينه ديكارت ) ، بحثه عن الحقيقة برفضه المؤقت لما أسماه ( الاتجاه الطبيعي ) ، يقول ( هوسرل ) أنه على الرغم من عدم استطاعتنا التأكد من الوجود المستقل للأشياء ، نستطيع التأكد من هيأتها في شعورنا فوراً ، سواء أكان ما نعنيه وهماً أم لا . أن الأشياء لا تعتبر لذاتها بل أشياء مفترضة ، أو مقصودة بالوعي والإدراك ، كل وعي هو وعي بشيء ، في عملية التفكير ، أدرك أن فكري في هذه الحالة يشير إلى شيء . أن ثمة علاقة داخلية تربط عملية التفكير وموضوع التفكير ويعتمد أحدهما على الأخر . أن شعوري ليس مجرد تسجيل سلبي للعالم ولكنه تصوير له. أن اعتقاد ( هوسرل ) بأن أدراك الأشياء يأتي من خلال وقوع إدراكنا الحسي عليها ، أي عندما تصبح تلك الأشياء ظواهر تثيرنا وتجذب اهتمامنا مكونين لها معانٍ في وعينا ، أي يحدث الوعي إذا كان هناك شيء ما يقع عليه الوعي في العالم الخارجي . أن عملية تكوين المعاني في وعي المتلقي تأتي من خلال عملية تفاعلية تحدث داخل وعي المتلقي بين الذات والشيء أو العالم الخارجي ، أنه نزوح نحو الأشياء ، فالوعي لا يتضمن فقط قطب الأنا( Noese ) النازح نحو الأشياء ، ولكنه يمثل أيضاً قطب الشيء ( Noeme ) المتفاعلة مع الذات والمكونة لعملية فهم الأشياء ، بحيث تنطلق عملية معرفة الشيء من خلال حدس المتلقي المباشر الموجه إلى الشيء . والحدس هنا لا يقوم بالضرورة على العقل والتحليل المنطقي ، أنه نوع من المواجهة والمعاناة والإدراك المباشر ،فالوعي الظهوري قد يقوم على الإدراك الحسي ولكنه يتخطاه إلى أبعد من ذلك لأنه يترافق بالمعاناة والحدس ، بحيث تبرز من خلال علاقتنا بالشيء ، معانٍ جديدة ومشاعر ذاتية تبلور فهمنا لطبيعة تلك الأشياء وأدراك جوهرها الاتي عن طريق تفاعلنا معها ، وبالتالي تكتمل صور الأشياء من خلال معرفة معانيها ليتحول هذا العالم من حالة الكينونة إلى الظهورة ، أي إلى المعنى ، إلى الوجود.
ومن أكثر المفاهيم الظاهراتية تأثيراً في نظرية التلقي هما (القصدية ) و( التعالي ) . و( القصدية ) فيرى ( هوسرل ) فيها بان الوعي هو دائماً (قصدي intentional ) ولا يعني بالقصدية أنه خاضع للإرادة المتقصدة وإنما يعني بذلك أنه موجه دائماً نحو (موضوع) ( object ) . وبتفسير أخر ، أن تكون دائماً واعياً بشيء ما. أما المفهوم الثاني فهو ( التعالي ) الذي ينشأ من خلال المعنى الموضوعي بعد ان تكون الظاهرة معنى محضاً في الشعور ، أي بعد الارتداد من عالم المحسوسات الخارجية المادية إلى عالم الشعور الداخلي الخالص. وهنا تكون المسألة فردية متعلقة بتكوين المعنى ، من خلال خاصية الفهم عند الفرد ، أي ما يتعلق بشعوره الخالص المرتد في داخله معنى الأشياء . إذن فعملية التلقي عند (هوسرل ) تنبع من الوعي المقصود بالأشياء وذلك من خلال إدراكها حسياً عن طريق الحدس أو المعرفة المباشرة لها ، لترتد من العالم المادي للأشياء إلى عالم الشعور الداخلي للفرد المتقصد في تلقيه لها ، ومن خلال ارتباط عملية التفكير بموضوع التفكير تنتج عملية التفاعل التي تحدث داخل الوعي بين قطب الأنا وقطب الشيء ، ليتوصل المتلقي إلى تكوين صور الأشياء ، وهذه الصور مفترضة في داخل الوعي للأشياء وليست صور الأشياء ذاتها .
وجاء ( رومان أنجاردن ) الذي يعد من ابرز تلامذة ( هوسرل ) الذي سخَّر بعض مفاهيم أستاذه وصاغها بالشكل الذي يخدم أهدافه في خلق مفاهيم جديدة تقوم عليها نظرية التلقي لديه ، حيث قام بتحويل المنظور والأفكار (الفينومينولوجيا) إلى نظرية واضحة حول الطريقة التي نمر فيها بتجربة العمل الأدبي . وفي تحليل( أنجاردن ) ينبع العمل الأدبي إنتاجاً فينا من الأعمال المتقصدة لوعي كاتبه ـ و( المتقصدة ) هنا تأتي بمعناها ( الفينومينولوجي ) بوصفها موجهة نحو موضوع معين . أن هذه الأعمال المتقصدة مسجلة في نص مما يمكن القارئ أن يعيد المرور بتجربة العمل الأدبي في وعيه الخاص . وتجري هذه العملية من خلال معرفة المتلقي بمكونات العمل الأساسية . حيث يرى ( أنجاردن ) أن العمل الأدبي يتكون من بعدين متميزين ، الأول يتكون من أربع طبقات وهي : الطبقة الأولى تضم ( المواد الأولية ) للأدب ، حيث ( كلمات ، أصوات) والتكوينات اللفظية تنبني فيها والطبقة الثانية تضم جميع وحدات المعنى، سواء كانت كلمات، جملاً أو وحدات مكونة من جمل متعددة ، والطبقتان الثالثة والرابعة تتكونان من أهداف مشكلة وأوجه مخططة تظهر من خلال تلك الأهداف .أما البعد الثاني، والذي يطلق عليه بالبعد المؤقت فيضم سياق الجمل والفقرات والفصول التي يتضمنها العمل الأدبي. وبعد ذلك يتم أدراك ماهية العمل الأدبي من قبل المتلقي من خلال تركيب وتشكيل تلك المكونات الأساسية التي يقوم عليها العمل الأدبي ، أي عن طريق فكرة تشكيل تلك الطبقات والأبعاد ، الهيكل التكويني ، فيها أو هي ( البنية المخططة ) والتي يجب استكمالها من قبل المتلقي ، وصولاً إلى المعنى الكامن في العمل الأدبي الذي هو حصيلة التفاعل بين بنية العمل الأدبي وفعل الفهم لدى المتلقي .إذن فعملية التلقي عند ( أنجاردن ) هي عملية صياغة تجربة العمل الأدبي مرة أخرى في وعي المتلقي الخاص ، وهذه العملية تعتمد على العمل الأدبي باعتباره عملاً متقصداً لوعي كاتبه من جهة وعلى مكونات العمل من جهة أخرى ، ومن خلال عملية التفاعل التي تتم بين بنية العمل وفعل الفهم لدى المتلقي ينتج معنى العمل الأدبي في ذهن المتلقي .
أما ( هانز جورج غادامير ) فقد أسهم إسهاماً مهماً في تدعيم المفاهيم الأساسية للتلقي الأدبي وذلك عن طريق نظرته إلى التأويل وعمل الفهم وإعادة الاعتبار إلى التاريخ في إعادة إنتاج المعنى وبنائه. فقد طرح ( غادامير ) مفهوم ( الأفق التاريخي) كأساس لنظريته التأويلية حيث رأى أن ( الأفق التاريخي) لا يكتمل خارج زمانية الكائن التي تسمح باندماج الأفق الحاضر بالأفق الماضي فتعطي للحاضر بعداً يتجاوز المباشرة الآنية ويصلها بالماضي . وتمنح الماضي قيمة حضورية راهنة تجعلها قابلة للفهم ، ذلك الفهم الذي تكون لدى المتلقي من خلال اندماج أفقي الماضي والحاضر بحيث أصبحا أفقاً متصلاً ينقل كل ما للماضي من تصورات وأفكار وتقاليد متداولة آنذاك إلى الحاضر ، ويجعل من الحاضر يتعدى حاضريته إلى أبعد من ذلك ، فالفهم يعني تطبيق الحاضر : الحقيقة متضمنة دائماً في الفهم التاريخي وهي الفكرة حيث التقاليد التي تصل إلينا تتحدث عن الحاضر ويجب أن تفهم ضمن هذا الوسيط . لقد رأى ( غادامير ) أن المعنى يتكون عند المتلقي عن طريق سلسلة من الترسبات المتعاقبة من حقبة زمنية إلى أخرى ، بحيث يستوعب الفهم الأخير الإفهام السابقة ويزيد عليها في الحاضر ، أي أن الطاقة الاستيعابية المتكونة لدى المتلقي للإفهام المتراكمة والمندمجة مع الفهم الأخير هي التي تنتج المعنى . وعملية إنتاج المعنى لا تعتمد على المتلقي ( القارئ ) فقط ولا على العمل الأدبي ( النص ) ، بل هي عملية مشتركة تأتي عن طريق إنتاج ( دمج للأفاق ) يجلبه القارئ للنص والنص للقارئ للوصول إلى معنى العمل الأدبي من قبل المتلقي .إنَّ عملية التلقي عند ( غادامير )، ضمن مفهوم ( الأفق التاريخي ) هي عملية اندماجية تفاعلية للأفاق (الماضي ، الحاضر ) في محيط زمانية المتلقي جاعلة كل أفق امتداد للأخر . مكونة في داخل ذهنية المتلقي فهماً أخيراً مستوعباً لعملية التواصل بين الأفاق المندمجة المكونة لمعنى العمل الأدبي عند المتلقي.
ومن أكثر المفاهيم الظاهراتية تأثيراً في نظرية التلقي هما (القصدية ) و( التعالي ) . و( القصدية ) فيرى ( هوسرل ) فيها بان الوعي هو دائماً (قصدي intentional ) ولا يعني بالقصدية أنه خاضع للإرادة المتقصدة وإنما يعني بذلك أنه موجه دائماً نحو (موضوع) ( object ) . وبتفسير أخر ، أن تكون دائماً واعياً بشيء ما. أما المفهوم الثاني فهو ( التعالي ) الذي ينشأ من خلال المعنى الموضوعي بعد ان تكون الظاهرة معنى محضاً في الشعور ، أي بعد الارتداد من عالم المحسوسات الخارجية المادية إلى عالم الشعور الداخلي الخالص. وهنا تكون المسألة فردية متعلقة بتكوين المعنى ، من خلال خاصية الفهم عند الفرد ، أي ما يتعلق بشعوره الخالص المرتد في داخله معنى الأشياء . إذن فعملية التلقي عند (هوسرل ) تنبع من الوعي المقصود بالأشياء وذلك من خلال إدراكها حسياً عن طريق الحدس أو المعرفة المباشرة لها ، لترتد من العالم المادي للأشياء إلى عالم الشعور الداخلي للفرد المتقصد في تلقيه لها ، ومن خلال ارتباط عملية التفكير بموضوع التفكير تنتج عملية التفاعل التي تحدث داخل الوعي بين قطب الأنا وقطب الشيء ، ليتوصل المتلقي إلى تكوين صور الأشياء ، وهذه الصور مفترضة في داخل الوعي للأشياء وليست صور الأشياء ذاتها .
وجاء ( رومان أنجاردن ) الذي يعد من ابرز تلامذة ( هوسرل ) الذي سخَّر بعض مفاهيم أستاذه وصاغها بالشكل الذي يخدم أهدافه في خلق مفاهيم جديدة تقوم عليها نظرية التلقي لديه ، حيث قام بتحويل المنظور والأفكار (الفينومينولوجيا) إلى نظرية واضحة حول الطريقة التي نمر فيها بتجربة العمل الأدبي . وفي تحليل( أنجاردن ) ينبع العمل الأدبي إنتاجاً فينا من الأعمال المتقصدة لوعي كاتبه ـ و( المتقصدة ) هنا تأتي بمعناها ( الفينومينولوجي ) بوصفها موجهة نحو موضوع معين . أن هذه الأعمال المتقصدة مسجلة في نص مما يمكن القارئ أن يعيد المرور بتجربة العمل الأدبي في وعيه الخاص . وتجري هذه العملية من خلال معرفة المتلقي بمكونات العمل الأساسية . حيث يرى ( أنجاردن ) أن العمل الأدبي يتكون من بعدين متميزين ، الأول يتكون من أربع طبقات وهي : الطبقة الأولى تضم ( المواد الأولية ) للأدب ، حيث ( كلمات ، أصوات) والتكوينات اللفظية تنبني فيها والطبقة الثانية تضم جميع وحدات المعنى، سواء كانت كلمات، جملاً أو وحدات مكونة من جمل متعددة ، والطبقتان الثالثة والرابعة تتكونان من أهداف مشكلة وأوجه مخططة تظهر من خلال تلك الأهداف .أما البعد الثاني، والذي يطلق عليه بالبعد المؤقت فيضم سياق الجمل والفقرات والفصول التي يتضمنها العمل الأدبي. وبعد ذلك يتم أدراك ماهية العمل الأدبي من قبل المتلقي من خلال تركيب وتشكيل تلك المكونات الأساسية التي يقوم عليها العمل الأدبي ، أي عن طريق فكرة تشكيل تلك الطبقات والأبعاد ، الهيكل التكويني ، فيها أو هي ( البنية المخططة ) والتي يجب استكمالها من قبل المتلقي ، وصولاً إلى المعنى الكامن في العمل الأدبي الذي هو حصيلة التفاعل بين بنية العمل الأدبي وفعل الفهم لدى المتلقي .إذن فعملية التلقي عند ( أنجاردن ) هي عملية صياغة تجربة العمل الأدبي مرة أخرى في وعي المتلقي الخاص ، وهذه العملية تعتمد على العمل الأدبي باعتباره عملاً متقصداً لوعي كاتبه من جهة وعلى مكونات العمل من جهة أخرى ، ومن خلال عملية التفاعل التي تتم بين بنية العمل وفعل الفهم لدى المتلقي ينتج معنى العمل الأدبي في ذهن المتلقي .
أما ( هانز جورج غادامير ) فقد أسهم إسهاماً مهماً في تدعيم المفاهيم الأساسية للتلقي الأدبي وذلك عن طريق نظرته إلى التأويل وعمل الفهم وإعادة الاعتبار إلى التاريخ في إعادة إنتاج المعنى وبنائه. فقد طرح ( غادامير ) مفهوم ( الأفق التاريخي) كأساس لنظريته التأويلية حيث رأى أن ( الأفق التاريخي) لا يكتمل خارج زمانية الكائن التي تسمح باندماج الأفق الحاضر بالأفق الماضي فتعطي للحاضر بعداً يتجاوز المباشرة الآنية ويصلها بالماضي . وتمنح الماضي قيمة حضورية راهنة تجعلها قابلة للفهم ، ذلك الفهم الذي تكون لدى المتلقي من خلال اندماج أفقي الماضي والحاضر بحيث أصبحا أفقاً متصلاً ينقل كل ما للماضي من تصورات وأفكار وتقاليد متداولة آنذاك إلى الحاضر ، ويجعل من الحاضر يتعدى حاضريته إلى أبعد من ذلك ، فالفهم يعني تطبيق الحاضر : الحقيقة متضمنة دائماً في الفهم التاريخي وهي الفكرة حيث التقاليد التي تصل إلينا تتحدث عن الحاضر ويجب أن تفهم ضمن هذا الوسيط . لقد رأى ( غادامير ) أن المعنى يتكون عند المتلقي عن طريق سلسلة من الترسبات المتعاقبة من حقبة زمنية إلى أخرى ، بحيث يستوعب الفهم الأخير الإفهام السابقة ويزيد عليها في الحاضر ، أي أن الطاقة الاستيعابية المتكونة لدى المتلقي للإفهام المتراكمة والمندمجة مع الفهم الأخير هي التي تنتج المعنى . وعملية إنتاج المعنى لا تعتمد على المتلقي ( القارئ ) فقط ولا على العمل الأدبي ( النص ) ، بل هي عملية مشتركة تأتي عن طريق إنتاج ( دمج للأفاق ) يجلبه القارئ للنص والنص للقارئ للوصول إلى معنى العمل الأدبي من قبل المتلقي .إنَّ عملية التلقي عند ( غادامير )، ضمن مفهوم ( الأفق التاريخي ) هي عملية اندماجية تفاعلية للأفاق (الماضي ، الحاضر ) في محيط زمانية المتلقي جاعلة كل أفق امتداد للأخر . مكونة في داخل ذهنية المتلقي فهماً أخيراً مستوعباً لعملية التواصل بين الأفاق المندمجة المكونة لمعنى العمل الأدبي عند المتلقي.